سباق المفصول والمنبوذ.. هل تنجح ترتيبات دحلان لخلافة عباس؟

الثلاثاء 4 فبراير 2020 10:18 م

روابط نقابية ومكتب مركزي للصحفيين ومؤسسات إعلامية، وغيرها من التحركات البارزة، دشنها التيار الموالي للقيادي المفصول من حركة فتح "محمد دحلان"، الذي يسمي نفسه "تيار الإصلاح الديمقراطي"، مؤخرا؛ بهدف تصدر المشهد السياسي في مرحلة ما بعد رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس"، حسبما أفادت مصادر مطلعة.

بالتزامن مع ذلك، تظهر مؤشرات على تأييد إقليمي وأمريكي ضمني لدعم استبدال الرئيس الفلسطيني الحالي، خاصة بعد إصراره على موقفه الرافض لخطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط، المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، في مقابل إبداء قيادات فلسطينية أخرى، بينهم "دحلان"، قبولا لها، وفقا لما نقلته صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

السرعة التي يتحرك بها الموالون لقيادي "فتح" المفصول تشي بهذا التأييد، وهو ما عبرت عنه المصادر بقولها إن "دحلان يسابق الزمن في ترتيب وضع تياره"، مشيرة إلى أنه "يعمل على إنشاء مؤسسات إعلامية في قطاع غزة، بعدما منع عباس نشاطه في الضفة المحتلة".

وطالما اشتكى مسؤولون مقرّبون من "أبو مازن" من موقف كل من السعودية والإمارات، اللتين دعمتا "صفقة القرن"، وتريان في "دحلان" رجل المرحلة المقبلة، وتضغطان باتجاه إعادة تصدير القيادي المفصول إلى واجهة السياسة الفلسطينية مجددا، على حساب "عباس" وهو ما أكده المحاضر في جامعة نانيانج التكنولوجية بسنغافورة "جيمس دوروسي" في مقال نشره بموقع "لوب لوج" العام الماضي.

وحسب "دوروسي"، فإن تحركات "دحلان" تأتي مع اقتراب التحضيرات الفلسطينية الجارية لإجراء الانتخابات العامة، وإمكانية إعلان عدد من القادة الفلسطينيين عن نواياهم لمنافسة "عباس" على رئاسة السلطة الفلسطينية، خاصة مع تزايد النقاش بالأوساط الفلسطينية في الآونة الأخيرة حول مسألة احتمال غياب رئيس السلطة المفاجئ عن الساحة لأسباب صحية.

فـ"عباس"، ذو الـ85 عاما، يعاني أمراضا عدة، وبين أسبوع وآخر يدخل المستشفى للمراجعة، وتعرض لأول وعكة صحية عام 2016، عندما انهارت صحته ونقل على إثرها إلى المستشفى في رام الله، وأجريت له عملية قسطرة في القلب.

وفي عام 2018، خضع "عباس" لفحوصات شاملة في مستشفى جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور في ولاية ماريلند الأمريكية، وتزامن ذلك مع موعد كلمة ألقاها في مجلس الأمن الدولي، وكان يبدو عليه المرض الشديد.

وتشير مصادر فلسطينية إلى أن "عباس" ربما لن يكون قادرا على مواصلة عمله السياسي خلال العام الحالي، وإن أصر على ذلك، فإنه سيقوم بمهامه وهو جالس، أو يوكلها لغيره، وفقا لما نقله موقع "إندبندنت عربية".

وبدت مؤشرات على مساعي "دحلان" لخلافة "عباس" علنا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين أعلن أن الترويج لإعادة ترشح "عباس" في الانتخابات الرئاسية الجديدة "هدفه تكريس الوضع الراهن، وإدامة الانقسام الفلسطيني".

وفي بيان أصدره بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر "دحلان" أن تياره لن يقبل بـ"تجريب المجرب بعد مسلسل الإخفاقات المتكررة في الأداء السياسي والوطني والإداري والمالي"، معتبرا أن "عباس بهذا العمر والحالة الصحية لا تجعله مؤهلا لأداء مهامه الرئاسية في السنوات القادمة".

