ركود عالمي حاد.. كورونا ينذر بكارثة اقتصادية تفوق أزمة 2008

الثلاثاء 24 مارس 2020 06:53 م

"الركود الاقتصادي العالمي في ظل تفشي "كورونا" أصبح شبه مؤكد وربما بمعدل قياسي".. هكذا أطلق الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، في 19 مارس/آذار، صيحة تحذير خلال مؤتمر صحفي عقده عبر دائرة تليفزيونية مغلقة مع الصحفيين المعتمدين بالمنظمة الدولية في نيويورك.

ومثل هذا التحذير قمة الهرم في التقديرات الدولية بشأن التأثير الاقتصادي السلبي لانتشار "كورونا" عالميا؛ إذ سبقتها تحذيرات مشابهة صدرت عن مؤسسات دولية كبرى، على رأسها صندوق النقد الدولي.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس قسم سياسة ومراجعة الاستراتيجية بالصندوق "مارتن مويلايزن" أن وقع تفشي "كورونا" سيكون "شديدا"، خاصة في ظل ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بشأن مدة استمراره. إذ تشير خطة الحكومة الفيدرالية الأمريكية لمكافحة الفيروس إلى أن الوباء سيستمر 18 شهرا أو أكثر على الأرجح، وقد يتضمن "موجات" متعددة.

لكن "مويلايزن" أشار، في الوقت ذاته، إلى أن أزمة "كورونا" جاءت عقب فترة نمو طويلة ومعدلات توظيف مرتفعة على مستوى الاقتصاد العالمي الإجمالي؛ "ما سيسمح بامتصاص الصدمة الحالية"، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

وتعود توقعات تحول الجائحة الصحية لـ"كورونا" إلى أزمة اقتصادية إلى عاملين رئيسين، هما: التكلفة المليارية التي رصدتها حكومات دول العالم لمواجهة تفشي الوباء، خصما من موازناتها، وحالة الركود التي بدأت بالفعل في عديد الدول التي أصابها الوباء.

  • جائحة اقتصادية

ففي الولايات المتحدة وحدها، وقع الرئيس "دونالد ترامب" قانونا يخصص 100 مليار دولار لإجراء اختبارات مجانية لفحص "كورونا"، ومنح عطلات مرضية مدفوعة الأجر للمصابين بالفيروس. كما دفعت عمليات العزل غير المسبوقة لمدن كبرى في أرجاء العالم والتبعات الاقتصادية المحتملة، البنوك المركزية والحكومات، للإعلان عن إجراءات تحفيز ضخمة.

وإلى جانب ما تمثله هذه الإجراءات من تكلفة ضخمة، سجلت صناديق السندات عمليات بيع واسعة، وفق ما أظهرت بيانات لتدفقات الصناديق من "بنك أوف أمريكا". فيما شهدت أسواق المال العالمية عمليات بيع ضخمة للأصول؛ ما أدى إلى تراجع حاد في كل الفئات تقريبا.

ويعني حالة الركود تلك هبوطا حادا في النمو الاقتصادي ربما يسفر عن انخفاض بمعدل الإنتاج بما يؤدي في النهاية إلى تسريح الأيدي العاملة، وارتفاع نسب البطالة.

ولذا تحذر منظمة العمل الدولية من أن العمال في جميع أنحاء العالم يمكن أن يخسروا ما يصل إلى 3.4 تريليونات دولار من الدخل بحلول نهاية 2020، ويعد هذا هو الأثر الفردي الأكثر بشاعة للركود الاقتصادي العالمي المتوقع.

أما على مستوى الأثر الخاص بالدول، فيتوقع الخبير الاقتصادي الأردني "جواد العناني" أن يشمل بلدانا كثيرة حول العالم، خاصة تلك التي تحمل عبء ديون ثقيلة، إذ ستبحث عن وسائل لسد حاجاتها الأساسية، بدلاً من سداد ديونها، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".

وإذا انهار اقتصاد واحد من تلك الدول ذات الديون المرتفعة، مثل إيطاليا أو إسبانيا، فإن الاقتصاد العالمي سيشهد انتكاسة كبرى، حسب تقدير "العناني".

  • تحول نظامي

هل يعني ذلك أن الاقتصادات الصغيرة ستكون بمعزل عن آثار الركود الحاد؟. يجيب البروفيسور في مدرسة لندن للاقتصاد "برانكو ميلانوفيتش" بالنفي في مقال نشره بموقع "فورين أفيرز"، مشددا على ضرورة "عدم النظر إلى التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على أنها مشكلة عادية يمكن للاقتصاديات الصغيرة حلها أو التخفيف منها؛ لأن العالم يتجه إلى تحول في طبيعة الاقتصاد".

وعن طبيعة هذا التحول، يستشرف "ميلانوفيتش" عودة العالم إلى "الاقتصاد الطبيعي"؛ أي ذلك الاقتصاد الذي يعتمد على الموارد الطبيعية الذاتية لكل دولة، بما يناقض اقتصاد العولمة الحالي.

ففي الوقت الذي تتطلب فيه العولمة توزيع التخصصات بين الاقتصاديات المتباينة، فإن العودة الى الاقتصاد الطبيعي تعني تحرك الدول نحو اقتصاد الاعتماد على الذات، وهو ما تتجه إليه العديد من اقتصاديات الدول خلال إجراءات "إدارة الأزمة" التي تتبعها حاليا، وعلى رأسها خفض أسعار الفائدة.

