لم يكد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ينتهي من إعلان خطته المزعومة للتسوية السياسية بالشرق الأوسط، المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، حتى سارع العديد من الأنظمة العربية بالتعبير عن تقديرها لجهود الإدارة الأمريكية، داعية في الوقت ذاته الفلسطينيين لمناقشتها.
لكن في المقابل، وباستثناء أقلية موالية للأنظمة تعتبر الصفقة آخر فرصة لإقامة دولة فلسطينية، فشل الإعلان في إثارة حماس الرأي العام العربي وإغرائهم بقبولها، بل على العكس اجتاحت موجة غضب الرأي العام العربي، إزاء تلك الصفقة المشبوه، التي تهدر حقوق الفلسطينيين بشكل مجحف، وتصفي قضيتهم للأبد.
ويعكس الاختلاف الجذري في ردود الفعل استمرار الفجوة بين الموقف العربي الرسمي والموقف العربي الشعبي الآخذ في الاتساع منذ كشف الإدارة الأمريكية عن الشق الاقتصادي من صفقة القرن في يونيو/حزيران الماضي، وما سبقها من توقيع اتفاقيتي السلام مع السلام من قبل الأردن ومصر قبل عقود.
وشمل الشق الاقتصادي للصفقة القرن إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، فيما تضمن الشق السياسي، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق بلا مطار ولا ميناء بحري، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة مزعومة لـ(إسرائيل).
رفض شعبي
في مصر، أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي، والتي يرتبط رئيسها "عبدالفتاح السيسي" بعلاقات وثيقة مع نظيره الأمريكي "دونالد ترامب"، فشل الإعلان في إثارة أي حماس شعبي يذكر.
وباستثناء موالين لنظام "السيسي" وبعض المذكرين بدعوة الرئيس المصري الأسبق "أنور السادات" للفلسطينيين بعقد سلام في كامب ديفيد 1978، وتلميحيهم بالفرص الضائعة للفلسطينيين، جاء الإعلان بنتائج عكسية وأثار غضبا عارما، واتضح ذلك في تعليقات النخبة السياسية المحسوبة على المعارضة المصرية.
وفي تعليقه، الذي جاء في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، على الإعلان، أعرب "محمد البرادعي" نائب الرئيس المصري الأسبق، عن شعوره بالخزي والمهانة من خطوة الإدارة الأمريكية، داعيا في الوقت ذاته الرجوع إلى فكرة الدولة الواحدة.
منذ ذكرياتي في مجلس الأمن أيام هزيمة ٦٧ التى قصمت ظهرنا لم اشعر بمثل الخزى والمهانة التي شعرت بها اليوم وأنا اتابع ترامب ونتنياهو في استعراض سافر للقوة وهمًا يتباهيان بتصفية القضية الفلسطينية بالمخالفة لكل مبدأ وقانون. كيف سنبرر هذا الوضع البائس للأجيال القادمة #صفقة_القرن
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) January 28, 2020
في ضوء الوضع الحالي فى فلسطين والمنطقة والعالم والذى لايصب بأي حال في صالح القضية الفلسطينية، قد يكون من الأفضل الرجوع إلى فكرة الدولة الواحدة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين فيها كقضية مواطنة وتفرقة عنصرية بدلا من الموافقة على إنشاء دولة "مسخ "على ١٣٪ من أرض فلسطين #صفقه_القرن
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) January 29, 2020
كشخص عاصر التدهور المستمر للقضية الفلسطينية على مدى ٥ عقود :هل ممكن كدول عربية أن ننسى خلافاتنا التى أدت الى مانحن فيه ولو مرة واحدة ونتفق جميعا وبدون استثناء على استراتيچية عقلانية لإنقاذ القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى من التصفية والضياع. إذا لم يكن الآن فمتى؟ #صفقه_القرن
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) January 29, 2020
أقترح قيام دولة عربية ولتكن إحدى دول المغرب العربي بتبنى مجموعة عمل رفيعة المستوى من الشخصيات العربية المستقلة ذات الخبرة في العلاقات الدولية والقانون والتاريخ الخ.. لوضع استراتيچية طويلة المدى للتعامل مع القضية الفلسطينية وتقديم توصياتها للحكومة والشعب الفلسطينى #صفقة_القرن
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) January 29, 2020
بدوره، اعتبر المحلل السياسي المصري والناشر "هشام قاسم"، إعلان "ترامب" بأنه خطة ضم وليس اتفاق سلام، لافتا إلى أن كلا من (إسرائيل) والولايات المتحدة تعلمان جيدا أن هذا المقترح سيتم رفضه.
