جوزيف ستغلتز.. اقتصادي يرشد الاقتصادات إلى الخلاص

السبت 11 أبريل 2020 05:15 م

 جوزيف ستيغلتز.. اقتصادي يرشد الاقتصادات إلى الخلاص

اختار مع انتشار كورونا، أن يذكّر ويُرشد إلى الطريق الذي يفترض أن يسلكه العالم.

في أزمة 2008 المالية تم تعميم الخسائر على الجميع وتمت تخصيص المكاسب والأرباح.

يؤكد ستيغلتز أن النسخة الراهنة للرأسمالة ليست سوى طبعة مزيفة تناقض أهم مبادئ يقوم عليها السوق.

لم يكف ستيغلتز عن دق ناقوس الخطر حول أخطار تحدق بالمجتمعات واقتصادياتها بسبب السعي إلى تهميش دور الدولة.

يجمع مؤلف "انتصار الجشع" و" ثمن اللامساواة" والمعروف بانتقاداته الشديدة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بين التأليف والتدريس.

ركز على فكرة عدم تكافؤ المتعاملين في الأسواق بسبب عدم حصولهم على المعلومات نفسها كما بين المصارف والمقترضين.

*     *     *

بقلم | مصطفى قماس

قبل أن يصبح للاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز متابعون كثر مع زحف فيروس كورونا إلى دول العالم مشككين بقدرات السوق على تنظيم نفسه بنفسه، كان الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد جوزيف ستيغلتز يحذر من الإمعان في تسليم قيادة الاقتصاد للقطاع الخاص، داعيا إلى تدخل الدولة من أجل رد الأمور إلى نصابها.

لم يكف ستيغلتز عن دق ناقوس الخطر حول الأخطار التي تحدق بالمجتمعات واقتصادياتها بسبب السعي إلى حشر الدولة في أدوار هامشية. هذا ما يجعل رأيه مطلوبا في مثل هذه المرحلة، هو الذي اختار مع انتشار كورونا، أن يذكّر ويُرشد إلى الطريق الذي يفترض أن يسلكه العالم.

توقع ستيغلتز في الربع الأخير من العام الماضي، حدوث إفلاسات لشركات نتيجة تباطؤ النمو في العالم، لكنه استبعد نشوب أزمة مثل تلك التي التي عرفها العالم في 2008، غير أن انتشار الجائحة فاجأه كما العديد من الخبراء.

خبر دهاليز السلطة والمؤسسات المالية، فقد عينه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كيلنتون، عضوا في مجلس المستشارين الاقتصاديين في عام 1993، قبل آن يترأس تلك اللجنة في عام 1995، التي غادرها في عام 1997، ويلتحق بالبنك الدولي، حيث تولى منصب كبير الاقتصاديين فيه ونائب رئيس البنك لغاية 2000، كي يحصل في 2001 على جائزة نوبل عن أعماله حول اقتصاد المعلومة بمعية جورج أكرلوف وميكايل سبانس.

يجمع صاحب كتب مثل "انتصار الجشع" و" ثمن اللامساواة"، والذي عرف بانتقاداته الشديدة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بين التأليف والتدريس، حيث لمع في العديد من الجامعات الكبيرة، مثل ستانفورد وأوكسفورد وبرنستون وييل، قبل أن يحط الرحال حاليا بجامعة كولومبيا.

جوزيف ستيغلتز المولود عام 1943، وهو أحد أبرز رواد تيار "الكينزيين الجدد"، يعتبر أن الأسواق لا يمكن أن تضبط نفسها بنفسها بواسطة اليد الخفية، من دون تدخل الدولة التي تعد في تصوره الضامن لاشتغال الأسواق بفاعلية، بهدف تجنب الأزمات المتعاقبة والدورية للرأسمالية.

هو من مريدي كينز، غير أنه يأتي بإضافات على هذا البناء النظري، عبر تطوير نظريات جديدة، حيث كان رائدا في بلورة اقتصاد المعلومات، حيث يحسب له لدى الاقتصاديين أنه ركز على فكرة عدم تكافؤ المتعاملين في الأسواق، بسبب عدم حصولهم على المعلومات نفسها، كما هو الحال مثلاً بين المصارف والمقترضين.

يؤكد ستيغلتز على أن النسخة الراهنة للرأسمالة ليست سوى طبعة مزيفة تناقض أهم المبادئ التي يقوم عليها السوق، ويضرب مثلا بالأزمة التي عرفها العالم قبل 12 عاما، حيث تم تعميم الخسائر على الجميع، وتمت خصخصة المكاسب والأرباح.

في الأيام الأولى لانتشار الفيروس، أكد على أنه "عندما نواجه أزمة مثل الوباء أو الإعصار، فإننا نلجأ إلى الحكومة، حيث لا يمكن التعويل على القطاع الخاص، على اعتبار أن الشركات تسعى إلى تحقيق أرباح كبيرة، كما يتضح من ارتفاع أسعار الأقنعة.

يعتبر أن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، رسخ الاعتقاد بأن "الحكومة ليست هي الحل لمشكلتنا، فالحكومة هي المشكلة"، معتبرا أن هذا الاعتقاد يقود إلى الطريق المسدود، ملاحظا أن ذلك الاعتقاد يترسخ أكثر مع دونالد ترامب، الذي عمد إلى تخفيض تمويل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها وإزالة إدارة الأمن الصحي ومجلس الدفاع البيولوجي.

لا يرى ستيغلتز حلا للأزمة الحالية خارج نوع من التضامن الدولي، خاصة أن الفيروس لا يعبأ، كما يقول، بالحدود، على أنه "ما دامت الجائحة مستمرة في أي مكان، فسوف تشكل تهديدا وبائيا واقتصاديا في كل مكان".

ينشغل أكثر بالبلدان الناشئة والنامية، التي يعتبر أنه ينبغي تمكينها من الاستفادة الكاملة من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، على أن توقف الدول الدائنة خدمة الديون عن الاقتصادات الناشئة والنامية، على اعتبار أن البلدان المدينة أمام خيار وحيد: "إما تحويل المال إلى الدائنين أو السماح بموت المزيد من مواطنيها".

يساهم مع آخرين في استخلاص الدروس من الأزمة الحالية التي تؤكد وجاهة تصوره حول ترويض السوق وتدخل الدولة، عل أصحاب القرار يعيدون النظر بسياسات قائمة على تقديس السوق واستفزاز الطبيعة.

* مصطفى قماس كاتب صحفي اقتصادي

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا.. مخاطر صعود الإقطاع الرقمي في عالم متعدد الأقطاب