الجزائر: حصن شمال أفريقيا

الأحد 16 أغسطس 2015 06:08 ص

يقول القول المأثور القديم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، وهو قول وثيق الصلة للغاية ولكنه بعيد المنال عندما يتعلق الأمر باتخاذ استراتيجية أمنية فعالة.

في كثير من الأحيان، ينصب الاهتمام العالمي على الأزمات التي تتكشف اليوم على حساب منع تلك التي قد تحصل في الغد، مع تدهور الوضع الأمني ​​في شمال أفريقيا، فإن الجزائر هي المرشح الأول لجرعة من الاهتمام الوقائي. فبينما تتركز جهود مكافحة الإرهاب على توسع «الدولة الإسلامية» والجماعات الجهادية الأخرى في أنحاء ليبيا، مصر، تونس، ومنطقة الساحل، فإن الجزائر تبدو في خطر بسبب  التغاضي عنها.

الجزائر عملاق إقليمي، ولكنه شريك ذو إشكالية ومفارقة مع الولايات المتحدة، والبلد أيضا ما زالت تكتنفه التحديات الجديدة والقديمة.

وتواجه قوات الأمن الجزائرية تحديا هائلا في تأمين البلاد ذات 6734 ميل من الحدود الصحراوية القابلة للاختراق مع تونس وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا والمغرب والصحراء الغربية.

ولد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الجزائر، وهو يحتفظ بوجود في شرقي الجزائر العاصمة في جبال منطقة القبائل. ولا تزال المنظمات الصغيرة بما في ذلك القاعدة، والمرابطون (المجموعة المنشقة بقيادة  تنظيم رجل القاعدة السابق مختار بلمختار)، على صلة بتنظيم القاعدة ومجموعة «عقبة بن نافع»، والمرتبطة بالدولة الإسلامية (جند الخلافة) ولديهم قدرة للعمل عبر وداخل الحدود الجزائرية.

وقد قتلت القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في أواخر الشهر الماضي تسعة جنود جزائريين على الأقل في كمين بمنطقة ليست بعيدة عن العاصمة الجزائر.

وبسبب حجمها وموقعها الجغرافي، يمكن للجزائر أن تكون شريكا إقليميا رئيسيا للولايات المتحدة وفرنسا في جهود الأمن ومكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة و«الدولة الإسلامية». والجزائر لديها مصلحة واضحة في قمع التهديد الذي يشكله الجهاديون الإقليميون. ولديها المعرفة المحلية التي قد تكون مفيدة للجهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. ودون تعاون نشط من الجزائر لتعزيز الأمن في تونس سيكون من الصعب للغاية. وبدون الجزائر، فإن إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا سيكون من المستحيل تقريبا.

ولكن عملية توثيق التعاون مع الجزائر ستكون صعبة، ويرجع ذلك بعدة أسباب. الجزائريون يفضلون العمل بطريقة وقائية بشكل مكثف لحفظ سيادة بلادهم ودورها الإقليمي، وكانت  هناك خشية من التعاون مع الولايات المتحدة حيث يبدو هذا كالسماح بنفسها  للمستعمر السابق فرنسا، وهكذا تظهر تابعة للقوى العالمية.

كذلك فإن الجزائر تفضل أن تؤدي الجهود الإقليمية مع دول أخرى في شمال أفريقيا مثل تونس وليبيا، وفي الماضي، مع مالي عندما توسطت في اتفاقات السلام قبل انتفاضات 2012. (كما أنها لا تزال تخوض في طريق مسدود مع المغرب، حليف أمريكيا وفرنسا الرئيسي في الصراع المستمر منذ عقود في الصحراء الغربية، في حين تحتفظ  الجزائر بعلاقات دافئة مع روسيا).

يقوم مسؤولون جزائرييون بتصوير بلادهم أنها قوية، ولا يعتريها أي من المشاكل الإقليمية للخلاف الداخلي والتطرف التي تعاني منها الدول العربية الأخرى. ومع ذلك، فإن الواقع هو أن الجزائر  دولة كبيرة ويحتمل أن تكون غير مستقرة.

كما أن مسألة من سيخلف الرئيس الهرم «عبد العزيز بوتفليقة» تتصدر قائمة المخاوف بشأن مستقبلها. و«بوتفليقة» هو تجسيد للنظام العسكري الذي يحكم منذ حرب الاستقلال الجزائرية ضد الحكم الفرنسي.

وبعد إصابته بجلطة في عام 2013 تركته في حالة صحية سيئة،  لم يعد يظهر في الأماكن العامة، وخلق شكوك كبيرة حول من سوف يخلفه.

وكذلك فإن الجهاز العسكري والأمني يعيش في حالة معلقة من التخوف. وعلاوة على ذلك، فإن بقية النظام يقبع في  الشيخوخة أيضا وعلى خلاف مع الأجيال الشابة التي طال انتظارها دورهم للحكم.

