هل يتعلم الحكام المستبدون الدرس من كورونا؟

الجمعة 20 مارس 2020 06:23 م

لا توجد إشارات على أن حكام الشرق الأوسط يتعلمون من دروس تأثيرات فيروس "كورونا" المدمرة، كما لا توجد أي إشارة بأنهم على استعداد لرؤية الوباء كفرصة للتفاوض على عقود اجتماعية جديدة في الوقت الذي نحّى فيه الفيروس مؤقتًا الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومات في دول مختلفة.

إيران: أزمة فاقمها غياب الشفافية

أصبحت إيران نموذجًا لما يحدث عندما لا يثق الجمهور في حكومة لديها سجل حافل من عدم الشفافية، كما أصبحت نموذجا لقمع حرية التعبير التي تمثل غالبًا أنظمة إنذار مبكر قد تمكن السلطات من اتخاذ تدابير استباقية في الوقت المناسب لتجنب الضرر أو الحد منه.

شهد الأسبوع الماضي اضطرار الزعيم الروحي الإيراني "علي خامنئي" لاتخاذ قرار نزول الجيش لإخلاء الشوارع بعد أن رفض الإيرانيون -الذين يعانون تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية القاسية- الالتزام بتحذيرات الصحة العامة فيما يتعلق بالتجمعات الكبيرة، والتباعد الاجتماعي والنصيحة بالبقاء في المنزل.

كلف "خامنئي" القوات المسلحة النظامية بالمهمة بعد فشل قوات الحرس الثوري في إقناع الإيرانيين بالالتفات إلى نصيحة الحكومة بشأن الوباء الذي أصاب حتى الآن حوالي 14 ألف شخص وتسبب في 724 حالة وفاة وحوّل إيران إلى واحدة من أسوأ الدول التي ضربها الوباء في العالم.

غذّى انعدام الثقة التقارير والشائعات التي تفيد بأن الضحايا يتجاوزون الأرقام الحكومية بكثير وأن المقابر الجماعية يجري إعدادها للتعامل مع عدد قتلى أعلى بكثير مما هو مذكور.

ضرب فيروس "كورونا" إيران -التي كانت بطيئة في الاعتراف بخطورة الأزمة- بعد أسابيع فقط من نزول أعداد كبيرة إلى شوارع المدن الإيرانية للتنديد بـ"خامنئي" والحرس الثوري احتجاجًا على إحجام الحكومة الأوّلي عن الاعتراف بمسؤوليتها عن اسقاط طائرة ركاب اوكرانية عن طريق الخطأ قتل فيها 176 شخصًا.

اختبار محفوف بالمخاطر

أمرت العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر والكويت والأردن و(إسرائيل) بإغلاق المنشآت التعليمية والحجر الصحي واتخذت خطوات لتقليص -إن لم يكن وقف- السفر من وإلى الدول الآسيوية والأوروبية التي تضررت بشدة من الفيروس، أو قطع كل أنواع السفر لبلدانهم.

ومع ذلك، فإن الانتشار المتسارع للفيروس يمكن أن يكون اختبارًا لتحمل أنظمة الصحة الوطنية في كل من الدول الغنية بالطاقة التي استثمرت في أحدث المرافق الطبية وكذلك الدول التي مزقتها الحرب مثل سوريا واليمن وليبيا حيث كانت المستشفيات أهدافًا رئيسية للضربات الجوية المدمرة.

لكن احتمال فشل اختبار التحمل، قد يكون محفوفًا بالمخاطر.

الحكومات تفوت فرصة تراجع الاحتجاجات

شهدت دول مثل العراق -المعرضة للخطر بشكل خاص في ظل علاقاتها الوثيقة مع إيران ولبنان المجاورة- شهوراً من الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة ضد الحكومة للمطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي، الذي يُنظر إليه على أنه فاسد وغير قادر على تقديم السلع العامة مثل الوظائف والرعاية الصحية المناسبة والخدمات الأخرى.

ويتجاهل الكثيرون في العراق النصيحة بالبقاء في منازلهم مثلما يحدث في إيران.

ومع ذلك، لم تظهر الحكومات رغبة في الاستفادة من تراجع الاحتجاجات من أجل صياغة عقود اجتماعية جديدة مستندة إلى الحاجة لمواجهة تهديد الفيروس على الصعيد الوطني.

