محادثات سد النهضة مأزق خطير لكل الأطراف

الأربعاء 18 مارس 2020 10:07 ص

وصل النزاع بين إثيوبيا ومصر حول بناء سد النهضة الإثيوبي إلى أكثر نقاطه خطورة حتى الآن.

وتقوم إثيوبيا ببناء مشروع السد لإنتاج الطاقة الكهرومائية على رافد النيل الرئيسي، النيل الأزرق، الأمر الذي يثير قلق مصر، التي تعتمد بشكل كبير على مياه النهر.

وفي 26 فبراير/شباط، رفضت أديس أبابا المقترحات التي صاغتها الولايات المتحدة لملء خزان السد وعمل سد النهضة، بحجة أنها ستلزمها باستنزاف الخزان إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول إذا كان هناك جفاف طويل.

وتقول إثيوبيا إنها ستبدأ في ملء الخزان هذا العام حتى لو فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق.

وتعهدت مصر، التي تقول إنه يجب ملء الخزان فقط بعد التوصل إلى اتفاق، باستخدام "جميع الوسائل المتاحة" لحماية "مصالحها المائية". 

ولتخفيف التوترات، يجب على الطرفين التوصل إلى اتفاقية مؤقتة تحكم العامين الأولين من الملء، حيث تخزن إثيوبيا خلالها ما يكفي من الماء فقط لاختبار التوربينات، وتستغل الوقت الذي تشتريه في العمل مع مصر والسودان، التي لها مصالح مباشرة أيضا على المحك، للوصول إلى صفقة أوسع وأشمل.

وكان السد الإثيوبي مصدر احتكاك بين إثيوبيا ومصر طوال فترة بنائه تقريبا، التي بدأت عام 2010 عندما كانت إثيوبيا تحت قيادة "ميليس زيناوي". وقال "ميليس" إن السد حاسم لجهود بلاده التنموية، وسوف يفيد المنطقة بأكملها، بما في ذلك مصر، التي ستكون قادرة على شراء الكهرباء الرخيصة التي سينتجها السد.

ويجادل الإثيوبيون أيضا بأن ادعاءات مصر بـ"الحقوق التاريخية" في مياه النيل، التي تنبع إلى حد كبير من ما يعتبرونه معاهدات قديمة بالية لم تكن دول المنبع طرفا فيها، تعتمد على ترتيبات غير عادلة وغير شرعية.

وبدلا من ذلك، تريد إثيوبيا ودول المنبع الأخرى أن يحكم حوض النيل إطار عمل جديد للتعاون عبر الحدود.

وترى القاهرة الأمر بشكل مختلف، وتواصل استخدام كامل الـ55.5 مليار متر مكعب المخصصة لها سنويا بموجب اتفاقية 1959 بين مصر، التي كانت آنذاك الجمهورية العربية المتحدة، والسودان، وقد تستخدم أكثر من تلك الحصة نظرا لأن السودان لا يستغل مخصصاته بالكامل.

وتعتمد مصر على النهر في نسبة عالية من احتياجاتها البلدية والزراعية من المياه، وتستخدمها أيضا لتوليد نحو عشر الكهرباء، خاصة من السد العالي في أسوان.

وتخشى القاهرة أيضا من أن يمهد سد النهضة الطريق أمام مشاريع الطاقة المائية والري الكبرى الأخرى من قبل دول النيل.

وقد وصفت مكانة النيل كمسألة ذات أهمية وجودية، وتلزم المادة 44 من دستور مصر الدولة بالحفاظ على "الحقوق التاريخية" لها في النهر.

ومع اقتراب السد من الاكتمال، اكتسبت المخاوف المصرية بشأن ما سيكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا إلحاحا جديدا، وفي الأشهر الأخيرة، تدخلت واشنطن لمحاولة التوسط في صفقة بين مصر وإثيوبيا والسودان.

ودعت وزارة الخزانة الأمريكية الطرفين لإجراء محادثات في أواخر أكتوبر/تشرين الأول بعد أن التقى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ورئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" على هامش قمة روسيا الأفريقية في "سوتشي".

