لماذا يفتح البرهان ذراعيه لإسرائيل؟

السبت 8 فبراير 2020 06:54 م

بعد مرور 44 عامًا تقريبًا على قيام الجيش الإسرائيلي بعملية "الصاعقة" في عنتيبي، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مع رئيس المجلس السيادي السوداني "عبدالفتاح البرهان"، في نفس المدينة الأوغندية.

وحظي اجتماع "نتنياهو" و"البرهان" باهتمام عالمي كبير لأن الاثنين "اتفقا على بدء تعاون يؤدي إلى تطبيع العلاقة بين البلدين".

وبالرغم من استضافة السودان لقمة جامعة الدول العربية التي أنتجت "اللاءات الثلاثة" (لا اعتراف بإسرائيل، لا سلام مع إسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل)، وقصفها من قبل (إسرائيل) في عامي 2009 و2012، قد تصبح الخرطوم الآن ثالث عاصمة عربية تعترف رسمياً بالدولة اليهودية.

ليست مفاجأة

بالنسبة للمحللين الذين يراقبون غزو (إسرائيل) لأفريقيا، وتحديداً حالة العلاقات الإسرائيلية السودانية، فإن اجتماع "نتنياهو-البرهان" في وسط أوغندا لم يكن مفاجئاً للغاية.

في الواقع، فإنه حتى قبل الإطاحة بالرئيس السوداني السابق "عمر حسن البشير" العام الماضي، كان هناك اتصال دبلوماسي بين تل أبيب والخرطوم مما أثار تنبؤات عن تطبيع العلاقات الثنائية بين الجانبين.

قبل 4 سنوات، صرح وزير الخارجية السوداني السابق "إبراهيم غندور" بأن تطبيع علاقات الخرطوم مع (إسرائيل) قد يحدث إذا رفعت واشنطن العقوبات على السودان.

والجدير بالذكر أنه عند الإدلاء بهذا التصريح، أشار "غندور" إلى البلاد باسم "إسرائيل"، وليس "الكيان الصهيوني" الذي كان دأب الحكومة السودانية حتى تلك اللحظة.

وقد اعتبرت حكومة "نتنياهو" التغييرات في السياسة الخارجية للسودان إيجابية وحاولت إقناع واشنطن برؤية الخرطوم بطريقة جديدة.

السعي لرفع العقوبات

سعى الإسرائيليون إلى حث إدارة "ترامب" على رفع العقوبات المفروضة على السودان، بعد أن قطعت الخرطوم علاقاتها مع إيران في أوائل عام 2016 ووضعت نفسها في معسكر البلاد السنية التي تقودها السعودية والإمارات، والتي أظهرت ودا كبيرا لـ(إسرائيل) في السنوات الأخيرة.

من المؤكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان شهدت تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، فقد رفعت إدارة "ترامب" بعض العقوبات عن السودان، كما فعلت إدارة "أوباما" ذلك في أوائل عام 2017، وفي أواخر العام الماضي، تبادلت الولايات المتحدة والسودان السفراء للمرة الأولى منذ 23 عامًا.

لكن المشكلة بالنسبة للخرطوم هي استمرار وضع السودان على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية لما يسمى بالجهات الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى ذلك، فإن وضع السودان على "حظر السفر" الذي فرضه "ترامب" يؤكد مدى استمرار المشكلات في العلاقات بين واشنطن والخرطوم.

وإلى أن تتم إزالة الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فإن السودان سيظل يعاني من عواقب القيود على المساعدات والمبيعات العسكرية.

وفي الوضع الراهن؛ وبعد عقود من الحكم الاستبدادي في عهد "البشير" واقتصاد منهار أدى إلى رفض واسع لشرعية نظامه في 2019/2018، يبحث السودان عن علاقة طبيعية تمامًا مع واشنطن.

ولا تزال العقوبات عقبة رئيسية أمام هذا الفصل الجديد من العلاقات الأمريكية السودانية الذي يريده قادة السودان و(إسرائيل).

بالون اختبار للخليج

ويجب فهم توقيت هذا الاجتماع في سياق صفقة "ترامب" وصهره التي تُدعى بـ"صفقة القرن"، والتي تم الكشف عنها الشهر الماضي في البيت الأبيض.

من المنظور الفلسطيني؛ فإن تواصل "البرهان" مع "نتنياهو" في أوغندا يوفر لـ(إسرائيل) حافزًا إضافيًا فقط للمضي قدمًا في احتلال الأراضي الفلسطينية.

