تحديات هامة تنتظر تركيا بعد إنجازها العسكري في ليبيا

الأربعاء 20 مايو 2020 06:24 م

كان الجنرال الليبي "خليفة حفتر" وقواته التي يطلق عليها "الجيش الوطني الليبي" يتوقعون انتصارًا سريعًا وحاسمًا، عندما أطلق قبل أكثر من عام حملته الدموية على طرابلس التي تحتضن حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

وفي ظل الدعم الكبير الذي يتلقاه "حفتر" من الإمارات ومصر، وكذلك الضوء الأخضر من إدارة "ترامب" والتعزيزات من مجموعة "فاجنر" الروسية والمرتزقة من مختلف البلدان، كان الجنرال الليبي واثقًا من أن نصرًا تامًا أصبح في متناول اليد، بما يمهد الطريق لإنشاء ديكتاتورية عسكرية على الطراز المصري في طرابلس.

ومع اكتساب هجوم "حفتر" زخمًا، أصبح بحث حكومة الوفاق الوطني عن الدعم الإقليمي والدولي أكثر يأسًا، وتدخلت تركيا لتعزيز دعمها العسكري لحكومة الوفاق الوطني، مع تزايد احتمال سقوطها.

اتفاقيتان مرتبطتان

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت تركيا اتفاقيتين مع حكومة الوفاق الوطني؛ واحدة بشأن تحديد مناطق النفوذ البحري في البحر الأبيض المتوسط، والأخرى بشأن التعاون الأمني ​​والعسكري.

ومن خلال الاتفاقية الأولى، سعت تركيا إلى تقويض تحالف الأمن والطاقة الناشئ في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، الذي يركز على التعاون بين مصر و(إسرائيل) واليونان وقبرص.

في الواقع؛ كان هذا أحد الأهداف الحاسمة التي أرادت تركيا تحقيقها من خلال تدخلها العسكري في ليبيا، إلى جانب رغبة أنقرة في قلب التوازن لصالحها في الصراع مع المنافسين الإقليميين مثل الإمارات ومصر والسعودية، فضلا عن تأمين مصالحها المالية ومصالح الطاقة في ليبيا.

ظلت حكومة الوفاق الوطني غير مستعدة لتوقيع مثل هذه الاتفاقية لفترة طويلة خوفا من ردة فعل أوروبية وعزلة دولية، وذلك على الرغم من الضغوط التركية.

في الواقع، كانت هذه الاتفاقية تتعلق بتركيا أكثر من ليبيا، وكانت ثمنًا بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني من أجل الحصول على الدعم العسكري التركي.

لم توقع حكومة الوفاق إلا عندما قوبل طلبها للدعم بآذان صماء إقليميًا ودوليًا، وبشكل ما؛ كانت الاتفاقية الأولى شرطًا مسبقًا يجب تحقيقه لتحقيق الاتفاقية الثانية.

بعد إبرام الاتفاقية الثانية بشأن التعاون الأمني ​​والعسكري، التزمت أنقرة بحماية حكومة الوفاق، حيث قدمت معدات عسكرية ونقلت مقاتلين سوريين إلى ليبيا للقتال نيابة عن حكومة الوفاق الوطني.

ومع نقل روسيا الآن أيضًا للمرتزقة السوريين الموالين للنظام إلى ليبيا للقتال نيابة عن "حفتر"؛ يحدث تصدير للحرب الأهلية السورية بالكامل إلى ليبيا.

هدف تركيا هو منع سقوط حكومة الوفاق الوطني وتمهيد الطريق أمام عملية سياسية من موقع قوة. 

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، بدا وكأن تركيا وروسيا تطبقان صيغة أستانا الخاصة بسوريا على ليبيا من خلال استضافة اجتماع بين الأطراف المتحاربة في موسكو، لكن المحادثات انهارت مع مغادرة "حفتر" دون التوقيع على الاتفاق.

تركيا ترفع الرهان

على هذه الخلفية، فشل مؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني في تحقيق أي نتائج ذات مغزى، وبدلاً من ذلك، عاد معسكر "حفتر" إلى استراتيجيته بالحل العسكري، وفعلت حكومة الوفاق نفس الشيء.

في الوقت نفسه، رفعت تركيا رهاناتها وزادت من التزامها العسكري والسياسي تجاه حكومة الوفاق، و رسخت أولًا التفوق الجوي حول طرابلس، ثم أجزاء أخرى من غرب ليبيا.

زودت تركيا حكومة الوفاق الوطني بطائرات مسلحة بدون طيار وأنظمة صواريخ ومركبات عسكرية وأجهزة تشويش رادارية، في حين قدمت الفرقاطات التركية الدعم لحكومة الوفاق قبالة الساحل الغربي لليبيا، كما قامت أنقرة بنشر عسكريين للمساعدة في التدريب والتخطيط الاستراتيجي.

وحاليا، بدأ التدخل العسكري التركي في ليبيا يؤتي ثماره مؤخرًا.

ففي الشهر الماضي، سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني على 7 بلدات في غرب ليبيا، بما في ذلك المدن الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية مثل صبراتة وسرمان والعجيلات، كما قامت حكومة الوفاق الوطني بتأمين الطريق من الحدود التونسية إلى طرابلس، وبين طرابلس ومصراتة.

بعد انتكاسات قوات "حفتر"، أعلنت عن طلب هدنة في 30 أبريل/نيسان، حيث كان شهر رمضان المبارك بمثابة ذريعة جيدة.

ولكن، في ظل إدراك حكومة الوفاق لنتائج اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة، التي لم تستمر طويلا، واعتقادا منها بأن الجيش الوطني الليبي يمكن أن يستخدم أي فترة هدنة من أجل التعزيز العسكري، رفضت حكومة الوفاق هذه الدعوة على الفور.