وذكر أن خطة السلام الأمريكية المزعومة مجرد وسيلة لإضفاء الشرعية على ضم (إسرائيل) لمزيد من أراضي الضفة الغربية ووادي الأردن، وفقا لموقع المونيتور الأمريكي.
عبر وزير الخارجية السابق، عميد الجامعة الأمريكية بالقاهرة "نبيل فهمي"، في تصريحات للموقع السابق، عن صدمته وقلقه من إعلان "ترامب"، معتبرا أنه سيكون له عواقب طويلة المدى تعمل على تدمير مبادئ حل الدولتين في المفاوضات المستقبلية.
وفي السياق ذاته عبر الكثير من المواطنين من الكويت وقطر وبقية الدول العربية الأخرى عن رفضهم للصفقة، ووثق ذلك تعليقاتهم على العديد من الوسوم التي تم تدشينها في هذا الصدد مثل: "تسقط صفقة القرن"، و"بيان الخارجية لا يمثلني"، و"القدس عاصمة فلسطين للأبد".. وغيرها.
قضية #فلسطين لا تحتمل أن تقف الشعوب موقف المؤيدين لمواقف حكوماتهم التي تؤيد #صفقه_القرن فهذا موقف إنسان مسلم قبل أن يكون موقف مواطن عربي أو خليجي سيكون مسؤولا عنه أمام الله حتى وإن كان التهاون بهذه القضية قد قارب قرن من الزمان لكن لن يكون #ترمب صاحب القرار هنا !
— ﮼ابتسام ﮼آل ﮼سعد🇶🇦 (@Ebtesam777) January 29, 2020
#تسقط_صفقه_القرن
قضية #فلسطين لا تحتمل أن تقف الشعوب موقف المؤيدين لمواقف حكوماتهم التي تؤيد #صفقه_القرن فهذا موقف إنسان مسلم قبل أن يكون موقف مواطن عربي أو خليجي سيكون مسؤولا عنه أمام الله حتى وإن كان التهاون بهذه القضية قد قارب قرن من الزمان لكن لن يكون #ترمب صاحب القرار هنا !
— ﮼ابتسام ﮼آل ﮼سعد🇶🇦 (@Ebtesam777) January 29, 2020
#تسقط_صفقه_القرن
خطة ترامب التي شرحها للعالم سألنا أين دولة #فلسطين وكيف تكون #القدس_الشرقية التي رضى بها الفلسطينيون والعرب-ضمن خطة #ترامب التي تعترف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية-ليشرح نتن ياهو أن #أبوديس التي تبعد عن القدس 2 كلم عن القدس خلف جدار العزل!عاصمة #فلسطين!#القدس_عاصمة_فلسطين_الابدية
— عبدالله الشايجي (@docshayji) January 28, 2020
صهاينة الجزائر يعلنون القدس الغربية عاصمة لكيانهم الغاصب#بيان_الخارجية_لا_يمثلنا pic.twitter.com/eNNjZnc2qp
— Saad Aoun - سعد عون (@SaadAoun95) January 30, 2020
من جانبه استشهد المحلل الفلسطيني "صالح النعامي" على تخلي الأنظمة عن قضية فلسطين وحتى عن رئيسها "محمود عباس" بتعليق أورده لمحلل إسرائيلي، قائلا:
المعلق الصهيوني عوديد غرانوت: لقد اكتشف محمود عباس في النهاية أن العالم والنظم العربية قد تخلوا عنه ولم يبقى إلى جانبه في مواجهة صفقة القرن إلا حركة حماس
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) January 30, 2020
طبعا يقصد أن الفلسطينيين لا يمكنهم إلا أن يعتمدوا إلا على أنفسهم في مواجهة مخاطر الصفقةhttps://t.co/VhJPZGLbzU
وعلى الرغم من الغضب الشعبي الواضح لدى الشعوب العربية، لكن ذلك لم يتبلور إلى تحرك قوي على الأرض، ولو حتى في إطار مظاهرات كبيرة تندد بالصفقة الأمريكية المقترحة، كما كان يحدث في الماضي.
ويعزو البعض ذلك إلى القبضة الحديدة التي تفرضها الأنظمة العربية على شعوبها، بعد تراجع اهتمام الثانية بالقضية الفلسطينية لصالح ملفات أخرى كالصراع مع إيران والحرب في ليبيا، فضلا عن مصالحها الشخصية؟
ترحيب رسمي.. والجامعة العربية استثناء
رسميا، وبالرغم من إعلان الرئيس الفلسطيني رفضه للخطة الأمريكية المقترحة، أعربت مصر والسعودية في بيانين منفصلين، عن تقديرهما للجهود الأمريكية ودعتا الطرفيّن المعنييّن بالدراسة المتأنية للرؤية الأمريكية المقترحة وحل الخلافات عبر التفاوض.
