المغرب وإسبانيا.. صراع حدودي حول كنز التروبيك

السبت 15 فبراير 2020 04:48 م

ما بين تطمينات دبلوماسية، وتشريعات سيادية، تطل أزمة ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا برأسها، وسط دعوات أوروبية للحوار والتوافق والتفاوض بخصوص النقاط الخلافية.

والشهر الماضي، صادق البرلمان المغربي، بالإجماع، على مشروعي قانون يبسطان سيادة المغرب البحرية على الأقاليم الجنوبية، ويخلقان منطقة اقتصادية خالصة بعرض 200 ميل، تشمل المياه الإقليمية لإقليم الصحراء.

لكن مدريد، حذرت من فرض واقع أحادي بشأن هذا الملف، مطالبة الرباط بصياغة قرار مشترك بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

إصرار مغربي

وينتهج المغرب منذ شهور، لهجة دبلوماسية متشددة حيال الملف، مؤكدا على لسان وزير خارجيته "ناصر بوريطة"، أحقيته في ترسيم حدوده البحرية دون أخذ إذن من إسبانيا، خاصة أن الأخيرة قامت بخطوة مماثلة بدون أخذ إذن الرباط.

وفي العام 2010 قامت إسبانيا بترسيم حدودها البحرية، بما في ذلك جزر الكناري (إسبانية ذاتية الحكم) دون أخذ موافقة المغرب.

وقال "بوريطة" عند عرضه مشروعي القانونين، الشهر الماضي: "سنبسط سيادتنا الكاملة على المجال البحري، لنؤكد بشكل واقعي، بأن قضية وحدتنا الترابية وسيادتنا على المجال البحري، محسومة بالقانون".

ويتعلق التطور الحاصل بترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لمدينتي "سبتة" ومليلية"، شمالي المغرب، (تابعتان للإدارة الإسبانية وتطالب الرباط باسترجاعهما)، وكذلك لـ"جزر الكناري" المقابلة للشواطئ الأطلسية للمغرب.

كذلك يطال الترسيم الحدود البحرية لإقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو" منذ العام 1975، وهو ما عبر "بوريطة"، قائلا:"كان من الضروري تحديد الإطار القانوني للحدود البحرية للمغرب، وإثبات سيادتنا من طنجة (شمال) إلى مدينة الكويرة (أقصى الجنوب).. واليوم نعبر بشكل واضح، أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه".

غضب إسباني

في المقابل، لم تلتزم مدريد الصمت إزاء الموقف المغربي، وطالبت بترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لجزر الكناري، ولمدينتي سبتة ومليلية، في إطار اتفاق مشترك، مهددة بتدويل الأزمة، إذا ما أقر المغرب خطوة أحادية الجانب.

وفي رسالة لها دلالتها، نشرت القوات الجوية الإسبانية مقاتلات من طراز "إف-18" فوق جزر الكناري، ما اعتبر جرس إنذار من مدريد للرباط، بإمكانية استخدام القوة العسكرية.

وأعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا، رفضه الخطوة المغربية، وهدد في بيان، بأن موقفه سيكون "حازما".

وتبعد المنطقة محل الصراع، أقل من 100 كيلومتر عن سواحل المغرب الجنوبية في المحيط الأطلسي، وتقول إسبانيا، إن الجزر البركانية الواقعة قبالة سواحل الجنوب المغربي، تمثل امتدادا جيولوجيا لجزر الكناري، وبالتالي هي جزء من الجرف القاري الإسباني.

كذلك صعدت حكومة جزر الكناري الإسبانية (ذاتية الحكم)، موقفها، مطالبة مدريد بتقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، قائلة، إن "إسبانيا لن تسمح للمغرب بمس مليمتر واحد من مياه أرخبيل جزر الكناري".

ومنذ العام 2012، تضغط حكومة "جزر الكناري"، على الحكومة المركزية في مدريد، للتنقيب على البترول في المياه المتنازع عليها، مع المغرب.

