تعليق تمويل الصحة العالمية.. صراع أمريكي صيني أم مناورة انتخابية لترامب؟

الأربعاء 15 أبريل 2020 06:55 م

بشكل غير مفاجئ ربما، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الأربعاء (15 أبريل/نيسان)، تعليق مساهمة الولايات المتحدة المالية في منظمة الصحة العالمية كرد فعل على سوء أداء المنظمة في مواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" حول العالم.

وقدمت إدارة "ترامب" لائحة اتهام شفهية مطولة بحقق المنظمة الأممية، تضمنت، حسبما أعلن متحدث باسم الخارجية الأمريكية، 3 اتهامات رئيسية، الأول هو تأخر "الصحة العالمية" في إدراك خطورة أزمة كورونا، إذ لم تعلن المنظمة الفيروس كـ"وباء عالمي" إلا يوم 11 مارس/آذار الماضي، في حين أن الصين أبلغتها بتفشي الفيروس في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وبحسابات الأرقام، فإن فترة شهرين كاملين كانت كفيلة -من وجهة النظر الأمريكية- في حصر نطاق انتشار فيروس كورونا المستجد قبل تحوله إلى جائحة عالمية.

الاتهام الثاني يتعلق بتأكيد تايوان منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي (تزامنا مع إبلاغ الصين بتفشي الوباء) إمكانية انتقال الفيروس من إنسان إلى آخر، استنادا إلى انتقال العدوى إلى صفوف العاملين في المجال الصحي بمدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي الوباء، ومع ذلك، فإن المنظمة الأممية لم تشارك هذه المعلومات في الوقت المناسب مع الأوساط الصحية العالمية، بحسب الخارجية الأمريكية.

وتعتبر واشنطن أن ردّ فعل تايوان، التي تم استبعادها تماما في السنوات الأخيرة من منظمة الصحة تحت ضغط بكين، كان مثاليا في مواجهة الوباء، خلافا للصين، ولذا اعتبرت واشنطن أن "تصرفات منظمة الصحة العالمية أدت إلى إهدار أرواح بشرية"، وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك متهمة منظمة الصحة العالمية بتعمد إخفاء المعلومات الحقيقية حول المرض "إرضاء للصين" التي لا تعترف بتايوان كدولة مستقلة، وفقا لما أورده موقع "فوكس نيوز" الأمريكي.

أما الاتهام الثالث، فيتعلق بنصيحة "الصحة العالمية" للولايات المتحدة بعدم وجود ضرورة تستدعي تعليق السفر من وإلى الصين خلال الأسابيع الأولى لتفشي الوباء، وهو ما أعطى الفرصة لانتشار المرض عبر المسافرين الصينيين إلى جميع دول العالم، بخلاف تجاهل المنظمة الأممية للتحقيق في دعاوى اختفاء أطباء وباحثين في الصين قدموا رواية حول الفيروس وحجم وطريقة انتشاره تختلف بشكل كبير عن الرواية الرسمية التي صدرتها الحكومة الصينية.

توظيف سياسي

وتشير هذه الاتهامات أن الإدارة، والعديد من النواب في الكونجرس، صاروا مقتنعين أن قرارات المنظمة كانت "مسيسة" وتم تصميمها بالأساس للتهوين من حجم الكارثة وحماية سمعة الصين، وهو ما عبر عنه متحدث الخارجية الأمريكية بقوله: "إن المنظمة وضعت مرة أخرى السياسة قبل الصحة العامة، تماما كما تفعل بإبقائها على وضع تايوان كمراقب في المنظمة منذ عام 2016".

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن "ترامب" يمتلك العديد من الدوافع السياسية لإيقاف تمويل منظمة الصحة العالمية، إذ طالما ركز الرئيس الأمريكي خلال مدة ولايته على تقليص تمويل الولايات المتحدة للمنظمات الدولية وإعادة توزيع عبء تمويل هذه المنظمة على القوى الرئيسية في العالم لاسيما روسيا والصين، بل وحتى حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقد عبر "ترامب" عن ذلك من حديقة البيت الأبيض بقوله إن "دافعي الضرائب الأميركيين يقدمون من 400 إلى 500 مليون دولار، بينما تقدم الصين 40 مليون دولار وربما أقل".

وفيما يبدو، فإن الرئيس الأمريكي بات يرى أن الولايات المتحدة تخسر مليارات الدولارات سنويا في تمويل المنظمة الدولية دون أن تحصل على استفادة مناظرة لحجم ما تدفعه، وهو ما يدفع واشنطن لمحاولة تقليص التزاماتها تجاه المنظمات الدولية ومحاولة تقاسم هذه الالتزامات مع شركاء آخرين.

ثمة بعد آخر لا يقل أهمية لقرار "ترامب" وقف تمويل الصحة العالمية، ويتعلق هذا البعد بسعي الرئيس إلى العثور على "كبش فداء في الخارج"، بعد تعرضه لانتقادات بسبب طريقة تعاطيه مع أزمة كورونا، خاصة بعدما أعلن، في يناير/كانون الثاني الماضي أن الوباء "تحت السيطرة الكاملة"، قبل أي يؤدي الوباء إلى وفاة أكثر من 23500 شخص في الولايات المتحدة.

