كيف أصبحت ليبيا قطعة شطرنج يصعب إنهاء الحرب فيها؟

الأحد 2 فبراير 2020 02:24 م

يواصل اللواء "خليفة حفتر"، و"الجيش الوطني الليبي" التابع له، تطويق العاصمة الليبية طرابلس. ولا تهدد قوات "حفتر" طرابلس فحسب، بل إنها تقف على مسافة قريبة من مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية.

وتخضع كل من طرابلس ومصراتة لسيطرة "حكومة الوفاق الوطني"، التي تدعمها الأمم المتحدة وتركيا. وتخضع ثاني أكبر المدن الليبية، وهي بنغازي، لسيطرة "حفتر" وقواته.

ويحصل "الجيش الوطني الليبي" على الدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وروسيا. وكان هناك دائما بعض الشك في أن "حفتر" نفسه هو أحد العملاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حيث عاش تحت رعاية وكالة الاستخبارات المركزية في لانجلي بفرجينيا منذ عقود.

وكان التدخل العسكري في ليبيا من قبل "حلف الناتو" قد حول البلد إلى ساحة معركة تضم العديد من القوى الخارجية المتنافسة، لتصبح ليبيا رقعة شطرنج في لعبة متعددة الأبعاد يصعب تفسيرها، بل يصعب إنهاؤها.

"الجيش الوطني الليبي" مقابل حكومة الوفاق الوطني

وفي 19 يناير/كانون الثاني، عقدت الأمم المتحدة والحكومة الألمانية مؤتمرا في برلين حول القضية الليبية. ومن الغريب أن الطرفين المتحاربين من ليبيا كانا في برلين لكنهما لم يحضرا المؤتمر. وبقي "حفتر" و"فايز السراج"، رئيس حكومة الوفاق الوطني، في أماكن إقامتهما حتى إطلاعهما على ما يجد من قبل المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" وممثل الأمم المتحدة في ليبيا "غسان سلامة".

وفي عام 2012، قالت الأمم المتحدة إنه لا ينبغي عقد مؤتمر لا يكون "شاملا" بحضور أصحاب المصلحة على الطاولة. ومع ذلك، لم يكن الهدف من هذا الاجتماع إبرام صفقة داخل ليبيا، بقدر وقف إرسال الأسلحة واللوجستيات إلى ليبيا.

واتفقت الأطراف الخارجية على "الالتزام بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو في الشؤون الداخلية لليبيا"، وحث البيان الختامي "جميع الجهات الدولية الفاعلة على أن تحذو حذوها". وكان الداعمون الخارجيون لكل جانب من الجانبين، مصر وفرنسا وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، من الموقعين على هذه الاتفاقية. ويمكنك أن تتخيل أن أيا منهم لن يأخذ الأمر على محمل الجد.

وسارعت "ميركل" إلى إسطنبول بعد مؤتمر برلين لتوطيد الاتفاق الذي أبرمته مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي سافر بعد ذلك إلى الجزائر ليقول إنه لا يدعم التدخل الخارجي في ليبيا. وليس "أردوغان" وحده من بدا محيرا في موقفه، فقد أدلى جميع القادة الآخرين الذين أتوا إلى برلين بتصريحات مماثلة. وقد قالوا إنهم قد يبقون خارج ليبيا، لكن سيتعين عليهم المشاركة بأي طريقة يعتقدون بأنها مناسبة.

وزودت تركيا حكومة الوفاق بالأسلحة والمساعدات اللوجستية، وساعدت في جلب بضع مئات من الجهاديين السوريين إلى ليبيا لمساعدة التنظيمات الداعمة للحكومة.

وأصدرت الأمم المتحدة بيانا مؤخرا مع إشارة واضحة إلى أن الاتفاق لم يتجاوز الورقة التي تم توقيعها. وقالت الأمم المتحدة: "على مدار الأيام الـ10 الماضية، شوهدت العديد من الشحنات والرحلات الجوية الأخرى وهي تهبط في المطارات الليبية في الأجزاء الغربية والشرقية من البلاد، لتزود أطراف الأزمة بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين". ولم يذكر البيان البلدان التي لا تزال تنتهك الحظر، ولكن الجميع يعرف من هي.

