هل تنجح الديمقراطية التونسية في اختبار كورونا؟

الاثنين 4 مايو 2020 12:05 م

أدى وباء "كوفيد-19" العالمي إلى تدابير تشريعية استثنائية في تونس، تضع "ثورة الياسمين" في خطر، والتي يمكن القول إنها الثورة التي أسفرت عن أنجح نتيجة لـ"الربيع العربي".

وفي 6 أبريل/نيسان، صوت برلمان البلاد على تطبيق المادة 70 من الدستور، ما سمح للحكومة بإصدار تشريع بمرسوم لمدة شهرين يكثف الجهود الوطنية ضد الوباء.

واعترف رئيس الوزراء الجديد "إلياس الفخفاخ" بمخاوف أعضاء مجلس النواب أو البرلمان من قدرة المادة 70 على تعريض الديمقراطية الناشئة في تونس للخطر. وأشار إلى أن البرلمان التونسي سوف يلغي التشريع إذا أساءت الحكومة التصرف.

وفي غضون ذلك، يعاني الاقتصاد التونسي من استمرار التفاوتات بين المناطق المختلفة، وتهميش قطاعات معينة من المجتمع، الأمر الذي يزيد من خطر التطرف.

علاوة على ذلك، مع عودة "المقاتلين التونسيين في الخارج"، الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا، إلى ديارهم، فإنهم يضيفون يرفعون مستوى التهديدات الأمنية في الوقت الذي تزيد فيه البطالة ويسقط ​​المزيد من المواطنين في الفقر.

ومع ذلك، يتيح الوباء للحكومة في تونس الفرصة لبناء توافق في الآراء.

وتعد تونس دولة صغيرة، ويعتبر عدد الوفيات بها بالنسبة لعدد الإصابات كبيرا. وحتى 27 أبريل/نيسان، سجلت تونس أكثر من 949 حالة إصابة بالفيروس التاجي، و38 حالة وفاة.

ومع ذلك، تصرفت الحكومة بسرعة، وحرصت على اتخاذ تدابير فعالة. وإدراكا لخطورة أزمة "كوفيد-19" في البلاد والعالم بأسره، قرر الرئيس إغلاق المعابر البرية والمجال الجوي وحركة المرور البحري، بالإضافة إلى إعلان حظر التجول.

وبالنظر إلى أن السياحة توفر نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، تطلبت هذه القرارات بعض الشجاعة السياسية.

تم إغلاق المساجد والمحلات التجارية والمقاهي والأسواق. وتبقى فقط المتاجر الصغيرة للسلع الأساسية والصيدليات مفتوحة.

وانتشر الفيروس في جميع المحافظات الـ 24، وطلبت وزارة الصحة من القوات المسلحة مراقبة الحركة، باستخدام جميع الوسائل المتاحة، من الطائرات بدون طيار إلى الروبوتات وحواجز الطرق.

وتفتقر الحكومة التونسية إلى الموارد المالية لمساعدة الفئات الأكثر ضعفا، مثل المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، الذين يشغلون وظائف غير مستقرة.

وليس لدى هؤلاء تأمين صحي، كما أنهم يتجنبون زيارة المستشفيات. وترسو معظم قوارب المهاجرين التي تغادر ليبيا في تونس، ما يزيد الضغط على نظام اجتماعي واقتصادي ضعيف بالفعل.

ومنذ عام 2008، حافظت تونس على شراكة تجارية متميزة مع الاتحاد الأوروبي، لكن الوباء أضر بالعلاقات متعددة الأطراف.

وأرسلت إيطاليا 50 مليون يورو إلى تونس لمساعدة شركاتها الصغيرة والمتوسطة وفقا للاتفاقيات الموقعة في عام 2017، كإشارة لدعم الاتحاد الأوروبي. 

وتعد الإجراءات التي اتخذتها تونس للسيطرة على انتشار "كوفيد-19" ضرورية بقدر ما هي مسببة للألم الاقتصادي.

وبالرغم أنه كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد التونسي بنحو 2.5% في عام 2020، إلا أنه يعاني من الفوارق المستمرة بين مناطق البلاد المختلفة.

ولا يزال هناك قلق عميق في المناطق الوسطى من البلاد حيث لا تزال البطالة بين الشباب هائلة، وتصل إلى 50%.

ومن الناحية الاقتصادية، لم تتحقق الآمال التي خرجت من أجلها الثورة عام 2011، ويزيد هذا دائما من خطر فقدان المكاسب السياسية في أي لحظة.

ويرغب نحو 53% من الشباب التونسي في الهجرة حسب مصادر عديدة.

