خسائر حفتر تعيد حسابات داعميه المحليين والإقليميين

الأحد 10 مايو 2020 05:49 م

كان الإعلان الذي أصدره "عقيلة صالح"، رئيس مجلس النواب الليبي، في 30 أبريل/نيسان، بشأن خارطة طريق سياسية تم التفاوض عليها مع الروس، مفاجأة فقط لأولئك الذين لا يتابعون السياسة الليبية عن كثب.

ويسلط هذا الإعلان الضوء على واقع يزداد وضوحا، فالشرق الليبي لم يكن أبدا الكتلة المتجانسة التي صورتها دعاية أمير الحرب "خليفة حفتر" على مر السنين.

ومن الواضح أن "صالح" لم يستطع تحدي "حفتر" علانية لأن الأخير لا يزال يسيطر على أقوى الميليشيات وبالتالي يحتفظ بموقع مهيمن في المنطقة.

ومع ذلك، ففي الوقت الذي تنهار فيه طموحات "حفتر" العسكرية في غرب ليبيا، بعد النجاحات الأخيرة للقوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني، في "صبراتة" و"صرمان" وأماكن أخرى، تظهر الاختلافات الداخلية داخل المخيم الشرقي بشكل أكثر وضوحا.

ولعدة أيام، تردد أن بعض القبائل وقوى النفوذ الأكثر تأثيرا في شرق ليبيا في خلاف متزايد مع "حفتر"، على سبيل المثال، لا يعد "صالح" رئيسا لمجلس النواب فقط، ولكن شخصية سياسية وقبلية حاسمة من طبرق تنتمي إلى قبيلة العبيدات.

وكانت هذه القبيلة القوية تدير مؤسسات أمنية في طبرق منذ زمن العثمانيين، ولم تكن أبدا على الهامش، حتى في وقت الاستعمار الإيطالي.

ومن المهم إذن تراجع حرص القبيلة على "حفتر"، كما هو الحال مع العديد من الدوائر الحاسمة الأخرى في الشرق التي لعبت دورا أساسيا في ظهور "حفتر" على المسرح الليبي.

ويعد الفشل الملحوظ للمقامرة العسكرية للجنرال المارق في غرب ليبيا السبب وراء إخراج هذا السخط إلى السطح الآن.

ويمكن قول الشيء نفسه عن كتلة الجهات الخارجية التي تدعمه، وتعد حقيقة هذا الدعم الأجنبي أكثر تنوعا وتعقيدا مما يعتقد الكثيرون، وغالبا ما يُساء فهم دور روسيا، على سبيل المثال، ولطالما كان لدى موسكو مقاربة أكثر دقة للواقع الليبي من تلك الخاصة باللاعبين الآخرين، حيث إن أسلوبها لا يرتبط فقط بـ"حفتر".

واستطاع المرتزقة الروس، الذين دخلوا ساحة المعركة في الخريف الماضي، بتغيير ميزان القوى على الأرض في البداية لصالح ما يسمى بالجيش الوطني الليبي، الموالي لـ"حفتر".

وفي الوقت نفسه، لم يتوقف المبعوثون الروس عن اتصالاتهم بممثلي حكومة الوفاق الوطني، وفي تلك الفترة، كان رئيس الوزراء "فايز السراج" لا يزال يبحث عن مساعدة موسكو، موضحا أن قناة التعاون لا تزال مفتوحة.

وأصبحت حكومة الوفاق الوطني، وعلى وجه الخصوص وزير الداخلية "فتحي باشاغا"، أكثر صراحة ضد روسيا بمجرد أن أصبح واضحا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان دعم الولايات المتحدة لحكومة الوفاق بشكل أكثر حسما، لكن هذا لم يغير النهج العام تجاه روسيا.

وعندما أصبح من الواضح أن "حفتر" كان أكثر استجابة لأبوظبي والقاهرة، بدلا من موسكو، أصبحت روسيا أقل نشاطا في دعم الجنرال الشرقي.

ويظهر الواقع أن روسيا كانت صريحة أيضا في انتقادها لقرار "حفتر" الأخير بإنهاء اتفاقية الصخيرات.

وفي 27 أبريل/نيسان، أعلن "حفتر" على قناة الحدث الليبية التليفزيونية توليه السلطة باسم الليبيين، وإلغائه من جانب واحد الاتفاقية التي كانت الأساس السياسي والقانوني الذي سمح بإنشاء حكومة الوفاق الوطني في أواخر عام 2015.

