ستراتفور: كيف يستغل حفتر ورقة النفط في المفاوضات؟

الخميس 23 يناير 2020 03:33 م

قبل ساعات قليلة من بدء القوى العالمية مؤتمرا في 19 يناير/كانون الثاني في برلين لمناقشة سبل إنهاء الصراع في ليبيا، أصدر أحد أهم الأطراف في الحرب، "الجيش الوطني الليبي"، إعلانًا بغلق محطات تصدير النفط الخمسة شرقي ليبيا.

بعد فترة ليست طويلة، أغلق "الجيش الوطني الليبي" خط أنابيب رئيسي يربط بين حقلي النفط الرئيسيين في ليبيا بالموانئ غربي البلاد.

إذا استمرت عمليات الإغلاق، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار إنتاج ليبيا من النفط من حوالي 1.15 مليون برميل يوميًا إلى أقل من 75000 برميل يوميًا.

في النهاية، من المحتمل أن يتعرض "الجيش الوطني الليبي وقائده"، "خليفة حفتر"، لضغوط كافية حتى يعيدوا إنتاج البلاد لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لليبيا هو أن التقدم المتواضع في مؤتمر برلين يظهر أن البلاد لا تزال بعيدة عن أي حل سياسي.

ومن المفارقات، أنه إذا اقتربت البلاد من التوصل إلى تسوية سلمية، فمن المرجح أن تصبح صادراتها من الطاقة أكثر تقلبًا حيث سيحاول "الجيش الوطني الليبي" اللعب بأقوى أوراقه - السيطرة على تدفق النفط في البلاد - في أي محادثات مع حكومة الوفاق الوطني.

  • طريق وعرة للسلام

على السطح، بدا مؤتمر برلين ناجحا. وقع الحاضرون، بمن فيهم ممثلون من الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا والكونغو والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، على وثيقة من 55 بندا للحد من التأثير الخارجي في الصراع وتسهيل عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

تتضمن الوثيقة وعودًا من كل دولة باحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وتدعو الوثيقة مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار وحظر الأسلحة. كما وافق المشاركون على احترام شركة "النفط الوطنية" باعتبارها الوحيدة في البلاد.

لكن كل هذه القضايا ناقشها خصوم ليبيا والقوى الخارجية واقترحت ووافقوا عليها من قبل. فيما يتواصل الدعم الأجنبي للفصائل المتناحرة في ليبيا، كما يتضح من تركيا في الآونة الأخيرة، التي أرسلت المزيد من المعدات إلى ليبيا في وقت سابق من هذا الشهر لدعم حكومة الوفاق الوطني.

لا توجد أيضًا طريقة حقيقية لفرض حظر الأسلحة، حيث يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد أي عقوبات ضدها، في حين أن العلاقات العسكرية الوثيقة التي تتمتع بها الإمارات (أحد كبار الداعمين لـ"حفتر") مع الولايات المتحدة من المحتمل أن تحميها من تأثير أي عقوبات.

علاوة على ذلك، لم يوقع "حفتر" و"فايز السراج" على الاتفاق؛ في الواقع، لم يجتمعوا حتى في برلين. وأعربت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" عن أسفها لأن "حفتر" و"السراج" لا يتحدثان مع بعضهما البعض بسبب حجم الخلافات بينهما. وفي الأسبوع الماضي، رفض "حفتر" التوقيع على اتفاقية لوقف إطلاق النار في موسكو وغادر بعد أن وقعها "السراج".

كما هو الحال، ليس لدى الطرفين الليبيين حافز لتوقيع اتفاقية سلام في الوقت الحالي. إذا كان "حفتر" ومؤيدوه الأجانب يقبلون أي نوع من وقف إطلاق النار أو عملية سلام قبل السيطرةعلى أجزاء رئيسية من وسط طرابلس، فسيكون ذلك بمثابة اعتراف بأن هجومه الذي استمر 9 أشهر للاستيلاء على المدينة لم ينجح.علاوة على ذلك، سوف يضفي الشرعية على حكومة الوفاق الوطني وأولئك الذين صورهم على أنهم إرهابيون.

ومع حرص "حفتر" ومؤيديه، مثل أبوظبي، على تجنب مثل هذه النتائج، فإنهم سيوافقون "بشكل سلبي" على محادثات السلام، رغم أنهم لا يريدون للمفاوضات أن تربط أيديهم ما لم توافق حكومة الوفاق على مطالب متطرفة، والتي تشمل تعيين "حفتر" كقائد عسكري وإضفاء الطابع المؤسسي على "الجيش الوطني الليبي".

أما بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني، فهي في وضع أقوى بكثير مما كانت عليه قبل شهرين. منحت الاتفاقية العسكرية مع تركيا دعماً متزايداً، بما في ذلك تقارير عن صواريخ أرض - جو أكثر تطوراً، والتي ستحسن قدرتها على الدفاع عن المجال الجوي لطرابلس ضد الطائرات بدون طيار المقدمة من الإمارات.

