تحليل: الرياض تطلق النار على نفسها وعلى الأشقاء في سوق النفط

الأحد 15 مارس 2020 03:37 م

كورونا تهوي بأسعار النفط في وقت فرض فيه التقشف نفسه على العالم العربي، غير أن السعودية وجهت ضربة شبه قاضية لهذه الأسعار، فهل ستنجو الرياض والدول العربية الأخرى من تداعيات ذلك أم ستأتي الحسرة في وقت لا ينفع فيه الندم؟

فيروس كورونا يفتك بالبورصات والأسواق وأسعار النفط تنهار، هذا الانهيار بدأ مع تداعيات الفيروس على الاقتصاد الصيني ومن ثم العالمي، غير أنه هبط إلى مستويات قياسية بفعل قرار سعودي بزيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا وخفض سعر البرميل بمبلغ يصل إلى 8 دولارات كخطوة أولى لتعويم السوق النفطية المتخمة أصلا. 

ولا تأتي هذه التخمة بسبب تراجع الطلب الصيني والآسيوي وحسب، بل أيضا بسبب زيادة الصادرات النفطية للولايات المتحدة التي لا تلتزم بتخفيضات "أوبك+" وهي ترفض التنسيق معها، وهو الأمر الذي أودى بسعر البرميل نحو 30 دولارا بعدما كان بحدود 68 دولارا بداية العام الجاري 2020. 

وبما أن السعودية تعتمد على إيرادات النفط بنسبة تزيد على الثلثين في إيراداتها، فإن القرار يبدو كمن يطلق النار على قدميه أو ركبتيه كما يقول مثل ألماني.

وبالنسبة للدول العربية التي تعتمد على النفط أكثر من السعودية كالعراق وليبيا فإن التبعات السلبية عليها بسبب القرار السعودي أقسى بكثير.

تراجع أسعار النفط وشلل السياحة على وقع انتشار كورونا، يضع الدول العربية في مواجهة كوارث اقتصادية جديدة. هل تستفيق حكومات هذه الدول لتفادي شح الموارد عن طريق تنويع اقتصادياتها والخروج من حلقة التبعية لمصدر واحد للدخل؟.

تعتبر غالبية المحليين أن القرار السعودي جاء كرد ثأري مفاجئ على رفض روسيا مطالب الرياض ومعها أوبك بخفض الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل يوميا لمواجهة تبعات وباء كورونا التي أدت إلى تراجع الطلب. 

وجاء الرفض الروسي بحجة أن واشنطن كانت حتى الآن المستفيد الأكبر من تخفيضات "أوبك+" التي أدت إلى بقاء الأسعار أعلى من 60 دولارا للبرميل.

وهو الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بزيادة إنتاجها من النفط الصخري وضخ 15 مليون برميل يوميا لتسبق بذلك السعودية وروسيا. 

وهذا ما مكنها من زيادة صادراتها والحصول حصة إضافية في السوق العالمية على حساب الدول التي خفضت إنتاجها طوعيا أو اضطرت إلى ذلك بسبب العقوبات الأمريكية مثل إيران وفنزويلا. 

ومما لاشك فيه أن لموسكو أهدافا سياسية من وراء الخطوة، لاسيما وأن واشنطن فرضت على شركات الطاقة الروسية عقوبات بسبب خط غاز  "نورد ستريم 2" (السيل الشمالي 2") الذي يصل إلى ألمانيا تحت مياه بحر البلطيق والذي تعارضه الولايات المتحدة بشدة.

هل هذه حرب سعودية روسية؟

الملفت في الأمر والغريب إلى حد ما أن معظم الآراء تنظر إلى انهيار الأسعار والحرب الحالية المستعرة في سوق النفط على أنها حرب نفطية سعودية ضد روسيا. غير أن الوقائع تقول بأنه لا يمكن وصف الأمر بهذه البساطة، لأن انهيار الأسعار لا يضر بروسيا أو إيران وفنزويلا وحسب، بل أيضا وبشكل أكبر بالسعودية نفسها وبجميع الدول العربية النفطية الأخرى كالعراق والكويت والإمارات وليبيا. ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى أن هذه الدول تعتمد في توفير إيراداتها على عائدات النفط بنسب تتراوح بين 65 إلى 95%، مقابل أقل من 40% لروسيا. 

وبالنسبة لمنتجين ومصدرين آخرين كالولايات المتحدة فإن تدني الأسعار إلى مستوى أقل من 40 دولارا للبرميل يدمر قطاع النفط الصخري الذي لا يغطي تكاليف الحفر والإنتاج بهذا السعر. ومن هنا فإن الحرب النفطية الحالية تبدو في المدى المنظور على الأقل حربا سعودية ضد الأشقاء وضد النفط الصخري كذلك.

