المونيتور: روسيا درست خيارات شبه عسكرية ضد تركيا

الأحد 1 مارس 2020 04:28 م

تحدث الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هاتفيا مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان" بشأن التصعيد الأخير في إدلب. وفي اليوم السابق، قيل إن غارات جوية من قوات النظام السوري، بدعم من موسكو، قتلت أكثر من 30 من الجنود الأتراك وأصابت أكثر من 70.

وقال الكرملين حول المكالمة: "تبادل الرئيسان وجهات النظر حول الوضع في سوريا بالتفصيل. وتم الإعراب عن قلق شديد إزاء تصاعد التوترات في إدلب، الذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، بما في ذلك من صفوف الجيش التركي. وتم التأكيد على أهمية رفع كفاءة قنوات التنسيق بين وزارتي الدفاع في روسيا وتركيا".

وأضاف: "وأكد الطرفان على ضرورة اعتماد تدابير إضافية لتهدئة التوتر في شمال غرب سوريا. واتفق الطرفان على تكثيف المشاورات بين الأجهزة ذات الصلة واستكشاف إمكانية عقد اجتماع رفيع المستوى في المستقبل القريب".

وجاء في البيان: "تم تسليط الضوء على الحرب ضد الجماعات الإرهابية الدولية كأولوية".

وفي وقت سابق، قالت وزارة الدفاع الروسية: "تعرض الجنود الأتراك داخل الوحدات القتالية للجماعات الإرهابية لإطلاق النار من الجيش السوري في 27 فبراير/شباط بالقرب من بلدة بهون".

وذكرت الوزارة أنها كانت على اتصال دائم مع النظراء الأتراك، وأنها طلبت وتلقت بانتظام معلومات عن مكان وجود القوات التركية. ووفقا للبيانات التي قدمتها أنقرة، تزعم موسكو أنه لم يكن هناك جنود أتراك بالقرب من بهون عندما قام النظام السوري بمهاجمة "الإرهابيين".

وفي وقت سابق اليوم، عبرت سفينتان حربيتان روسيتان مسلحتان بصواريخ كروز من "سيفاستوبول"، القرم، عبر مضيق البوسفور في إسطنبول إلى مياه البحر المتوسط.

وردت تركيا على الهجمات من خلال شن ضربات عسكرية على المواقع السورية، وزعمت تحييد 309 من قوات النظام. كما فتحت حدودها أمام اللاجئين السوريين لدخول أوروبا، ومن المحتمل أن تضغط على الأوروبيين لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد روسيا وسوريا. وأثار قرار "أردوغان" ردود فعل غاضبة من اليونان، التي نشرت تعزيزات من الشرطة إلى نقاط التفتيش الحدودية مع تركيا لمنع تدفق المهاجرين الجدد. كما دعت أنقرة إلى عقد اجتماع طارئ لـ "الناتو" حول الوضع في سوريا.

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، "ينس ستولتنبرغ": "ندعو روسيا والنظام السوري إلى وقف الهجمات، ووقف الهجمات الجوية العشوائية.. كما ندعو روسيا وسوريا إلى الاحترام الكامل للقانون الدولي".

ولم تكن موسكو مندهشة من ردود الفعل هذه، التي أظهرت أن أنقرة ليست مهتمة بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، بل إنها عزت الهجمات إلى قوات النظام السوري، وليس القوات الروسية، لكنها تسعى إلى ربط يدي موسكو بسوريا عبر الوسائل السياسية.

وحذر العقيد المتقاعد "فيكتور موراكوفسكي"، رئيس تحرير مجلة "الترسانة الوطنية" العسكرية الروسية، من "بكاء الذئب".

وقال: "هذه ليست حربا ضد تركيا، بل وضع تأكيد على الخطوط الحمراء التي قرر البعض اختبارها. منذ فترة طويلة تم الاتفاق على قواعد اللعبة الكبيرة مع تركيا. ولقد ضمنا (روسيا)، أولا، منع الاشتباكات بين الجيشين الروسي والتركي. ثانيا، حرية الحركة للقوات الجوية الروسية ضد الجماعات الإرهابية في إدلب. ثالثا، منطقة حظر طيران على القوات الجوية التركية في سماء سوريا، رابعا، تنسيق حركة ونشر الوحدات التركية في المناطق السورية مع القيادة العسكرية الروسية. خامسا، دوريات مشتركة على الطرق المتفق عليها. سادسا، فرض حظر على نقل منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى جهات فاعلة من غير الدول".

وأشار "موراكوفسكي" إلى أن تركيا، أو جماعات المعارضة الموالية لها، ربما استخدمت نسخة تركية الصنع من طائرة "ستينغر مانباد" لمحاولة إسقاط طائرة روسية فوق إدلب.

وانتهت اجتماعات عديدة بين الجيشين الروسي والتركي دون نتائج، مع عزم الطرفين على الصمود في إدلب. ورأت روسيا عجزا لدى تركيا أو عدم رغبة منها في الالتزام بأحكام اتفاق "سوتشي" لعام 2018 بين "بوتين" و"أردوغان" بشأن فصل المعارضة عن "الإرهابيين"، وفتح الطريقين السريعين "إم 4" و"إم 5" الاستراتيجيين، اللذين يمتدان عبر البلاد من الشرق إلى الغرب والشمال إلى الجنوب، على التوالي.

