التنافس والصراع بين القوى العالمية على مصادر الطاقة

السبت 1 أغسطس 2015 06:08 ص

يقول الرئيس الأمريكي الأسبق كالفين كولدرج 1923-1929 «إن تفوق الأمم يمكن أن يقوم بواسطة امتلاك النفط ومنتجاته». كما يرى وزير الخارجية الأمريكي الاسبق هنري كيسنجر أن هناك احتمالات ومخاطر لصدمات عسكرية ومنافسات عنيفة على الموارد، فالولايات المتحدة تعيد ترتيب مناطق مختلفة من العالم على قاعدة «تدفق امدادات النفط والغاز». 

إذ تعد الطاقة في القرن الواحد والعشرين سر التطور والتفوق ومفتاح السيطرة على العالم، ومن هنا جاءت أهمية الصراع على موارد الطاقة بين الدول، فهذا الصراع ليس جديدا، وانما مرهون بظهور الدول، بل حتى قبل ظهور الدول إبان صراع القبائل في ما بينها، وبعد ظهور الدول القومية زادت حدة الصراع بينها، ولاسيما بين الدول الاوروبية على مصادر الفحم، وإيجاد اسواق جديدة في العالم من اجل تصريف منتجاتها.

لكن، بعد احداث 11 سبتمبر 2001، زادت حدة الصراع بين الدول الكبرى، خصوصا بعد قيام الولايات المتحدة باحتلال افغانستان والعراق، إذ عمدت إلى فرض هيمنتها على العالم من خلال السيطرة على منابع النفط في العالم، خاصة في منطقة آسيا الوسطى والشرق الاوسط.

فالاستراتيجية الامريكية تجعل أمن الطاقة من ضرورة الامن القومي الامريكية، ولاسيما توظيف الهيمنة الامريكية على مصادر الطاقة في العالم، من أجل منع القوى الاخرى من منافستها على هذه الموارد، كما تسعى الى السيطرة على الممرات المائية في العالم من اجل تأمين امدادات الطاقة في العالم.

وتتوزع منابع النفط التقليدية الرئيسة في العالم بين اكثر من منطقة، إلا أن اهمها هي منطقة الشرق الاوسط واوراسيا، فهذه المناطق تحتوي على اكبر مخزون نفطي في العالم، فأغنى منطقة هي الخليج العربي بحكم احتياطيها التي قدرتها احصائيات شركة (ابرتشبترليون ) بحوالي 48.1٪ من اجمالي احتياطي العالمي، وهذا ما يفسر حجم حدة الصراع الدائر في المنطقة بين القوى الكبرى.

أما منطقة اوراسيا فتمتلك نسبة احتياطي تقدر بـ8.5٪، كما ان لمنطقة شرق اسيا المتمثلة ببحر الصين الجنوبي نصيبها من الصراعات الاقليمية الدولية، من خلال ما تملكه من موارد طاقة تتضارب الاحصائيات بشأن مقدار احتياطيها على مدى مخزونها من الطاقة. 

واستناداً إلى ما تقدم، يمكن تقسم خريطة التنافس والصراعات الدولية على موارد الطاقة النفطية في العالم، كالآتي:

أولاً: الصراع والتنافس الدولي على موارد الطاقة النفطية في منطقة الشرق الاوسط

تحتل منطقة الشرق الاوسط مكانة استراتيجية مهمة جداً لدى الولايات المتحدة الامريكية، حيث تعتبرها منطقة نفوذ ومصالح تتعلق بالأمن القومي الامريكي، لاسيما انها تحتوي على معظم مصادر الطاقة النفطية في العالم، والسيطرة عليها يتيح لها امكانية التحكم بسوق النفط العالمية. وبعد احداث 11 سبتمبر 2001، شنت الولايات المتحدة حربها ضد العراق، وسيطرتها على النفط العراقي وخصخصته لشركاتها في المقام الأول عبر عقود ملزمة، وبذلك تستعيد الشركات الأمريكية وضعها السابق ما قبل التأميم.

ويرجع اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن احتياطي النفط العراقي يمثل ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، من خلال امتلاكه اكثر من 119 مليار برميل، فضلا ًعن خطط الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية العليا، لاسيما الاقتصادية منها، عبر إضعاف أو إنهاك كل من روسيا والصين، بالإضافة إلى اوروبا وإيران وسوريا، انطلاقاً من استراتيجية الحرمان التي وظفتها الإدارة الامريكية، منطلقة من مقولة هنري كيسنجر: «إن من يتحكم بمنطقة الشرق الأوسط يتحكم بالعالم أجمع»، والسيطرة على صمامات الطاقة التي تتغذى عليها الدول الكبرى، لاسيما الدول الأوربية واليابان.

ثانياً: الصراع والتنافس الدولي على موارد الطاقة النفطية في اوراسيا

إن منطقة اوراسيا تحتل مركز جذب لدى اهتمامات الدول الكبرى انطلاقاً مما تملكه من موارد الطاقة، فبعد احداث 11 سبتمبر، دخلت الولايات المتحدة حربين، كان الهدف الحقيقي لهما، بناء نظام عالمي مبني على اللعبة الأحادية للعلاقات بين القوى، وملاحقة أهداف الثروات والقوة المرتبطة لخدمة المصالح الأمريكية الضيقة، فالحرب الامريكية على افغانستان كان الهدف الاستراتيجي لها صياغة مستقبل التوجه الجيوسياسي لأوراسيا.