من جانبها، اعتبرت الإمارات، أن خطة السلام التي كشف عنها الرئيس الأمريكي "نقطة انطلاق مهمة للعودة إلى طاولة المفاوضات" مؤكدة ترحيبها بهذه "المبادرة الجادة".
وحضر مؤتمر الاعلان عن الصفقة الأمريكية في البيت الأبيض سفير الإمارات فى واشنطن إلى جانب نظرائه من سلطنة عمان والبحرين.
من جهتها، شددت قطر بوجه عام، على دعمها أي جهود لتحقيق السلام الدائم "على أساس الشرعية الدولية"، كما دعا الأردن لسلام ينهي الاحتلال ويحفظ حقوق الفلسطينيين.
وعلى غرار القاهرة والرياض أعربت الدوحة عن تقديرها لمساعي الإدارة الأمريكية الحالية لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
أما الأردن، فاعتبر أن "حل الدولتين الذي يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، خصوصا حقه في الحرية والدولة على خطوط 4 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب (إسرائيل) هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم".
وقالت جامعة الدول العربية، إن "صفقة القرن" المزعومة تشير إلى إهدار كبير لحقوق الفلسطينيين المشروعة، معتبرة أن الموقف الفلسطيني هو الفيصل في تشكيل الموقف العربي الجماعي إزاء الخطة.
غير أنها أعربت في الوقت ذاته عن انفتاحها على أي جهد جاد يُبذل من أجل تحقيق السلام، وتفهمها للدوافع الأمريكية في المساعدة بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
رفض شيخ الأزهر وشخصيات إسلامية
وفيما يعد انتقادا للإعلان الأمريكي، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحات أدلى بها شيخ الأزهر، "أحمد الطيب"، أشار فيها إلى اجتماعات "ترامب" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو" "لحل مشاكلنا".
وقال شيخ الأزهر خلال مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي: "أنا كنت في منتهى الخزي وأنا أشاهد ترامب مع.. إسرائيل (نتنياهو) طبعا هم الذين يخططون ويقولون ويتحكمون ويحلوا لنا المشاكل، لا يوجد أحد عربي ولا أحد مسلم، هذا هو المجال الذي يجب أن نحارب فيه..".
وعلى نفس المنوال نددت مؤسسات وروابط علماء الأمة الإسلامية، وشدد الأمين العام لـ"رابطة علماء أهل السنة"، "جمال عبدالستار"، على رفض جمع علماء الأمة لـ"صفقة القرن" المزعومة غير المباركة.
واعتبر "عبدالستار"، أن "هذه الصفقة لم تكن لتكون، وما كان لـ(الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، أن يتبجح بها لولا أن قام وكلاؤه في المنطقة (دون تحديد) بمساندته؛ بقتل مئات الآلاف من شباب سوريا والعراق ومصر واليمن وغيرها، واعتقال ما تبقى منهم في سجون الظلم والاستبداد".
من جهته، رأى نائب رئيس دار الإفتاء الليبية، "سامي الساعدي"، أنه "من الواجب اليوم إنكار هذا المنكر، فهو واجب في عنق كل مسلم كل حسب استطاعته، وعلى كل فرد أن يبذل ما بوسعه بالمال واليد والكلمة".
وأبدى "الساعدي"، أسفه بأن يكون "هناك تفرقة بين أبناء الأمة، حتى إن بعض أبنائها وقفوا في صف العدو وشرَّعوا هذا الاعتداء".
واعتبر رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج، "نواف تكروري"، أن "صفقة القرن (المزعومة) الرؤيا الصهيونية للحل، وهو ما يؤمن به المسيحيون الصهاينة (الإنجيليون) أمثال ترامب".
وأشار "تكروري"، إلى أنه "بالرغم من أن (رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين) نتنياهو وترامب، يملكان القوة، لكن الشعب الفلسطيني يملك الحق والإيمان والعدل الذي يحرك البشرية كلها".
وطالب علماء المسلمين "أن يتقدموا الصفوف بكل أشكال الجهاد والمقاومة"، مشددا على أن "الدعايات الانتخابية (لنتنياهو وترامب)، لن تأتي على حساب مقدساتنا وأرضنا".