خيارات أوروبا لمواجهة أزمة الهجرة الجديدة

السبت 7 مارس 2020 04:20 م

في 1مارس/آذار، أعلنت تركيا أنها لن تطبق اتفاقًا سابقا مع الاتحاد الأوروبي لمنع المهاجرين من دخول أوروبا. ومنذ ذلك الحين، يحاول عشرات الآلاف من المهاجرين دخول اليونان من تركيا، مما زاد المخاوف في أوروبا من أزمة هجرة أخرى تلوح في الأفق.

رداً على ذلك، عززت الحكومة اليونانية الأمن على حدودها وأعلنت أنه لن يتم قبول أي طلبات لجوء لمدة شهر. وما لم تغير تركيا موقفها في الأسابيع المقبلة، فستصبح الحدود البحرية والبرية اليونانية نقطة الوصول الأكثر سخونة للمهاجرين القادمين إلى أوروبا. ولكن على عكس الأزمة في عام 2015، ستجد أثينا عددًا أقل من دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للمساعدة في رفع العبء هذه المرة.

في قلب أزمة المهاجرين الجديدة، تكمن رغبة تركيا في المراهنة على اتفاقية الهجرة التاريخية مع الاتحاد الأوروبي. حيث إن تعثر الاقتصاد التركي له تأثير سياسي مباشر على شعبية الحكومة، وتدرك أنقرة أنها قد تكون غير قادرة في النهاية على منع توغل روسيا والنظام السوري في إدلب.

وتواجه شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا خطر التراجع وسط غضب وتضرر قطاعات شعبية واسعة، والذين يرون أن عدد اللاجئين الكبير في البلاد هو المسؤول جزئياً عن مظالمهم. وقد تبين ذلك من خلال الانتخابات البلدية لعام 2019 في البلاد، والتي تكبد فيها حزب العدالة والتنمية خسائر كبيرة بين الناخبين في المناطق الحضرية الذين يعيشون على مقربة من اللاجئين. هذا، بالإضافة إلى أن الرياح الاقتصادية المعاكسة التي مرت بها تركيا منذ عام 2015، أوجدت بيئة أكثر عدائية في تركيا للاجئين. وفي عام 2019، فرضت أنقرة قيود إقامة أكثر صرامة على اللاجئين.

على خلفية هذه التهديدات الاقتصادية والسياسية المتصاعدة، أظهرت أنقرة أنها مستعدة لخرق اتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوروبي لتأمين المزيد من الدعم، وعلى وجه التحديد، تريد تركيا المزيد من الأموال للمساعدة في إيواء اللاجئين والمهاجرين الذين تستضيفهم حاليًا، والمزيد من الدعم الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا والنظام السوري، بما في ذلك دعم منطقة حظر الطيران وإعادة توطين اللاجئين على المدى الطويل في شمال سوريا.

تدرك أنقرة أن التهديد بإلغاء اتفاقية المهاجرين الحالية يمكن أن يساعد في إجبار بروكسل على الالتزام. ومن المحتمل أن تكرر أزمة الهجرة الجديدة بعض أنماط الأزمة السابقة، بما في ذلك:

نقص قدرة اليونان

يوجد لدى اليونان مساحة محدودة للغاية للتعامل مع المهاجرين الجدد، وقد وصل حوالي 75 ألأف لاجيء إلى اليونان العام الماضي، وهو أعلى رقم في الاتحاد الأوروبي. حوالي 42 ألف منهم محاصرون في معسكرات المهاجرين في الجزر، حيث لا تسمح لهم أثينا بالانتقال إلى البر الرئيسي حتى يتم تسوية وضعهم القانوني.

تشير التقارير الواردة من الميدان إلى أن معظم المهاجرين محشورون في منشآت لا تستوعب أعدادهم. في الأشهر الأخيرة، احتج المهاجرون في بعض الجزر، وخاصة في "ليسبوس"، التي تضم حوالي 25 ألف طالب لجوء.

الحدود المغلقة على طول طريق هجرة البلقان

 في عام 2015، وجد العديد من المهاجرين أن البلدان الواقعة على طول طريق الهجرة من البلقان إلى شمال أوروبا، بما في ذلك صربيا والمجر، أغلقت حدودها.

إذا اندلعت أزمة أخرى في الأشهر المقبلة، فمن المحتمل أن تغلق بلدان مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية وصربيا (التي ليست في الاتحاد الأوروبي) حدودها مرة أخرى في محاولة لإغلاق طريق الهجرة.

