جيوبوليتكال فيوتشرز: خيارات مصر في التعامل مع أزمة سد النهضة

الخميس 19 مارس 2020 03:23 م

وصف المؤرخ اليوناني القديم "هيرودوت" مصر بأنها "هبة النيل"؛ لأنه بدون النيل، لن تكون مصر موجودة.

لكن خط الحياة هذا، الذي يوفر ما يقرب من 99% من احتياجات مصر من المياه، يواجه تهديدا تعتقد الحكومة أنه يمكن أن يكون كارثيا على سكان البلاد.

سيكون سد النهضة الإثيوبي، المقرر الانتهاء منه في عام 2023، أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة توليد أكثر من 15 ألف جيجاوات من الكهرباء في الساعة، لكن لسنوات، كان المشروع مصدرا رئيسيا للتوتر بين إثيوبيا ومصر، حتى إن إثيوبيا رفضت حضور المحادثات في أواخر فبراير/شباط في واشنطن لحل النزاع.

وبعد مرور 9 سنوات على إنشاء السد، يبدو أن خيارات مصر لعرقلة المشروع تتقلص.

المواجهة

في عام 1929، منحت المعاهدة الأنجلومصرية (تنظم استخدام مياه نهر النيل) مصر حصة سنوية من المياه تبلغ 48 مليار متر مكعب والسودان 4 مليارات متر مكعب وذلك من المجموع السنوي المقدر بـ84 مليار متر مكعب، وأعطت المعاهدة مصر حق النقض ضد أي محاولة من قبل دول النهر (خاصة إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا) لبناء السدود على طول النهر.

في عام 1959، وقعت مصر والسودان اتفاقية محدثة زادت حصتهما من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب و 18.5 مليار متر مكعب على التوالي.

وبما أنها لم تشارك في المفاوضات، فقد رفضت إثيوبيا الاعتراف بالاتفاقيتين، واصفة إياها ببقايا الاستعمار، وتقول إثيوبيا إن مصر ليس لها الحق في المطالبة بنصيب الأسد من مياه النيل وتعطيل خطط التنمية الإثيوبية الخاصة، بما في ذلك بناء سد النهضة، الذي يقع على النيل الأزرق، وهو نهر ينبع من بحيرة "تانا" الإثيوبية.

تريد إثيوبيا ملء خزان السد، الذي تبلغ سعته الإجمالية 74 مليار متر مكعب، في غضون 3 سنوات، لكن مصر اقترحت فترة تعبئة مدتها 7 سنوات، حاولت مصر أيضًا دون جدوى إقناع إثيوبيا بتخفيض سعة الخزان من 74 مليار متر مكعب إلى 14.5 متر مكعب وارتفاع السد من 145 مترًا إلى 90 مترًا.

هناك جانب آخر للنزاع يتعلق بحصة المياه، تريد مصر ضمان 40 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، لكن إثيوبيا تطرح 31 مليار متر مكعب فقط. اقترحت الولايات المتحدة منح مصر 37 مليار متر مكعب، ومن المرجح أنه سيتم تخصيص مصر 35 مليار متر مكعب في صفقة تسوية.

لم توافق مصر قط على اتفاقية الإطار التعاوني لعام 2010، التي وقعتها إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي والتي تعزز التوزيع العادل لمياه نهر النيل، لأنها ستطلب من مصر تقليل حصتها في إمدادات المياه.

هناك عامل آخر يعقد المحادثات وهو عدم رغبة مصر في التنازل عن طلبها أن يبقى مستوى المياه في السد العالي بأسوان 165 مترًا فوق مستوى سطح البحر.

ومن السهل أن نرى لماذا تعتبر مصر نهر النيل مسألة وجودية، مصر صحراء قاحلة، ويعيش 95% من سكانها على طول ضفاف ودلتا النيل، بالنسبة للمصريين، يعد الوصول إلى النهر مسألة حياة أو موت، والذهاب إلى الحرب لتأمين تدفق مياهه عميق في وعيهم الجماعي.

