هل كانت إنفلونزا الخنازير عام 2009 إنذارا كاذبا؟

الاثنين 16 مارس 2020 06:58 م

في خريف عام 2009، أصيب أحد ألمع طلاب الصف الرابع الذين كنت أدرس لهم في واشنطن العاصمة بـ"إنفلونزا الخنازير"، كما كانت صديقته التي تبلغ من العمر 10 سنوات البارعة بنفس القدر مصابة بالربو بشكل دائم، وربما تعرضت أيضًا، مع ذلك لحدوث مضاعفات خطيرة. 

قضى الموظفون في المدرسة الوقت حينها في التوعية حول التطعيم الإلزامي وغسل اليدين المتكرر للطلاب وأولياء الأمور، ولكن لا يمكننا حتمًا منع انتشار مرض يقدر لاحقًا أنه أصاب خُمس سكان العالم (11 إلى 21%).

لحسن الحظ، تعافى طالبي وعاد إلى الصف بعد عدة أسابيع وبحلول أوائل عام 2010 بدا أن "أنفلونزا الخنازير" المعروفة بـ "H1N1" تتبخر من العناوين الرئيسية.

في وقت لاحق، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنها لم تستطع التحقق من 18 ألف حالة وفاة وأشارت أنها أقل بكثير من العدد الذي تسببه الأنفلونزا الموسمية سنويًا، وعادة ما يكون هذا الفيروس نوعًا مختلفًا عن فيروس الأنفلونزا "H3N2".

كتب أحد الأطباء ورقة بحثية في المجلة الطبية البريطانية متهماً منظمة الصحة العالمية بتوظيف أشخاصلهم علاقات تؤثر على تقييمهم ما تسبب في تضخيم التهديد الذي يشكله فيروس "H1N1" من أجل أرباح صناعة الأدوية.

ومع ذلك، أظهرت الأبحاث في وقت لاحق أن منظمة الصحة العالمية قللت من معدل الوفيات، يمكن القول، أنه كان لدى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية أسباب مقنعة لإثارة الإنذار بشأن تفشي فيروس "H1N1" الجديد، حتى لو لم يظهر بقوة كما كان يُخشى.

عودة الأنفلونزا "الإسبانية"؟

قد يتذكر كثيرون أن فيروس "H1N1" هو نفس نوع الفيروس المرتبط بوباء الإنفلونزا القاتل لعام 1918 الذي قتل في عام واحد ما يقدر بنحو 50 مليون شخص أي أكثر من 4 أضعاف الذين قتلوا في ساحات المعارك في الحرب العالمية الأولى.

كانت "الإنفلونزا الإسبانية" مميتة للأفراد الأصغر سنا من الأفراد الأكبر سنا، ربما بسبب قدرتها على تحويل أجهزة المناعة الشابة والقوية ضد الأجسام التي كان من المفترض أن تدافع عنها.

ومع ذلك، لم تكن الأعراض مختلفة، فقد يعاني معظم الأشخاص المصابين من التهاب الحلق، وألم العضلات، والحمى، وسيلان الأنف، والقيء في بعض الأحيان. في عدد حالات قليلة، مهدت الأنفلونزا الطريق لمضاعفات أكثر خطورة بما في ذلك الالتهاب الرئوي ومشاكل التنفس القاتلة، كان الأشخاص الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي و/أو أمراض الجهاز التنفسي معرضين للخطر بشكل خاص.

انتشرت إنفلونزا عام 1918 إما عن طريق الدواجن أو الخنازير إلى البشر، وطورت قابلية الانتقال بين البشر.

حدد الباحثون بلدة "لا جلوريا" في "فيرا كروز"، بالمكسيك كأصل محتمل لفيروس 2009 (على الرغم من أنه لا يمكن تأكيد ذلك تمامًا). وعلى وجه التحديد، هناك صبي يبلغ من العمر 5 سنوات يدعى "إدجار" يعتقد أنه أول شخص معروف أصيب بمرض "H1N1"، والذي انتشر بعد ذلك في بقية المدينة وأسيء تشخيصه في البداية من قبل السلطات الطبية الإقليمية.

في 11 أبريل/نيسان، حدد المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض أول حالة أمريكية في فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات في كاليفورنيا، بعد ذلك بيومين، تم تحديد حالة ثانية على بعد 130 ميلاً، وهذا يشير بشكل مثير للقلق إلى أن المرض انتشر بالفعل على نطاق واسع.