وبتشجيع من مؤيديه، اختبر "حفتر" قوات حكومة الوفاق في ضواحي مصراتة خلال الأيام القليلة الماضية. واتخذ "الجيش الوطني الليبي" مواقع في منطقة "ويشكا"، لكنهم دخلوا في "أبو غرين"، وهي على الطريق إلى مصراتة.

وقال المتحدث باسم حكومة الوفاق، "محمد جونونو" إن وقف إطلاق النار الذي كان من المفترض احترامه قد تم انتهاكه. وقال "أحمد المسماري"، المتحدث باسم "حفتر"، إنه لا يوجد حل سياسي لليبيا، وأن الحل الوحيد هو "البنادق والذخيرة". وهو بيان واضح بأن هذه الحرب لن تنتهي في الأمم المتحدة أو في برلين، وسيكون عليها أن تنتهي في مصراتة وطرابلس.

تركيا مقابل السعودية

ومنذ عدة أعوام، عندما أصبح من الواضح أن الليبيين الذين كانوا على مقربة من جماعة "الإخوان المسلمين" قد يصلون إلى السلطة، ذهبت السعودية مسرعة للعمل ضدهم. وقد أوضح السعوديون أنهم لن يتسامحوا مع أي قوى أخرى من جماعة "الإخوان المسلمون" تصل إلى السلطة في شمال أفريقيا أو غرب آسيا.

ويقدم الحصار السعودي لقطر، والتدخل السعودي في تونس، والدور السعودي في الإطاحة بالرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، والآن الدعم السعودي لـ "حفتر"، إشارة واضحة على نية السعودية لتخليص المنطقة من جماعة "الإخوان المسلمون".

وكانت تركيا وقطر هما الرعاة الرئيسيان لجماعة "الإخوان المسلمين. وقد استطاعت السعودية الحد من طموح قطر، لكنها لم تتمكن من مواجهة تركيا. وتعد الحرب في ليبيا، بصرف النظر عن تدخل الأوروبيين، حربا بين المملكة العربية السعودية وتركيا.

ولن تتخلى السعودية ولا تركيا عن دعم الأولى لجيش "حفتر" ودعم الثانية لحكومة "السراج". ولا أحد يصدر أي ضجيج علني حول هذا الأمر، على الرغم من أن الجميع يعلمون أن هذه القوى هي التي تقف وراء هذه المرحلة الجديدة المروعة من الصراع منذ تدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011، الذي أدخل البلاد في حالة من الحرب الدائمة.

ومنذ أبريل/نيسان، يوجد في طرابلس وحدها 220 مدرسة مغلقة، وما لا يقل عن 116 ألف طفل بدون تعليم. وتعمل المدارس والجامعات والمستشفيات جميعها على تخفيض ساعات عملها أو يتم إغلاقها تماما.

النفط واللاجئون

وكان "حفتر" قد نقل المعركة إلى طرابلس في أبريل/نيسان عام 2019، مدفوعا بشعور أنه لا يحظى بتأييد القوى الأكثر أهمية فحسب، بل تولى بالفعل مسؤولية عدة حقول للنفط، ويمكنه الضغط على حكومة طرابلس. وكان اندفاعه إلى طرابلس دراماتيكيا في الأسابيع القليلة الأولى، ثم توقف عند ضواحي العاصمة. ولا يهتم "حفتر" ببساطة إن كانت حربه ستستمر في استنزاف الحياة الاجتماعية لليبيين.

وفي 19 يناير/كانون الثاني، استولى "الجيش الوطني الليبي" وحلفاؤه على حقلي "شرارة" و"الفيل". وكلاهما ينتج ثلث النفط الليبي، ويعد "شرارة" أكبر حقل منفرد في البلاد. وانخفض إنتاج النفط في ليبيا إلى أقل من 300 ألف برميل في اليوم من أكثر من مليون برميل في اليوم سابقا.