في هذا السياق تكون أفغانستان منطلقا لهذا الهدف، بعد أن اصبح ينظر إلى موقع أفغانستان الاستراتيجي على أنه منفذ مهم لتوسيع النفوذ الأمريكي نحو اوراسيا، أو للسيطرة على الاحتياطات من النفط والغاز في بحر قزوين، ونقلها إلى السوق الدولية.

فالصراع على الثروات النفطية في هذه المنطقة هو المدخل الذي تحركت من خلاله السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المنطقة، ففي عام 1994 وقعت أذربيجــــان اتفاقيات حول استخراج النفط مع ثماني شركات أمريكية وبريطانية حول الجرف القاري، داخل مياه بحر قزوين المقابلة لشواطئها، وهي الاتفاقيات التي شملت ثلاثة حقول كبيرة وقدرت قيمتها بـ 74 مليار دولار.

وقد عارضت روسيا هذه الاتفاقيات، وقالت انها تتعارض مع الوضع القانوني لبحر قزوين الذي ترفض روسيا التعامل معه على أنه بحر مغلق، بل بحيرة مغلقة، لا تخضع للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 الخاصة بالبحار. ومعنى هذا أن الاتفاقيات التي وقعتها أذربيجان تعد غير قانونية، ويجب الرجوع فيها لباقي الدول الخمس التي من حقها المطالبة بنصيبها فيها.

كما امتد الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة في المنطقة حول مسار خط الأنابيب لنقل النفط من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية، وقد استخدمت الولايات المتحدة في هذا المجال أداة المساعدات والقروض المالية، فاقترح السيناتور الامريكي بوبلفين جستون رئيس لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1998 توفير اعتمادات من موازنة الدولة لمد خط أنابيب النفط من باكو إلى ميناء جيهان التركي.

وهو المشروع المنافس لمشروع نقل النفط الأذربيجاني عبر أراضي روسيا، ويمكن القول إن مصالح شركات النفط الأمريكية شكلت ضغطا متزايدا على الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش (الابن) للقيام بدور قيادي أكثر فاعلية في دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى .

ثالثا: التنافس الدولي ًعلى موارد الطاقة النفطية في أفريقيا

بعد احداث 11 سبتمبر، وظهور ظاهرت عدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، زاد التنافس الدولي على موارد الطاقة النفطية في افريقيا، خاصة بعد اعتماد الصين استراتيجية جديدة، تمثلت في تنوع مصادر النفط مع اعطاء افريقيا اولوية جيوبوليتكية في هذه الاستراتيجية، والتوجه الصيني نحو الطاقة الافريقية يتم في اطار استراتيجية «المساعدات مقابل النفط».

وأخذ النفط الافريقي يفرض نفسه كأحد العوامل المؤثرة في النظام الدولي، إذ اخذ الجدل السياسي يدور حول استراتيجيات ادارة النفط الافريقي، الذي اصبح على اولوية اجندة القوى الكبرى في العالم، لاسيما بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وذلك مع اتجاه الدول الكبرى نحو التنوع في مصادر الامدادات النفطية.

ساعدت على ذلك الاحداث المضطربة في الشرق الاوسط، فالولايات المتحدة الامريكية والصين تأتيان في مقدمة الدول العالمية الاكثر استهلاكاً للطاقة النفطية، لهذا نجد انهما من اشد الدول اهتماماً بالنفط الافريقي، ما يوسع من دوائر الاضطراب السياسي في هذه القارة.

لهذا بدأت الدول الكبرى تضع استراتيجيات للتعامل مع البلدان الافريقية النفطية، اذ بلغ معدل الانتاج اليومي لهذه القارة 8 ملايين برميل يومياً، وهو ما يجعلها محط اطماع الدول الكبرى، ولهذا تعمل الدول الكبرى إلى وضع استراتيجية من شأنها تحقيق اقصى استفادة من النفط الافريقي، إذ تتطلع الولايات المتحدة الامريكية إلى المزيد من الاعتماد على النفط الافريقي، بقصد اتمام السيطرة على المخزون العالمي للنفط، وهذا ما دعاها الى محاصرة النفوذ الاوروبي في القارة الافريقية، فضلاً عن مواجهة التحرك الصيني في القارة الافريقية.

 

٭ علي زياد باحث عراقي متخصص في الشؤون الدولية

  كلمات مفتاحية

مصادر الطاقة النفط العراق أوراسيا أفريقيا الشرق الأوسط روسيا الصين أوروبا إيران

تطوير نفط القطب الشمالي يستهدف إطالة أمد أمن الطاقة في أميركا

«أوبك»: استقلال أمن الطاقة لكل دولة غير عملي ولا يناسب الاقتصاد الدولي

«التليجراف»: الولايات المتحدة لن تكون بديلا عن السعودية في سوق الطاقة العالمي

الناتو يجدد حرصه على استقرار الخليج وحماية خطوطه البحرية وضمان أمن الطاقة