أزمة سد النهضة.. هل نشهد مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا؟

الاثنين 16 مارس 2020 07:27 م

يدفع فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، إلى طرح خيارات غير تقليدية للأزمة التي وصلت إلى طريق مسدود، خصوصا بعد رفض أديس أبابا حضور الجولة الأخيرة من المفاوضات في واشنطن نهاية الشهر الماضي والتوقيع على الاتفاقية التي أعدها الجانب الأمريكي.

وتبدي أديس أبابا تشددا في موقفها، وقد أعلنت البدء في تعبئة السد، يوليو/تموز المقبل، مؤكدة على لسان وزير خارجيتها "غودو أندارجاشيو" بنبرة غلب عليها التحدي، أن "الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه".

ومن آن لآخر، تلوح دوائر إعلامية مصرية بخيار الحرب، خاصة بعد عقد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" اجتماعا موسعا لقيادات القوات المسلحة، 3 مارس/آذار الجاري، طالب خلاله بضرورة الاستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي؛ لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، بحسب المتحدث الرئاسي المصري.

بعدها بأيام، اجتمع رئيس وزراء إثيوبيا "آبى أحمد"، مع قادة الجيش، لافتا إلى أن ثقته في قواته المسلحة تعززت بعد هذا اللقاء.

ودعا "أحمد" الإثيوبيين إلى الوحدة لإنهاء مشروع سد النهضة، قائلا إن "شجاعة الشعوب الإثيوبية تتمثل في إكمال سد النهضة الكبير، وجعل إثيوبيا مصدرا للطاقة لجيرانها".

الميزان العسكري

وفق تصنيفات مؤسسة "جلوبال فاير باور" المختصة بالشؤون العسكرية للدول، للعام 2019، فإن الجيش المصري يحتل المرتبة الـ12 عالمياً، في قائمة أقوى جيوش العالم، بميزانية دفاع تصل إلى 4.4 مليار دولار، بينما يقبع نظيره الإثيوبي في المرتبة 47 عالمياً من بين 137 دولة، بميزانية دفاع تبلغ 340 مليون دولار.

ويتفوق الجيش المصري من حيث العدد، إذ يضم بين صفوف 920 ألف جندي بينهم 440 ألف جندي فاعل و480 ألف جندي في قوات الاحتياط، بينما يبلغ مجمل عدد أفراد الجيش الإثيوبي 140 ألف جندي.

ويمتد التفوق المصري، إلى القوة الجوية، بامتلاك 1092 طائرة حربية متنوعة، بينها 211 مقاتلة، و341 طائرة هجومية، و59 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 388 طائرة تدريب، و293 مروحية عسكرية منها 46 مروحية هجومية، في تفوق واضح على الجيش الإثيوبي الذي يمتلك 82 طائرة حربية فقط، منها 26 مقاتلة و16 طائرة هجومية، بالإضافة إلى 9 طائرات شحن عسكري و33 مروحية عسكرية منها 8 مروحيات هجومية فقط.

ويمتلك الجيش المصري أكثر من 2160 دبابة و5735 مدرعة و1000 مدفع ذاتي الحركة وأكثر من 2189 مدفع ميداني، إضافة إلى 1100 راجمة صواريخ، بينما نظيره الإثيوبي يمتلك 800 دبابة و5735 مدرعة، و85 مدفع ذاتي الحركة.

بحريا، يبدو التفوق واضحا لصالح مصر أيضا حيث يضم الأسطول البحري لها قرابة 320 قطعة بحرية منها حاملتا طائرات و7 طرادات، و4 غواصات، إضافة إلى 50 سفينة دورية و9 فرقاطات، بينما لا تمتلك إثيوبيا، وهي دولة حبيسة، أي أسطول بحري.

مخاطر جمة

وعلى الرغم من ميل الميزان العسكري لصالح مصر، فإن إنخراط القاهرة في عملية تفاوضية استمرت نحو 10 سنوات، يصعب من خيار اللجوء إلى القوة، خاصة مع وجود المفاوض الأمريكي وصعوبة القفز على تبني واشنطن لخيار المفاوضات السلمية بين الجانبين.

بخلاف ذلك، تبدو مصر منشغلة أكثر بتأمين جبهتها الشرقية على الحدود مع ليبيا، ودعم حليفها "خليفة حفتر" لاقتحام العاصمة طرابلس، وتزداد مخاوفها بعد قرار تركيا التدخل عسكريا لصالح حكومة "الوفاق" المعترف بها دوليا، وهو ما يعني أنه من الصعب على الجيش المصري فتح جبهتين في آن واحد، شرقا في ليبيا، وجنوبا مع إثيوبيا. 

ويقلل من احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري، عدم وجود حدود برية بين مصر وإثيوبيا، وفي حال شن حرب برية يتعين على مصر اللجوء إلى طرف ثالث (السودان أو إريتريا)، والطرفين حاليا على وفاق سياسي مع أديس أبابا، ويصعب عليهما التورط في حرب ليست في صالحهما.

