مؤامرة أم نموذج ملهم؟ هكذا تعامل الإعلام الخليجي مع احتجاجات أمريكا

الجمعة 12 يونيو 2020 05:03 م

بعد مقتل "جورج فلويد" على يد ضابط شرطة في مينيابوليس في 25 مايو/ أيار، عرضت وسائل الإعلام في دول الخليج تغطية كبيرة للأمر مع تعليقات على الاحتجاجات المستمرة ضد عنف الشرطة والعنصرية المنهجية في الولايات المتحدة.

بالطبع حظيت الموضوعات التي تركز على المنطقة بمزيد من الاهتمام، خاصة في أسبوع يصادف الذكرى الثالثة للأزمة الخليجية، لكن هناك سمتان رئيسيتان للتغطية الإعلامية في المنطقة برزتا إلى جانب إبداء القلق من الآثار المدمرة لأعمال الشغب المرتبطة بالاحتجاج.

أولًا، أظهرت وسائل الإعلام السعودية اهتمامًا أكبر بكثير بالحظوظ السياسية للرئيس "دونالد ترامب"، وقللت من انتقادات أفعاله خلال الاحتجاجات وعرضت تعليقات تهاجم منتقدي الرئيس الأمريكي.

ثانيًا، أثارت الاحتجاجات أسئلة أخرى حول دور الولايات المتحدة في العالم والمنطقة، ونظرت المقالات الافتتاحية إلى المظاهرات إما كعلامة على الانقسام الداخلي وفقدان القيادة الأخلاقية أو كمثال ملهم في كيفية تعامل المواطنين مع العنصرية.

مسؤولية من؟

عرضت عدة صحف في البداية الاحتجاجات في إطار القانون والنظام، حيث ناقشت أهمية احتواء احتمالاتها التخريبية. وتماشياً مع العديد من وسائل الإعلام الأمريكية في الأيام الأولى من المظاهرات، سلطت صحيفة "الرياض" الضوء على أعمال النهب والعنف المرتبطة بالمتظاهرين من خلال مقالات عن تهديد "ترامب" بتصنيف "أنتيفا" منظمة إرهابية، (وهي مجموعة من النشطاء المناهضين للفاشية)، بالإضافة لمقالات عن "فوضى" المظاهرات الجارية التي قد تستدعي التدخل العسكري.

في نفس الصحيفة، وفي 4 يونيو/ حزيران، اعتبرت خبيرة الأمن الثقافي "بينة الملحم"، أن أعمال الشغب المتعلقة بالاحتجاجات أسوأ من مقتل "فلويد"، معتبرة أن أي شخص سعى لتبرير هذا "الإرهاب" يتحمل المسؤولية المباشرة عن أي أعمال عنف تالية.

وبالمثل، ناقشت صحيفة "القبس" الكويتية الاحتجاجات في مقال في 2 يونيو / حزيران، أقر بأن خطاب "ترامب" ساهم في "إشعال النار في البلاد"، لكنه رأى أن المتظاهرين يتحملون مسؤولية كبيرة أيضًا.

غطت وسائل الإعلام الأخرى التفريق القسري للمتظاهرين السلميين أمام "لافاييت بارك" في 1 يونيو/ حزيران، حيث اعتبرته نقطة تحول في التغطية الإعلامية الأمريكية التي ركزت على عنف الشرطة والقوات الحكومية.

اختلاف تغطية العنف

قدم مراسلو صحيفة "الشرق الأوسط" في واشنطن (وهي صحيفة بملكية سعودية لكن مقرها الرئيسي في لندن) تغطية واسعة للحدث، ونقلوا مجموعة من الانتقادات التي واجهها "ترامب" بعد أن تم تفريق المتظاهرين السلميين بالقوة؛ ليلتقط صورة رئاسية أمام كنيسة "سانت جونز" القريبة.

