هل ينجح كورونا فيما فشلت فيه العقوبات الأمريكية ضد إيران؟

الأربعاء 4 مارس 2020 07:03 ص

اضطرت إيران خلال الأسبوعين الماضيين للتعامل مع انتشار فيروس "كورونا" الذي أدى حتى الآن إلى 388 إصابة و 34 حالة وفاة في البلاد.

كافحت الحكومة لاحتواء الفيروس، وبعد ما يزيد على أسبوع بقليل ظهرت أعمال شغب بسبب سوء إدارتها للأزمة.

لم يكن للفيروس عواقب سياسية فحسب، بل كان له تداعيات اقتصادية أيضًا، خاصةً بسبب إغلاق المعابر الحدودية مع بعض شركاء إيران التجاريين الأكثر أهمية.

يأتي عدم الرضا عن طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة في وقت حرج للغاية بالنسبة للنظام، فخلال العامين الماضيين، طبقت الولايات المتحدة حملة الضغط الأقصى على إيران، على أمل أن تضغط على موارد البلاد المالية، وتحرض على الاضطرابات الاجتماعية وتقلص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

فعلت الولايات المتحدة ذلك بشكل رئيسي من خلال العقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني وتسببت في قدر من الاضطرابات، لكنها فشلت في إضعاف النظام إلى درجة الانهيار.

ومع ذلك، فإن تفشي "كورونا" قادر على تقويض النظام بطرق لم تتمكن منها العقوبات الأمريكية.

ومع ذلك، لا يُتوقع أن تنهار الحكومة تمامًا تحت الضغط؛ حيث ستدير طهران الأمر من خلال تطبيق حظر التجول والحجر الصحي وغيرها من الإجراءات لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

لكن فيروس "كورونا" يمثل مشكلة أخرى من شأنها أن تتسبب في تصاعد الإحباط من الحكومة، فهو يسلط الضوء على انعدام الثقة المتزايد تجاه النظام، وكذلك في قدرة الحكومة على الصمود في وجه الشدائد.

اقتصاد الظل المتأثر الحقيقي

سلط الكثيرون الضوء على الآثار المحتملة للأزمة على الاقتصاد الإيراني، لا سيما الآثار على التجارة والعملة الإيرانية، لكن الاقتصاد الرسمي للبلاد لن ينال ضربة كبيرة مثل البلدان الأخرى المتأثرة كالصين وإيطاليا.

فقد شلت العقوبات الاقتصاد الإيراني من قبل، ما أجبر البلاد على تقليل اعتمادها على الصادرات والاعتماد بشكل متزايد على التجارة غير المشروعة.

وفي حين أن تفشي المرض سيثني الدول الأخرى عن التجارة مع إيران ويؤثر على قدرات وصولها إلى العملات الأجنبية، لكن قائمة المشترين الراغبين في الصادرات الإيرانية محدودة أصلًا، وقد انخفضت قيمة الريال الإيراني بالفعل بشكل كبير.

بدلاً من ذلك، سيكون التأثير الاقتصادي للأزمة محسوسًا بشكل أكبر في اقتصاد الظل، الذي كان أهم سلاح إيراني ضد العقوبات.

انخفض الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة 4.8% في عام 2018، و9.5% إضافية في عام 2019، وارتفع مستوى البطالة إلى 16.8% العام الماضي، كما تصاعد الركود الاقتصادي نتيجة النقص الحاد في الواردات وارتفاع تكاليف المعيشة، واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية ونظام المعاشات التقاعدية المتعثر، مع ارتفاع أسعار الخبز واللحوم والسكر والحليب.

لذلك لجأ الإيرانيون بشكل متزايد إلى السوق غير الرسمية كوسيلة للبقاء، وفي عام 2017، قُدر الاقتصاد الإيراني غير الرسمي بحوالي 36 إلى 38% (بقيمة 12.3 مليار دولار) من النشاط الاقتصادي في البلاد.

بحسب خبراء، يجري تهريب بضائع بقيمة 10 إلى 15 مليار دولار  عبر حدود إيران سنويًا، وعلى النقيض من ذلك، بلغت قيمة الصادرات غير النفطية المتداولة عبر القنوات الرسمية حوالي 650 مليون دولار في عام 2019.

وفر التهريب مصدر دخل لآلاف الإيرانيين العاطلين عن العمل، في الوقت الذي اشتدت فيه الصعوبات الاقتصادية.

كما مكن الاقتصاد غير الرسمي سوق تصدير النفط الإيراني من البقاء، لأن العقوبات الأمريكية لا تستهدف سوى تجارة السلع الإيرانية في السوق الرسمية.

في مايو/أيار 2019، أعلنت الولايات المتحدة عن سلسلة جديدة من العقوبات بقصد إبطاء إنتاج الخام الإيراني ليصل إلى الصفر، وكانت الحملة ناجحة إلى حد ما؛ حيث انخفضت الصادرات الإيرانية بنسبة 87% عن مستويات عام 2016، وانخفض إنتاج النفط إلى 2.1 مليون برميل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن 3.8 مليون برميل يوميًا في عام 2018.