الزخم العسكري

تركز تركيا وحكومة الوفاق الوطني على هدفين مترابطين مستفيدين من الزخم العسكري الأخير.

أولاً، بما أن طرابلس لا تزال تقع ضمن نطاق القصف لقوات "حفتر"،  كما يتضح من الهجمات الصاروخية الأخيرة التي ضربت مناطق حول مسكن السفير الإيطالي والسفارة التركية، ستحاول حكومة الوفاق الآن دفع مقاتلي "حفتر" من قواعدهم المتبقية قرب طرابلس.

ثانياً؛ بما أن ترهونة هي موقع رئيسي لوجيستي لـ"حفتر" في غرب ليبيا، فإن حكومة الوفاق الوطني ستسعى جاهدة لطرد قوات الجيش الوطني الليبي من المدينة، ويبدو أن الهدف النهائي هو تحقيق السيطرة الكاملة لحكومة الوفاق الوطني على غرب ليبيا.

في هذا الصدد، يعتبر الاستيلاء الأخير لحكومة الوفاق الوطني على قاعدة "الوطية" الاستراتيجية من قوات "حفتر" خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.

ولكن بالرغم من الزخم الأخير الذي حققته تركيا وحكومة الوفاق الوطني، إلا أن مكاسبهما لا تزال هشة وغير حاسمة، حيث لا توجد إشارة على انتهاء النزاع، وبدلاً من ذلك، من المحتمل جدًا أن يكثف المعسكر المؤيد لـ"حفتر" دعمه العسكري، مما يزيد من تفاقم الصراع وتعقيده.

علاوة على ذلك، تحتاج أنقرة إلى مزيد من التنسيق السياسي، لا سيما مع الدول الموالية لحكومة الوفاق الوطني مثل إيطاليا وألمانيا، لترجمة المكاسب العسكرية إلى مكاسب سياسية.

وفي السياق نفسه؛ يحتاج الأوروبيون إلى تبني موقف أكثر صرامة في رفض سعي "حفتر" لدكتاتورية عسكرية في ليبيا.

وكما تبين من نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، فإن طرفي الصراع الليبي وداعميهم أصبحوا يعملون بشكل أكثر وضوحًا.

لن يتطلب مثل هذا التصعيد التزامًا عسكريًا أكبر ومسؤولية مباشرة من تركيا فحسب، بل سيتطلب أيضًا من الحكومة التركية إدارة الجبهة الداخلية، خاصة مع تأكيد الكثيرين أن قرار أنقرة بالتدخل في ليبيا لا يحظى بشعبية في تركيا.

في الواقع، هناك علامات على إرهاق المجتمع التركي من الحملات العسكرية في الخارج؛ فقد أصبح الدعم الشعبي لتدخل تركيا في إدلب مؤخرًا، أقل بشكل ملحوظ من الحملات العسكرية التركية الأخرى في سوريا.

يمكن أن تساهم جائحة الفيروس التاجي بشكل أكبر في هذا المزاج، لذلك يجب على الحكومة أن تكون واعية للآراء الشعبية أثناء رسم المرحلة التالية من حملتها في ليبيا.

الآراء الشعبية

عارض 58% من الأتراك المشاركين في استطلاه رأي نشر جنود أتراك في ليبيا، بينما كان الدعم للعمليات السابقة في سوريا أعلى بكثير (باستثناء عمليات إدلب الأخيرة) بواقع حوالي 75%. وأشار استطلاع آخر أجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى تأييد 38% فقط للانتشار العسكري في ليبيا.

تشير هذه النتائج إلى الموقف الشعبي التركي من سياسة حكومتهم تجاه ليبيا، مما يدل على أن الحكومة بحاجة إلى الحذر في إدارتها للشأن الليبي.

ولكن، يمكن للحكومة أن تحدد سياستها في ليبيا بشكل مختلف من خلال ربطها بسياستها في قبرص وسياستها في شرق المتوسط، مع العلم أن المستوى العالي السابق من الدعم لعمليات تركيا في سوريا، كان مدفوعًا في الغالب بعوامل تتعلق بالسياسات الكردية الإقليمية، وليس الديناميكيات السورية في حد ذاتها.

سيحكم الشعب التركي على مناورة حكومتهم في ليبيا بأثر رجعي، حيث يعتمد دعم سياسة الحكومة تجاه ليبيا أيضًا على مدى نجاحها، ففي حين قوبلت الانتكاسات التركية في إدلب برد فعل سلبي، فإن المكاسب الأخيرة في ليبيا من المرجح أن يكون لها تأثير عكسي.

في الوقت نفسه، من المرجح أن تزيد جائحة الفيروس التاجي من التدقيق الشعبي بشأن الحملات العسكرية في الخارج. ستواجه أنقرة ضغوطًا شديدة لتجنب أي خسائر كبيرة في أرواح جنودها، مع ضرورة حفاظها أيضًا على صورة ناجحة سياسيًا لحشد الدعم لعملياتها في ليبيا.

المصدر | غالب دالاي - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حكومة الوفاق الوطني الليبية خليفة حفتر قوات خليفة حفتر التدخل العسكري التركي

بعد نكسات حفتر.. قرقاش يدعو إلى العودة للمسار السياسي في ليبيا

أردوغان يترأس اجتماعا أمنيا حول سوريا والعراق وليبيا

مكاسب النصر التركي في ليبيا

قفزات نوعية للسلاح التركي.. ليبيا نموذجا

الهدف الحقيقي وراء إرسال طائرات حربية روسية إلى ليبيا

نائب السراج: الاتفاقيات الليبية التركية غيرت موازين القوى