 وانضم إلى رافضي مشروعي القانونين جبهة "البوليساريو"، إذ تعتبر الجبهة أنه لا حق للمغرب في فرض السيادة على شواطئ الصحراء.

جبل الكنوز

وتقف حسابات المصالح وراء الخلاف المغربي الإسباني، خاصة ما يتعلق بحقوق التنقيب على حقول نفط وغاز جديدة، في تلك المنطقة، إضافة إلى ثروات أخرى من المعادن الثمينة.

وتفيد تقارير، بأن بركان "تروبيك" الموجود على عمق 1000 متر تحت سطح البحر، جنوب جزر الكناري، يحتضن ثروات ضخمة، واحتياطيات هائلة من المعادن والغازات والثروات الطبيعية.

ومن أبرز تلك الثروات التيلوريوم والكوبالت والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم، وهي عناصر تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية واللوائح الشمسية والهواتف الذكية.

وتُقدر احتياطيات جبل "تروبيك" من "التيلوريوم" بنحو 10% من الاحتياطي العالمي، في حين يحتوي على مخزون ضخم من "الكوبالت" يكفي لتصنيع أكثر من 270 مليون سيارة كهربائية، وهو ما يمثل 54 ضعف ما تمتلكه جميع دول العالم من هذا النوع من السيارات الحديثة والصديقة للبيئة.

سيناريوهات

وتلوح مدريد بالتصعيد للحيلولة دون سيطرة المغرب على الجزيرة البركانية، التي تحظى بثروات معدنية هائلة، وتهدد باللجوء لآليات دولية لإجهاض خطط الرباط لاستغلال تلك المنطقة، وربما تصل الأزمة إلى ساحة محكمة العدل الدولية بلاهاي.

في المقابل، تتمسك الرباط بحقوقها في "جبل الكنز الأطلسي"، نظرا إلى أن موقعه أقرب إلى السواحل المغربية منه إلى نظيرتها الإسبانية.

جدير بالذكر أن جبل "تروبيك" يقع تحت الماء، على بعد حوالي 250 ميلاً بحرياً، جنوب غرب جزيرة "هييرو"، بما يعني أنه يقع خارج المياه الخاضعة للسيادة الإسبانية بحوالي 50 ميلاً، أقرب إلى الفضاء البحري للجنوب المغربي، وتحديدا منطقة الصحراء الغربية.

إلى اللحظة، هناك رغبة مغرببة إسبانية لحل الأزمة دبلوماسيا، وربما الوصول إلى تفاهمات مشتركة، إذ قال "بوريطة" إن "إقرار التشريعين هو عمل سيادي، لكنه لا يعني عدم انفتاح المغرب على النقاش مع إسبانيا"، فيما ردت وزيرة الخارجية الإسبانية "أرانشا جونزاليز لايا"، بلهجة هادئة، قائلة إن "للمغرب الحق في ترسيم حدوده البحرية شريطة احترام الفضاء البحري الإسباني".

وترى قوى دولية، من أبرزها بريطانيا وألمانيا وفرنسا والهند والصين وروسيا وكوريا الجنوبية، أن من حقها استغلال هذه الثروات المعدنية الكبيرة، عبر الحصول على تراخيص استغلال مشتركة، بدعوى وقوع الجبل الذي يعرف كذلك بـ"المدار" خارج مجال السيادة المعترف به للدول المجاورة له.

ويتوقع مراقبون أن يكون جبل "تروبيك"، بما يحويه من ثروات وكنوز هائلة، ساحة صراع تحت الماء، بين المغرب وإسبانيا بالدرجة الأولى، وربما موريتانيا لاحقا، وقد تنضم مستقبلا أطراف دولية أخرى إلى هذا الصراع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب والجزائر يدفعان إسبانيا لاقتناء 20 مقاتلة يوروفايتر

إسبانيا: سبتة ومليلية مثل مدريد وموقف الحكومة المغربية لا يعنينا