بايدن والشرق الأوسط.. الرابح والخاسر حال صعود رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض

الخميس 18 يونيو 2020 10:47 م

"القيم الأساسية لهذه الأمة ومكانتنا في العالم وكل ما جعل من أمريكا أرض الحرية والديمقراطية في خطر كبير".. هكذا لخص نائب الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن" رأيه في سياسة الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب"، قبيل اختياره مرشحا عن الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما قدم مؤشرا على أن الولايات المتحدة ستكون مقبلة على تغييرات جذرية في سياساتها الخارجية في حال فوز "بايدن" بالرئاسة.

وعززت تصريحات "بايدن" مؤخرا من هذا الاستنتاج، خاصة بعدما كشفته نتائج أحد الاستطلاعات المرموقة بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة من أن الكساد الاقتصادي غير المسبوق بسبب جائحة كورونا سيكلف الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" خسارة تاريخية، وفقا لما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن معهد أوكسفورد لعلوم الاقتصاد.

ولا تعد هذه النتيجة مفاجئة، حيث تظهر استطلاعات الرأي الأسبوعية، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، تقدماً ملحوظاً لـ "بايدن" على حساب "ترامب"، بما يعني أن بقاء الرئيس الجمهوري في البيت الأبيض لفترة ثانية لم يعد أمراً محسوماً كما كان قبل عدة أشهر لأسباب كثيرة، على رأسها الكساد الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة بصورة غير مسبوقة، إضافة للفشل الذريع في الاستعداد لمواجهة وباء كورونا، ما أدى لأن تصبح الولايات المتحدة الدولة الأكثر تضررا عالميا.

وفي هذا الإطار، يبشر مستشارو "بايدن" بسياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة في حقبة ما بعد "ترامب"؛ وإزاء ذلك، فإن خارطة الرابحين والخاسرين من انحيازات الإدارة الأمريكية ستتغير على الأرجح، وربما تحدث بها بعض "الانقلابات"، حسب تقدير نشره "جيوريو كافيرو" بموقع "إنسايد أرابيا".

النظام الإيراني

ويعد النظام الحاكم في إيران أحد أهم الفائزين في حال فوز "بايدن" بالرئاسة الأمريكية، خاصة بعدما شن الأخير هجوما على "ترامب" ووصف سياسته لاحتواء إيران بأنها "كارثية"، منددا بـ"ابتعاد" الملياردير الجمهوري "عن الدبلوماسية"، ما جعل "الصراع العسكري أكثر ترجيحاً".

وانتقد المرشح الديمقراطي، في بياناته وتصريحاته سياسة "أقصى ضغط" التي يتبعها "ترامب" بهدف دفع إيران نحو التفاوض على اتفاق نووي جديد، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي "وعد بأنّ التخلي عن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وإعادة فرض العقوبات، سيكبحان اعتداءات إيران في المنطقة"، لكن ما حدث هو العكس تماما.

وسبق لـ "بايدن" أن نوه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي إلى أن "ترامب" أخفق في حماية مصلحتين أمريكيتين حيويتين في الشرق الأوسط، هما: منع إيران من الحصول على سلاح نووي وضمان استقرار إمدادات الطاقة عبر مضيق هرمز.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا "بايدن" إلى تخفيف العقوبات على طهران في خضم مواجهة إيران لفيروس "كورونا"؛ قائلا: "ليس من المنطقي في خضم أزمة صحية عالمية أن نمزج الفشل بالقسوة من خلال منع وصول إيران للمساعدة الإنسانية المطلوبة. مهما كانت خلافاتنا العميقة مع الحكومة الإيرانية، فيجب أن ندعم الشعب الإيراني".

ويعني ذلك أن "بايدن" في طريقه لإعادة إنتاج سياسة الرئيس السابق "باراك أوباما" تجاه إيران، الأمر الذي سيساعد طهران على الإفلات من ضغوط اقتصادية هي الأقسى في تاريخها، وفقا تقدير "حسين إيبش"، كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن.

سوريا الأسد

ووفق هذا التصور، فإن نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" سيكون رابحا وخاسرا من رئاسة "بايدن" للولايات المتحدة في آن واحد.

ولما كان فوز المرشح الديمقراطي يعني عودة الولايات المتحدة نحو الدبلوماسية مع إيران وتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها، فإن ذلك من شأنه أن يسمح لطهران بإعادة بتركيز مواردها مرة أخرى في الخارج، وتحديدا في سوريا، في حين يعني فوز "ترامب" بولاية ثانية استمرارا لحملة الضغط القصوى على طهران، وإجبارها على تركيز مواردها على اقتصادها المتداعي.

ولا شك أن تدفق الأموال من إيران سيعزز نظام "الأسد"، ما سيسمح له بمحاولة إعادة بناء شرعية سياسية في الداخل من خلال تخفيف الاستياء بين السوريين الفقراء.

لكن احتمالات فوز "بايدن" بالانتخابات الأمريكية تقلق النظام السوري من زاوية أخرى، وهي اتجاه المرشح الديمقراطي إلى تبني سياسة من شأنها "استخدام القوة العسكرية الأميركية بحكمة"، حيث سبق أن وصف ذلك بأنه "واجب أخلاقي" للرد على الإبادة الجماعية أو استخدام الأسلحة الكيميائية في جميع أنحاء العالم.