اقتصاديا، تعاني مصر من فاتورة دين خارجي تتجاوز حاجز الـ109 مليارات دولار، وفق بيانات رسمية، وجدول صعب لسداد قروض وودائع مستحقة الآجال، وفوائد دين بنسب مرتفعة، خلال 2020، تصل قيمتها إلى 18.6 مليار دولار، وبالتالي فهي في وضع مأزوم لا يمكنها من تحمل فاتورة حرب إضافية ومكلفة.

ويزيد من هذه المعاناة تداعيات انتشار فيروس "كورونا" المرجح أن تستنزف جهود مواجهته جزءا كبيرا من الميزانية المصرية خاصة مع إعلان القاهرة تخصيص 100 مليار جنيه مصري (حوالي 6 مليارات دولار) لمواجهة الفيروس.

هذا كله مع تجاهل الآثار البيئية المباشرة لعملية قصف السد جويا، خاصة على السودان، أحد دولتي المصب إلى جانب مصر.

الموقف الإثيوبي

في ضوء ذلك يرى مراقبون أن زمن الخيار العسكري ولى وانتهى، وأن أديس أبابا نجحت في المماطلة والتسويف، حتى تمكنت من إنهاء عمليات إنشاء السد الذي بات واقعا، وتبقى فقط عدة أمور ونواح فنية لتشغيله فعليا. 

ويعزز من الموقف الإثيوبي، سياسيا، توقيع مصر على "إعلان المبادئ" مارس/آذار 2015، الذي "يعتبر بناء السد حقا لإثيوبيا على ألا ينجم عنه أضرار جسيمة بمصر والسودان" ونص على تسوية أي خلاف "من خلال التفاوض".

ويعد نجاح "آبي أحمد" في عقد مصالحة تاريخية مع الجارة اللدوة سابقا إريتريا، سبتمبر/أيلول 2018، ورقة قوية في يد الجانب الإثيوبي، تم بموجبها تحييد أسمرة عن دعم القاهرة في أية حرب محتملة ضد أديس أبابا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حملت تصريحات "آبي أحمد"، نبرة تحد غير معتادة، قائلا في جلسة استجواب برلمانية: "يقول البعض أموراً عن استخدام القوة من جانب مصر، يجب أن نؤكد أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد".

وأضاف:"إذا كانت هناك ضرورة للحرب نستطيع حشد الملايين"، وهي تصريحات أثارت "صدمة وقلق" القاهرة، بحسب بيان الخارجية المصرية.

مساعدة إسرائيلية

عسكريا، عززت إثيوبيا من قدراتها، وأنهت بمساعدة إسرائيلية، تركيب منظومة الدفاع الجوي المضادة للطائرات"Spyder-MR" حول سد النهضة، وقد دخلت الخدمة فعليا منذ شهور، بحسب موقف "ديبكا" الاستخباراتي.

ووفق تقارير فرنسية، فإن "آبي أحمد" طلب من فرنسا تعزيز قدرات بلاده الجوية والصاروخية، مطالبا في صفقة كبيرة بالحصول على 12 طائرة مقاتلة من طرازي "رافال" و"ميراج 2000"، و18 طائرة هليكوبتر، وطائرتين للنقل العسكري، و10 درونات داسو، وأنظمة تشويش إلكترونية، و 30 صاروخاً من طراز "M51" الذي يبلغ مداه أكثر من 6000 كيلومتر والقادر على حمل رؤوس نووية.

هذه المتغيرات تعقد المعادلة، وترفع من قدرة الجانب الإثيوبي لحماية السد، بل وكشف أية مخططات قد تستهدفه، عبر تعاون استخباراتي وثيق مع تل أبيب، التي تأمل وصول مياه النيل إليها.

تبقى كل الاحتمالات واردة، لكن توقيع مصر على الاتفاقية التي أعدها الجانب الأمريكي، يؤشر إلى أن نظام "السيسي" يؤثر خيار التفاوض، والضغوط الدبلوماسية من قبل حلفائه لتأمين حصة معقولة لمصر من مياه النيل قد تصل إلى 40 أو 37 مليار متر مكعب بدلا من الحصة الحالية (55 مليار متر مكعب)، وفق تقارير غربية.

الخلاصة أن خيار الحرب مكلف للطرفين، وحساباته معقدة، وهو بلا شك مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد تلجأ مصر إلى مجلس الأمن والتحكيم الدولي لحسم النزاع، وربما تلجأ لتقديم تنازلات جديدة لإثيوبيا لبلوغ الحد الأدنى من مطالبها، مع البحث عن مصادر بديلة لتعويض النقص المحتمل لحصتها من مياه النيل.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جيوبوليتكال فيوتشرز: خيارات مصر في التعامل مع أزمة سد النهضة

على وقع أزمة سد النهضة.. مباحثات عسكرية مصرية مع الكونجو والسودان