ولذلك، اضطرت طهران إلى اللجوء إلى وسائل أخرى، بما في ذلك التهريب، لبيع صادراتها الأكثر ربحية.

في عام 2018، قدر الخبراء أن ما بين 5.3 مليون إلى 10.6 مليون جالون من النفط الخام يتم تهريبه إلى خارج إيران يوميًا؛ رغم أن هذا الرقم قد انخفض بلا شك مع انخفاض الإنتاج.

عملت شبكات الوكلاء والميليشيات الشيعية العراقية الموالية لطهران كوسطاء يمكن الاعتماد عليهم في شبكات التهريب الإيرانية، خاصة تلك الميليشيات ضمن "قوات الحشد الشعبي" العراقية؛ والتي كلفتها الحكومة العراقية بحراسة بعض نقاط التفتيش الحدودية والدوريات على الطرق السريعة وحماية حقول النفط.

كما ساعدت الجماعات الشيعية العراقية والحرس الثوري في تهريب النفط الإيراني الخام إلى سوريا، التي تعد الآن أكبر عميل للنفط الإيراني.

يتم تهريب النفط الخام عادة عبر الحدود باستخدام الشاحنات الكبيرة والصغيرة من خلال نقاط التفتيش غير الرسمية أو التي تحرسها الميليشيات، خاصة على طول التضاريس الصعبة مثل الأهوار في محافظة "ميسان".

غالبًا ما يتم نقل الشحنات بين الجماعات الشيعية العراقية بإشراف لوجستي إيراني محدود ويتم نقلها على طول طريق "البوكمال-القائم" السريع على الحدود العراقية السورية.

بالرغم أن الشاحنات الكبيرة (لا يمكن أن تحمل سوى حوالي 120 برميلًا من النفط) والشاحنات الصغيرة (يمكن أن تحمل 12 برميلًا فقط) ليست فعالة مثل ناقلات النفط، فقد حولت شبكة الوكلاء الإيرانية الواسعة في العراق التهريب عبر الحدود إلى واحدة من أكثر الوسائل التي يُعتمد عليها لتوزيع النفط الإيراني إلى الأسواق الخارجية.

لكن هذه الطريقة ستتعرض للخطر إذا أغلق العراق حدوده بسبب مخاوف من فيروس "كورونا"، أغلق العراق فعلًا بعض المعابر لعدة أيام لمنع انتشار الفيروس، وسوف يعتمد التأثير الاقتصادي على مدى صرامة عمليات إغلاق الحدود وحظر السفر من وإلى إيران.

لن ينتهي التهريب بالكامل، حيث إن المعابر الحدودية ضعيفة الحراسة ستستمر في تمكين التجارة غير المشروعة، لكن عنصر الخوف سيكون له بالتأكيد تأثير على الاقتصاد الإيراني غير الرسمي.

فقد تم ربط جميع الإصابات المبلغ عنها في العراق ولبنان بإيران، وسيتردد الأشخاص المتورطون في الاتجار بالسلع بشكل متزايد في التعامل مع الإيرانيين، خاصة أن الحالات في المنطقة تستمر في الارتفاع في البلدان التي تفتقر إلى معدات الوقاية والخدمات الطبية والمستشفيات التي تعمل بكفاءة.

حتى إذا لم تنفذ الحكومة العراقية إغلاق الحدود بصرامة كما تقول، فإن الفيروس قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الإيراني غير الرسمي.

تهديد سياسي

الأهم من ذلك، أن الفيروس يأتي إلى إيران في وقت غير مناسب سياسياً، في أول أسبوعين من اندلاع المرض في إيران، أظهرت الحكومة علامات على عدم الاستعداد، حيث أدت العقوبات والركود إلى تقليص نظام الرعاية الصحية الإيراني لأدنى حدوده، ما حرمه من المعدات الطبية المهمة والموظفين والخبرات.

اعتبارًا من عام 2019، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن البلاد بها 10 أطباء فقط لكل 10 آلاف شخص، (على سبيل المقارنة، يوجد في الولايات المتحدة 45 طبيبًا لكل 10 آلاف، وترى رابطة الكليات الطبية الأمريكية حتى أن هذا نقص).

تدفقت التقارير من إيران حول عدم وجود أقنعة واقية ومطهرات لليد ومعدات طبية كافية في كل من المناطق الريفية والحضرية، كما أن سلوك الحكومة في الإبلاغ عن الإصابات قد أزعج المشرعين المعارضين والمواطنين على حد سواء.

أعلنت طهران عن الحالتين اللتين ضربتا مدينة قم في 19 فبراير/شباط، أي قبل يومين من الانتخابات البرلمانية في البلاد، وحجبت معلومات عن 18 حالة إضافية وحالتي وفاة، ما يعني أن معدل الوفيات أعلى من المعدل العالمي بأكثر من 3%، ليومين إضافيين.

