جيوبولوتيكال فيوتشرز: مشروع أسطول البحر الأسود الروسي في البحر المتوسط

الخميس 23 يناير 2020 02:32 م

في عام 2008، غزت روسيا جورجيا، ما أجبر القوات البحرية الأمريكية ودول "الناتو" الأخرى على إظهار قدراتها الهجومية في البحر الأسود.

أثارت مواردهم وقدراتهم مجتمعة مخاوف لدى صانعي القرار الروس لدرجة أن المسؤولين العسكريين أبلغوا الرئيس "فلاديمير بوتين" بأن أسطول البحر الأسود لن يكون قادرًا على منع القوات الغربية من تدمير سوتشي - عاصمة جنوب روسيا غير الرسمية، حيث يبقى "بوتين" (مثل "ستالين" قبله) لمدة تصل إلى 6 أشهر كل عام – وكذلك من ضرب أي أهداف روسية في جميع أنحاء حوض البحر الأسود.

شرعت القيادة الروسية بعدها في تعزيز أسطول البحر الأسود، عن طريق صواريخ كروز التي تنشرها الغواصات، كما أدخلت نظام صواريخ الدفاع الساحلي "باستيون".

لكن جهود التحديث فشلت في تغيير ميزان القوى الذي كان قائما بالبحر الأسود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن روسيا لم يكن لديها سيطرة كاملة على شبه جزيرة القرم.

فكر السوفييت في غزو البحر الأبيض المتوسط لتغيير ميزان القوى في منطقة البحر الأسود، ويحتاج الروس إلى أن يكونوا قادرين على منع مرور سفن الناتو عبر مضيق البوسفور، ولتحقيق هذا الهدف، يحتاجون إلى وجود بحري إلى الأمام في محيط جنوب أوروبا خارج مضيق البوسفور في البحر الأبيض المتوسط.

ويعتبر البوسفور أول موقع على مشارف البحر الأبيض المتوسط، حيث يحول حوض البحر الأسود أساسًا إلى حاجز إضافي ضد الغرب ويحمي شبه جزيرة القرم ومناطق الدون وفولغا - الطبقة السفلية الناعمة لروسيا - وبالطبع سوتشي وقد حاول الاتحاد السوفييتي تعزيز هذا العازل من خلال إنشاء سرب البحر الأبيض المتوسط الذي يعمل بشكل منفصل عن أسطول البحر الأسود.

في ذروته، بلغ عدد سفن السرب 30-50 سفينة، كانت مهمتها الأساسية هي عرقلة حرية حركة الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط ودعم الدول العربية الموالية لروسيا، في الأساس، كان هدفها الحفاظ على الأتراك دون خط الطول 43 (في جنوب البحر الأسود) والأمريكيين وراء خط الطول 23 (غرب بريطانيا).

عندما انهار الاتحاد السوفييتي، الذي لم يكن قوة بحرية حقيقية على الإطلاق، انتهى سرب البحر المتوسط، ولم يعد البحر الأسود، مثل بحر البلطيق، تحت سيطرة الإمبراطورية القارية، وقد فتح ذلك المياه لنفوذ الولايات المتحدة، وبدأت عملية التوسع الغربي في أوروبا الشرقية والتي جلبت معها إقامة أنظمة ديمقراطية.

عودة كبرى

استخدم الروس الحرب الأهلية في سوريا كذريعة ملائمة لعودة كبيرة إلى بلاد الشام وشرق البحر المتوسط، كان التركيز على تأمين ميناء طرطوس وتوفير الغطاء الجوي للعمليات البرية والاتصالات البحرية للقاعدة الجوية في حميميم، غربي سوريا.

بشكل عام، تعامل الأسطول الروسي بشكل سيئ مع المهمة المحددة له من موسكو، يتضح هذا من خلال حقيقة أن  قادة البحرية لا يتمتعون بنفوذ كافٍ بين كبار القادة داخل القوات المسلحة الروسية، والتي تشهد تحولات تنظيمية كبيرة.

حققت البحرية الروسية نتائج مختلطة في سوريا، ونشرت فرقاطات وطرادات وغواصات وأطلقت صواريخ "كاليبر" على عدد من أهداف العدو.

جاءت أكثر الضربات إثارة للإعجاب في وقت مبكر من الحملة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (عيد ميلاد "بوتين")، عندما أطلقت 4 طوافات في بحر قزوين 26 صاروخًا من نوع " كاليبر" NK 3M14 ويبلغ مداها 1500 كيلومتر.