ويعزز هذا البعد ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، في 12 أبريل/نيسان، بشأن تقاعس الإدارة الأمريكية في التصدي مبكّرًا لخطر فيروس كورونا المستجد، وتجاهل "ترامب"، على مدار شهرين تقريبًا، للتحذيرات التي كانت تصل إليه من عديد المستشارين والمؤسسات الأمريكية، بما فيها الاستخبارات، حول ضرورة التحرّك بشكل سريع من أجل إبطاء انتشار الفيروس حتى باتت الولايات المتحدة في صدارة حصيلة وفيات الوباء في العالم.

ودفعت هذه المعلومات بالانتقادات الداخلية لـ"ترامب" إلى مستوى الخبراء الاستراتيجيين في الحزب الجمهوري نفسه، ومنهم "ستيف شميدت"، الذي اتهم الرئيس الأمريكي، في مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي"، بأنه "عاجز عن التعامل مع أزمة كورونا".

تغيير جذري

ووفق أرقام رسمية أمريكية، فإن الولايات المتحدة تساهم بقيمة تعادل 15% من ميزانية منظمة الصحة العالمية، لذا فإن قرار تعليق التمويل الأمريكي سوف يدفع المنظمة الأممية على إدخال تعديلات جذرية على أسلوب إدارته، وهو ما تستهدفه الولايات المتحدة حسبما صرح به وزير الخارجية "مايك بومبيو"، الثلاثاء (14 أبريل/نيسان)، لإذاعة فلوريدا.

ويتعلق هذا التغيير بنهج المنظمة في التعامل مع الصين من جانب، وبنهجها العام في ممارسة ضغوط للوصول إلى المعلومات الحقيقية بشأن تفشي وباء كورونا من جانب آخر، بما يشمل التخلي عن سياستها في تجنب توجيه انتقادات علنية إلى الدول الأعضاء بحجة تلافي تقويض إجراءاتها الصحية، خاصة في ظل تقارير غربية متوالية عن حملة تعتيم تمارسها بكين في هذا الشأن.

وهناك أدلة عديدة ربما تدعم هذا الادعاء. ووفق تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن السلطات الصينية وجهت تهديدات للأطقم الطبية في ووهان (مصدر تفشي الفيروس) لإجبارهم على عدم البوح بأية معلومات خارج الإطار "المسموح به".

وبدا أن "التمويل" هو ورقة واشنطن الكبرى لممارسة ضغط فعال على منظمة الصحة العالمية، خاصة أن "ترامب" اقترح في وقت سابق مساهمة الولايات المتحدة بـ58 مليون دولار فقط في تمويل المنظمة للسنة المالية 2021، في حين خصص الكونجرس حوالي 123 مليون دولار للغرض ذاته في عام 2020.

في السياق ذاته، ستعرض رئيس منظمة الصحة العالمية الإثيوبي "تيدروس أدهانوم جيبريسوس" لانتقادات شديدة بخصوص طريقة إدارته أزمة كورونا، دفعت البعض لإنشاء عريضة على موقع "Change.org"، شارك بها أكثر من مليون شخص، طالبوا باستقالة مدير المنظمة العالمية فورا.

ويتهم الموقعون "غيبريسوس" بأنه سمح للصين بإخفاء التأثير الحقيقي لفيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية مع بداية الأزمة، مستشهدين بتاريخه الطويل في تغليب ميوله ومصالح بلاده السياسية على وظيفته الفنية، وهو ما سبق لـ"الخليج الجديد" تناوله في تقرير سابق. (طالع المزيد)

وبينما رد مدير "الصحة العالمية" على اتهامات "ترامب" بالدعوة إلى "عدم تسييس" الوباء، قائلًا، خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، إن المنظمة "لا تعمل بالسياسة"، دعت السيناتور الأمريكي "مارثا ماكسالي" مدير المنظة إلى الاستقالة، الأسبوع الماضي، مستندة إلى ما خلصت الاستخبارات الأمريكية بشأن عدم إبلاغ الصين عن العدد الحقيقي للإصابات بفيروس كورونا وقت اكتشافه.

وأيا ما كانت مصداقية حملة الضغط التي يقودها "ترامب"، فالمؤكد أن تمويلا بحجم 15% سيكون ذو تأثير كبير على أداء المنظمة الدولية، في وقت يرى فيه كثيرون أن المنظمة تحتاج إلى الدعم أكثر من حاجتها إلى مزيد من الضغوط.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا دونالد ترامب منظمة الصحة العالمية أنطونيو جوتيريش مايك بومبيو

الأمم المتحدة تنتقد قرار ترامب بوقف تمويل الصحة العالمية

رئيس المخابرات البريطانية السابق يدعو لمحاسبة الصين على انتشار كورونا

روسيا تنتقد قرار ترامب بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية

فيروس كورونا ومخاطر تسييس الطب

بيلوسي: قرار ترامب وقف تمويل منظمة الصحة أحمق وخطير

ماذا يعني تجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية؟

الصدر: ترامب يتلاعب بمصير الشعوب وغير مبالٍ بكورونا‎

قناة عبرية: CIA حذرت إسرائيل والناتو من كورونا في نوفمبر

فوكس نيوز: إدارة ترامب تستأنف جزئيا تمويل منظمة الصحة العالمية

ترامب يهدد بتجميد دائم لتمويل منظمة الصحة العالمية خلال 30 يوما

ترامب ينهي علاقة واشنطن بمنظمة الصحة العالمية