قد تفعل المجر، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، نفس الشيء إذا زاد ضغط الهجرة بشكل كبير.

المزيد من المال ونشاط أقل من بروكسل

بموجب قواعد الهجرة الحالية للاتحاد الأوروبي، يتعين على المهاجرين التقدم بطلب للحصول على اللجوء في البلد الذي يدخلون فيه أولاً إلى الاتحاد الأوروبي، وقد احتجت اليونان منذ فترة طويلة باعتبار أن وضعها يجعل هذا الأمر غير عادل. ولكن لا يزال من غير المرجح بذل جهد منتظم واسع النطاق لتوزيع المهاجرين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، حيث سترفض بلدان في شمال وشرق أوروبا أي تحرك لتغيير هذه القواعد.

إذا تفاقمت الأزمة، وازداد عدد الوافدين إلى اليونان ودول أخرى على الحدود الخارجية للاتحاد، فمن الأرجح أن نرى اتفاقات ثنائية، ستقبل بموجبها دول مثل ألمانيا مجموعات صغيرة من المهاجرين في محاولة لتخفيف الأزمة على اليونان. في غضون ذلك، من المرجح أن تواصل بروكسل ضخ الأموال لحل المشكلة كما فعلت في مواقف مماثلة في الماضي.

وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، حيث أعلنت المفوضية الأوروبية أنها سترسل 700 مليون يورو (791 مليون دولار) إلى اليونان للمساعدة في التعامل مع التدفق الأخير للمهاجرين، بالإضافة إلى إرسال موظفين إضافيين من حرس الحدود الأوروبية وخفر السواحل للمساعدة في حماية حدود اليونان.

الاختلافات عن أزمة 2015

بالإضافة إلى أوجه التشابه هذه، هناك أيضًا بعض الاختلافات المهمة التي ستحدد ماهية أزمة الهجرة الحالية مقارنة بالأزمة في عام 2015:

سياسات اللجوء الأكثر صرامة في الاتحاد الأوروبي

سيواجه بعض المهاجرين الآن وقتًا أصعب في طلب اللجوء مقارنةً بما كانوا عليه في عام 2015، وخاصة أولئك الذين كانوا في تركيا لسنوات ولا يمكنهم حقًا الاحتجاج بالهرب من الصعوبات الشديدة. وفي حين أن هذا قد يؤثر سلبًا على حماسة بعض المهاجرين لمحاولة العبور إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، إلا أن محاولات العبور في الأيام الأخيرة تشير إلى أن المخاطر بالنسبة لآلاف المهاجرين لا تزال تستحق المخاطرة.

وفيما يخص الأشخاص الذين كانوا في سوريا ونزحوا بسبب الأحداث الأخيرة في إدلب، فقد تكون لديهم فرصة أفضل للحصول على وضع اللاجئ بنجاح، ولكن سيظل هناك صعوبات.

في يناير/كانون الثاني، أدخلت اليونان قواعد لجوء جديدة تجعل عملية تقديم الطلبات أسرع، وتهدف أيضًا إلى جعل عمليات الترحيل أسرع بالرغم أن أثينا ستستمر على الأرجح في الكفاح من أجل فرض عمليات الترحيل، ومن المحتمل أن يظل العديد من المهاجرين الذين تم رفض طلبات اللجوء الخاصة بهم في اليونان ليبقوا في طي النسيان القانوني.

شكوك ألمانيا حول طالبي اللجوء

في حين أن ألمانيا قد تقبل عددًا قليلاً من المهاجرين من اليونان، إلا أنها لن تفتح حدودها كما فعلت قبل 5 سنوات. كان رد فعل ألمانيا على أزمة الهجرة عام 2015 من خلال الترحيب بحوالي مليون طالب لجوء إلى البلاد، مما أضعف شعبية المستشارة "أنجيلا ميركل" وساهم في قرارها بعدم السعي لإعادة الانتخاب في عام 2021.

وساهمت سياسة ألمانيا في عام 2015 أيضًا في ظهور حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي أصبح حزب المعارضة الرئيسي منذ الانتخابات العامة في البلاد عام 2018. قد يكون رد فعل ألمانيا على أزمة الهجرة الجديدة مختلفًا هذه المرة. في الواقع، تنشر الحكومة الألمانية تغريدات باللغة العربية والفارسية والإنجليزية والألمانية قائلة إن برلين تدعم جهود أثينا الأخيرة لحماية حدود الاتحاد الأوروبي، وتهدف أساسًا إلى تثبيط المهاجرين عن محاولة القدوم إلى الاتحاد الأوروبي.

