انقلاب الفوتوشوب.. ليلة سقوط الذباب السعودي في ذكرى حصار قطر

الأربعاء 6 مايو 2020 04:47 م

"حتى وإن حصل انقلاب، كما يزعم ذباب بعض دول الحصار، فهذا شأن داخلي. قد لا نتفق أنا وأخي تميم في بعض الملفات الداخلية وقد يفوز أو أفوز أحيانا، لكن في النهاية نحن أسرة واحدة متماسكة من أصغر فرد إلى أكبر فرد، والحكم يبقى في يد الأجدر".. العبارات السابقة تداولتها حسابات سعودية عبر شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها "تغريدة" نشرها رئيس وزراء قطر السابق "حمد بن جاسم" تزامنا مع إطلاق وسمين هما (#انقلاب_في_قطر) و(#الوكرة)، ما أثار تفاعلا كبيرا قفز بالوسم الأخير إلى المرتبة الثانية على موقع تويتر في المملكة.

ويعود عنوان "الوكرة" إلى اسم المدينة المعروفة في جنوبي قطر، والتي ادعت الحسابات السعودية أنها شهدت إطلاقا للنار ضمن محاولة الانقلاب المزعومة، فيما تم تداول مقاطع فيديو، زعم المغردون أنها توثق هذه الأحداث.

جذب الوسم اهتمام المتابعين الخليجيين ونجح في احتلال قائمة أكثر الوسوم تداولا ليلة يوم 11 رمضان الموافق 6 مايو/أيار، ولكن بعد إشراق شمس الصباح على الدوحة بأمن وسلام، سرعان ما تحول الوسم إلى مادة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما تأكد أن هذه التغريدات والمقاطع كانت جزءا من حملة إعلامية تبنتها كتائب المغردين الموالين للنظام السعودي على تويتر، والمعروفة إعلاميا باسم "الذباب الإلكتروني".

وتزامنت حملة الذباب الإلكتروني مع الذكري الثالثة للحصار الذي فرضته السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قطر بزعم دعمها للإرهاب في ليلة 10 رمضان عام 1438، الموافق 5 يونيو/حزيران عام 2017، وجاءت الحملة فيما يبدو ردا على وسم بعنوان (#ليلة_حصار_قطر) تصدر قائمة الأكثر تداولا على توتير قبل يوم من إطلاقها.

وسبق أن أشارت تقارير غربية إلى أن "سعود القحطاني"، المستشار السابق بالديوان الملكي السعودي المقرب شخصيا من ولي العهد "محمد بن سلمان"، وأحد المشار إليهم بالاتهام في قضية اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" (برأته النيابة السعودية دون بيان الحيثيات)، هو من يدير حملات الذباب الإلكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ونتيجة لذلك، أبدى مراقبون اندهاشهم من طريقة إدارة الحملة الأخيرة التي افتقرت إلى الحد الأدنى من الكفاءة.

من بين هؤلاء مدير قناة الجزيرة السابق "ياسر أبو هلالة"، الذي تساءل عبر تويتر عن أسباب تصدر وسم باسم مدينة قطرية لتويتر في السعودية خلال أقل من ساعة، مجيبا بالقول: "إما أنه الذباب، أو أن السعودية لا تنام الليل تفكر في الوكرة".

 

 

محتوى متناقض

جاء محتوى حملة الذباب هذه المرة مشبعا بالكثير من التناقضات. ففي الساعات الأولة منها، روجت التغريدات أن رئيس وزراء قطر الأسبق "حمد بن جاسم" أخذ الضوء الأخضر حول الانقلاب من (إسرائيل) بعد زيارة وفد إسرائيلي بقيادة رئيس المخابرات "يوسي كوهين"، وأن العائق الوحيد أمامه هو القوة التركية التي لم تأتها الأوامر بعد من الرئيس "رجب طيب أردوغان" بالانسحاب من حول القصور الرئاسية في قطر، قبل أن تنشر الحسابات نفسها لاحقا تغريدة مفبركة باسم رئيس وزراء قطر السابق تنفي وجود انقلاب، وتقر بوجود خلافات بينه وبين الأمير حول ملفات داخلية.

أما "الأدلة" التي روجتها حسابات الذباب في حملتها، فدارت حول مقاطع الفيديو المزعومة في الوكرة، وهو ما انكشف زيفه سريعا عبر تقنيات البرمجة الحديثة والذكاء الاصطناعي التي تتيح تتبع وفحص المحتوى المنشور عبر الإنترنت.

وفي هذا السياق، يبدو أن الطريقة التي ردت بها الدوحة على حملة الذباب هذه المرة كانت أكثر دقة واخترافية، إذ اعتمدت نهجا يقوم على تفنيد زيف المعلومات ومقاطع الفيديو المتداولة وإعادة نشر هذه الردود على وسمي الحملة ذاتها وعبر موقع "مسبار" الإلكتروني، بالتوازي مع رد رسمي منخفض المستوى، في إشارة لقلة اهتمام السلطات السياسية في البلاد بالأمر برمته.