وعلى مدار الأيام التي سبقت الضربات، ناقشت الدوائر العسكرية الروسية العديد من السيناريوهات شبه العسكرية تجاه تركيا، وهي إشارة تهديد إلى حيث يتجه الوضع.

وكتب العقيد "ميخائيل خودارينوك"، في 21 فبراير/شباط: "إذا حدث توغل عسكري هائل للجيش التركي في سوريا، فقد تخرج الأمور عن السيطرة. ما يعني أن خطر نشوب صراع عسكري إقليمي واسع النطاق قائم إلى حد كبير"

ويعتقد "خودارينوك" أن لدى تركيا قوة عسكرية كافية لتجاوز جيش "الأسد" خلال أيام. ويرىبأن النتيجة النهائية في مثل هذه الحرب يقررها موقف القوى الأخرى، أي روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وأضاف: "إذا اختارت موسكو عدم التدخل، فسيكون ذلك إخفاقا سياسيا وعسكريا". وقال إن الكرملين كلاعب جيوسياسي في الشرق الأوسط لن يسمح بهذا، مضيفا: "ستضيع أكثر من 5 أعوام من جهود موسكو في سوريا، وسيكون هذا ثمن عدم التدخل الروسي في إدلب".

ومع ذلك فقد حذر بنفس القدر من الانخراط العسكري الروسي المفتوح ضد تركيا، مؤكدا أن "تركيا سيكون لها تفوق ساحق في الأفراد والأجهزة العسكرية، حيث أن روسيا بعيدة جدا عن مسرح العمليات، ولن يكون لديها الوقت أو القدرات اللوجستية لجلب الأفراد أو المعدات اللازمة من أجل كسب هذه الحرب، وستحتاج روسيا إلى نقل كمية هائلة من الطائرات والوقود والذخيرة".

وقال "خودارينوك" إن السبيل الوحيد لردع "أردوغان" عن المزيد من التصعيد سيكون التهديد بالأسلحة النووية التكتيكية. لكن التداعيات الدولية بالنسبة لروسيا قد تكون شديدة للغاية بحيث لن تنظر بجدية في هذا الخيار.

وقال "فلاديمير دزاباروف"، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الأعلى للبرلمان الروسي: "إذا راهن الأتراك على القوة العسكرية، فستكون هذه فكرة سيئة للغاية، لأن الفوز بمثل هذه الحرب سيكون صعبا".

ومع ذلك، فإن القرارات الرئيسية التي تجري مناقشتها في هذه اللحظة من غير المرجح أن يتم اتخاذها إلا من خلال قياس القدرات العسكرية لكل قوة ضد الأخرى.

وقال مصدر في الحكومة الروسية طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ "المونيتور": "كانت الهجمات قرارا سيئا وصعبا. لكننا لا نريد حربا، بل نهتم بالأعمال ونريد أن يأخذ شركاؤنا في أنقرة مخاوفنا والتزاماتهم على محمل الجد".

ويبدو أن "بوتين" و"أردوغان" غير راضيين بشكل متزايد عن بعضهما البعض، ولكن كلا منهما لا يزال بحاجة إلى الآخر في سوريا وخارجها. وباستعارة وصف "زواج المصلحة" الذي يتم استخدامه بشكل متكرر للإشارة إلى الشراكة بين روسيا وتركيا، يتعين على الطرفين البقاء معا "من أجل الأطفال"، أي التجارة المشتركة، والاعتماد المتبادل المتزايد في إمدادات الطاقة، ومحطة "أكويو" للطاقة النووية، وصفقة منظومة "إس-400" الصاروخية، وكذلك العقود الممكنة الأخرى والاستثمارات السياسية التي حققها الزعيمان في تطوير العلاقة.

وبالنسبة لروسيا، لم تنخفض قيمة تركيا في هذه المجالات وغيرها؛ بل نمت منذ الاختبار الأخير الذي واجهته موسكو وأنقرة عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وفي ظل هذا القياس، تبدو الشراكة مع سوريا أقل أهمية بكثير.

ومع ذلك، فإن ثمن عدم الوقوف إلى جانب حليفها في دمشق يقاس بعملة مختلفة في موسكو، وهي العملة التي تشتري المكانة العالمية. إلى حد ما، يجد كل من الزعيمين نفسه في زاوية ضيقة مع مزيج من التوقعات العالية تجاه بعضهما البعض، وفي حيرة بين الوعود التي قطعاها لبعضهما البعض، ولحلفائهما ووكلائهما، فضلا عن التحركات الاستفزازية على الأرض وطموحات القوة العظمى لدى كل منهما. ولكن هذه الأنواع من الأزمات هي التي تميل إلى تحديد التوجه الاستراتيجي للبلد.

المصدر | ماكسيم سوشكوف - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

معركة إدلب العلاقات التركية الروسية فلاديمير بوتين رجب طيب أردوغان

روحاني يقترح عقد لقاء ثلاثي يجمع إيران وتركيا وروسيا بشأن إدلب

هكذا يحاول حفتر استغلال انشغال تركيا في سوريا عسكريا وسياسيا

صراع أردوغان وبوتين يرسم ملامح نظام عالمي جديد

روسيا تسرع حشدها العسكري بسوريا تحسبا لفشل اجتماع أردوغان وبوتين

بوتين في اختبار صعب بين أردوغان والأسد