حذت عدة صحف من جميع أنحاء المنطقة حذوها، حيث راقبت صحيفة "الراي" الكويتية الوضع عن كثب، من تفريغ منطقة "إتش ستريت" إلى التظاهرات السلمية في الأيام التي تلت ذلك.

وأشارت صحيفة "العرب"، وهي إحدى الصحف اليومية الرئيسية في قطر، إلى استخدام الغاز المسيل للدموع في تقارير تلقي بظلال من الشك على مزاعم إدارة "ترامب" بشأن عنف المتظاهرين المنظم، في حين تسلط الضوء على تصريحات دعم الرؤساء السابقين للمتظاهرين، وقدمت العديد من الصحف الإماراتية، مثل "الخليج" في الشارقة، تغطية مماثلة.

وبالمثل، أشارت جميع المنصات تقريبًا إلى التوترات في العلاقات المدنية العسكرية الأمريكية بعد استخدام القوة ضد المتظاهرين، حتى تلك التي لم تتضمن تغطية تذكر لأحداث 1 يونيو/ حزيران.

وبينما أشارت صحيفة "عكاظ" اليومية السعودية إشارة عابرة فقط إلى "تراجع المتظاهرين من أمام الكنيسة التاريخية"، نشرت مقالًا في 4 يونيو/ حزيران يناقش الحظوظ السياسية لوزير الدفاع "مارك إسبر" بعد تراجعه عن فكرة استخدام القوة ضد المحتجين.

وتحدثت تغطية "الشرق الأوسط" عن "توتر خطير" بين الرئيس والقوات المسلحة الأمريكية، ناقلة انتقادات كبار المسؤولين العسكريين السابقين مثل "جيمس ماتيس" و"مايكل مولين".

سلطت تغطية "معركة لافاييت بارك" الضوء على الاختلافات الحادة في تأطير وسائل الإعلام للموقف، حيث عرضت "ترامب" إما كشخص مُحاصَر أو مسيطر تمامًا. حيث قارنت قناة "الجزيرة" على سبيل المثال تصريحات "ترامب" الداعمة للاحتجاج السلمي مع استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين أمام البيت الأبيض.

لكن قناة "العربية" لم تشر إلى تفريق المحتجين في تقرير إخباري عن "الاتهامات المتبادلة" بين "ترامب" والقادة الديمقراطيين، وجمعت لقطات بثتها للرئيس يمشي خارج البيت الأبيض مع موسيقى درامية في 1 يونيو/ حزيران، بالرغم أن كاميرات "العربية" كانت في مكان يسمح لها بالتقاط لقطات حية للمتظاهرين الذين تم تفريقهم.

اتهامات لأياد خفية

سعى بعض المعلقين السعوديين إلى تأطير الاحتجاجات على أنها تعكس إلى حد كبير جهود اليسار الأمريكي لتحفيز الانتقادات ضد "ترامب".

كما رد العديد منهم على قيام "تويتر" بوضع تحذيرات على تغريدات "ترامب"، حيث ادعى "محمد السعيد" من صحيفة "عكاظ"؛ أن الخطوة كشفت عن مدى استياء اليسار من الرئيس (يشترك اليمين الأمريكي والعديد من القوميين السعوديين في الشكاوى حول الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي).

وبالمثل، علّق المترجم السابق وخبير الشؤون الأمريكية "أحمد الفراج"، على قناة "العربية" و"سكاي نيوز عربية"، بأن الديمقراطيين استغلوا اغتيال "جورج فلويد" للتحريض على الاحتجاجات ضد "ترامب"، وكشف عن "ميول الحزب اليسارية والاشتراكية".

ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث صوروا المظاهرات على أنها أحداث مدمرة وخطيرة أثارتها "أياد خفية" لتحقيق مكاسب سياسية.

وأدان "عبد الله العتيبي"، الذي يكتب لـ "الشرق الأوسط"، الاحتجاجات باعتبارها جزءً من "صراع أتباع أوباما وحلفائهم اليساريين والأناركيين ضد الرئيس ترامب"، في واحد من عدد متزايد من المقالات التي تناقش تداعيات الانتخابات الأمريكية القادمة على السعودية.