وبعد 3 أيام، أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، "أحمد المسماري"، أن جيشه يقبل طلب المجتمع الدولي تطبيق هدنة رمضانية.

وفي حين كانت روسيا الأعلى صوتا بين حلفاء "حفتر" في انتقاد انقلابه الزائف، من المرجح أن تؤدي تحركات "حفتر" الأخيرة وديناميكيات الصراع إلى تحول في خيارات ونهج مؤيديه الرئيسيين الآخرين، الإمارات ومصر وفرنسا.

ولا تستطيع الإمارات قبول هزيمة كاملة لقوات "حفتر"، وهذا هو السبب في أنه من المرجح أن تستمر أبوظبي في دعمها للجيش الوطني الليبي، إن لم يكن مضاعفة هذا الدعم، بالرغم من ظهور علامات على وجود خلافات داخل النخبة الإماراتية.

ولدى مصر موقف مختلف، وتحتاج القاهرة إلى حكومة مستقرة وودية في شرق ليبيا لضمان الاستقرار على حدودها الغربية.

لهذا السبب، استثمر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" كثيرا في دعم "حفتر"، ولم تدرك أجهزة الأمن المصرية إلا مؤخرا أن "حفتر" لا يمكنه تقديم ما يحتاجون إليه.

وفي دوائر صنع السياسة في القاهرة أيضا هناك استياء متزايد تجاه "حفتر"، وبالنسبة لكل من مصر والإمارات، فإن القضية الرئيسية الآن هي من يمكن أن يحل محل "حفتر".

ومما لا شك فيه أن الوضع معقد وحساس للغاية، ومع ذلك، لا يبدو أن أيا من تلك الدول تعرف كيف تتصرف في هذا السياق سريع التغير.

ويعد الوضع الحالي أيضا نتاج ضعف وغموض أوروبا في صياغة خطة عمل واضحة بشأن ليبيا. وكان سلوك فرنسا خير مثال على ذلك.

وبينما كانت باريس ملتزمة رسميا بدعم حكومة الوفاق الوطني، فقد انحازت إلى "حفتر" بتزويده بمستشارين ومعدات عسكرية.

على سبيل المثال، في 2 مايو/أيار، تم رصد الطائرات الفرنسية وتصويرها في غرب ليبيا وهي تحلق فوق المنشآت العسكرية الموالية لحكومة الوفاق الوطني.

وعندما واجهتها السلطات الليبية، نفت وزارة الخارجية الفرنسية هذه المزاعم، ومع ذلك، فإن الهزيمة الكاملة لقوات "حفتر" في طرابلس قد تجبر باريس على إعادة تقييم سياستها أيضا.

وتسلط خسائر "حفتر" في غرب ليبيا الضوء على التناقضات التي تم إخفاؤها منذ شهور، إن لم يكن أعوام.

ويعمل حلفاء "حفتر" الآن على تعديل سياساتهم للتعامل مع الديناميكيات العسكرية المتغيرة، وفي حالة هزيمة "حفتر" وحلفائه المحليين، وفقدان السيطرة على بلدة "ترهونة" الحاسمة، سينتهي الهجوم في غرب ليبيا.

وبالنظر إلى هذا الوضع المتقلب، يجب على المجتمع الدولي أن يغتنم الفرصة للقيام بكل شيء لوقف إنشاء نظام ديكتاتوري بقيادة "حفتر".

ويمكن للمجتمع الدولي أن يفعل ذلك من خلال دعم هؤلاء الفاعلين في الشرق الذين لا يشعرون بالرضا المتزايد عن "حفتر"، وإعادة إطلاق المفاوضات والحوار الوطني بين فصائل شرق وغرب ليبيا بشكل جدي.

المصدر | ذا أتلانتيك كاونسيل - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر عقيلة صالح ترهونة مجلس النواب الليبي حكومة الوفاق الوطني

قبائل بجنوب ليبيا ترفض انقلاب حفتر وتدعم السراج

عقيلة صالح ينتقد حفتر: لا سلطة له حتى يطلب تفويضا

برلمان طرابلس للأمم المتحدة: نرفض أي حوار مع حفتر

ليبيا.. ميليشيا حفتر تتلقى "ضربات ثقيلة" بقاعدة الوطية