ووافقت إثيوبيا على الصيغة، بما في ذلك انضمام البنك الدولي كمراقب خارجي، ولكن على مدار الجولات المتتالية من المحادثات، أصبحت مترددة لما اعتبرته تجاوزا من قبل الولايات المتحدة والبنك لأدوارهما لصالح مصلحة القاهرة.

على وجه الخصوص، يقول المسؤولون الأثيوبيون إن الولايات المتحدة دفعت أديس أبابا للموافقة على مخطط يحكم فترات الجفاف من شأنه أن يجبر إثيوبيا على الاقتراب من استنزاف خزان سد النهضة وخفضه إلى مستوى لن تكون فيه قادرة على توليد الطاقة.

وتخلف الفريق الإثيوبي عن حضور اجتماع أواخر فبراير/شباط أرادت فيه الولايات المتحدة من الأطراف توقيع نص الاتفاق الذي صاغته.

وردت وزارة الخزانة الأمريكية محذرة من أنه إذا بدأت إثيوبيا ملء السد كما هو مخطط حين يأتي موسم الأمطار في يوليو/تموز، فإنها ستنتهك المبدأ القانوني الدولي الذي يتطلب من الدول اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتجنب إحداث "ضرر كبير" لبلدان المجرى المائي الأخرى في الاستفادة من موارد النهر العابرة للحدود، المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، ورفضت إثيوبيا البيان الأمريكي بشدة.

وبعد انهيار المحادثات في أواخر فبراير/شباط، أصبحت مواقف الطرفين متشددة، وشجعت القاهرة، بدعم من الولايات المتحدة، هجوما دبلوماسيا لحشد الدعم من جامعة الدول العربية، التي تبنت قرارا يرفض أي خطوة من قبل إثيوبيا لبدء ملء السد بدون اتفاق.

كما اتهم مسؤولون مصريون إثيوبيا بسوء النية، وترتفع المخاطر بالنسبة لـ"السيسي"، الذي أثار انتقادات من القوميين عندما سلم جزر "تيران وصنافير" في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية، واهتزت شعبيته المحلية في سبتمبر/أيلول 2019 عندما خرجت احتجاجات تطالبه بالتنحي.

وفي ظل هذه الخلفية، من المؤكد أن "السيسي" يرى أن ثرواته السياسية مرتبطة بإدراك أنه رجل قوي قادر على حماية حصة مصر من مياه النيل من أن يتم التأثير عليها من قبل إثيوبيا من جانب واحد.

وبالمثل، يقع "آبي" في زاوية ضيقة في إثيوبيا، ومع الانتخابات المقرر إجراؤها في أغسطس/آب، أدى التصور بأن الولايات المتحدة تدعم مصر إلى دفع السياسيين البارزين إلى شجب ما يصفونه بالتدخل الأجنبي في محادثات السد، وطالبوا بالالتزام بالدفاع عن السد أمام تلك التدخلات.

ويعكس ذلك مشاعر مشتركة على نطاق واسع، وساهم ملايين الإثيوبيين بأموال لبناء السدود، ويعتبرونها مصدر فخر وطني، وتتمتع إثيوبيا بدعم هادئ من السودان، الذي يتوقع أن يساهم السد في تنميته الاقتصادية، لكن الخرطوم ظلت محايدة رسميا في النزاع من أجل تقليل الاحتكاك مع جيرانها الأقوياء.

وتصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة، وصدّر "السيسي" و"آبي" صورا لاجتماعات عقدها كل منهما مع كبار الجنرالات كل في بلده، وتصاعد الخطاب القومي على وسائل التواصل الاجتماعي في كلا البلدين.

وقال المسؤول العسكري الإثيوبي، الجنرال "آدم محمد"، في زيارة لموقع المشروع، إن القوات المسلحة للبلاد مستعدة لصد الهجمات ضد أي طرف.

ثم، في 8 مارس/آذار، شرع وزير الخارجية المصري "سامح شكري" في جولة في عواصم الشرق الأوسط لتعزيز الدعم لموقف القاهرة.

ويجب أن يتوقف التصعيد قبل أن يجد الطرفان نفسيهما على حافة مواجهة كارثية، ولحسن الحظ، يوجد طريق متاح إلى الأمام، وبالرغم من أن الظروف الحالية تبدو ساخنة للغاية بحيث لا تسمح للأطراف بالتوصل إلى صفقة شاملة في وقت قصير، لكنه يمكن التوصل إلى اتفاق مؤقت.