ذكرت "القبس" الكويتية تشابهًا بين "الربيع" الأمريكي والعربي، دون أن تقدم تفسيرًا حزبيًا للأحداث، وبينما اعترفت بأن العديد خرجوا للاحتجاج على "القتل المأساوي لجورج فلويد"، أمرت افتتاحية 4 يونيو/ حزيران القراء بالحذر عند مشاهدة هذا المشهد الأمريكي باعتبار أن "الوقت حان لكل عربي ومسلم أن يستوعب الدرس بأن المظاهرات والفوضى لا تؤدي إلا إلى الخراب".

الآثار المستقبلية

تطلع محللو الشأن الخليجي إلى المستقبل أيضًا، وحللوا ما قد تعنيه الاحتجاجات لمكانة الولايات المتحدة في العالم وكذلك الدروس لمجتمعاتهم.

وتوقعت سلسلة من التحليلات أن تؤدي الاحتجاجات إلى تقويض الدعوة الأمريكية لحقوق الإنسان في الخارج، مما يضعف البلاد في مواجهة المنافسة الاستراتيجية مع روسيا والصين.

افترض محرر الشؤون الدولية في "القبس"، أن مقتل "جورج فلويد" والاحتجاجات التي تلت ذلك "جردت واشنطن من سلطتها الأقوى" المتمثلة في سلطتها الأخلاقية.

وجادل المحلل العُماني "عوض بن سعيد باقوير"، الذي كتب لصحيفة "عُمان" في 3 يونيو / حزيران، بأن "التناقضات الداخلية للسياسة الأمريكية ستؤدي إلى مزيد من تآكل مكانة الولايات المتحدة في العالم في الوقت الذي تشتت فيه حركات العدالة الاجتماعية والنشاط اليميني انتباه صانعي السياسة الأمريكية عن المشاركة الدولية".

الاحتجاجات كمثال ملهم

ومع ذلك، سلطت عدة وجهات نظر متفائلة الضوء على المظاهرات كمثال إيجابي، حتى داخل العديد من الوسائل الإعلامية نفسها التي انتقدت الاحتجاجات بشدة.

فقد ربطت "شريفة الشلفان"، التي كتبت لـ "القبس"، المظاهرات الأمريكية بالنقاشات الأخيرة حول العنصرية داخل المجتمع الكويتي.

وقالت "شريفة": "لنأخذ ما يحدث اليوم من الكراهية وأعمال الشغب في الولايات المتحدة كدرس لنا هنا في الكويت، ولنقارنها بالعنصرية التي يمارسها البعض في الكويت ضد المقيمين لدينا".

أما صحيفة "الوطن" السعودية، التي نشرت من قبل مقالات افتتاحية تطالب "بتطهير" المملكة من "العمال الأجانب الزائدين"، فقد نشرت مقالاً للكاتب "علي الشريمي" ينتقد فيه "ترامب" على اعتناق العنصرية و"خطاب الكراهية ضد الأجانب مما تسبب في أضرار من الصعب إصلاحها".

حتى "عكاظ"، نشرت تعليقات أكثر تفاؤلاً لخبير الاتصالات "أنمار المطوع"، الذي اقترح تفسيراً أكثر إيجابية لمصطلح "الربيع الأمريكي" قائلًا: "المقصود هو أن المجتمع سيجلب القوانين المدنية، والمواد القانونية، والتحول الثقافي بعد صرخة: لا أستطيع التنفس. هذا هو الربيع الذي سينعكس في المجتمع الأمريكي".

المصدر | أندرو ليبر/ معهد دول الخليج بواشنطن/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جورج فلويد الاحتجاجات الأمريكية إدارة ترامب

ترامب يتهم بايدن بإطلاق سراح المخربين خلال الاحتجاجات الأخيرة

متظاهرون يحرقون تمثالا لشرطي.. وترامب يطالب باعتقالهم