بدلاً من استقبال المهاجرين، من المرجح أن تدعم ألمانيا منح موارد وأموال ومساعدات إضافية لليونان للمساعدة في حماية الحدود مع تركيا. سوف تتواصل برلين أيضًا مع أنقرة لمحاولة الحفاظ على اتفاقية الهجرة، وربما تقترح حتى التعاون بشأن قضايا مثل إنشاء منطقة حظر طيران في شمال غرب سوريا.

أخيرًا، ستزيد ألمانيا من الضغوط على روسيا لتهدئة الصراع في سوريا. ولكن المشكلة بالنسبة لألمانيا هي أن تأثيرها محدود للغاية على موسكو، الفاعل الرئيسي في الحرب، وليس لديها سوى القليل لتقدمه لتركيا بخلاف أموال الاتحاد الأوروبي والدعم الدبلوماسي.

التأثير على ايطاليا

من غير المرجح أن تتأثر إيطاليا بشكل كبير بأزمة الهجرة الجديدة، لأن اقتصادها الضعيف سيجعلها وجهة نهائية أقل جاذبية للمهاجرين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي من تركيا مقارنة بالدول الأكثر أمانًا ماليًا مثل النمسا وألمانيا وهولندا والسويد.

بدلاً من ذلك، فإن التهديد الرئيسي لإيطاليا هو الأحداث في تركيا التي تشجع المهاجرين في أجزاء أخرى من العالم على محاولة الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. إذا حدث هذا، يمكن إعادة تنشيط طرق الهجرة التي كانت هادئة نسبيًا في السنوات الأخيرة، مثل الطريق الليبي الإيطالي.

في منتصف عام 2017، توصلت إيطاليا إلى اتفاق مع الحكومة الليبية لجعل خفر السواحل الليبي يبدأ في اعتراض قوارب المهاجرين مقابل المال والموارد والتدريب. لكن هذه الصفقة هشة لسببين رئيسيين:

1. قد تقرر منظمات الاتجار بالبشر التي تنقل المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى ليبيا، ثم إلى إيطاليا، أن الظروف مهيأة مرة أخرى لاستئناف عملياتها بسبب أوضاع حكومة ليبيا الضعيفة والهشة.

2. قد تقرر الحكومة الليبية الحالية أيضًا أن أزمة هجرة جديدة في أوروبا هي فرصة جيدة لمطالبة إيطاليا بالمزيد من الأموال والموارد في مقابل الحفاظ على موافقتها.

ستحدث زيادة كبيرة في وصول المهاجرين في وقت صعب للغاية بالنسبة لإيطاليا. من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي منخفضًا جدًا في البلاد في عام 2020، وقد يؤدي تأثير تفشي فيروس "كورونا" المستمر إلى تعرضها للركود.

أعلنت السلطات في روما مؤخرًا عن حزمة تحفيز للتعامل مع تراجع الاقتصاد، لكن أزمة الهجرة ستخلق مشاكل اقتصادية إضافية. في الوقت نفسه، فإن الحكومة الائتلافية الإيطالية هشة، وحزب "الرابطة" اليميني، الذي لديه موقف قوي ضد الهجرة، يصعد بقوة.

وينبغي الإشارة إلى أن إجراء انتخابات مبكرة في إيطاليا في سياق أزمة الركود والهجرة سيزيد بالتأكيد من فرص فوز حزب "الرابطة" في التصويت والوصول إلى السلطة وهي نتيجة من شأنها أن تثير المزيد من الرعب في الأسواق المالية وثقة المستثمرين الهشة بالفعل، بالنظر إلى أن بعض أعضاء حزب "الرابطة" يدفعون لمغادرة إيطاليا "منطقة اليورو".

المصدر | أدريانو بوسوني - ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ملف الهجرة الهجرة إلى أوروبا الاتحاد الأوروبي معركة إدلب

ألمانيا: الاتحاد الأوروبي سيفي بالتزامات اتفاق الهجرة مع تركيا

أردوغان وميركل يبحثان هاتفيا الهجرة وتطورات سوريا وليبيا