 وشدد القيادي المفصول من "فتح" على أن الحركة "ليست عاقرا، وبإمكانها اختيار قيادة جديدة للاضطلاع بكل المهام الخطيرة والثقيلة".

  • مستشار أبوظبي

ويعود تجدد الصراع بين "عباس" و"دحلان" إلى ديسمبر/كانون الأول 2016، حين حُكم على "دحلان" غيابياً بالسجن 3 سنوات وغرامة مالية باهظة، من قِبل محكمة مكافحة الفساد برام الله، بعد إدانته مع اثنين آخرين بسرقة أموال عامة، إلا أن "دحلان" زعم آنذاك أن محاكمته كانت سياسية نتيجة خصومته مع "عباس".

قبل ذلك بنحو 5 سنوات، وتزامنا مع اندلاع ثورات الربيع العربي، كان "دحلان" قد ابتعد للإقامة خارج الأراضي الفلسطينية، وتحديدا في إمارة أبوظبي؛ حيث عمل لاحقا مستشارا لدى ولي عهد الإمارات "محمد بن زايد"، وانخرط في صراعات أبوظبي الإقليمية ضد قطر وتركيا وحركات الإسلام السياسي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وضعت أنقرة "دحلان" على قوائم الإرهاب الخاصة بها، واتهم وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" الإمارات بإيواء "إرهابي" متورط بمحاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا عام 2016. وآنذاك، صرح الوزير التركي لقناة "الجزيرة" الإخبارية بأن "دحلان" فر إلى أبوظبي "لأنه عميل لإسرائيل"، واتهم الإمارات صراحة بمحاولة استبدال "دحلان" بـ"عباس".

وأعلنت تركيا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أنها ستمنح جائزة قدرها 700 ألف دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال "دحلان".

حدث ذلك كله بالتزامن من تكثف تحركات "دحلان" المناهضة لـ"عباس"، وطرح بعض المحيطين به مؤخرا فكرة إنشاء حزب سياسي ليس مرتبطا بفتح، تموله دولة الإمارات، لتسهيل الطريق أمام "دحلان" للمنافسة على رئاسة السلطة الفلسطينية، وفقا لما نقله موقع "عربي بوست" عن مصادره.

لكن هذا المقترح أثار تباينا داخل تيار "الإصلاح الديمقراطي" بين مَن تبنى الفكرة، وهم أقلية، ومن رفضها، وهم الأكثرية الذين يرون أنفسهم "الفتحاويين الأصليين"، لكن مناهضتهم من قيادة "فتح" ليست كما هو الحال مع "دحلان".

  • إطار بديل

ويبدو أن طرح فكرة الحزب الجديد هي محاولة جديدة من "دحلان" والإمارات لإنشاء إطار مؤسسي جديد لدعم القيادي المنشق، بعدما فشلت جهود "دحلان" في استقطاب أغلب عناصر وقادة "فتح" المنشقين عن "عباس" والمعارضين لنهجه السياسي والاقتصادي، خاصة موظفي السلطة الذين قُطعت رواتبهم.

فمنذ سنوات، يخوض "دحلان" حربا خفية مع "عباس" للسيطرة على "فتح"، لم تسفر سوى عن انخراط المئات من أبناء الحركة تحت لوائه، فيما ضغطت الإمارات بقوة على الإدارة الأمريكية والدول العربية من أجل إعادة طرح اسمه كخليفة قوي ومحتمل لكرسي رئاسة السلطة الفلسطينية، وفقا لما نقله موقع "الخليج أونلاين" عن مصادره.

وحسب المصادر ذاتها، فإن الفاتورة المالية التي يصرفها "دحلان" على الموالين له داخل "فتح" تتجاوز حاجز المليوني دولار شهريا، وتصرف من الخزينة المالية الإماراتية وبأمر من ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" شخصيا.

وتستند الضغوط الإماراتية على الولايات المتحدة إلى تاريخ سابق من التعاون بين "دحلان" ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، في فترة ما قبل حسم حركة "حماس" لصراعها العسكري مع "دحلان" عسكريا في غزة عام 2007، حين ساعدته الوكالة الأمريكية على إنشاء الأمن الوقائي بالقطاع، وزودته بأجهزة تنصت، ونسقت معه عمليات مشتركة لإحباط عمليات مقاومة للاحتلال الإسرائيلي شنتها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، حسبما ذكر الباحث والخبير الإسرائيلي "يوسي ميلمان" في مقال نشره بصحيفة "هآرتس" العبرية.