سيخفض السد الإنتاج الزراعي في مصر بنسبة 50%، مدمراً المحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه مثل الأرز والبطاطس والقطن، كما سيعمل نظام السد على تقليل الإمداد الكهربائي الهيدروليكي في مصر بمقدار الثلث، بقيمة 300 مليون دولار، وبالتالي زيادة التكاليف العامة للصناعة.

سيفقد أكثر من 5 ملايين مزارع وظائفهم، ومن المرجح أن ينتقلوا إلى المراكز الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، ما يزيد من العبء على البنية التحتية الفاشلة لهذه المدن، ويؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الاجتماعي في البلاد، وخلق أرض خصبة للجماعات المتشددة.

المنظور العام في مصر وإثيوبيا

انتقد وزير الري المصري مؤخراً رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" بسبب التراجع عن قسمه العلني لعدم المساس بالأمن المائي لمصر، ولكن هناك القليل من التعاطف في إثيوبيا من أجل قضية مصر.

ينظر الإثيوبيون بشكل عام إلى مصر كقوة استعمارية ويلومونها على ارتفاع معدل الفقر في إثيوبيا، ويتهمون مصر، سواء كان ذلك صحيحًا أم لا، بالعنصرية ضد السكان الأفارقة السود والمشاركة في تجارة الرقيق، خاصة خلال القرن التاسع عشر.

في محاولته للاستيلاء على النيل الأزرق، أرسل الخديو "إسماعيل" المصري جيشه إلى إثيوبيا، استولت القوات المصرية على مصوع، وهي مدينة ساحلية في إريتريا الحالية، والتي عجلت بالحرب الإثيوبية المصرية 1874-1876.

عانت مصر من هزيمة ساحقة في معارك "جورا" و"جونديت"، وخسرت آلاف القوات وترسانة كاملة من البنادق والمدافع، كان الصراع أحد العوامل التي أدت إلى إفلاس مصر في عهد "إسماعيل".

تعد أحد تبعات الحرب هو التصور المستمر في إثيوبيا عن المصريين كغزاة، أثارت تهديداتهم المتكررة للذهاب إلى الحرب بسبب النيل غضبًا بين العديد من الإثيوبيين.

هدد الرئيس المصري الراحل "محمد مرسي" علنا ​​بإعلان الحرب على إثيوبيا، وقال سلفه، "حسني مبارك"، إنه كان سيستخدم قاذفات "Tu-160" الحربية لمنع إثيوبيا من بناء السد إذا بدأ البناء خلال فترة وجوده في منصبه، وبالرغم من أن مصر هددت بذلك فهي لم تكن تمتلك "Tu-160" في ذلك الوقت، وزعم البعض أن الرئيس "أنور السادات" أمر بضربات جوية في السبعينات ضد إثيوبيا لمنعها من بناء سد على النهر.

خيارات مصر

ولكن ما الذي يمكن أن تفعله مصر فعلاً لوقف بناء سد النهضة؟ تعلم المصريون دروسا من غزوهم الفاشل لإثيوبيا عام 1874؛ والجيش المصري ليس حريصا على خوض حرب ضد إثيوبيا مرة أخرى.

كما تعلم الحكام المصريون والقادة العسكريون من تورط مصر في الحرب التي لا يمكن الفوز بها في اليمن من عام 1962 إلى عام 67 وخدعة "جمال عبدالناصر" في عام 1967 التي أدت إلى حرب كارثية مع (إسرائيل). لذلك يفهم المسؤولون المصريون أن الحملة العسكرية الفاشلة ضد السد الإثيوبي ستكون لها عواقب وخيمة.

يريد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" الحفاظ على قبضته على السلطة وليس لديه مصلحة في بدء تدخل عسكري. بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات المسلحة، التي تركز على الأعمال التجارية وتسيطر على أكثر من نصف اقتصاد البلاد غير مستعدة جيدًا لنزاع مسلح.  

