الصين تلعب لعبة طويلة في سوريا

الأربعاء 12 فبراير 2020 04:07 م

منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، درس العديد من المحللين الدور الذي تلعبه الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية، مثل روسيا وإيران وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك لم تلق الصين سوى القليل من الاهتمام في معظم المناقشات حول الأزمة السورية.

وقد تأخر إجراء دراسة أعمق للعلاقات الصينية السورية وسياسات بكين تجاه سوريا، بالنظر إلى أن هذه العلاقة الثنائية ستصبح ذات أهمية متزايدة لكل من السياسة الخارجية الطموحة للصين وكذلك رؤية الحكومة السورية لإعادة الإعمار وإعادة التنمية.

ويعتبر مستقبل سوريا التي مزقتها الحرب مهما لبكين لمجموعة من الأسباب، فبعد أن أيدت الصين حكومة "بشار الأسد" ضد كل من الانتفاضة المناهضة للنظام وتنظيم "الدولة الإسلامية" (وإن لم تتورط عسكريا بشكل مباشر) تتطلع الصين لسوريا حيث يسعى المسؤولون في دمشق إلى الانتقال إلى مراحل إعادة الإعمار وإعادة التطوير في مرحلة ما بعد الصراع.

ومع استمرار العقوبات التي يفرضها الغرب على سوريا، فمن المحتمل أن تكون الصين شريكا عالميا متزايد الأهمية لدمشق يمكن أن يساعد في موازنة الضغط الغربي.

طوال الحرب في سوريا، لعبت الصين دوراً ضئيلاً نسبياً، منذ اندلاع النزاع، كانت بكين حذرة وعملية بشأن مقاربتها، وتتماشى الصين مع روسيا في القضايا الرئيسية المتعلقة بسوريا، كما يتضح من تصويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

بقيت مواقف بكين ثابتة إلى حد كبير، وتشمل: "الصراع السوري يتطلب حلا سياسيا يحدده الشعب السوري، يحتاج البلد إلى عملية انتقال سياسي، الوحدة السورية والمصالحة الوطنية أولوية، ويجب على المجتمع الدولي تقديم المساعدات الإنسانية إلى البلاد".

في الواقع، كان رأي بكين أن سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها عناصر يجب احترامها والتمسك بها، ما دفع وزارة الخارجية الصينية إلى دعوة تركيا إلى "ضبط النفس" بعد فترة وجيزة من إطلاق أنقرة عملية نبع السلام، وهي توغل عسكري في الشمال سوريا جرى في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

هناك هدفان رئيسيان حددا سياسات الصين تجاه سوريا.

أولاً، فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية، تريد بكين بناء شراكة قوية مع دمشق للحفاظ على العلاقات الودية والتعاون في قضايا مكافحة الإرهاب.

ثانياً، من الناحية الاقتصادية، تسعى القيادة الصينية إلى إقامة علاقات  تساعد بكين على تعزيز رؤيتها لمبادرة الحزام والطريق الطموحة.

إن مخاوف بكين الرئيسية من الجهاديين خارج الأراضي الصينية ركزت تاريخياً على أفغانستان، لسنوات، عبرت عناصر من جماعات مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM) والحزب الإسلامي في تركستان (TIP) إلى أفغانستان، حيث خططوا للقيام بأعمال ضد الدولة الصينية.

ومع ذلك، ومع صعود "الدولة الإسلامية"، بدأت الصين في اعتبار سوريا مصدر قلقها الرئيسي الجديد من منظور مكافحة الإرهاب، في حين أن الأرقام الدقيقة غير معروفة، يُعتقد أن المئات (إن لم يكن الآلاف) من الإيجور من شينجيانج قد انضموا إلى "الدولة الإسلامية" في بلاد الشام منذ ما يسمى بالخلافة في غرب العراق وشرق سوريا في عام 2014.

لدى بكين ودمشق أسبابهما الخاصة لتبادل المعلومات الاستخباراتية عن المواطنين الصينيين في سوريا في إطار شراكة ثنائية متنامية، من المنظور الصيني، فإن عودة هؤلاء الجهاديين الإيجور إلى شينجيانج بعد قتالهم مع "الدولة الإسلامية" في سوريا سيكون كابوسًا.

كما لاحظ خبراء مثل "جون كالابريس"، بأن هناك مصالح أمنية واقتصادية للصين في سوريا، وقد قال متحدث باسم وزارة الخارجية في بكين في نهاية عام 2017: "نحن ندعم الدول الإقليمية في تحقيق التعاون، وتعزيز مكافحة الإرهاب، والسعي لاستعادة الاستقرار والنظام الإقليميين. نحن ندعم بلدان المنطقة في استكشاف مسار تنمية مناسب لظروفها الوطنية، ونحن مستعدون لمشاركة تجربة الحكم وبناء مبادرة الحزام والطريق بشكل مشترك وتعزيز السلام والاستقرار من خلال التنمية المشتركة".

