بعد فشل انقلابه التليفزيوني.. هل يراهن حفتر على تقسيم ليبيا؟

الأربعاء 6 مايو 2020 01:26 ص

ضربة كبيرة تلقاها موقف "خليفة حفتر" الدولي بعد إعلانه إسقاط اتفاق الصخيرات وتنصيب نفسه حاكما بموجب "تفويض شعبي" مزعوم، إذ رفضت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإعلان.

ما انعكس على موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي عبر رئيسه "سيفين جيرجسين"، خلال مقابلة تليفزيونية مغلقة مع الصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، الجمعة 1 مايو/أيار، عن فقدانه الثقة في التزام الجنرال الليبي بوقف إطلاق النار على أثر خروقات قواته المتكررة للتعهدات التي يلتزم بها.

وفي حين وصف متحدث باسم المفوضية الأوروبية إعلان "حفتر" بأنه "تصرف أحادي الجانب وغير مقبول"، ندد البرلمان الأوروبي بمحاولة إسقاط اتفاق الصخيرات، فيما فضلت البعثة الأممية في ليبيا الترحيب بمبادرة رئيس مجلس النواب في طبرق "عقيلة صالح" لحل أزمة البلاد سياسيا.

وعكس ذلك إجماعا دوليا على رفض إعلان "حفتر"، الذي بات في طريقه ليكون ورقة محروقة، بعد أن استنفد العديد من فرص بسط سيطرته على كامل ليبيا، وأخفق في تحويل دعم حلفائه إلى مكاسب عسكرية تعبّد الطريق أمام قواته نحو العاصمة طرابلس، التي يشن حملة عسكرية للاستيلاء عليها منذ أبريل/نيسان 2019.

مصر والإمارات

هذا الإجماع العالمي على رفض انقلاب "حفتر" الجديد وضع ضغوطا خاصة على مصر والإمارات، أبرز داعمي الجنرال الليبي، حيث اضطر كلا البلدين إلى تبني موقفا علنيا مغايرا لتوجهها الميداني، عبر تجاهل إعلان "حفتر" والتأكيد على دعم المسار السياسي، وهو ما تسبب في تهاوي فاعلية الضغوطات التي تمارسها أبوظبي والقاهرة على باقي دول الإقليمي للمشاركة في دعم "حفتر"، لاسيما السودان (التي تورد نسبة كبيرة من المقاتلين المرتزقة إلى صفوف قوات الجنرال الليبي المتقاعد) والمغرب، الذي تلقى عرضا اقتصاديا مغريا مقابل دعمه.

 ويعود موقف أبوظبي والقاهرة إلى المخاوف بشأن انهيار ترتيبات كل منهما في ليبيا في حال استبعاد "حفتر" أو اختفائه من المشهد الليبي، وهو الاحتمال الذي بدا يلوح في الأفق بعد توالي هزائم قواته بغرب البلاد، وسيطرة قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، على كامل شريط الساحل الغربي في بضع ساعات. 

ووفقا لمصادر صحفية، فإن الإمارات ومصر كانا على علم كامل بخطوة "حفتر" الأخيرة التي تمت بترتيب إماراتي كامل، ورغم اعتراض القاهرة عليها في البداية، فإنها عادت وقبلت بها بعد تأكيدات إماراتية أنها تخدم أهداف البلدين، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".

لكن الإجماع الدولي على رفض إعلان "حفتر" اضطر الإمارات للتراجع عن موقفها مبكرا،  حيث دعت الخارجية الإماراتية في بيان لها بتاريخ 30 أبريل/نيسان "للحل السياسي في ليبيا عبر مسار مؤتمر برلين"، بما يعني رفع دعمها السياسي عن تحركات "حفتر" الأخيرة.

وإزاء ذلك، أكدت مصر هي الأخرى تمسُكها بالحل السياسي وبمبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع في ليبيا، كما جاء في بيان لـ"أحمد حافظ"، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية.

ومع اضطرار القاهرة وأبوظبي لأخذ خطوة للوراء في دعم "حفتر" سياسيا، من المرجح أن تتراجع ضغوطهما على دول أخرى لتأييد الجنرال الليبي، وعلى رأس هذه الدول تأتي المغرب التي رفض ملكها "محمد السادس" عرضا سخيا قدمه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، يتضمن دعم الرباط لـ"حفتر" مقابل حصة سخية من النفط والاستثمارات الإماراتية حسب ما نقلته مصادر صحفية.

ويرى المغرب في اتفاق الصخيرات، الذي تم توقيعه في 2015 بإشراف المبعوث الأممي إلى ليبيا حينها "مارتن كوبلر"، إنجازا تاريخيا مهما يحسب لدبلوماسيته ولقدرته على المحافظة على قنوات تواصل فاعلة مع كل أطراف الصراع الليبي، وبالتأكيد فإن الرباط ليست سعيدة برؤية "حفتر" ينقلب علنا على الاتفاق.

"صالح" والقبائل

ووفق نظرية الأواني السياسية المستطرقة، يبدو أن وضع "حفتر" المتراجع إقليميا ودوليا انعكس على تماسك جبهته الداخلية في شرق ليبيا، التي بدأت تظهر مؤشرات واضحة على التصدع مع رفض العديد من القبائل الداعمة للجنرال الليبي تجاوز شرعية رئيس مجلس النواب في طبرق "عقيلة صالح"، الذي طرح مبادرة للحل السياسي ورفض الإقرار بانقلاب "حفتر".

