ديفيد هيرست: الجيل الحالي سيعيش النكبة مع ضم الضفة الغربية

الثلاثاء 19 مايو 2020 12:01 ص

عادة ما ترتبط الذكرى السنوية بحدث وقع في الماضي، ولكن الأمر مختلف فيما يتعلق بالنكبة، تلك "الكارثة" التي أدت إلى تقسيم فلسطين عام 1948 وقيام دولة (إسرائيل).

وفي الواقع، فإن "النكبة" ليست حدثا من الماضي، فقد استمر نزع ملكية الأراضي والمنازل ونزوح اللاجئين دون توقف تقريبا منذ ذلك الحين، إنه ليس شيئا حدث وقت أجدادك فقط، بل شيء يستمر في الحدوث أو يمكن أن يحدث لك في أي وقت في حياتك.

كارثة متكررة

نزح 750 ألف فلسطيني على الأقل من منازلهم عام 1948، وفر ما بين 280 ألفا و325 ألفا آخرين من منازلهم في الأراضي التي احتلتها (إسرائيل) عام 1967.

ومنذ ذلك الحين، ابتكرت (إسرائيل) وسائل أكثر فاعلية واستمرارية لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم، وكانت إحدى هذه الأدوات إلغاء الإقامة.

وفي الفترة ما بين بداية احتلال (إسرائيل) للقدس الشرقية عام 1967 ونهاية عام 2016، ألغت (إسرائيل) إقامة ما لا يقل عن 14 ألفا و595 فلسطينيا في القدس الشرقية المحتلة.

وتم نقل 140 ألف شخص آخر من سكان القدس الشرقية، عندما بدأ بناء الجدار الفاصل عام 2002، ما منع الوصول إلى بقية المدينة.

ويملك ما يقرب من 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية إقامة دائمة صادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية.

وتم قطع منطقتين عن المدينة بالرغم من أنها تقع داخل حدودها البلدية، وهما كفر عقب إلى الشمال، ومخيم شعفاط للاجئين إلى الشمال الشرقي.

ويدفع سكان الأحياء في هذه المناطق الضرائب البلدية وغيرها من الضرائب، ولكن لا بلدية القدس ولا الوكالات الحكومية تدخل هذه الأراضي أو تعتبرها تقع تحت مسؤوليتها.

نتيجة لذلك، أصبحت هذه الأجزاء من القدس الشرقية أرضا محرمة، وفشلت المدينة في توفير الخدمات البلدية الأساسية هناك، مثل إزالة النفايات وصيانة الطرق والتعليم، وهناك نقص في الفصول الدراسية ومرافق الرعاية الأخرى.

وفشلت شبكات المياه والصرف الصحي في تلبية احتياجات السكان هناك، ولا تفعل السلطات شيئا لإصلاحها، كما يتعين على السكان المرور يوميا عبر نقاط التفتيش من أجل الوصول إلى نقاط أخرى في المدينة.

وتتمثل أداة أخرى لنزع الملكية في تطبيق قانون أملاك الغائبين، الذي كان يُقصد به، عندما تم تمريره عام 1950، أن يكون أساسا لنقل الممتلكات الفلسطينية إلى (إسرائيل).

وتم تجنب استخدامه بشكل عام في القدس الشرقية حتى بناء الجدار، وبعد 6 أعوام، تم استخدامه لمصادرة أرض فلسطينية في بيت ساحور لبناء 1000 وحدة سكنية في هار حوما، جنوب القدس، ولكن كان الغرض من القانون بشكل عام توفير آلية "قانونية" للمصادرة.

النكبة في الوقت الحالي

ويشكل محور الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، والهدف المركزي لحكومة الوحدة الإسرائيلية الحالية، فصلا آخر من الحرمان للفلسطينيين في عام 2020، ويدور كل ذلك حول خطط ضم ما بين ثلث وثلثي الضفة الغربية.

وتوجد 3 سيناريوهات قيد الدراسة حاليا؛ أولها الخطة القصوى لضم وادي الأردن وكل ما تشير إليه اتفاقات أوسلو بالمنطقة "ج"، وتمثل هذه المنطقة حوالي 61% من أراضي الضفة الغربية التي تديرها (إسرائيل) مباشرة، وهي موطن لـ300 ألف فلسطيني.

والسيناريو الثاني هو ضم "غور الأردن" فقط، وبحسب الاستطلاعات الإسرائيلية والفلسطينية التي أجريت في عامي 2017 و2018، كان هناك 8 آلاف و100 مستوطن و53 ألف فلسطيني يعيشون على هذه الأرض، وقسمت (إسرائيل) هذه الأرض إلى كيانين، "غور الأردن" ومجلس "ميجيلوت" الإقليمي.