وشمل الدعم التركي نشر ما يصل إلى 2000 مقاتل سوري. كل هذا سيسمح لحكومة الوفاق بالتمسك بخط الدفاع في طرابلس ومصراتة ضد "الجيش الوطني الليبي" في الوقت الحالي، ولكن على المدى الطويل، قد تحتاج أنقرة إلى توفير درجة أكبر من الدعم لأن القاهرة وأبوظبي من غير المرجح أن يخفضا دعم "حفتر".

وبالرغم أن مؤتمر برلين أوصى بإنشاء لجان متابعة، بما في ذلك لجنة عسكرية مؤلفة من 10 أشخاص يمثلون الطرفين لصياغة وقف دائم لإطلاق النار، فمن غير المرجح حدوث هدنة دائمة. على الأرجح قد يؤدي ذلك إلى إبقاء النزاع قيد النظر، ما يعني أن أي وقف للأعمال العدائية سيكون هشًا للغاية.

  • تقلب النفط

بالنظر إلى الأزمة السياسية والعسكرية الحالية في ليبيا، فقد تصبح صادراتها من النفط أكثر تقلبًا على مدار عام 2020. يتحكم "حفتر" في جميع إنتاج البلاد من النفط، بالإضافة إلى 5 من أهم محطات التصدير في البلاد، ومع ذلك لديه سيطرة ضئيلة على تدفق عائدات النفط عبر البنك المركزي الليبي.

وبالرغم من سيطرته الكبيرة على قطاع النفط الليبي منذ سبتمبر/أيلول 2016، إلا أن "حفتر" استخدم ورقة النفط في المفاوضات بشكل محدود. ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب.

أولا، يعتمد اقتصاد شرق ليبيا بشدة على الرواتب العامة التي تمولها عائدات النفط. ثانيا، تزود المؤسسة الوطنية للنفط شرق ليبيا بالوقود المكرر، والذي يجب على المدن الصناعية مثل بنغازي أن تصدره من أماكن أخرى في غياب المصافي العاملة القريبة. وثالثا، هناك مخاوف من أن البنك المركزي قد يسحب الائتمان والنقد من شرق ليبيا إذا أغلق "الجيش الوطني الليبي" منشآت النفط لفترة طويلة من الزمن.

ومع ذلك، يمكن أن يستخدم "حفتر" وحلفاؤه سيطرتهم على إنتاج النفط في البلاد كوسيلة ضغط على البنك المركزي لزيادة الشفافية وتحديد أين تنفق إيرادات النفط الليبية.

أوقف "حفتر" إنتاج النفط في يونيو/حزيران الماضي لمدة شهر تقريبًا، مطالبا بتدقيق دولي للبنك المركزي مقابل السماح بإعادة تشغيل صادرات النفط. في ذلك الوقت، أجبرت الولايات المتحدة وغيرها من الضغوط الدولية "الجيش الوطني الليبي" على التخلي عن نشاطه، لكن التدخل لم يحل بالتأكيد المخاوف الكامنة لدى بعض الليبيين حول أين تذهب عائدات النفط في البلاد.

في الوقت الحاضر، لدى "حفتر" غطاء سياسي أكبر بكثير في شرق ليبيا لمواصلة خفض صادرات النفط على الرغم من العواقب الاقتصادية - خاصة بسبب قرار طرابلس استقدام المرتزقة السوريين لمحاربة حفتر (كجزء من الاتفاقية، يُقال إن حكومة الوفاق تدفع راتبًا شهريًا قدره 2000 دولار، على الرغم من أنها ستقدم تعويضًا إضافيًا في حالة الوفاة أو الإصابة الدائمة.) وفيما يتعلق بالكثير من مؤيدي "حفتر" تثبت هذه المدفوعات أن صادرات النفط الآن تمول مباشرة المرتزقة الأجانب.

وقد يؤدي الدعم السياسي إلى وقف "الجيش الوطني الليبي" صادرات النفط هذه المرة لعدة أسابيع، بدلاً من بضعة أيام فقط، حتى لو كانت النتيجة تعميق الأزمة الاقتصادية في شرق ليبيا.

وقد يكون لدى "حفتر" أسباب لتجنب الإغلاق طويل الأمد لصادرات النفط، فإذا هددت واشنطن بفرض عقوبات عليه بسبب أفعاله، قد يؤدي ذلك إلى إضعاف مستقبله السياسي في ليبيا.

في النهاية، يكمن لغز كبير في العلاقة بين الأزمة السياسية والنفط في ليبيا. كلما تم الاقتراب من وقف لإطلاق النار وحل سياسي دائم، كلما زاد احتمال استغلال "حفتر" سيطرته على إنتاج النفط في المفاوضات.

ويشير اتخاذ "الجيش الوطني الليبي" مثل هذه الخطوة المتشددة بشأن النفط عشية انعقاد مؤتمر كبير حول ليبيا، إلى أنه يعتزم اللعب بورقة الطاقة بكل قيمتها.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نفط ليبيا قوات حفتر حكومة الوفاق الليبية مؤتمر برلين

حفتر يستولي على نفط ليبيا ويزيد من مخاطر الصراع المسلح

حصار نفط ليبيا.. هل تنجح خطة حفتر البديلة في إسقاط السراج؟