فبعد استضافة "صالح" لزعامات قبلية في بيته بمنطقة القبة شرقيّ ليبيا، في اجتماع استمر لأكثر من 6 ساعات، خرج عدد من أبناء تلك القبائل في بيان مرئي أعلنوا فيه أن "مجلس النواب هو من يحمل صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة"، في رسالة ضمنية إلى "حفتر" بإمكانية قيام "عقيلة صالح" بنزع الشرعية عن قواته.

في هذا السياق، أشار موقع "iz" الروسي، إلى أن إعلان "حفتر" نفسه الحاكم الوحيد في ليبيا جاء في إطار محاولة لتعزيز مستقبله السياسي في طبرق، ومنع منافسيه المحتملين من تحديه، لكنه انقلب عليه سلبا.

وبإضافة تحركات "سيف الإسلام القذافي"، نجل الزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي"، ومحاولاته العودة لتصدر المشهد السياسي مجددا، في ظل الدعم الذي يحظى به من قبيلة القذاذفة بمدينة سرت، يمكن قراءة ملامح تفكك كبير في جبهة "حفتر" الداخلية، وهو ما اضطر الموالين له لاستخدام القمع ضد تظاهرات المطالبين بتفويض "سيف الإسلام" لقيادة ليبيا.

لا تقف الأمور عن هذا الحد، حيث تظهر ملامح انقسامات واضحة في صفوف مجموعات السلفية المدخلية التي تقاتل إلى جانب "حفتر"، سواء بسبب تفكيك قوات "الوفاق" لبعضها بعد توالي هزائمها في جبهة الغرب الليبي، أو بسبب إعلان عدد من قادتها مساء الجمعة (1 مايو/أيار) الولاء لرئيس مجلس النواب "عقيلة صالح"، وفق مقطع فيديو نشره "أشرف الميار"، قائد كتيبة التوحيد المدخلية.

ووفقا لمقطع الفيديو الذي جرى تداوله على مواقع التواصل، فإن العديد من السلفيين المدخليين باتوا يعتبرون رئيس مجلس النواب هو "ولي الأمر الشرعي الذي لا يجوز الخروج عليه".

مشروع تقسيم

ومع هذا التراجع في جبهة "حفتر" داخليا وخارجيا، يبدو أن الأمر ليس أكثر مسألة وقت قبل أن تنتهي حملة الجنرال للسيطرة على غرب ليبيا تماما سينهي حملته في الغرب الليبي تماما، إذا لم يتبق تحت سيطرته في الغرب سوى مدينة ترهونة التي تخضع لحصار شديد من قوات الوفاق.

وإزاء هذا الفشل، قد لا يكون أمام الجنرال سوف تبني مشروع جديد لـ"تقسيم ليبيا" بحسب تحليل أوردته مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 1 مايو/أيار.

ويستند تحليل الصحيفة البريطانية إلى استيلاء "حفتر" على حقول النفط الشرقية في ليبيا وإيقافه عجلة الإنتاج فيها، ما أدى إلى منع الصادرات، والتي تمثل جميع إيرادات الدولة تقريبًا، وهو وضع أشبه بانتقام انتحاري يقدم عليه الجنرال الليبي.

وفي الإطار ذاته، يرى تقدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن تطورات الأوضاع الليبية تقود إلى استنتاج مفاده أن سيناريو التقسيم كان حاضرًا في إعلان "حفتر"؛ خاصة في ظل تأكده من أن تنصيب نفسه حاكمًا على ليبيا لا سندَ فعليًّا له على الأرض، وأنّ مفعول هذا القرار سيظل مقتصرًا على المنطقة الشرقية والهلال النفطي في أفضل الأحوال.

ويعزز هذا السيناريو، بحسب المركز، المفردات السياسية استخدمها "حفتر" في إعلانه المزعوم، حيث استحضر الجنرال مصطلح "برقة" بدلًا من "المنطقة الشرقية"، وهو مصطلحٌ يحيل على مرحلة ما قبل توحيد ليبيا وظهورها بحدودها الحالية.

ومن شأن هذا الخطاب أن يعيد تقديم النزاع الجاري في ليبيا في صورة صراعٍ بين شرق البلاد وغربها، وأن يعيد شحنه بسرديات تتعلق بمكانة "برقة" القيادية وأدوار قبائلها التاريخية.

تبدو هذه ورقة "حفتر" الأخيرة في ليبيا، فمع انطفاء بريق الجنرال الليبي سياسيا وعسكريا، يسابق "حفتر" الزمان لإعادة تقديم نفسه وإثبات فاعليته لرعاته الإقليميين، ولكن مع استنفاذه المزيد من رأسماله السياسي والعسكري، فإن رعاته التقليديين يخوضون سباقا آخر مع الزمان بحثا عن وكيل جديد لرعاية مصالحهم في البلد الاستراتيجي الغني بالنفط.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر حكومة الوفاق عقيلة صالح محمد السادس سيف الإسلام القذافي

قبائل بجنوب ليبيا ترفض انقلاب حفتر وتدعم السراج

خسائر حفتر تعيد حسابات داعميه المحليين والإقليميين

الخارجية الليبية تصف البيان الخماسي بالتدخل السافر