وفي هذا السيناريو، يتفق الطرفان على أن تملأ إثيوبيا خزان السد فقط بالقدر المطلوب لاختبار توربيناتها، وهي خطوة مجدولة في خطة تشغيل سد النهضة.

وسيتطلب هذا الملء الأولي ما مجموعه 18.4 مليار متر مكعب من الماء على مدار عامين، ما يعني نقصا محدودا يمكن لمصر تعويضه من مخزون السد العالي في أسوان، الذي يصل حجمه إلى 169 مليار متر مكعب، ويقترب حاليا من ارتفاعه التاريخي.

وخلال هذين العامين، يقول المفاوضون الإثيوبيون، إن السد سيمرر ما لا يقل عن 31 مليار متر مكعب من المتوسط ​​السنوي لتدفق النيل الأزرق البالغ 49 مليار متر مكعب، ويمكن التحكم في كمية المياه المطلوبة للعام الأول من الملء، حيث يلزم 4.9 مليار متر مكعب فقط لاختبار أول 2 من إجمالي 13 توربينا.

ولكسب دعم القاهرة، يجب أن تتضمن هذه الصفقة تعهدا إثيوبيا صريحا بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شامل قبل الشروع في المراحل اللاحقة من الملء، وسيكون ذلك بروح الالتزامات التي تعهدت بها إثيوبيا ومصر والسودان في إعلان المبادئ لعام 2015 بشأن سد النهضة، بأن الأطراف ستبرم اتفاقا للملء قبل بدء التشغيل.

وفي هذا الاتفاق، قالت الدول الـ3 أيضا إنه سيتم وضع المبادئ التوجيهية للتشغيل السنوي للسد، والتي يمكن لإثيوبيا تعديلها بمرور الوقت.

وستكون هناك فوائد متعددة لمثل هذه الصفقة المؤقتة، ولعل أهمها أنه سيتيح للطرفين عامين آخرين للتوصل إلى اتفاق شامل، وسوف يخلق التوصل إلى اتفاق يغطي أول عامين من الملء فرصا أيضا لبناء الثقة المتبادلة التي تشتد الحاجة إليها.

على سبيل المثال، يمكن ويجب أن ينص الاتفاق الأولي على أن يقوم الطرفان بإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون في القضايا المتعلقة بالنيل من خلال إنشاء لجنة وزارية مشتركة لتبادل المعلومات حول هطول الأمطار وتدفقات الأنهار وإطلاق المياه من السدود.

وأخيرا، وقد يكون من الممكن لاتفاق مؤقت من هذا النوع أن يحظى بالدعم من كل من "آبي" و"السيسي" من منظور سياسي، وسيسمح لحكومة "آبي" بمواصلة التزامها ببدء ملء خزان السد هذا العام، ويمنح "السيسي" الفرصة للقول بأنه تجنب وضعا يتم فيه تحويل مياه النيل من جانب واحد.

لكن حتى إذا اتفق الطرفان على صفقة مؤقتة من هذا النوع، فهما بالكاد سيخرجان من الموقف الراهن، ويظهر مسار المفاوضات على مدى الأشهر العديدة الماضية مدى صعوبة حل الأسئلة العالقة حول إدارة خزان سد النهضة، خاصة في فترات الجفاف الطويلة.

وحتى بعد أن أصدر الطرفان بيانا مشتركا في يناير/كانون الثاني 2020 يشير إلى أنهما اتفقا على جدول للملء، بالإضافة إلى آليات التخفيف من الجفاف التي تحكم عملية ملء السد والتشغيل أثناء فترات الجفاف، اندلعت خلافات جديدة أعاقت الصفقة.

ويزعم المسؤولون الإثيوبيون أن المسؤولين الأمريكيين دفعوهم دفعا للالتزام بمستويات منخفضة بشكل غير مقبول في حالة الجفاف لمدة 4 أعوام أو أكثر، ويقترحون أن واشنطن تعمل بالفعل مع القاهرة والبنك الدولي للحفاظ على الكميات السنوية التي تمتعت بها مصر بموجب معاهدة 1959.