بعد أن أصر المتظاهرون في البداية على أن النخبة السياسية العراقية أسوأ من كورونا، تسبب الخوف من الفيروس مع قمع الحكومة في انخفاض أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير ببغداد، من آلاف إلى عدة مئات في أحسن الأحوال.

ينطبق الشيء نفسه على الجزائر ولبنان، التي لم تصب بالفيروس فحسب، بل أيضًا بأزمة مالية أجبرتها على التخلف عن سداد ديونها المتضخمة.

ترى الحكومات المحاصرة فرصة في أن يمنع الفيروس انكشاف الغطاء المؤقت عن وعاء الغليان مرة أخرى بمجرد انتهاء الأزمة، لكن ذلك قد يحدث بشدة أكبر إذا كشف "كورونا" عن عدم قدرة السلطات والنظام الصحي على مواكبته.

وقال "رياض قاصد" وهو ناشط مقيم في الولايات المتحدة، كان يسافر إلى الجزائر كل أسبوعين تقريبًا ليشارك في الاحتجاجات المسماة بالحراك: "في الجزائر، لا تعد دعوات الحكومة لإلغاء الاحتجاجات مدفوعة بالمخاوف الصحية كما هو الحال في فرنسا أو الولايات المتحدة أو أي مكان آخر".

وقال "قاصد": "النظام الجزائري يريد اغتنام هذه الفرصة لخنق الحراك وقتله".

وبشكل مشابه، لم يمنع الفيروس -الذي أصاب 62 شخصًا حتى الآن في السعودية- ولي العهد "محمد بن سلمان" من اعتقال المعارضين المحتملين الذين اشتبه في تآمرهم ضده، كما لم يمنعه من شن حرب نفطية مع روسيا تسببت في فوضى في وقت غير مناسب للاقتصاد العالمي.

التغاضي عن انتهاز الفيروس كسلاح

لا تظهر السلطات والنخب السيئة في الشرق الأوسط أي رغبة في التعامل مع أزمة الفيروس كفرصة للحد من التوترات الإقليمية وخلق هياكل سياسية واجتماعية من شأنها أن تجعل مجتمعاتهم أكثر مرونة. بل سمحت تلك الحكومات لمروجي الشائعات والأشخاص المؤثرين وصناع الرأي العام بتسييس أزمة "كورونا".

فقد التزمت الحكومتان السعودية والإماراتية الصمت عندما دافعت الأصوات المؤيدة للحكومة عن الصحفية السعودية "نورا المطيري" التي غردت بأن الفيروس وانتشاره مولتهما قطر من أجل تقويض خطط "بن سلمان" للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومعرض الإمارات القادم "إكسبو 2020".

وعلى الرغم من تحذير الحكومة السعودية من أن مروجي الشائعات قد يواجهون أحكامًا بالسجن تصل إلى 5 سنوات وغرامة تصل إلى 800 ألف دولار أمريكي، لم تتخذ الرياض أو أبوظبي أي إجراء ضد ​​المحلل "زايد العمري" الذي زعم في التلفزيون السعودي أن تركيا وإيران تستخدمان الفيروس لاستهداف السياح العرب ومهاجمة البلدان في جميع أنحاء العالم.

وقال الباحث في وسائل التواصل الاجتماعي "مارك أوين جونز": "يتم استخدام فيروس كورونا كسلاح بشكل انتهازي من خلال أساليب التضليل والدعاية التي تهدف إلى شيطنة المعارضين السياسيين، فيما يفضح التحيزات الكامنة".

تتسبب أزمة فيروس "كورونا" في خسائر فادحة، بما في ذلك حياة الكثيرين الذين كان من الممكن أن ينقذهم الحكم الجيد الشفاف.

ومع ذلك، لم تكن "كورونا" أول أزمة من هذا القبيل ولن تكون الأخيرة.

يكمن الخطر في أن استخدام الحكام للفيروس كسلاح يخدم مصالحهم على المدى القصير، لكنه لا يساهم كثيرًا في بناء المسويات المطلوبة من المرونة والتماسك الوطني والإقليمي لمواجهة الأزمة القادمة.

المصدر | جيمس م. دورسي - ميدل ايست سوكر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا منطقة الشرق الأوسط

جوتيريش: كورونا يقود العالم لركود اقتصادي شبه مؤكد

قطر تسجل 8 إصابات جديدة بكورونا.. وارتفاع الإجمالي إلى 460

تأجيل حفل جوائز إيمي بسبب كورونا

نيويورك تايمز: كورونا غيّر طبيعة البحث العلمي بشكل غير مسبوق