ماليزيا.. كيف خسر مهاتير محمد مناورة الاستقالة؟

الأحد 1 مارس 2020 01:07 م

"قطعت وعدا بتسليم السلطة وسأفعل.. ما يعنيني بالأمر، هو أنني سأتنحى وأسلمه (أنور إبراهيم) السلطة. إذا كان الناس لا يريدونه فهذا شأنهم، لكنني سأفي بما وعدت به... بصرف النظر عن أي مزاعم. لقد قطعت وعدا وسأفي به".

لم يمضي سوي 3 أشهر فقط على هذا التعهد الواضح لـ"مهاتير محمد" رئيس وزراء ماليزيا، وأكبر رئيس وزراء في العالم (94 عاما)، بتسليم السلطة لـ "أنور إبراهيم" (72 عاما) الذي كان من المفترض أن يخلف الأول بعد فترة انتقالية لمدة عامين، عقب نجاح تحالفهما الانتخابي الذي نجح في تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية عام 2018.

وقبل انتخابات 2018، شكل "أنور إبراهيم" -الذي كان يقبع في السجن آنذاك- و"مهاتير محمد" تحالف الأمل الذي نجح في إسقاط ائتلاف تحالف "باريسان" الذي يهيمن عليه حزب "المنظمة الوطنية المتحدة للملايو"، الذي حكم ماليزيا لمدة 60 عاما.

ولكن فى خطوة مفاجأة، أعلن "مهاتير محمد" استقالته وقدمها إلى ملك ماليزيا "عبدالله رعاية الدين أحمد شاه" الأسبوع الماضي، ليقوم الملك لاحقا بتعيين "محيي الدين ياسين" وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء السابق في منصب رئيس الوزراء الجديد.

خلفيات الأزمة

كان ينظر إلى تولي "أنور إبراهيم" المحتمل لرئاسة الوزراء، وفقا لتعهد "مهاتير" بأنه أشبه بالمكافأة التي طال أمد تحققها بعدما حالت سنوات السجن دون وصوله إلى السلطة.

وطوال الفترة الماضية، ثارت الشكوك حول نوايا "مهاتير" بتسليم المنصب إلي "إبراهيم"، فعندما سئل الأول في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي إذا كان تسليم السلطة سيتم في ديسمبر/كانون الأول عام 2020 أجاب قائلا "سنبحث ذلك عندما يحين وقته"، ورأي أنه يحتاج لمزيد من الوقت لإخراج البلد المثقل بالديون من مشاكله.

لكن خلال الفترة الأخيرة، تعرض "مهاتير" لضغوط من أنصار "أنور إبراهيم" لدفعه للإعلان عن جدول زمني لتسليم السلطة للأخير، وزادت التوترات بين الرجلين اللذين لديهما إرث طويل من الخلافات يمتد لعقدين.

وفى المقابل اقترح "مهاتير"، بصفته رئيسا مؤقتا للوزراء، تشكيل حكومة موحدة دون ولاء لحزب سياسي في وقت تعاني فيه ماليزيا من الانكماش الاقتصادي وتأثير فيروس كورونا المستجد.

غير أن الطرفان لم يتوافقا وتصدع "تحالف الأمل" الحاكم بعد انسحاب نواب حزب "مهاتير" منه، ليقدم "مهاتير" استقالته في نهاية المطاف إلى ملك البلاد.

وكان التحالف الحاكم بين "مهاتير" و"أنور إبراهيم" مكونا بالأساس من 4 أحزاب، هي حزب عدالة الشعب بزعامة "أنور إبراهيم"، وحزب العمل الديمقراطي، وحزب الأمانة الوطنية، وحزب سكان ماليزيا الأصليين، "بيرساتو" الذي يترأسه "مهاتير".

مناورة "مهاتير"

من الواضح أن استقالة "مهاتير محمد" كانت مجرد مناورة للعودة مجددا إلى السلطة على رأس حكومة جديدة بالالتفاف على تحالفه مع "أنور إبراهيم". وظهر ذلك في تصريحات "مهاتير" بعد استقالته التي أكد فيها إنه سيعود لرئاسة الوزراء بشكل كامل إذا حظي بدعم البرلمان، وإنه يرغب في تشكيل حكومة ليست موالية لأي حزب سياسي.

وكان من شأن تشكيل حكومة تضم مختلف الانتماءات الحزبية أن تمنح "مهاتير" سلطة أكبر مما حظي به خلال رئاسته للوزراء في المرة الأولى من عام 1981 حتى تقاعده في عام 2003.