في العراق ودول الخليج تم وضع خطط طموحة لبناء مشاريع حيوية، لكن السؤال من أين المال على ضوء انهيار أسعار النفط؟ 

هل تستطيع الإمارات والسعودية استكمال بناء الكثير من المشاريع الطموحة التي بدأتها في زمن الوفرة النفطية؟

مزيد من التقشف في السعودية

تأتي الحرب النفطية المستعرة حاليا في وقت يبدو الأصعب في التاريخ النفطي بالنسبة للسعودية والدول العربية النفطية الأخرى. 

فبالنسبة للرياض يأتي ذلك في وقت تعاني فيه الموازنة من العجز، والاحتياطات المالية من التقلص وفاتورة الحرب في اليمن والتسلح من الارتفاع. 

ويزيد الطين بلة أن انتشار وباء كورونا سيؤدي إلى مزيد من التراجع في الطلب على النفط في السوق العالمية، ما يعني مزيد من الانهيار في الأسعار. 

ولمواجهة ذلك ليس أمام الرياض في هذه المرحلة سوى مزيد من التقشف وشد الأحزمة وفرض المزيد من الضرائب والاستدانة على مختلف المستويات الرسمية والشعبية. 

وحسب وكالة "رويترز" للأنباء؛ فإن وزارة المالية السعودية طلبت فعليا من الإدارات الرسمية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بين 20 إلى 30% للعام 2020. ومما يعنيه ذلك تأجيل تنفيذ مئات العقود والمشاريع التي تطال دخل الناس وفرص عملهم ومشاريع التنمية الطموحة الرامية إلى تنويع مصادر الدخل.

مشاريع العراق التنموية مهددة

وبالنسبة للعراق فإن الأسعار الحالية وتبعات كورونا ستدفعه إلى التقشف وتعليق أغلب المشاريع الحيوية المتعلقة بالطاقة والكهرباء والنقل كي يتمكن من دفع أجور الموظفين وتمويل الأدوية والأغذية. 

وفي حال استمرت الأسعار على هذا الانخفاض لعدة أشهر فإن اللجوء إلى دائنين دوليين أمر لا بد منه لتغطية النفقات الأساسية. ومما لا شك فيه أن خطوات مشابهة ستضطر إليها الإمارات، لاسيما بعد الضربة التي أصابت قطاعي السياحة والسفر بسبب كورونا. 

ولن تكون ليبيا والجزائر والكويت وحتى قطر وسلطنة عُمان بمنأى عن إجراءات تقشفية عاجلة. 

على العكس من ذلك، فإن الفاتورة النفطية للدول المستهلكة وفي مقدمتها اليابان ودول الاتحاد الأوروبي ستتراجع إلى أكثر من النصف. وهو الأمر الذي سيمكنها من الحصول على نفط رخيص للاستهلاك اليومي والمخزون الاستراتيجي، ريثما تمر أزمة كورونا ويعود الاقتصاد إلى الانتعاش من جديد.

سنوات عجاف على الأبواب

أدت أزمة كورونا وحرب أسعار النفط الحالية إلى تقليص إيرادات الدول العربية النفطية الحالية إلى النصف حتى الآن. ومع استمرار الأزمتين فإن هذه الإيرادات مرشحة إلى مزيد من التراجع. ومن المؤكد أن تبعات التقشف وشد الأحزمة والبطالة والفقر الناجمة عن ذلك لن تؤثر فقط على هذه الدول، بل أيضا على الدول العربية الأخرى التي استفادت حتى الآن من عوائد النفط على شكل قروض وإعانات وسياحة كمصر والأردن ولبنان والمغرب. 

وعلى ضوء صعوبة استقراء آفاق الوضع الحالي، ليس من الواضح إلى متى يمكن للسعودية والدول العربية الأخرى الصمود في وجه العاصفة الجديدة، لاسيما وأن اقتصادياتها تعاني من أحادية أو قلة مصادر الدخل. 

وفي كل الأحوال؛ فإن المعطيات الحالية تشير إلى أن سنوات عجاف بانتظار غالبية الدول العربية وفي مقدمتها السعودية والشقيقات النفطية الأخرى. 

ومما لا شك فيه أن ضخ المزيد من النفط السعودي في الأسواق لن يعوض النقص في الإيرادات، لأن الجميع سيتسابق على مزيد من الحصص في السوق.

كما أن الغاز والطاقات البديلة تحتل بدورها مكانة متزايدة في هذه السوق يوما بعد يوم.

المصدر | دويتشه فيله

  كلمات مفتاحية

أسواق النفط العالمية الأسواق النفطية فيروس كورونا تداعيات كورونا

السعودية تتجه لإغراق سوق النفط وتستأجر ناقلات عملاقة

النفط في أكبر تراجع أسبوعي منذ 2008 بسبب كورونا وخطط الإنناج