بين مطرقة الوباء وسندان السلطة.. محنة أطباء مصر في زمن كورونا

الأربعاء 17 يونيو 2020 09:44 م

تودع مصر يوميا المزيد من أعضاء طواقمها الطبية جراء الإصابة بفيروس "كورونا"، ليرتفع ضحايا الجيش الأبيض إلى 73 طبيبا، وسط مخاوف من ارتفاع الأعداد بشكل أكبر خلال الأسابيع المقبلة.

ووفق بيانات صادرة عن نقابة الأطباء المصرية، بلغ عدد الإصابات بين صفوف الأطباء 430 إصابة منذ بداية الجائحة منتصف فبراير/شباط الماضي.

وتتراوح نسبة الوفيات بين الأطباء المصريين بين 5 إلى 7%، بحسب تدوينة عضو مجلس النقابة "إبراهيم الزيات"، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك".

وتشير تقديرات غير رسمية إلى ارتفاع إجمالي عدد الوفيات بين الطواقم الصحية المصرية (أطباء، تمريض، دعم فني) إلى أكثر من 180 وفاة و1000 إصابة.

نقص الإمكانات

من بداية أزمة الفيروس، تتوالى شكاوى الأطباء في مصر من نقص معدات الوقاية، مثل الأقنعة الواقية والقفازات الطبية، ومعدات التعقيم، فضلا عن التعنت في إجراء المسحة لعناصر الأطقم المعالجة؛ للاطمئنان على عدم انتقال العدوى إليهم.

ويقول طبيب في العناية المركزة بمستشفى بولاق الدكرور، قرب العاصمة، عبر "فيسبوك"، إن وزارة الصحة لا توفر للطواقم الطبية إجراءات الفحص السليمة والإمكانات اللازمة وطرق التوعية والحماية.

وزاد الأمر صعوبة، إقرار وزارة الصحة المصرية بروتوكول علاج للأطباء من "كورونا" يُحرم بموجبه المخالطون للحالات الإيجابية من إجراء فحص للفيروس ما لم تظهر عليهم الأعراض كاملة.

كذلك قررت وزارة الصحة، غلق المستشفيات التي تظهر فيها حالات كثيرة ليومين فقط لحين تعقيمها ثم استئناف العمل، وهو ما تسبب في رفع عدد الإصابات بين الأطقم الطبية، وتحول بعض المستشفيات إلى بؤر لنشر الوباء.

وهناك اتهامات متداولة في الأوساط الطبية للحكومة بعدم التوسع في إجراء المسحات للأطباء لتوفير النفقات، وتحاشي تعطيل عدد أكبر من الأطباء عن العمل، إذا أجريت لهم المسحات وظهرت نتائجهم إيجابية.

وتقول صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن عناصر "الجيش الأبيض" في مصر لا يمتلكون اختبارات أساسية للكشف سواء لأنفسهم أو للمرضى، كما أنهم يفتقدون معدات الحماية من الفيروس.

وتنقل الصحيفة عن طبيب في مستشفى الحسين الجامعي، وسط القاهرة، قوله: "لا نريد أن يطلق علينا تسمية الجيش الأبيض، نريد نفس الحماية الاجتماعية والحقوق المالية التي يتمتع بها الجيش والمسؤولون".

ويقول أحد الممرضين في مستشفى بحي إمبابة، قرب العاصمة: "نحن نُعالج بنفس الطريقة التي يعالج بها المرضى من غير المخالطين. إذا اشتكينا من الأعراض، يُطلب منا العودة إلى المنزل والحجر التزام الصحي، ولا يتم توفير الفحص لنا".

ويؤكد أحد الأطباء بمستشفى دار السلام (حكومي) بالقاهرة، أنه يضطر مثل غيره من الأطباء والممرضين إلى شراء الأقنعة الواقية على نفقته الخاصة، هذا بافتراض أنها لا تزال متوفرة في الصيدليات بحسب "الجزيرة".

مصدر للعدوى

ولكن الوضع الصحي في مصر يبدو أكثر تعقيدا من ذلك. ووفق بيان سابق صادر عن النقابة، هناك مخاوف أن يتحول الأطباء أنفسهم إلى مصدر للعدوى وبؤرة تفشي للوباء.

ويعلق أمين عام نقابة الأطباء المصريين، "إيهاب الطاهر"، في تصريح صحفي، بالقول، إن تزايد الإصابات في صفوف الأطقم الطبية يدق ناقوس خطر على المجتمع كله، مشيراً إلى أن إصابة طبيب أو ممرض بالعدوى ربما يؤدي إلى تحوله من تقديم المساعدة الطبية، ليصبح مصدراً لعدوى الآخرين.