تنشغل العديد من وحدات الجيش بتشغيل المصانع أو تشارك في مشاريع البناء، ويريد الضباط العسكريون المصريون تجنب أي أعمال قد تهدد وضعهم الاجتماعي والاقتصادي المرتفع.

لذا، عندما التقى "السيسي" بكبار ضباط القيادة المصرية، وأمرهم بالاستعداد لاحتمال التحرك وأرسلوا مبعوثين عسكريين واستخباراتيين إلى الخرطوم وجوبا وأديس أبابا، بعد أن قاطعت إثيوبيا المحادثات في واشنطن، كان من الواضح أن الحرب الشاملة غير مرجحة.

إن التهديدات الخفية بشن غارة جوية ضد السد لا تخيف أديس أبابا لأنها تعلم أن مثل هذا الهجوم غير محتمل إلى حد كبير لثلاثة أسباب على الأقل؛ أولاً، الاعتماد على أن موقع السد محمي جيدًا، ثانيًا، الوساطة الأمريكية لا تزال مستمرة على الرغم من فشل المحادثات في واشنطن، ثالثاً، يوجد للسعودية والإمارات اللتين تربطهما علاقات وثيقة بمصر، مصالح اقتصادية كبيرة في إثيوبيا ولن توافقا على توجيه ضربة ضد البلاد.

علاوة على ذلك، تفتقر مقاتلات "رافال" و "F-16" المصرية إلى المدى المطلوب للوصول إلى السد لأن القوات الجوية المصرية ليس لديها القدرة على التزود بالوقود، حتى لو وصلوا إلى السد، فمن غير الواضح ما إذا كان الطيارون المصريون لديهم المهارة اللازمة للتهرب من  أنظمة الدفاع الصاروخية المعقدة التي تحمي موقع البناء، ناهيك عن تدمير جدرانه الخرسانية السميكة.

تمتلك مصر جيشا كبيرا ومسلح جيدًا وبحرية حديثة تتضمن سفينتين حربيتين ميسترال و4 طرادات من طراز "جو ويند" ، لكنهما غير مناسبين لمهاجمة السد.

لذلك، تعتبر الدبلوماسية هي الخيار الوحيد المتاح لمصر، على الرغم من أن قوتها التفاوضية محدودة.

يقترب بناء السد من الاكتمال، وتحظى إثيوبيا بدعم دول المنبع، وكذلك السودان، التي عارضت مشروع قرار الجامعة العربية الداعم لمصر في نزاعها الحالي مع إثيوبيا، ولا يمكن لمصر الاعتماد على دعم الولايات المتحدة، التي شددت بحذر على ضرورة الاحترام المتبادل بين دول وادي النيل.

إن مسار العمل الحقيقي الوحيد لمصر هو الحفاظ على المياه قدر الإمكان، والاستثمار في محطات تحلية المياه، وتطبيع علاقاتها مع جميع دول الشرق الأوسط لأنها تحتاج إلى كل مساعدة أجنبية يمكنها الحصول عليها.

المصدر | هلال خشان | جيوبوليتكال فيوتشر- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مفاوضات سد النهضة سد النهضة الأثيوبي الجيش المصري

مصر تدعو الاتحاد الأوروبي لحث إثيوبيا على توقيع اتفاق سد النهضة

السيسي يبحث تطورات ملف سد النهضة مع ميركل

مصر تسلم رواندا رسالة حول سد النهضة الإثيوبي

إثيوبيا تدعو الاتحاد الأفريقي لبذل قصارى جهده بشأن سد النهضة

بسبب سد النهضة.. إجراءات جديدة لمواجهة نقص مياه الري في مصر

بلومبرج: كورونا يفاقم أزمة سد النهضة والحل تعويض إثيوبيا ماليا