وفرضت شركة النفط الوطنية الليبية، التي تسيطر عليها الحكومة في طرابلس، حظرا على صادرات النفط من ليبيا. وتعد هذه ضربة لأوروبا، التي تعتمد على النفط الليبي بقدر اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية والروسية، وكلاهما محظور بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

النفاق الأوروبي

وتريد أوروبا النفط، لكنها لا تريد اللاجئين. وصدر تقرير للأمم المتحدة مؤخرا عن قصف "الجيش الوطني الليبي" لمركز احتجاز للاجئين في "تاجورة" في 2 يوليو/تموز 2019. وقد أدى هذا الهجوم الذي شنته طائرات تابعة لقوات "حفتر" إلى مقتل 53 مهاجرا ولاجئا جاءوا من الجزائر وتشاد وبنجلاديش والمغرب والنيجر وتونس.

وبعد أن أسقطت الطائرة قنابلها على مجمع "ضمان"، كانت هناك "جثث في كل مكان، وأشلاء تظهر من تحت الأنقاض. وكانت الدماء موجودة في كل مكان. وبقي المهاجرون واللاجئون الذين نجوا في المجمع. وبعد 4 أيام، أضربوا عن الطعام.

وكانت هناك عدة جرائم قتل منذ يوليو/تموز 2019، طال معظمها اللاجئين الذين أطلق عليهم الحراس النار وهم يحاولون مغادرة مختلف مراكز الاحتجاز التي تقع على طول الساحل الليبي وفي طرابلس. ولا يوجد حساب صحيح لإجمالي عدد اللاجئين والمهاجرين المحتجزين.

ويدفع الاتحاد الأوروبي حكومة طرابلس ومجموعات الميليشيات لاحتجاز هؤلاء اللاجئين والمهاجرين في ليبيا بدلا من السماح لهم بالسفر عبر البحر الأبيض المتوسط. ولم تتحمل أوروبا أية مسؤولية عن دورها في تدخل الناتو عام 2011، الذي زعزع استقرار ليبيا.

وبدلا من ذلك، تم عسكرة أزمة اللاجئين في ليبيا باستخدام الميليشيات. وجلبت "عملية صوفيا" التابعة للاتحاد الأوروبي السفن الأوروبية إلى البحر المتوسط ​​لوقف تهريب النفط واللاجئين من ليبيا إلى أوروبا.

وهناك مصلحة الآن لدى الاتحاد الأوروبي في إعادة تشغيل هذه السياسة. وفي برلين، أخبر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي "جوزيف بوريل" صحيفة "سودويتشي تسايتونج" أن "ليبيا سرطان انتشرت آثاره في جميع أنحاء المنطقة". وهذا هو موقف أوروبا؛ إنهم يسعون فقط لاحتواء الأزمة والسماح لها بالبقاء داخل الحدود الليبية. إنه تصريح مروع بحق.

"ما بي مرض"

وفي خضم حرب ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي قبل قرن من الزمان، كتب الشاعر "رجب أحمد بوحويش" المنفي قصيدة "ما بي مرض غير دار العقيلة" أي "لا مرض بي إلا في هذا المكان"، متحدثا عن عذاب مجتمعه.

وتنتشر هذه القصيدة غالبا بين الليبيين الذين يعرفون تاريخهم الطويل والصعب.

ويبدو المعنى الذي يتكرر في القصيدة مناسبا لليبيا اليوم، حيث يشعر الشعب أن هذه الحرب لا نهاية لها أبدا، هم شعب مدفون في النفط والخوف، مجرد أناس يبحثون عن منزلهم الذي سُرق منهم.

المصدر | فيجاي براشاد - أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة الليبية قوات حفتر حكومة الوفاق الليبية

الصليب الأحمر الدولي يحذر من استمرار تردي الوضع بليبيا