كما أطلقت الغواصات من طراز "كيلو" صواريخ "كروز" ما مجموعه حوالي 40 قذيفة على مسافة تتراوح بين 400 و 900 كيلومتر في عمق سوريا، وبالرغم من أن صواريخ "كاليبر" أثبتت أنها جيدة، لكن الروس ليس لديهم ما يكفي منها، وهي مشكلة كان على الفرنسيين معالجتها أيضًا في عملياتهم في ليبيا وسوريا.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الفصائل السورية التي جرى اختبار صواريخ "كاليبر" ضدها ليس لديها دفاع مضاد للطائرات أو رادارات حديثة، لذلك لم يتم اختبار السلاح بشكل كاف ضد خصم محترف ومتطور، كما أنها باهظة الثمن إلى حد ما، حيث تصل تكلفتها إلى 6.5 مليون دولار لكل قطعة، وعلى الرغم من صعوبة اكتشافها نظريًا، لكنه من الصعب قياس فعاليتها الإجمالية.

عيوب الأسطول

كانت القدرات التقليدية الأخرى للأسطول الروسي أسوأ بكثير، في عام 2016، تم إرسال حاملة الطائرات "كوزنيتسوف"، برفقة الطراد النووي "بايتور فيليكي"، واثنين من فرقاطات الصواريخ وسفن الخدمات اللوجستية، إلى البحر الأبيض المتوسط.

غادر السرب من "سفيرومورسك" وأبحر على طول الحافة الشمالية لأوروبا وبعد أن أبحرت "كوزنتسوف" بسرعة أقل من 10 أميال بحرية في الساعة أصدرت أعمدة دخان تشير إلى عطل خطير في المحرك وضعف الدفع. تنتظر السفينة عمليات الإصلاح منذ عودتها إلى مينائها الرئيسي في فبراير/شباط 2017.

تستطيع "كوزنيتسوف" حمل ما يصل إلى 50 طائرة ومروحية، لكن عندما مرت بجبل طارق، كان لديها فقط 10 طائرات من طراز "سو 33" و 4 طائرات من طراز "ميج 29" جديدة وعدد قليل من المروحيات، كان السبب هو عدم وجود طيارين مدربين على الطيران على متن الناقلة وعدم وجود معدات تشغيلية.

وقامت الطائرات التي كانت على متن "كوزنيتسوف" بـ 420 رحلة جوية فقط فوق سوريا، كان ثلثاها من القواعد البرية في سوريا، بالإضافة إلى ذلك، تحطمت طائرتان في البحر بسبب عطل في الهيكل وضعف تدريب الطيارين.

في هذه الأثناء، شارك الطراد "بايتور فيليكي" في عدد قليل جدًا من العمليات لأنه لم يكن لديه القدرة على استهداف الأرض من البحر؛ مع التجديدات الجارية، وهذا من المتوقع أن يتغير.

ويعتبر أداء الخدمات اللوجستية بالبحرية الروسية أفضل من أسطول القتال ذاته، أبحرت السفن الروسية باستمرار من الموانئ الروسية عبر مضيق "البوسفور" إلى سوريا، خاصة على طول طريق (نوفوروسيسك - البوسفور- طرطوس)، حيث تنقل ما يصل إلى 100 ألف طن من الشحن شهريًا، وقد تم ذلك بفضل تعبئة أسطول الهبوط والذي يمكن أن تحمل سفنه في مشروع "Toad 775" كتيبة بحرية روسية و 12 دبابة مزودة بالإمدادات.

بالإضافة إلى ذلك، تم شراء سفن مدنية تحمل أطقمًا مدنية في تركيا واليونان وحتى أوكرانيا، واستخدمت أعلام أسطول البحر الأسود حتى لا يتم إيقافها من قبل الأتراك على مضيق البوسفور.

ويمكن أن يكون وجود روسيا في شرق البحر المتوسط وسوريا وليبيا خطوة نحو تحقيق هدف موسكو المتمثل في حماية البحر الأسود من النفوذ الغربي.

ولكن يجب إجراء عدد من التغييرات المحورية الأخرى قبل أن تتمكن بالفعل من تغيير ميزان القوى لصالحها، خاصةً مع تزايد اهتمام القوى الأخرى بإنشاء موطئ قدم في المنطقة.

المصدر | جاسيك بارتوسياك | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأسطول الروسي البحر الأسود البحر المتوسط

مناورات ضخمة للأسطول الروسي أمام سواحل سوريا

هل يحول بوتين البحر المتوسط إلى بحيرة روسية؟