استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن غزو الكويت وانحطاط السياسة

الاثنين 3 أغسطس 2015 04:08 ص

قبل ربع قرن، صحا العالم على بيان درامي أذاعته وسائل الإعلام العراقية باسم عقيد في الجيش الكويتي أعلن فيه باسم «الضباط الأحرار» إزاحة العائلة الحاكمة عن السلطة، لا لإعلان جمهورية كما فعل «ضباط أحرار» سبقوه في عدة بلدان عربية، بل لمناشدة العراق ضم الفرع، أي الكويت، إلى الأصل وهو العراق. استجاب صدّام حسين للطلب بالطبع ليعلن الكويت محافظة عراقية تاسعة عشرة صار اسمها «محافظة النداء».

لم يكـــن بوسع القيادة العراقية تصوير تسويق غـــزوها بغــــير تلك الكوميديا المبتذلة. كل سياسات البعث، من حروبه ضد الأكراد حتى انقلابه على مشـــروع وحدة، بدا على وشك التحقّق مع سورية عــــام 1979 كانت تُبرّر بالدفاع عن الأمة العربية. وكـــان لا بد أن يظهر الغزو بمظـــهر تلبـــية نداء أطلقــــه شعــــب شقيق لا غـــزواً لبـــلد آخر. وقد عوّل صدّام حسين علـــى بــؤس ذاكرة جمهور كان حتى الأمس يتابع نـــزاعاً بيـــن الكويت والعراق كدولتين حـــول النفـــط وترسيم الحــــدود. وتسلّل من دون إثارة كثير مــــن الانتباه خطاب لرئيس الوزراء في ذكرى مرور شهر على الغزو عرض فيه، كأي مستعمر، نتائج فتوحاته من حيث زيادة احتياطي النفط العراقي واتّساع مسافة السواحل العراقية على الخليج.

زيف الخطاب الرسمي العراقي ومراوغته إلى حد الخبث آنذاك كانا امتداداً لخطاب شجّعه وتواطأ معه حلفاء العراق في العالم العربي والغرب والاتحاد السوفياتي الذين قلّ إجماعهم على قضية ذات بعد دولي كحربه مع إيران وما تفرّع عنها من جرائم. فحين وصلت معلومات استخبارية مؤكدة إلى الرئيس الأميركي ريغان تفيد بأن العراق بدأ باستخدام أسلحة كيماوية ضد إيران، وكان هذا في 1983، أي قبل استخدام ذلك السلاح على نطاق واسع في السنوات اللاحقة وقبل قصف حلبجة الكردستانية بخمس سنوات، كتب ريغان هامشاً بخط يده، في وثيقة بالغة السرية تم الكشف عنها مؤخراً، «لا بد من منع إيران من الانتصار بأي ثمن». وانتهى الأمر إلى تظاهر عالمي بأن الأمر ليس غير فبركة إيرانية.

وحين سوّق صدّام حسين هجومه على إيران كدفاع عن «البوّابة الشرقية للأمة العربية»، صفّق له الحلفاء وكان لا يزال يحتل أراضي إيرانية بعد.

عشيّة غزو الكويت، وصل الخطاب الرسمي العربي إلى ذروة تعفّنه مع انحطاط سياسة عرب المشرق. وليس مبالغة القول إن هذا الخطاب لم يكن نتاج انحطاط السياسة فقط، بل كان سبباً في ذلك الانحطاط. ما كان لسياسة غير منحطّة القبول بخطاب كهذا، وما كان لخطاب متعفّن أن يلقى صدى لولا السياسة المنحطّة.

إعلان العراق انتصاره في الحرب على إيران عام 1988 صار مسلّمة غير قابلة للنقاش. والحجّة الأثيرة هي أن الخميني وافق على وقف إطلاق النار قائلاً بأنه كان يفضّل تجرّع السمّ بدل هذا القبول. لم يرد الخميني وقف إطلاق النار لأن إيران انهزمت في الحرب، بل لأنه حدّد هدفاً لها هو إسقاط نظام البعث وهو ما لم يستطع تحقيقه. لقد انتهت الحرب إلى حيث ابتدأت إذ لم تحقق أياً من مطالب صدّام.

أكان بوسع صدّام ألا ينتفخ والعرب يتوّجونه بطلاً للأمة بإعلانه منتصراً في الحرب؟

لم يكن صدّام هو من أدخل التعفّن إلى الخطاب الرسمي (والخطاب السياسي غير الرسمي) العربي. عرف المشارقة هذا النوع من الخطاب منذ صعود عصر الحماسات الثورية. لكنّ أحداً لم يكن يجرؤ على وصف إسرائيل بأنها منهزمة لأنها وافقت على وقف إطلاق النار بعد إلحاقها الهزيمة بثلاثة جيوش عربية خلال ستة أيام في حرب حزيران (يونيو) 1967. وتحايل العرب على تلك الهزيمة المدوّية بوصفها «نكسة»، لكنهم لم يجرؤوا على تسميتها انتصاراً. لكن التعفّن الذي لا يتم استئصاله لا بد أن يتفاقم.