بالنسبة لطموحات المبادرة الصينية، تمثل سوريا ولبنان طريقًا إلى البحر المتوسط بديلاً لقناة السويس، ومن خلال الاستثمارات الكبيرة في الموانئ في شرق البحر الأبيض المتوسط، يسعى الصينيون إلى إحياء الممرات التجارية الأوروبية الآسيوية التاريخية التي تربط الصين بأوروبا وأفريقيا وأماكن أخرى.

لا شك أن دمج مدينة طرطوس الساحلية ودمشق في مبادرة الحزام سيعزز مكانة الصين الاقتصادية في بلاد الشام.

وقضى "الأسد" سنوات في السعي لجذب الاستثمارات الصينية لإعادة إعمار البلاد، في محاولة للبحث عن بديل عن لحكومات الغربية التي سلحت المعارضة السورية وفرضت الآن عقوبات وقيود اقتصادية شديدة على دمشق.

وفيما يتعلق بإعادة الإعمار في سوريا، فإن بكين لديها بعض الجلد في اللعبة، في عام 2017، استثمرت الصين ملياري دولار في مجمع صناعي في سوريا.

ويعرف المسؤولون في بكين أن "الأسد" يفضل على الأرجح روسيا وإيران والصين في مشاريع إعادة الإعمار، وأن العمل مع حكومات الدول المتحالفة مع "الأسد" (أو على الأقل الصديقة للأسد) أكثر ترجيحا لدمشق بدلًا من دول مجلس التعاون الخليجي التي دعمت المعارضة خلال الحرب السورية.

وتدرك الصين أنها لا تواجه منافسة حقيقية من الغرب عندما يتعلق الأمر بإعادة إعمار سوريا، كما أكد "الأسد" أن الولايات المتحدة وأوروبا لن تشارك في هذه العملية، تعهدت شركة "هواوي"، وهي شركة صينية متعددة الجنسيات في مجال التكنولوجيا، بإعادة تطوير شبكة الاتصالات الوطنية السورية.

في مقابلة في ديسمبر/كانون الأول 2019، قال "الأسد" إن الصينيين يساعدون في إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية (بما في ذلك الماء والكهرباء وما شابه ذلك)، كما أعرب عن أمله في أن تبدأ الشركات الصينية في البحث عن السوق السورية ودراستها.

وادعى "الأسد" أن المسؤولين في دمشق منخرطون في محادثات مع الشركات الصينية حول تحديد سبل تجنب العقوبات وتحسين الوصول إلى الأسواق في سوريا، كما أوضح أن "الدعم المقدم من الصين والدول الصديقة الأخرى في إعادة إعمار سوريا لا يقل أهمية عن الجهود العسكرية لاستعادة الاستقرار في سوريا وضرب الإرهاب ومكافحته".

والسؤال الرئيسي الآن هو مدى الخطر الذي تستطيع الصين تقبله في سوريا، مع بقايا تنظيم "الدولة الإسلامية" التي لا تزال موجودة، وكذلك استمرار سيطرة الجماعات المناهضة لـ"لأسد" على أجزاء كبيرة من إدلب.

وقد تكون الصين حذرة بشأن استثمار المزيد من الموارد في سوريا إذا كانت الظروف الأمنية ستجعل مثل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر.

ومع ذلك، من الآمن المراهنة على أن الصين ستواصل بذل الجهود لتعميق شراكتها مع سوريا، ليس فقط لتظل لاعباً رئيسياً في إعادة إعمار البلاد ولكن أيضاً للاستثمار في علاقات جيدة مع دمشق للأغراض الجيوسياسية.

وتعتبر الصين وروسيا قوتين صاعدتين في العالم العربي وكلاهما يستفيدان من الأخطاء الاستراتيجية لواشنطن ويعملان على ملء الفراغات في المنطقة المضطربة.

بالنسبة لبكين، فإن نمو شراكتها مع دمشق لا يرتبط إلى حد كبير بالطموحات الصينية في مواجهة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط وتأكيد نفوذها في غرب آسيا، ولكنه مرتبط بالعمل على جعل الصين مركز التجارة العالمية في القرن الحادي والعشرين.

بالنظر إلى المستقبل، هناك احتمال كبير بأن تتباين مواقف الصين والغرب حول النزاع السوري والأسئلة المتعلقة بشرعية "الأسد" بالإضافة إلى الملفات الأخرى مثل هونج كونج وحقوق الإنسان والتجارة والتكنولوجيا.

المصدر | جورجيو كافييرو | معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إعادة إعمار سوريا نظام الأسد الحرب السورية

ما حقيقة انخراط قوات صينية في القتال بسوريا؟

وزير الخارجية الصيني: الولايات المتحدة خطر على بلادنا

الصين تدين العقوبات الاقتصادية على سوريا وتصفها بغير الشرعية

الأولى منذ 2011.. وزير خارجية الصين يصل إلى سوريا للقاء الأسد