لكن هكذا إجراء لا يمكنه تعويض النقص في العمال الذين سيتوقفون عن العمل جراء الوضع الحالي، وهو ما شبهه "ميلانوفيتش" بحالات قصف وتفجير المصانع في أثناء الحرب.

 وإضافة إلى ذلك، فإن سعر فائدة المنخفض لن يعوض الإمدادات التي تمت خسارتها عالميا، ولذا يتوقع الكاتبان الأمريكيان "ديفد لينش" و"هيثر لونج" أثرا اقتصاديا لتفشي كورونا "أكثر حدة وأكثر إيلاما مما كان عليه إبان أزمة 2008".

  • الدول الغنية تتأثر

هذا الأثر سيضرب الدول الغنية، لاسيما الولايات المتحدة في الصميم، حسبما أفاد الكاتبان بمقال بصحيفة "واشنطن بوست"، في معرض الإشارة إلى إجبار 80 مليون أمريكي على البقاء في المنازل حاليا؛ ما تسبب في توقف غالبية الأعمال.

وبمرور كل يوم، يتفاقم هذا الأثر غير المسبوق على الأعمال، خاصة في ظل توقف كثير من المطاعم ودور السينما والملاعب والمكاتب لحماية أفرادها من الوباء.

لذا، ترى شركة "بريدجووتر أسوشيتس" للاستثمار أن هناك احتمالية لحدوث انكماش اقتصادي على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة بمعدل سنوي قدره 30%، في حين يتوقع "غولدمان ساكس" انكماشا بنسبة 24%، فيما يقدره "جي بي مورجان تشيس" في حدود 14%.

ويرجح بنك "أمريكا ميريل لينش" أن تستقبل وزارة العمل الأمريكية هذا الأسبوع ما يقرب من 3 ملايين طلب للحصول على إعانة البطالة، وهو ما يزيد عن 4 أضعاف الرقم القياسي الذي سُجل خلال أوج الركود عام 1982.

وأمام تلك الترجيحات، أبلغ بنك "أوف أمريكا" مستثمريه بأن اقتصاد الولايات المتحدة دخل مرحلة "الركود الحاد" ستبلغ ذروتها في أبريل/نيسان المقبل، وهو من شأنه التسبب في "فقدان للوظائف وتدمير للثروات".

وتفيد تقديرات البنك إلى أن الولايات المتحدة ستخسر نحو مليون وظيفة كل شهر في الربع الثاني من العام الجاري، بما يعني أن عدد العاطلين عن العمل سيصل إلى 3.5 ملايين أمريكي.

وكانت شركة الأبحاث "IHS" أعلنت، الأسبوع الماضي، تقديرها بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0.2% هذا العام، كما أعلنت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" ترجيحها لحدوث ركود في اقتصاد البلاد في عام 2020.

  • البلدان النامية أيضا

وإزاء تلك المعطيات، فإن الآثار الاقتصادية لتفشي "كورونا" ستكون مضاعفة على الدول النامية، في ظل انخفاض قدرتها على تعويض العمالة المسرحة أو نقص الإمدادات، واعتماد أغلبها على الاستيراد.

وحتى تلك الدول النفطية باتت في مرمى تلك الآثار، مع تراجع الطلب على النفط والغاز عالميا جراء "كورونا"، ولجوء عديد الدول إلى فرض "حجر صحي كامل" يشمل الطيران والموانئ.

الجزائر تمثل أحد النماذج الدالة في هذا الإطار؛ إذ يعمد مدخولها الإجمالي على صادراتها من البترول والغاز بنسبة 98%، كما أن مداخيلها من الضرائب تعتمد بنسبة 50% على قطاع البترول، وتُدفع 70% من الرواتب على أساس هذه المداخيل.

وبالنظر إلى أن زبونيها الرئيسيين في أوربا والعالم، هما إيطاليا وإسبانيا، وهما الأكثر تضررا حاليا من أزمة "كورونا"، يمكن قياس مدى تأثير تراجع الطلب أو تعطل الدفع في هذين البلدين على الجزائر، التي ترتبط بأنبوبي غاز مع كلا البلدين.

لذا فإن الوضع المالي لدول كالجزائر سيكون حرجا للغاية، حسب تقدير الخبير المالي "كمال سي أحمد"، الذي يشير إلى تضاعف متوقع لعجز الميزانية الجزائرية، المقدر بـ13 مليار دولار، وفقا لما أورده موقع "عربي 21".

وقد ينفذ احتياطي الصرف، الذي يتم استعماله لسداد عجز ميزان المدفوعات الجزائري، في غضون السنة المقبلة إذا لم تسترجع أسعار النفط مستويات مقبولة. لذا فإن المؤسسات الجزائرية تعيش وقتا عصيبا لم يسبق له مثيل، خاصة تلك التي يرتبط نشاطها مباشرة بالتعامل مع الخارج، سواء من خلال جلب المواد الأولية أو قطاع الخدمات على غرار الوكالات السياحية وشركات الطيران والتأمين.

وإزاء ذلك، تنذر أزمة "كورونا" بضغط محلي كبير على المواد الاستهلاكية في الجزائر، وغيرها من الدول التي يرتبط إنتاجها بمواد أولية مستوردة من الخارج؛ ما قد يعني حدوث ندرة في التموين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد العالمي كورونا أنطونيو جوتيريش صندوق النقد الدولي دونالد ترامب العولمة

النقد الدولي يتوقع أسوأ ركود للاقتصاد العالمي

صندوق النقد: العالم دخل مرحلة ركود أسوأ من أزمة 2008

صندوق النقد يتوقع ركودا عميقا في أوروبا 2020 بسبب كورونا