لكن الحكومة كانت لديها مصلحة قوية في التقليل من شأن حجم تفشي المرض، خاصة بعد أقل من شهرين من اندلاع الاحتجاجات إثر إسقاطها بطريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية خلال قصف صاروخي استهدف القوات الأمريكية في العراق، وقبل الانتخابات التي كانت ستصبح مثيرة للجدل بشكل حتميّ.

ففي يناير/كانون الثاني، استبعد "مجلس صيانة الدستور" 6850 مرشحًا إصلاحيًا، ما تسبب في غضب واسع النطاق بسبب الافتقار إلى التمثيل الديمقراطي وأدى إلى دعوات - خاصة في المناطق الحضرية- لمقاطعة التصويت.

آخر ما كان ينقص الحكومة إذن هو تفشي فيروسي واسع النطاق من شأنه أن يلحق المزيد من الضرر بمصداقيتها والانتخابات.

في النهاية، كانت نتيجة الانتخابات مواتية للمرشد الأعلى "علي خامنئي"، حيث حصل 30 من المتشددين المحافظين على مقاعد في المجلس، صوّت 42.57% فقط من الإيرانيين، وهي أدنى نسبة مشاركة منذ الثورة الإسلامية عام 1979 متراجعة بنسبة 20% تقريبًا عن الانتخابات السابقة في عام 2016.

لعبت المخاوف من الإصابة بالتأكيد دورًا في إبعاد الإيرانيين عن صناديق الاقتراع، ولم تفوت الحكومة اتهام "أعدائها" بالتهويل من تفشي المرض للتأثير في شؤونها الداخلية، حتى لو كان الإقبال المتدني في النهاية لصالح الحكومة.

في أعقاب الانتخابات، حين أصبح تفشي المرض واضحًا، ظهرت أعمال شغب بسبب سوء تعامل الحكومة مع الفيروس.

ففي "تالش" -وهي مدينة في مقاطعة "جيلان" بشمال إيران- احتج الناس على تكتم الحكومة يوم 23 فبراير/شباط حتى فرقتهم قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع.

وفي أصفهان، احتج طلاب الطب أمام "جامعة العلوم الطبية" على عدم وجود معدات وإمدادات واقية كافية، بينما في "رشت"، بدأ المتظاهرون في إشعال النار في الشوارع لمعارضة عمليات إغلاق الشوارع غير المبررة، وقوبلوا بحملات قمع من قوات الأمن، أما في النجف، فقد حاول المتظاهرون الغاضبون من رفض الحكومة إغلاق مطار المدينة الدولي منع وصول المسافرين.

في مواجهة الاضطرابات المتزايدة، حاولت طهران القضاء على التهديدات السياسية في مهدها، ففي 26 فبراير/شباط، اعتقلت وحدة مكافحة جرائم الإنترنت في إيران 24 شخصًا متهمين بنشر الشائعات حول الفيروس، وحذرت وسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الإبلاغ عن الحالات التي تتعارض مع التقارير الرسمية.

كما ألغت الحكومة تدريجيًا التجمعات الاجتماعية وأغلقت المواقع الدينية والمدارس ومنعت المباريات الرياضية في المقاطعات المتضررة، بالإضافة إلى مدن أصفهان ومشهد وتبريز وشيراز وطهران، والتي ستتحول قريباً إلى حجر صحي وحظر كامل للتجول.

في ظل هذه القيود، سيكون من الصعب تنسيق التجمعات الكبيرة المناهضة للحكومة، لكن هذا لا يعني أن الاستياء السياسي من النظام لن يستمر في التفاقم.

النظام لن ينهار

في بلدان غير مستقرة مثل إيران، لا يمثل تفشي فيروس "كورونا" أزمة صحية فحسب، بل يمثل أيضًا تهديدًا سياسيًا واقتصاديًا للنظام.

وفي مواجهة حملة العقوبات الساحقة، تكافح الحكومة للاستمرار وإبعاد المتظاهرين عن الشوارع ومواصلة حملتها لنشر نفوذها في المنطقة.

تفتقر المستشفيات الإيرانية إلى الأدوات الطبية المناسبة، ويتسبب الذعر في إعاقة الاقتصاد غير الرسمي، الذي يكافح من أجل التعويض عن الاقتصاد الرسمي المترنح.

في ظل مثل هذا الغموض السياسي والاقتصادي، لا يمكن للحكومة الإيرانية تحمل تكاليف هذه الأزمة والخروج منها دون أن يصيبها أذى.

ومع ذلك، فبعد كل ما تمكن النظام من تحمله في السنوات الأخيرة، من المحتمل أن يحتاج تغيير النظام الإيراني إلى ما هو أكثر من فيروس "كورونا".

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا العقوبات الأمريكية على طهران الاحتجاجات الإيرانية

نائب رئيس البرلمان الإيراني: إصابة 23 نائبا بفيروس كورونا

واشنطن تطالب بالإفراج عن معتقليها لدى طهران

مسؤول إيراني: العقوبات الأمريكية لا تستثني حتى الأدوية في هذه الظروف

خامنئي وروحاني: عقوبات واشنطن جعلتنا نكتفي ذاتيا