والسيناريو الثالث هو ضم المستوطنات حول القدس، أو المنطقة المسماة "E1"، التي تشمل مستوطنات "جوش عتصيون" و"معاليه أدوميم"، ما يترتب عليه تهديد الفلسطينيين الذين يعيشون في القرى المحيطة بهذه المستوطنات بالطرد أو النقل.

وهناك 2600 فلسطيني يعيشون في قرية "الولجة" وأجزاء من "بيت جالا" الذين سيتأثرون بضم "جوش عتصيون"، بالإضافة إلى ألفين إلى 3 آلاف بدوي يعيشون في 11 مجتمعا حول "معاليه أدوميم"، مثل "الخان الأحمر".

فماذا سيحدث للفلسطينيين الذين يعيشون على أرض ضمتها (إسرائيل)؟

من الناحية النظرية، يمكن منحهم إقامة، كما كان الحال عندما تم ضم القدس الشرقية، ومن الناحية العملية، لن يتم منح الإقامة إلا لقلة مختارة للغاية، ولن تريد (إسرائيل) حل مشكلة من خلال خلق مشكلة أخرى.

وسيتم نقل معظم السكان الفلسطينيين في المناطق المضمومة إلى أقرب مدينة كبيرة، كما حدث مع البدو في النقب والمقدسيين الشرقيين، الذين يجدون أنفسهم في مناطق معزولة عن بقية المدينة.

تحذير الجنرالات

وولدت هذه الخطط مخاوف لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي اعتادت على أن يتم الاستماع إليها، لكنها الآن تتمتع بنفوذ أقل على صنع السياسات مما كانت عليه في السابق.

وليس هذا لأن الجنرالات السابقين لديهم أي اعتراض أخلاقي على مصادرة الأراضي الفلسطينية، أو لأنهم يعتقدون أن للفلسطينيين الحق القانوني في ذلك، لا، بل اعتراضاتهم مبنية على الكيفية التي يمكن أن يهدد بها الضم أمن (إسرائيل).

ويوجد منطق لتفكيرهم هذا اتضح من خلال وثيقة تم نشرها من قبل معهد السياسة والاستراتيجية في "هرتسليا".

وتذكر الوثيقة أن الضم سيؤدي إلى زعزعة استقرار الحدود الشرقية لـ(إسرائيل)، "التي تتميز باستقرار كبير، ومستوى هادئ للغاية"، وأنها ستسبب "هزة عميقة" لعلاقة (إسرائيل) بالأردن.

وبحسب الوثيقة: "بالنسبة للنظام الهاشمي، فإن الضم مرادف لفكرة الوطن الفلسطيني البديل، أي تدمير المملكة الهاشمية لصالح الدولة الفلسطينية الوليدة".

"وبالنسبة للأردن، فإن مثل هذه الخطوة تعد خرقا ماديا لاتفاق السلام بين البلدين. وفي ظل هذه الظروف، قد ينتهك الأردن اتفاق السلام. إلى جانب ذلك، قد يكون هناك تهديد استراتيجي لاستقراره الداخلي، بسبب الاضطرابات المحتملة بسبب نزوح المزيد من الفلسطينيين في الوقت الذي يواجه فيه الأردن صعوبات اقتصادية شديدة".

ولن يكون ذلك سوى بداية مشاكل الأردن مع الضم، وحتى مع خيار الحد الأدنى بضم المنطقة المحيطة بالقدس، فسوف يفصل ذلك القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية، ما يهدد إشراف الأردن على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

ومن شأن الضم أن يؤدي أيضا إلى "التفكك التدريجي" للسلطة الفلسطينية، كما تزعم الوثيقة.

ومرة أخرى، ما يقلق المحللين الإسرائيليين هو العبء الذي سيوضع على الجيش، وتواصل المؤسسة الأمنية القول إن الضم يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة أخرى.

العامل السعودي

وفي العالم العربي الأوسع، تشير الوثيقة إلى أن (إسرائيل) ستخسر العديد من الحلفاء الذين تعتقد أنها صنعتهم في السعودية والإمارات وعمان، وقد تؤدي خطوة الضم إلى حملة مقاطعة وسحب استثمارات وعقوبات على المستوى الدولي.

وتم ذكر دور السعودية في إخماد نيران رد الفعل العربي على خطة ضم "نتنياهو" على وجه التحديد في الدوائر الأمنية الإسرائيلية مؤخرا، وتم اعتبار الدعم السعودي لأي شكل من أشكال الضم أمرا حاسما.

ويحاول نظام ولي العهد "محمد بن سلمان" تخفيف العداء السعودي لـ (إسرائيل) في وسائل الإعلام، خاصة عبر الدراما التليفزيونية.

وتضمنت الدراما التي أنتجتها قناة "إم بي سي" السعودية مؤخرا مشهدا لممثلين يتجادلان حول التطبيع مع (إسرائيل).