"ثورة الياسمين" قادرة على البقاء

وأسفرت الانتخابات البرلمانية لعام 2019 عن فقدان التشكيلات السياسية الرئيسية، مثل النهضة، مقاعدها، حتى مع استمرار الحزب في امتلاك أكبر عدد من المقاعد بين باقي الأحزاب، الأمر الذي منع وجود حزب واحد قادر على الحكم. وتمت الموافقة على رئيس الوزراء "الفخفاخ" في البرلمان في 27 فبراير/شباط.

ولأن "الفخفاخ" اضطر إلى مواجهة "كورونا" مباشرة فور توليه المنصب، فقد حوّل تركيز حكومته بعيدا عن المشاكل الهيكلية إلى المخاوف المباشرة المحيطة بهذا الوباء.

وعين الرئيس التونسي "قيس سعيد" وزير المالية السابق، إلياس الفخفاخ"، بتفويض، لمعالجة احتياجات التنمية الاقتصادية للبلاد، التي عانت أعواما من النمو المنخفض، والديون المرتفعة، ونقص الخدمات.

وتسبب الإغلاق المرتبط بالوباء في العديد من الأزمات لموظفي القطاع الخاص. وتفتقر الحكومة إلى الموارد اللازمة لتعويض الآلاف من العمال الذين أُجبروا على البقاء في منازلهم.

وقررت الحكومة تقديم إعانة بقيمة 70 دولار شهريا للموظفين العاملين بالشركات. لكن معظم التونسيين يعملون خارج نموذج "الشركة"، مما يستبعدهم من الحصول على الإعانة.

وحتى قبل تفشي الوباء، واجهت تونس عجزا عميقا جعلها عرضة للصدمات الخارجية والاعتماد على المساعدات الخارجية. وحدث هذا بعد اتفاقية 2013 مع صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تدابير التقشف التي سببت الاستياء الشعبي.

الديمقراطية التونسية لا تزال نابضة بالحياة

وكشف "كوفيد-19" عن هشاشة الاقتصاد التونسي. وتبدو مرحلة أخرى من التقشف أكثر حتمية، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية ويعرض العملية الديمقراطية للخطر.

ومع ذلك، إذا استخدمت الحكومة سلطاتها الخاصة (بموجب المادة 70) بمسؤولية، في نطاق مكافحة الفيروس التاجي، بدلا من قمع المعارضة، فسوف تدعم العملية الدستورية التي بدأت عام 2011 بعد سقوط الرئيس "زين العابدين بن علي".

وإذا استطاعت الحكومة الجديدة، كما هو متوقع، أن تتجنب إغراء اللجوء إلى الاستبداد أثناء جائحة الفيروس التاجي، فسوف تظهر الدولة التونسية لشعبها والعالم أنها وجدت صيغة لدعم قيم ثورة الياسمين.

ويمكن أن يؤدي ذلك فقط إلى تعزيز ثقة شركائها الدوليين، وتسهيل الاندماج في النظام الاقتصادي الأوروبي، وهو أمر ضروري، حيث لا يوجد أمل كبير في التكامل مع الدول العربية، بالنظر إلى المستويات الحالية من الخلاف فيما بينها.

وربما يؤدي مثل هذا التنشيط السياسي أيضا إلى مكاسب اقتصادية. وسيكون لدى الحكومة القوية مساحة أكبر لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يطلبها صندوق النقد الدولي.

وبالإضافة إلى ذلك، ستكون الحكومة في وضع أقوى لإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي؛ مما يمكّن تونس من متابعة مسار تنمية اقتصادية أكثر تنوعا واستدامة.

وفي النهاية، يبقى الاستقرار السياسي أغلى ما تملكه تونس. ولدى البلاد القليل من الموارد النفطية، ووزن استراتيجي قليل مقارنة بمصر، واقتصاد أصغر من المغرب أو الجزائر.

وبالرغم من الصعوبات التي تواجه البلاد في احتواء "كوفيد-19"، لا يزال بإمكان تونس التفاخر بكونها الدولة العربية الوحيدة التي شهدت نتائج إيجابية من تحولات "الربيع العربي".

المصدر | أليساندرو برونو - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثورة الياسمين الاقتصاد التونسي إلياس الفخفاخ البرلمان التونسي فيروس كورونا تداعيات كورونا

سورة كورونا.. إحالة تونسية للنيابة بتهمة الإساءة للقرآن الكريم

بسبب ليبيا.. الإمارات تحاول استدراج تونس بعد فشل التدخل الخشن

الرئيس التونسي يقول إن البلاد تعيش بؤسا سياسيا واجتماعيا

رفض دفن ضحايا كورونا يثير جدلا في تونس

الجزائر الثانية عالميا في مواجهة كورونا بإجراءات غير ديمقراطية