ومن جانبها، تدعي مصر أن إثيوبيا تماطل في المفاوضات بينما تسابق لإنهاء البناء وجعل السد حقيقة واقعة.

وبالرغم من الاختلافات، فإن التسوية النهائية التي تسمح لإثيوبيا بجمع الطاقة الكهرومائية، وتمنح السودان الفرصة للاستفادة من التدفقات المنظمة لتوسيع الزراعة، وتعطي مصر المياه الكافية للاستخدامات البلدية والزراعية وتوليد الطاقة، ليست بعيدة المنال.

وكما قالت "كرايسز جروب"، فإن التسوية تتطلب من الأطراف التوقف عن التعامل مع المفاوضات على أنها لعبة صفرية، ومن جانبها، للمساعدة في تحريك المحادثات، يمكن لأديس أبابا ربط معدلات ملء خزان السد بتوقعات معقولة لكمية الكهرباء التي ستستهلكها محليا.

وبالنظر إلى إمكانية أن إثيوبيا يمكن لها أن تنتج طاقة كافية لتلبية الاحتياجات المتوقعة بمعدل ملء أبطأ مما هو مخطط له حاليا، فقد يوفر هذا النهج بعض الطمأنينة للقاهرة دون تضمين أي عيوب اقتصادية فعلية لإثيوبيا.

وبدورها، تحتاج مصر إلى المضي قدما نحو ترتيبات أكثر إنصافا بشأن تقاسم المياه عبر الحدود، وهي خطوة ضخمة قد تصبح أكثر جدوى من الناحية السياسية وأقل ألما من الناحية الاقتصادية إذا تبنت إجراءات محسنة لإدارة المياه، كما كان يجب أن تفعل منذ فترة طويلة.

ونظرا لانعدام الثقة الواضح بين الأطراف، فمن غير المحتمل أن يجدوا طريقهم إلى هذا النوع من الصفقات بمفردهم، ومن أجل القيام بدفعة عاجلة للتوصل إلى اتفاق مؤقت وتمهيد الطريق لمحادثات أوسع نطاقا، يجب أن تشارك الجهات الفاعلة الخارجية بشكل صحيح.

وقامت الولايات المتحدة والبنك الدولي بعمل جدير بالثناء لدفع المفاوضات إلى الأمام في الأشهر الأخيرة، لكنهم خلقوا أيضا تصورات قوية لدى إثيوبيا أنهم يفضلون القاهرة، وبالنظر إلى هذه المخاوف، سيكون من المفيد إشراك فريق موسع من المراقبين في المحادثات.

وقد تشمل الدائرة الموسعة رئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوسا"، بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل"، وآخرين ذوي نفوذ في القاهرة وأديس أبابا.

ويجب استضافة محادثات أخرى بشكل مثالي في مدينة أفريقية، بدلا من واشنطن، ويجب أن يتم السماح أيضا لدول حوض نهر النيل الأخرى بالمشاركة في عملية تؤثر عليها بشكل غير مباشر على الأقل.

وبدون إدارة دقيقة لنزاع مياه النيل، تخاطر إثيوبيا ومصر، وهما ثاني وثالث دول أفريقيا من حيث عدد السكان، بالمضي قدما نحو المواجهة، وسيجد السودان، في خضم انتقاله السياسي الدقيق، نفسه متورطا في المعركة.

وبدلا من الاستمرار في هذا المسار، يجب على الأطراف نزع فتيل التوترات الحالية بإصلاح لمدة عامين وإعادة النظر في العمل الشاق المتمثل في التوصل إلى تسوية طويلة الأجل، وهو اتفاق سيكون من الصعب الوصول إليه دون تعاون موسع، لكنه مهم من أجل السلام والأمن والرفاهية لكل أولئك الذين يعيشون في حوض النيل.

المصدر | ريسبونسيبل كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مفاوضات سد النهضة سد النهضة الأثيوبي

مصادر مصرية: أوروبا مقتنعة برؤية إثيوبيا حول سد النهضة

السيسي ورئيس كينيا يبحثان هاتفيا تطورات ملف سد النهضة 

مصر تسلم رواندا رسالة حول سد النهضة الإثيوبي