لماذا تسعى الإمارات لتعزيز نفوذها لدى الأسد؟

السبت 11 أبريل 2020 05:52 م

وسط حالة الذعر العالمية من الفيروس التاجي المستجد "كوفيد-19"، أجرى ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" مكالمة هاتفية مهمة مع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" أواخر الشهر الماضي، وتعهد "بالوقوف إلى جانب الشعب السوري لمواجهة انتشار الفيروس في البلاد".

وتمثل هذه الأزمة فرصة ذهبية للإمارات للإلقاء بثقلها وراء "الأسد" ضد تركيا التي تعتبرها الإمارات خصما رئيسا في عدة ملفات إقليمية بما في ذلك ليبيا والصومال.

وأكد "بن زايد" لـ"الأسد" دعم الإمارات، وكتب على "تويتر" أن "التضامن الإنساني خلال الأوقات العصيبة يحل محل كل الأمور، ولن تقف سوريا وشعبها بمفردهما".

ومع ذلك، قبل هذه الإشارة، عرضت الإمارات على "الأسد" 3 مليارات دولار في مقابل عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي جرى توقيعه في 5 مارس/آذار بين تركيا وروسيا.

وتسعى الإمارات من وراء ذلك إلى تشتيت انتباه تركيا عن الصراع الليبي، حيث تدعم أبوظبي وأنقرة الأطراف المتعارضة، ما يوضح كيف يخدم دعم "الأسد" المصالح الإقليمية الأوسع لدولة الإمارات.

مخاوف إنسانية مفتعلة

ويمكّن تهديد فيروس "كورونا" أبوظبي من تعزيز قناع الإنسانية مع تأمين نفوذ إقليمي أكبر، من خلال توصيل المساعدات إلى دول أخرى، بما في ذلك إيران، التي تعاني من تفشي الفيروس.

كما تسعى الإمارات إلى التعاون مع نظام "الأسد" الاستبدادي باعتباره حصنا ضد الحركات الديمقراطية والإسلامية، تماشيا مع أهدافها الأوسع لسحق مثل هذه التحولات الإقليمية، التي يمكن أن تلهم في نهاية المطاف الدعوات إلى إصلاحات داخل النظام الاستبدادي الإماراتي.

وبالرغم أن "بن زايد" دعم "الأسد" علنا، وأعاد فتح سفارة الإمارات في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الإمارات عملت بذكاء طوال الحرب السورية لتأسيس نفوذها في البلاد.

وفي البداية، اتبعت إلى حد كبير خط مجلس التعاون الخليجي بشأن سوريا، حيث علقت جامعة الدول العربية رسميا عضوية سوريا عام 2011 بعد قمع النظام الوحشي ضد المتظاهرين.

وفي مؤشر مبكر على السياسة الخارجية الحازمة لإمارة أبوظبي، انتقد وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة في يوليو/تموز 2012، بينما حث المجتمع الدولي على معارضة وحشية "الأسد" ضد الشعب السوري.

وشاركت أبوظبي مخاوف مجلس التعاون الخليجي بشأن الوجود الإيراني المتنامي في سوريا منذ عام 2013، حيث تحركت طهران لدعم حليفها "الأسد".

ومع ذلك، سرا، كانت الإمارات تنظر إلى ديكتاتورية "الأسد" باعتبارها ركيزة رئيسية لتأمين رؤيتها الإقليمية، وانتظرت فقط الوقت المناسب.

السيطرة على قوى المعارضة

وتحت ستار تقديم المساعدة الإنسانية، ركزت أبوظبي على جنوب سوريا في البداية، من خلال الإجراءات الخيرية مثل مساعدة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ومنطقة ريف درعا السورية.

وسلطت الإمارات الضوء على تبرعها بأكثر من 530 مليون دولار "لتخفيف معاناة الشعب السوري".

ثم اتبعت نهجا عسكريا، حيث دفعت أعدادا كبيرة من المقاتلين المسلحين في جنوب سوريا مع انفجار النزاع مرة أخرى بعد فشل محادثات السلام في فبراير/شباط 2014.

ومع ذلك، ابتعدت أبوظبي عن الفصائل الإسلامية، ووحدت مجموعاتها المفضلة تحت قيادة الجبهة الجنوبية بأكثر من 30 ألف مقاتل، مرتبطون بمركز العمليات العسكرية في الأردن.

واستخدمت هذه القوى لموازنة القوى الإسلامية، مثل "أحرار الشام"، وأظهر هذا اختلافا أوليا عن موقف السعودية، التي دعمت هذا الفصيل.

علاوة على ذلك، على عكس الرياض، لم تدعم أبوظبي أبدا المتمردين بقصد الإطاحة بـ"الأسد"، وكان هذا بالأحرى لمواجهة تركيا وقطر.

وسعت الإمارات للسيطرة على قوى المعارضة الجنوبية لإنهاء الكفاح المسلح ضد النظام السوري، مع توجيه النفوذ بعيدا عن منافسيها.

ومع ذلك، بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015 لإعادة تأمين سيطرة "الأسد" على سوريا وهزيمة قوى المعارضة، تكيفت الإمارات بشكل أكبر، سعيا لتعزيز العلاقات مع موسكو.