سيتم قريبا استبدال «بوتفليقة» وفريقه الذي عمل معه منذ 1950 ضد الاستعمار الفرنسي، ولكن لا أحد يعرف على وجه اليقين من الذي سيأتي. والنتيجة هي احتمال زيادة الاقتتال بين النخبة وتصدعات جديدة في المستوى الأعلى للدولة.

وفي الوقت نفسه، تراجع إنتاج النفط والغاز، إلى جانب انخفاض أسعار الطاقة العالمية قد بدأت ترهق الاقتصاد والدولة المالية. حيث أن صادرات النفط والغاز تشكل أكثر من 90% من إجمالي صادرات الجزائر و 60% من ايرادات الدولة. وقد انخفضت إيرادات النفط والغاز 43% في النصف الأول من 2015 وحده، مع انخفاض كلي بنسبة 25% منذ عام 2012، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وقد اعتمدت الحكومة على صندوق الثروة السيادي في تخفيف هذا الانخفاض، ولكن انخفاض الدخل والعجز المالي المستمر منذ عام 2008 أدى إلى تعقيد جهود الدولة لمعالجة المشاكل المزمنة الاقتصادية والبطالة بين الشباب، والتوتر المدني.

منذ عام 2005، حدث العنف على مستوى منخفض في كل ركن من أركان البلاد وأدى إلى الآلاف من الاحتجاجات الصغيرة، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى أعمال شغب. والاشتباك الذي وقع في يوليو/تموز بين العرب والبربر و قتل فيه أكثر من 20 شخصا ما هو إلا مثال واحد مؤخرا.

 ويتفاقم القلق العام من الاضطرابات في مالي وليبيا المجاورة، ناهيك عن النجاحات الأخيرة للدولة الإسلامية في الأخيرة. هذه التوترات لا تعني بالطبع، أن الشعب يشرف على ثورة داخلية. فقد  عاش الجزائريون خلال عشر سنوات من الحرب الأهلية في التسعينيات وسيكونون حذرين بشأن إشعال العواطف التي جلبت هذا الصراع.

 لذا فإن معظم الاحتجاجات لا تزال تهدف إلى استفزاز الدولة إلى الاصلاح، وليس تغيير النظام. بالرغم من الخلافات، والنخب التي تعتمد على بعضها البعض للحفاظ على دولة حصينة من الانهيار. وجماعات المعارضة علاوة على ذلك، قد أصابتها الانقسامات وأصبحت غير فعالة.

ربما الأهم من ذلك كله للجزائريين الأمثلة الأخيرة من مالي ونيجيريا والصومال وليبيا ومصر واليمن وسوريا والعراق والتهديدات في كل مكان آخر، فهي مهمة لكبح الحماس للتمرد ضد الدولة. حتى لو كانت الحكومة اليوم  فاسدة، فإنها على الأقل يتوفر قدرا من الأمن الشخصي والاقتصادي.

في السنوات القليلة المقبلة، ما دام عدم اليقين بشأن خلافة «بوتفليقة» والمشاكل الاقتصادية لا يزال قائمة، لذلك فإن المخاطر على استقرار الجزائر ستبقى قائمة. وعلى سبيل المثال فإن إجراءات قمع من قبل الأجهزة الأمنية للاحتجاجات، يمكن أن تولد الاستياء بشكل أكبر وتؤدي لموجات أكثر قوة من الاحتجاجات على نطاق واسع، كما حدث مرات عديدة في الماضي.

وغني عن القول، يحتاج العالم إلى أن يولي اهتماما أكبر لهذا البلد صاحب النفوذ الإقليمي في شمال أفريقيا. وإذا استمرت الاتجاهات الإقليمية في توجهاتها الأخيرة، يمكن أن تصبح الجزائر خط الدفاع الأخير ضد الفوضى التي اجتاحت ليبيا وهددت كل المنطقة.

  كلمات مفتاحية

الجزائر أسعار النفط الدولة الإسلامية بوتفليقة القاعدة مختار بلمختار

اختلاف المقاربات بين مصر والجزائر: كرة ثلج تتضخم؟ 

«السيسي» يدعو لتدخل عسكري دولي في ليبيا .. والجزائر ترفض وتطالب باحترام سيادة الدولة

احتجاجات في الجزائر على الغاز الصخري

تراجع صادرات الجزائر من النفط والغاز الطبيعي في 2014

ماذا بعد الانقلاب الأبيض في الجزائر؟

إلغاء زيارة ولي عهد دبي إلى الجزائر دون إبداء أسباب

«بوتفليقة» يحل جهاز المخابرات ويستبدله بمديرية تابعة للرئاسة