وفي هذا الصدد قال "جيمس شين"، مدير معهد آسيا في جامعة تسمانيا، "إن مهاتير كان يراهن أن الجميع كانوا سيختارونه للعودة إلى السلطة مجددا، لذا فإنه كان يخاطب النواب كأفراد وليس كأحزاب".

فى المقابل، قال "أنور إبراهيم" إنه يعارض تشكيل "حكومة في الظل" وإن 3 أحزاب من تحالف الأمل الحاكم سابقا اقترحوا اسمه على الملك لمنصب رئيس الوزراء.

ولكن مع استقالة "مهاتير" اتضح حجم التباينات بين الكتل السياسية في البرلمان؛ حيث انقسم البرلمان إلى 3 لا تملك أي منها أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة، وهو ما يسمى في العرف السياسي بـ"البرلمان المعلق"؛ ما جعل الملك للتدخل طبقا للدستور.

هذه الكتل على الترتيب هي كتلة السياسي "أنور إبراهيم" المعروفة باسم "تحالف الأمل" ويقدر أعضاؤها بالبرلمان بنحو 92 عضوا، وكتلة "مهاتير محمد" التي تقدر بنحو 60 مقعدا، وكتلة "التفاهم المشترك" لحزبي "المنظمة الوطنية المتحدة للمولايو"، (أمنو)، و"الحزب الإسلامي" (باس)، التي تقدر كذلك بنحو 60 مقعدا.

ولا يمكن لأي كتلة تشكيل الحكومة لوحدها ما لم تحصل على 113 مقعدا في البرلمان المكون من 222 نائبا، وفي حالة عدم الاتفاق على مرشح، ينص الدستور على اللجوء لانتخابات مبكرة.

بالتزامن مع ذلك، بدأ ملك ماليزيا يجري مشاوراته الخاصة مع نواب البرلمان للاتفاق على خليفة "مهاتير محمد"، وهي مشاورات كان "مهاتير" يراهن أنها ستأتي به إلى السلطة في نهاية المطاف، لكن المفاجأة حدثت عندما أعلن الملك تسمية "محيي الدين ياسين" كرئيس جديد للوزراء مؤكدا أنه نجح في تأمين الأصوات البرلمانية اللازمة لتزكية ترشيحه.

ويرأس "ياسين" في الوقت الراهن حزب "بيرساتو"، ونجح في تأمين الوصول إلى السلطة عبر دعم حزبي "المنظمة الوطنية المتحدة للمولايو"، (أمنو)، و"الحزب الإسلامي"، (باس).

أزمة سياسية

وينذر تعيين "محيي الدين ياسين" بمفاقمة الأزمة السياسية في ماليزيا خاصة بعد رفض "مهاتير محمد" لتنصيبه، مؤكدا أنه لا يمتلك الأغلبية البرلمانية اللازمة للفوز بالمنصب.

وقبل ساعات، أقسم وزير الداخلية السابق البالغ من العمر 72 عاماً اليمين الدستورية في القصر الوطني في كوالالمبور مرتديا الزي التقليدي.

لكن "مهاتير" أكد من جديد خلال مؤتمر صحفي أن "محي الدين" لا يملك دعم الغالبية البرلمانية، مؤكدا: "هذا أمر غريب جداً. يشكل الخاسرون حكومة، والمنتصرون يتحولون إلى المعارضة".

وأضاف "مهاتير" بالقول: "دولة القانون لم تعد موجودة"، مؤكداً أنه سيطلب اجتماعاً طارئاً للبرلمان حتى يثبت "محي الدين" أنه يملك الغالبية.

ومن أجل الاستمرار في السلطة، يحتاج "محيي الدين ياسين" لإثبات أنه يحظى بدعم 112 نائبا على الأقل، أما في حال فشل رئيس الوزراء الجديد في إثبات ذلك -وهو ما لا يبدو مرجحا وفقا لتأكيدات الملك- فإن ماليزيا سوف تدخل في موجة من الاضطراب السياسي في انتظار إجراء انتخابات جديدة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مهاتير محمد أنور إبراهيم انتخابات ماليزيا

ملك ماليزيا يدعو مهاتير محمد للقائه بعد استقالته المفاجئة

مهاتير محمد يكشف عن مساعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية

أزمة بعد استقالة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد

مهاتير محمد يقدم استقالته لملك ماليزيا

مهاتير محمد يؤكد تخليه عن السلطة في نوفمبر المقبل

بلومبرج تروي التفاصيل الدرامية لاستقالة مهاتير محمد.. كيف خذله حلفاؤه؟

ماليزيا ترفض اتهامات بريطانية بانقلاب ملكي ضد مهاتير