و"مسبار" هو منصّة عربية مخصصة لفحص الحقائق وكشف الكذب في الفضاء الإلكتروني، وهي تستخدم مختلف تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف مكافحة التضليل عبر شبكات التواصل، وتقدم المنصة نفسها بوصفها خط الدفاع الأول لحماية الجمهور من حملات التضليل المكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكما كشفت المنصة، فإن المقاطع التي تم تداولها كأدلة على الانقلاب المزعوم شملت مقطعين مرفوعين على موقع يوتيوب منذ أبريل/نيسان 2017 تحت عنوان "اسمع أصوات إطلاق نار"، دون ذكر مكان محدد لإطلاق النار، إضافة إلى مقطع ثالث تم تداوله في أغسطس/آب 2015، لانفجار في مدينة تيانجين الصينية، ومقطع رابع لا يظهر أي إطلاق نار، لكن تم "تعديله" و"تركيب" صوت إطلاق الرصاص عليه.

 

 

وهناك مقطع خامس لاقى رواجا شديدا خلال الحملة، وكشف "مسبار" أنه قديم ونُشر على يوتيوب في أبريل/نيسان 2018، تحت عنوان "إطلاق نار كثيف قرب قصر الخزامى بالعاصمة السعودية الرياض".

 

 

أما تغريدة "بن جاسم"، فقد كشف موقع "مسبار" فبركتها بالأدلة أيضا، مشيرا أن موقع تويتر يحتفظ بنسخ للتغريدات، خاصةً تلك الصادرة عن حسابات موثقة، لكن تويتر لم يحتفظ بنسخة تضم محتوى التغريدة الذي تم تداولها في حملة الذباب الإلكتروني رغم وجود تفاعل كبير عليها شمل 169 ردا، و1072 عملية إعادة تغريد، و917 إعجابا.

بخلاف ذلك، فإن تغريدة بهذا الكم من التفاعل تظل موجودة على شكل رابط في محرك البحث جوجل حتى وإن حذفها ناشرها من تويتر، إذ لا يمكن الوصول إلى هذه الأعداد من الردود وإعادة التغريد والإعجاب دون تجاوز الوقت اللازم لتسجيل الرابط عبر محرك البحث الشهير، وهو ما لم يتم العثور عليه عبر كل أدوات التتبع.

وحتى في حال حدوث معجزة بتحقيق هذا التفاعل مع التغريدة دون أن تترك أثرا عبر جوجل، فإن وجود 169 ردا على التغريدة المزعومة، كما هو مبين في الصورة المتداولة بحملة الذباب، يقطع بتسجيل واحد على الأقل من هذه الردود على الأقل عبر محرك البحث الشهير، وهو ما لم يحدث أيضا.

في ضوء ذلك، نبه أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة حمد بن خليفة في قطر "مارك أوين جونز" متابعيه عبر تويتر إلى سهولة الكشف عن فبركة تغريدة عبر أي برنامج لتحرير الصور، مثل فوتوشوب، مشيرا أن كشف تزييف المنشور المنسوب لرئيس وزراء قطر الأسبق لم يستغرق منه أكثر من دقيقة.

 


 

تساقط المحللين

ومع الإعداد الضعيف وغير المتقن للحملة هذه المرة، بدا أن المملكة خسرت اللعبة الإعلامية ضد قطر مجددا. ولم تقتصر خسائر المملكة في هذه الحملة على انكشاف العديد من حسابات الذباب الإلكتروني وفقدان العديد من وسائل الإعلام السعودية لمصداقيتها بسبب ترويجها لها، لكن الخسائر الأكبر كانت من نصيب عشرات المحللين والإعلاميين السعوديين، الذين روجوا لمحتوى الحملة عبر حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي.

من هؤلاء "عبدالله البندر"، مقدم البرامج على قناة سكاي نيوز عربية، والمحلل السياسي "فهد الديباجي"، وغيرهم ممن صاروا هدفا لموجة من السخرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي القطرية، منذ فجر السادس من مايو/أيار، بعدما روجوا لمحتوى الحملة دون التحقق منها.

وقد دفع هذا المغردين إلى تداول أسئلة ساخرة حول أسباب تردي كفاءة "الذباب" هذه الأيام، وتساءلوا عما إذا كان لذلك علاقة بخطة التقشف التي أعلنتها السعودية مؤخرا، متكهنين أن المملكة ربما تكون قد قلصت رواتب مديري الحسابات من المخضرمين واستعانت بدلا من ذلك بمجموعات جديدة من الهواة من ذوي الأجور الرخيصة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الذباب الإلكتروني سعود القحطاني محمد بن سلمان حمد بن جاسم حصار قطر

ردا على مزاعم الانقلاب السعودية الإماراتية.. قطريون: تلك أمانيكم

شيخ قطري يسخر من شائعات تورطه بالانقلاب المزعوم

اختراق سعودي حسابات مشاهير أمريكيين بتويتر لترويج الدعايات

الذباب الإلكتروني يتداول فيديو مفبركا لاشتباكات قطرية تركية بالدوحة

تويتر يلغي حسابات شاركت في الحملة السعودية لشائعة انقلاب ⁧‫قطر

مع اقتراب ذكراه الثالثة.. قطر: الحصار يهدد استقرار المنطقة