وفي مايو/أيار الماضي، دعت النقابة، في بيان، الأطباء إلى عدم العمل بدون توفير الحماية الكاملة لهم، مشددة على أن العمل بدون توفير إجراءات السلامة يعد جريمة.

وحمل البيان، وزارة الصحة، مسؤولية زيادة إصابة الأطباء بفيروس "كورونا"، واتهمتها بالتقاعس عن القيام بواجبها فى حماية الأطباء، والامتناع عن التحاليل المبكرة لاكتشاف أي إصابات بينهم، والتعنت في إجراء المسحات للمخالطين منهم لحالات إيجابية، وعدم توفير أماكن لعلاج المصابين منهم.

وهناك ثغرة خطيرة ثانية، وهو عدم توافر بدل الوقاية للأطباء في عياداتهم الخاصة، ما يعني أن الطبيب يواصل عمله الشخصي دون حماية، وقد ينقل العدوى إلى المستشفى الذي يعمل فيه.

ويزيد الأمر معاناة، ضغط العمل وزيادة عدد الساعات المطلوب من الطبيب العمل فيها، وهي الضغوط التي تسببت في فقدان طبيب بمستشفى الحجر الصحي في كفر الشيخ (شمال)، يدعى"محمود سامي" لبصره جراء الإجهاد الشديد بعد العمل بشكل متواصل لمدة 7 أيام.

غياب التنسيق

اللافت في أزمة "كورونا" في مصر أيضا هو غياب التنسيق بين وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، ناهيك عن قيام وسائل إعلام مقربة من السلطة بالهجوم على الأطباء، واتهامهم بـ"الانتماء لجماعات إرهابية"، في غياب أي تقدير لهم أدبيا وماديا.

وتصدر بروتوكولات العلاج عن وزارة الصحة، دون استشارة مجلس نقابة الأطباء، وهو ما بدا جليا في الاعتراضات الصادرة عن النقابة بشأن خطة التعايش الحكومية مع الوباء، وتقليل ساعات الحظر.

وتطالب نقابة أطباء مصر، بضرورة تغيير مسار التعامل مع أزمة الفيروس، والتوسع في إجراء المزيد من الاختبارات، وفرض إغلاق كامل لمدة أسبوعين، وهو ما لم يلق استجابة من الجهات المعنية.

ولا تظهر نقابة الأطباء في المشهد القائم، سوى لإعلان الإصابات والوفيات بين الطواقم الطبية، وتقديم العزاء لأسرهم من حين لآخر.

لا يقتصر الأمر على هذا الحد، حيث يتعرض الأطباء في خضم الجائحة لمضايقات أمنية أيضا. وقد طالبت نقابة الأطباء النائب العام المصري، المستشار "حمادة الصاوي" بسرعة الإفراج عن الأطباء الذين ألقي القبض عليهم بسبب آرائهم حول جائحة "كورونا".

وانتقد أطباء، قيام نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، بمنح معدات الوقاية الشخصية لإيطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بينما يواجه الأطباء في مصر نقصا حادا في تلك المعدات.

وإضافة إلى النقص الحاد في الإمكانات، وغياب التنسيق بين "الصحة" ونقابة الأطباء، بدا واضحا تجاهل توفير التدريب الفعلي على التعامل مع حالات "كورونا" سواء في مستشفيات الفرز أو العزل، ما تسبب في تشخيص خاطئ في كثير من الحالات، وعدم الدقة في تحديد الحالات المصابة بالمرض.

وتدفع وزارة الصحة كذلك بالأطباء من تخصصات مختلفة لا علاقة لها بالأمراض الصدرية أو العناية الفائقة إلى الخطوط الأولى لمواجهة الوباء، وهو ما يتسبب في زيادة عدد الأطباء المتساقطين الذين باتوا يدفعون الثمن الأكبر في مواجهة "كورونا" في مصر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نزيف وفيات الأطباء بكورونا في مصر مستمر

وفاة 3 أطباء مصريين بكورونا ترفع الحصيلة إلى 80

أطباء مصر تطالب بتأجيل امتحانات الثانوية بسبب كورونا

كورونا.. ارتفاع وفيات أطباء مصر إلى 83

كورونا يحصد أرواح 91 طبيبا في مصر

مصر.. 7 آلاف طبيب يطالبون الرئاسة بحل أزمتهم مع الوزيرة

السلطات المصرية تحاصر نقابة الأطباء وتمنع مؤتمرا صحفيا