ردت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية بقوة، حيث بدأ بالفعل تطوير لقاح بحلول 21 أبريل/نيسان، وتم إنشاء مركز عمليات الطوارئ بحلول 22 أبريل/نيسان، وتم شحن أكثر من ألف مجموعة اختبار بحلول 1 مايو/أيار.

وتم تخفيف القيود للسماح بالاستخدام الواسع لأدوية مثل "تاميفلو"، "الأوسيلتاميفير" و"الزاناميفير" للسيطرة على أعراض المصابين والوفيات، اشترت الحكومة الفيدرالية الأمريكية 50 مليون وحدة من الأدوية المضادة للفيروسات، في حين انتزعت الولايات 23 مليونًا إضافية.

في غضون ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية بحلول 22 يونيو/حزيران "أنفلونزا الخنازير" وباء عالميا، كانت المنظمة تتوقع الحصول على 120 مليون جرعة لقاح بحلول أكتوبر/تشرين الأول، لكنها شحنت فقط 17 مليون جرعة بحلول ذلك التاريخ، عندما وصل الجزء الأكبر من اللقاحات في نوفمبر/تشرين الثاني، كانت الموجة الثانية قد تجاوزت بالفعل ذروتها.

الوباء القاتل

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوباء انتهى في 11 أغسطس/ آب 2010 - وأفادت أن فحوصها المختبرية لا يمكن أن تؤكد سوى 18 ألف حالة وفاة بسبب الإنفلونزا بحلول مايو/أيار 2018، وتم استخدام هذا الرقم كدليل على أن منظمة الصحة العالمية قد بالغت في تفشي الوباء بشكل كبير، حيث إن الأنفلونزا الموسمية تقتل بين 290 ألفا و650 ألف شخص سنويًا، بما في ذلك حوالي 40 ألف في الولايات المتحدة وحدها.

واستخدمت المنظمة بيانات حول عدد الوفيات التي يستحيل مختبريا تأكيد أنها بسبب الإنفلونزا وخاصة مع انتشارها حول العالم.

وخلصت دراسة في عام 2013 إلى أن عدد الوفيات في العالم بلغ 203 آلاف وربما أكثر من ضعف هذا العدد، ويقدر مركز مكافحة الأمراض الوفيات العالمية بسبب الوباء من 151 ألف إلى 575 ألف.

تشير هذه الأرقام إلى تفشي أكثر فتكًا، لكنها لا تزال واحدة ضمن نطاق الإنفلونزا الموسمية السنوية. 

يجب أن يعلمنا الجدل الذي يحيط بتأثير "إنفلونزا الخنازير" مدى تعقيد قياس تأثير المرض حتى بعد انتهاء الحدث ناهيك خلال المرحلة الأولية عندما يحاول المسؤولون الطبيون تقييم شدة تفشي المرض المكتشف حديثًا بناءً على خليط من الأدلة.

كان لدى مؤسسات الرعاية الصحية أسباب مفهومة للخوف من أن سلالة "H1N1" الجديدة قد تكون قاتلة مثل أسلافها في عام 1918، وقد بذلت المؤسسات قصارى جهدها للاستجابة بقوة حيث كان من الممكن إهمال التصرف بطريقة أخرى.

لم يثبت في نهاية المطاف، حتى باستخدام الأرقام المنقحة، أن سلالة "H1N1" أكثر فتكًا بشكل كبير من الإنفلونزا الموسمية - ولكن يجب على المرء أيضًا التفكير في إمكانية أن التدابير الإضافية التي اتخذتها السلطات الطبية ربما لعبت أيضًا دورًا في الحد من العدد الإجمالي للوفيات.

لا يسعني إلا أن أكون شاكرةً لنجاة تلاميذي من وباء "إنفلونزا الخنازير" ويسرني أن السلطات تعاملت مع المخاطر التي شكلها على محمل الجد حتى لو لم تكن في تلك المناسبة مميتة كما كان يُخشى.

المصدر | سيباستيان روبلين | ناشونال إنترست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا وفيات كورونا تداعيات كورونا انفلونزا الخنازير

ماذا يعني إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ؟

الصين تسجل حالتي حمى خنازير أفريقية

اكتشاف سلالة جديدة من الإنفلونزا بالصين قد تتحول لجائحة

إنفلونزا الخنازير جي 4.. فيروس مخيف يهدد العالم بوباء جديد

كندا تسجل أول إصابة بشرية بنوع نادر من إنفلونزا الخنازير

هل عادت إنفلونزا الخنازير إلى الخليج مرة أخرى؟