وبالرغم من عدم اعتماد أي دولة عربية رسميًا لاقتراح "ترامب"، إلا أن الإمارات قالت إنها كانت نقطة انطلاق قوية، في حين لم تدِنها كل من مصر والسعودية مباشرة بعد احتفال "ترامب/نتنياهو".

وفي حين أن الدول العربية مارست ضغوطًا جماعية لعقود على (إسرائيل) للتنازل عن الأراضي التي ضمتها بشكل غير قانوني مقابل الاندماج الدبلوماسي الإسرائيلي في الشرق الأوسط الكبير، فقد تراجعت أغلب الدول العربية في موقفها القائل بأن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) يمكن أن يحدث فقط عندما يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على طول حدود عام 1967.

ومن الواضح أن السودان هو واحد من تلك الدول العربية التي ترى أن مصالحها وضرورياتها وأولوياتها الوطنية الخاصة تعطيها سببًا لاحتضان (إسرائيل) بغض النظر عن معاناة الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي.

وفي حين أن استفادة الخرطوم المتوقعة من تطبيع العلاقات الإسرائيلية السودانية تبدو واضحة، فما هي المخاطر التي يقبلها السودان في هذه العملية؟

تحرص جماعة "الإخوان المسلمون" على مهاجمة القيادة في الخرطوم لموقفها إزاء القضية الفلسطينية.

ولكن بعيدًا عن جماعة "الإخوان المسلمون" والحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة، فهناك جهات أخرى -سواء في الشارع السوداني أو في الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة- الذين يعارضون انفتاح السودان على علاقات رسمية مع (إسرائيل) وهذا العامل يقودنا إلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التي تتعامل مع (إسرائيل).

مع دخول السودان أكثر فأكثر تحت التأثير الجيوسياسي لأبوظبي والرياض، فمن المحتمل أن يكون هناك فضول كبير في هاتين العاصمتين حول كيفية تفاعل المنطقة العربية مع اجتماع "البرهان" بـ"نتنياهو" والتطبيع المتوقع للعلاقات الثنائية.

لا توجد علاقات رسمية لـ(إسرائيل) مع أية دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، مع أن هناك شراكات ضمنية بين معظم أعضاء المجلس وتل أبيب (مع استثناءات بارزة في حالة الكويت وقطر أيضًا). لذلك هناك سبب وجيه للاستنتاج بأن هناك رغبة لدى بعض دول مجلس التعاون الخليجي في استكشاف مسار التطبيع عبر السودان.

بالنسبة للسعودية والبحرين والإمارات، تمثل (إسرائيل) واقعًا دائمًا في الشرق الأوسط، ويُنظر إلى الدولة اليهودية على نحو متزايد كشريك مهم لمواجهة توسع النفوذ الإيراني وصد لما يصفونه بـ"الأجندة العثمانية الجديدة" لتركيا في العالم العربي من سوريا إلى ليبيا وقطر والعراق.

ومع ذلك، فحتى لو لم تكن دول الخليج العربية هذه دولًا ديمقراطية، فإن الرأي العام (محلياً وإقليمياً) له أهميته ويمكن لرؤية تفاعل هذه الحكومات مع (إسرائيل) أن تغذي الغضب ليس فقط بين الفلسطينيين، ولكن أيضًا بين العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

في النهاية، يمكن فهم قيام السودان بعلاقة منفتحة ورسمية مع (إسرائيل) على أنها بالون اختبار لدول مجلس التعاون الخليجي الذين يثبتون أنهم يتمتعون بنفوذ متزايد تجاه السودان بعد "البشير".

ويبقى أن نرى التكلفة التي سيدفعها السودان لانفتاحه على (إسرائيل) في الوقت الذي تغذي فيه "خطة السلام" لـ"ترامب" الغضب في المنطقة.

المصدر | جورجيو كافيرو - ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لقاء البرهان ونتنياهو مبادرات التطبيع صفقة القرن

الجيش السوداني يؤكد فتح الأجواء للطيران الإسرائيلي

الحكومة السودانية: البرهان لم يعد نتنياهو بالتطبيع والتقاه دون علمنا

وزير خارجية البشير ينفي دخول قيادته في محادثات مع إسرائيل

النيابة السودانية ترفض طلبا لمقاضاة البرهان بسبب لقائه نتنياهو

كيف يستخدم نتنياهو المغرب والسودان لضمان البقاء في السلطة؟

عريقات يدعو البرهان لعدم التطبيع مع إسرائيل