ويقول أحدهما: "لم تكسب السعودية أي شيء عندما دعمت الفلسطينيين، وعليها الآن إقامة علاقات مع (إسرائيل)... العدو الحقيقي هو الذي يلعنك وينكر تضحياتك ودعمك، ويلعنك ليلا ونهارا أكثر من الإسرائيليين".

وكان هناك رد فعل عنيف على المشهد على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نهاية المطاف خرج بيان خادع لدعم القضية الفلسطينية من قبل وزير الخارجية الإماراتي.

وأظهرت المحاولة حدود سيطرة الدولة السعودية على عقول مواطنيها، والتي سوف تضعف أكثر بعد انخفاض سعر النفط وبدء التقشف في العالم العربي.

ولن يتمكن الملك السعودي المستقبلي من شراء طريقه للخروج من المشاكل.

اللجنة المدبرة

نكرر مرة أخرى أن الدافع لتعداد الآثار المزعزعة للاستقرار ليس نوعا من القلق المتأصل حول الممتلكات أو الحقوق، بل ينبع القلق المركزي للمؤسسة الأمنية من احتمال تعرض حدود (إسرائيل) الحالية للخطر.

ولأسباب مماثلة، توقع عدد من الصحفيين الإسرائيليين أن الضم لن يحدث أبدا.

ويمكن أن يكونوا على حق، ويمكن للبراجماتية أن تربح اليوم، أو ربما يستهينون بالدور الذي تلعبه الأصولية الدينية القومية في حسابات "نتنياهو" والسفير الأمريكي "ديفيد فريدمان" والملياردير الأمريكي "شيلدون أديلسون"، وهم مهندسو الفكرة.

وفي حين أن دور الولايات المتحدة بصفتها "وسيطا نزيها" في الصراع قد تم الكشف عنه منذ فترة طويلة على أنه خدعة، فهذه هي المرة الأولى التي أتذكر فيها أن سفيرا أمريكيا وممولا أمريكيا كبيرا يتحمسون للاستيطان أكثر من رئيس وزراء الليكود نفسه.

ويعد "فريدمان" رئيس اللجنة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة لضم المستوطنات، التي تحدد حدود (إسرائيل) بعد الضم.

ولا معنى لهذه اللجنة من الناحية الدولية، حيث إنها لا تمثل أي طرف آخر في النزاع، بما في ذلك الفلسطينيون الذين قاطع قادتهم العملية.

وقال مصدران منفصلان من اللجنة المشتركة لـ"ميدل إيست آي" إنها تميل إلى سيطرة (إسرائيل) على الضفة الغربية مرة واحدة، وليس عبر التوسع التدريجي.

وقال أحد المصادر إنها تدعو لضم المنطقة "ج" بأكملها، بما في ذلك المسجد الأقصى.

ويقول المصدران إن الضم يتلاءم مع ملامح "صفقة القرن" التي وضعها "دونالد ترامب"، والتي تحول 22% من فلسطين التاريخية إلى مجموعة من البانتوستانات المنتشرة حول (إسرائيل) الكبرى.

الذروة

لا تزال النكبة، البالغة من العمر 72 عاما اليوم، تعيش وتتنفس وتتوسع، ولا تتعلق النكبة فقط باللاجئين الأصليين، ولكن بأحفادهم.

واليوم، فإن نحو 5 ملايين منهم يستحقون خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

وأثار قرار "ترامب" بوقف تمويل "الأونروا"، وإصرار (إسرائيل) على الاعتراف فقط بالناجين الأصليين منذ عام 1948، حملة دولية يؤكد فيها الفلسطينيون على رفض التخلي عن حقهم في العودة.

وتم إطلاق هذه الحملة في الأردن، وهي علامة أخرى على أن المشاعر المعادية لـ (إسرائيل) تتصاعد هناك.

ومن المؤكد أن التقييم الأمني ​​الإسرائيلي القائل بأن حل الدولتين مات في أذهان أغلبية الفلسطينيين صحيح، ويرى معظم الفلسطينيين أن الضم هو ذروة المشروع الصهيوني لإقامة دولة ذات أغلبية يهودية، وتأكيد اعتقادهم بأن الطريقة الوحيدة التي سينتهي بها هذا الصراع هي حل تلك الدولة.

ويجب أن تكون خطط الضم دليلا للمجتمع الدولي أن (إسرائيل) دولة لا يمكنها تقاسم الأرض مع الفلسطينيين، ناهيك عن التسامح مع حق الفلسطينيين في تقرير المصير والحصول على دولة مستقلة.

ولا تعرف (إسرائيل) في صيغتها الحالية سوى اتجاه واحد، وهو تعميق هيمنتها على شعب سرقت أرضه ولا تزال تسرقه.

المصدر | ديفيد هيرست | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ضم الضفة الغربية غور الأردن صفقة القرن النكبة الفلسطينية

منذ النكبة.. 100 ألف شهيد ومليون أسير فلسطيني

عباس: فلسطين في حل من كل الاتفاقيات مع أمريكا وإسرائيل