حتى إن وزير الخارجية الإماراتي انتقد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 واصفا إياه بأنه "عمل إرهابي".

مواجهة أنقرة والدوحة

وبالرغم أن الإمارات وجهت انتقادات إلى استخدام روسيا حق النقض "الفيتو" بشكل متكرر ضد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، لكنها رحبت بدور روسيا في الوقت الذي تخلت فيه عن مساعدتها للمعارضة الجنوبية، التي أنهت فعليا المقاومة هناك.

وأعربت الإمارات عن أملها في أن تضغط روسيا على حليفتها إيران لتقليل وجودها في سوريا، ونظرا للتجاهل الروسي، حولت الإمارات تركيزها إلى شمال سوريا، من خلال الاستثمار في القوات الكردية، وهي "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب"، وهي القوى التي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية لعلاقاتها مع حزب العمال الكردستاني المحظور.

وازداد هذا التمويل مع قيام تركيا بشن عمليات عسكرية ضد "وحدات حماية الشعب".

والآن، تعطي أبوظبي الأولوية لمواجهة أنقرة والدوحة أكثر من طهران، خاصة بعد أن دفعت أزمة الخليج في عام 2017 تركيا وقطر للتقارب أكثر. والآن، تفضل الإمارات استخدام الدبلوماسية بشكل أكبر مع إيران.

كما دعمت الإمارات، إلى جانب روسيا، هجوم الجنرال الليبي "خليفة حفتر" على طرابلس منذ أبريل/نيسان 2019.

وتسعى أبوظبي حاليا إلى ضمان سيطرة "حفتر" على البلد بأكمله، أو على الأقل جزء كبير من ليبيا، مع تعطيل الانتقال الديمقراطي.

كما هدد تدخل تركيا في يناير/كانون الثاني لمساعدة حكومة الوفاق الوطني، مصالح الإمارات في ليبيا.

المحور المناهض لتركيا

وبشكل ملحوظ، أظهر "الأسد" و"حفتر" دفئا متزايدا في العلاقات بين بعضهما البعض، حيث اعتبرا تركيا عدوا مشتركا.

وتبادل الرجلان البعثات الدبلوماسية في أوائل مارس/آذار، وأعلن وزير خارجية النظام السوري "وليد المعلم" أنه التقى بوفد يمثل قوات "حفتر".

وبالتزامن مع توطيد العلاقات مع موسكو، تسعى الإمارات في نهاية المطاف إلى دمج هذه الجهات الفاعلة في محور مناهض لتركيا.

ومع ذلك، فإن التعاون التركي الروسي بشأن سوريا يخلق حاجزا أمام المصالح الإماراتية، حيث يسعى "بوتين" للعمل مع أنقرة، مع موازنة علاقات موسكو بين "الأسد" و"أردوغان".

وظهر سيناريو مماثل في ليبيا، بعد أن وافقت موسكو وأنقرة على وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني، فكيف سيكون رد فعل الإمارات تجاه هذه العقبة؟

حسنا، أظهرت الإمارات تكيفا تجاه سياسة الولايات المتحدة الغامضة تجاه سوريا، فبعد أن أعلنت واشنطن انسحابها من سوريا في يناير/كانون الثاني 2019، ما عزز تقدم تركيا في شمال شرق سوريا، علقت أبوظبي أملها على روسيا والنظام السوري كحلفاء رئيسيين.

وسوف تستمر أبوظبي في دعم "الأسد"، حيث تعتبر وجوده أكبر عائق أمام النفوذ التركي، بعد أن أصبحت إدلب هي النقطة الساخنة للصراع، وقال العديد من الناشطين السوريين إن وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في إدلب قيّد نفوذ أنقرة في سوريا.

عدو مشترك

وفي حين تستمر أبوظبي في دعم القوات الكردية باعتبارها "قوة عازلة" مناهضة لتركيا في شمال شرق سوريا، لكن ذلك سيصبح أقل إلحاحا بينما يتحول اهتمام تركيا بعيدا عن هذه المنطقة.

وبدلا من ذلك، تبدو الإمارات مهيأة لإعطاء الأولوية لتمكين "الأسد".

وتستفيد الإمارات من أي تدهور إضافي للعلاقات بين تركيا وروسيا، ما يمنحها فرصة لإضفاء الشرعية على النظام السوري على الساحة الدولية، وربما تستمر الإمارات في في محاولة دفع موسكو لرؤية أنقرة عدوا مشتركا.

ومن الواضح أن الإمارات قامت بدور مرن من أجل تعظيم نفوذها في سوريا، التي تعد بمثابة منصة رئيسية لطموحات أبوظبي في السيطرة الإقليمية.

وبالرغم من تقديم جهودها على أنها مجرد مساعدات إنسانية، من الواضح أن أولوية الإمارات ليست مساعدة الشعب السوري.

المصدر | جوناثان هارفي | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا الحرب السورية العلاقات الإماراتية السورية النفوذ الإماراتي

الإمارات: ندعم مؤتمر برلين.. والعرب تعلموا درسا قاسيا من سوريا