هكذا أعلن صدّام حسين بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت عام 1991 أن العراق انتصر، إذ تمكن من مجابهة تحالف من ثلاثين دولة. أهم من كل التحليلات كانت النكتة التي انتشرت بين العراقيين آنذاك: «كان الله بعون الأميركان المهزومين إذا كان هذا هو حالنا نحن المنتصرين».

مع احتلال الكويت، سقط تعبير الأمة العربية من قاموس العمل السياسي، وكان لا بد له أن يسقط لأنه كان شعاراً خاوياً لم يؤمن به أحد. وما كان «قضية العرب المركزية» أي فلسطين، بات هامشاً. وكان الاحتلال وما تلاه مدخلاً لمزيد من الانحطاط. انحطاط تمثّل في إحلال حسابات انتهازية قصيرة النظر محل الشعـــارات القومية الطنّانة. حسابات ارتدّت فيما بعــد على الحاسبين. حسابات قيادات فلسطينية لم تبال يوماً بهموم العرب لأن العالم يجب أن يتمحور حول مصالحها. ضوء أخضر حصل عليه حافظ الأسد لمعاودة احتلال لبنان مقابل مشاركته في التحالف في حرب تحرير الكويت. وضوء أخضر أعطي لصدّام المهزوم لسحق انتفاضة شعبية كان لا بد لانتصارها أن ينتج نظاماً أفضل من نظام ما بعد 2003.

ويبقى أخطر تلك الحسابات القصيرة النظر، في رأيي، التعاطي الكويتي مع نتائج هزيمة صدّام ومع قرارات الحصار الدولي الذي تم فرضه على العراق بسبب الاحتلال. كانت ثمة مرارة مفهومة ومبرّرة بين الكويتيين الذين تعرّضوا لبشاعات سكتوا عنها حين مورست بحق الشعب العراقي. لكن إصرار دولة ما بعد التحرير على دفع عراق جائع لتعويضات آنية عن انتهاكات صدّام كان سياسة انتقامية أكثر منها سياسة تحسب للمدى البعيد. كان حصار ثلاث عشرة سنة أقسى ما تعرّض له أي بلد في العصر الحديث، بما في ذلك الحصار على ألمانيا المهزومة بعد كل من الحربين العالميّتين. وكان بوسع الكويت استخلاص الدروس إذ حوّل صدّام نقمة الشعب على نظامه إلى نقمة على العالم وصوّر نفسه مدافعاً عن كرامة العراقيين في مواجهته.

ثمة غرائز في العراق وغيره أُطلقت من عنانها. غرائز يسهل توجيهها من عدو خارجي إلى آخر وفق تغيّر الظروف. كانت السعودية والخليج أعداء لصدّام حسين وأنصاره السنّة منذ احتلال الكويت حتى سقوطه. وكانت أميركا كذلك حتى وقت قريب. وليس ثمة مبرّر للاطمئنان بأن تلك الغرائز لن تتحول بهذا الاتجاه أو ذاك.

في تلك الذكرى الأليمة، ستعيد قنوات البث التلفزيونية الكويتية مسرحية «فارس العرب» اللاذعة في سخريتها من صدّام. وسيسعى العراقيون إلى محو كابوس الكويت من ذاكرتهم.

ولكن لعل أولى خطوات فهم بشاعة ما حصل قبل ربع قرن، إن لم نقل تجاوزها، هي إجراء مسح للذاكرة الشفاهية لكويتيين وعراقيين من أجيال وأطياف مختلفة ينبئنا بما علق بها من تلك الأحداث وكيف يرونها الآن. وأجزم أن هذه ستمثل مساهمة قد تفوق من حيث الأهمّية تحليلات خبراء النفط أو تحليلات خبراء العلاقات الدولية لأسباب الاحتلال وعواقبه الكارثية.

* عصام الخفاجي كاتب عراقي.

  كلمات مفتاحية

العراق غزو الكويت الجيش الكويتي صدام حسين حزب البعث الأكراد الأمة العربية

بعد 25 عاما .. مغردون خليجيون يتذكرون غزو الكويت ويشيدون بالسعودية

الفساد على عينك يا دولة.. فهل يُنقذ ديوان المحاسبة نزاهة الكويت؟!

«عزة الدوري»: غزو الكويت كان خطأ جسيما وسببا رئيسيا في تدهور العراق

الكويت في ذكرى الغزو: الانقسام الداخلي التهديد الأخطر

كويتيون يحيون ذكرى غزو بلادهم من العراق: شكرا للسعودية