ويشير"ميلمان" أيضا إلى أن مسؤولي "حماس" يذكرون التعذيب الذي تعرضوا له في سجون قيادي "فتح" المفصول حتى اليوم، قبل أن يعود ويؤكد أن "دحلان" عمل مؤخرا كحلقة وصل بين الإمارات وشركات إسرائيلية تعمل في مجال تقنيات التجسس.

  • رهان خاسر

غير أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح في الضفة الغربية "رائد نعيرات" يتوقع خسارة رهان "دحلان" على الإمارات لدفعه إلى السلطة، باعتبار أن التحالفات مع دول عربية كمصر والسعودية والإمارات "مختلة وغير مضمونة؛ فهي أنظمة لا تضمن لنفسها البقاء والديمومة، لأنها قد تشهد تغيرات جوهرية بين عشية وضحاها"، وفقا لما أورده موقع "عربي بوست".

التوقع ذاته أورده "ميلمان" في مقاله من زاوية أخرى، وهي أن "دحلان"، لا يحظى -حسب خبراء إسرائيليين وفلسطينيين- بفرص قوية للفوز في الانتخابات الرئاسية في حال جرت.

لكن هدف "دحلان" قد يقتصر على محاولة "إسقاط عباس" دون خلافته بالضرورة، حسبما يرى الخبير في الشأن الفلسطيني "حسام الدجني"، الذي يتوقع تنافسا شرسا بين المتطلعين لخلافة رئيس السلطة.

ويؤيد ذلك التقدير الاستخباري الإسرائيلي للعام 2020، الذي يتوقع أن يشهد نشوب صراعات جادة بالضفة الغربية، في حال غياب "عباس" لأسباب صحية وعمرية، دون ترتيب مسألة الخلافة بتوافق كل الأطراف.

وفي مقال نشره بصحيفة "معاريف" العبرية، أشار الخبير العسكري الإسرائيلي "تال ليف رام" إلى أن جيش الاحتلال "بات يعلم جيدا أن هناك صراعات وراثة في السلطة الفلسطينية من شأنها أن تترك تأثيرها السلبي على الوضع الأمني في الضفة الغربية".

 ويعود هذا التأثير إلى وجود أسماء مرشحة لخلافة "عباس" قد تترشح لقيادة السلطة الفلسطينية من خارج الدائرة السياسية القيادية، وبعضهم يحظى بتأييد من القواعد الميدانية المسلحة المنتشرة في كافة أرجاء الضفة.

ولذا يقرأ الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي "حاتم أبو زايدة" صفقة القرن في إطار محاولة (إسرائيل) تنفيذ مخططها بالسيطرة على مساحة كبيرة من الضفة الغربية وتطبيق خطة لحسم السيطرة الأمنية عليها، وفقا لما نقلته صحيفة "الرسالة" الفلسطينية.

وحسب "أبو زايدة"، فإن الصفقة تجهز لما بعد "عباس"، عبر تحويل الضفة إلى مناطق نفوذ يتم تقسيمها بين "عائلات وقيادات أمنية من السلطة تكون قادرة على ضبط الأمن في كل محافظة وحماية أمن المستوطنين"، وتشكل معا أرخبيل مترامي ومقطع الأوصال يدار من خلال حكم ذاتي مُنفصل، مقابل بعض التحسينات والامتيازات الاقتصادية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

محمد دحلان محمود عباس صفقة القرن حركة فتح السلطة الفلسطينية محمد بن زايد

«المونيتور»: أموال الإمارات تقلب موازين صراع «عباس» و«دحلان» في القدس

حمد المزروعي يعلن دحلان رئيسا لفلسطين.. وناشطون يستدعون حفتر

بدون مواربة.. أمريكا: نفكر باستبدال عباس بدحلان

لخلافة محمود عباس.. ماجد فرج يطلب دعم الإمارات بمواجهة دحلان والمفتاح بيد مصر