ويعزز هذا التوجه تأكيدات "أنتوني بلينكن"، كبير مستشاري "بايدن" للسياسة الخارجية في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية في مايو/أيار الماضي، حيث أكد أنه في ظل رئاسة المرشح الديمقراطي، ستحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في شمال شرق سوريا كوسيلة ضغط ضد حكومة "الأسد".

ورداً على سؤال عن ما إذا كانت إدارة يقودها "بايدن" ستفكر في تطبيع العلاقات مع حكومة "الأسد"، شدد "بلينكن" على أن ذلك "من المستحيل عملياً".

محمد بن سلمان

على رأس قائمة الخاسرين من رئاسة "بايدن" المحتملة يبرز ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي لا يبدو أنه يتمتع بقبول كبير لدى الحزب الديمقراطي.

وقد سبق لـ"بايدن" نفسه أن انتقد تعامل الرئيس الأمريكي مع قادة السعودية، في أعقاب مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" نهاية عام 2018، وهي الجريمة التي أشارت تقارير دولية إلى تورط "بن سلمان" شخصيا فيها.

وخلال نقاش للديمقراطيين في 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2019، أعرب "بايدن" عن اعتقاده بأن "بن سلمان" أدار جريمة قتل "خاشقجي"، وتعهد بوقف بيع الأسلحة للسعودية، كما أعرب عن معارضته لدعم الولايات المتحدة للحرب التي تقودها المملكة في اليمن.

ومع اتجاه "بايدن" لتخفيف الضغط على طهران، وربما إعادة إحياء الاتفاق النووي، فإن خسائر المملكة جراء فوز المرشح الديمقراطي مرشحة للتفاقم.

نتنياهو و(إسرائيل)

من المنظور ذاته، سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مرشحا ليكون ضمن قائمة الخاسرين، بعدما قدّم له "ترامب" ما لم يجرؤ عليه أي رئيس أمريكي آخر على تقديمه، بما يشمل نقل سفارة واشنطن إلى القدس، واعترافه بضم دولة الاحتلال لهضبة الجولان السورية المحتلة.

ومن هذا المنطلق يمكن قراءة تعجل "نتنياهو" في خطط ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية في بداية يوليو/تموز المقبل، في محاولة لاستباق سيناريو فوز "بايدن" بانتخابات الرئاسة الأمريكية.

لكن (إسرائيل) كدولة احتلال لن تكون خاسرا من فوز "بايدن" بالضرورة، فالمرشح الديمقراطي سبق أن دافع عن حصار غزة، وتفانى في إظهار التزامه الأيديولوجي بالعلاقة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وعبر عن الأمر قائلا: "ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا".

وقبل 20 عاما، حين كان عضوا في الكونجررس الأمريكي، دعا "بايدن" إلى التوقف عن "الاعتذار" عن دعم (إسرائيل)؛ وتحدث عن المعونة السنوية التي تقدمها بلاده لدولة الاحتلال قائلا: "لا ينبغي أن يكون هناك اعتذار، هذا أفضل استثمار نقوم به بقيمة 3 مليارات دولار، لو لم تكن هناك (إسرائيل)، لكان على الولايات المتحدة أن تخترع إسرائيل".

ولذا يرى "حسين إيبش" أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، هي من سيواجه تغيرا مهما حال فوز "بايدن" بالرئاسة الأمريكية، مشيرا إلى أن (إسرائيل) تأقلمت مع تكريس التاريخ نمطًا دوريًا لانتقال السلطة في الولايات المتحدة، استنادا إلى وجود قواعد صلبة من الدعم السياسي المحلي في واشنطت، في حين تفتقر السعودية لمثل هذا الضمان.

الإمارات ومصر

ووفق المعادلة ذاتها، فإن الكثير من السياسات الفوضوية التي تبناها ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" في الشرق الأوسط سيعاد فتحها على الأرجح في حال فوز "بايدن" بالانتخابات.

وعلى مدار السنوات السابقة، اعتمد "بن زايد" على مظلة الحماية التي وفَّرها له "ترامب" للتدخل في الدول الضعيفة والهشة في الشرق الأوسط، لكن تدخلات أبوظبي العسكرية - خاصة في اليمن وليبيا - ربما تخضع لتدقيق أكبر في عهد "بايدن".

على النهج ذاته، من المرجح أن يكون نظام "عبدالفتاح السيسي" في مصر أحد أبرز الخاسرين حال رحيل "ترامب" حيث سبق أن مدح "السيسي" الجنرال المصري ووصفه بأنه "ديكتاتوره المفضل".

 ويرجح أغلب المراقبين أن يشعل ملف حقوق الإنسان في مصر أولوية متقدمة في علاقة الإدارة الديمقراطية مع حكومة "السيسي" بعد أن تغاضى "ترامب" تماماً عن هذا الملف طوال فترة رئاسته.

ولذا يرى "فيليب ستيفنز"، مدير تحرير صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن وجود رئيس يقدر التحالفات وراغب في تعزيز نظام الغرب الليبرالي المفتوح، بدلاً من إسقاطه، سيكون بمثابة تقدم كبير يؤدي لإعادة الفرص التي أضاعها "ترامب".

ووجه "ستيفنز" رسالة إلى أصدقاء الولايات المتحدة حول العالم مفادها: "ليس عليكم أن تجلسوا لمشاهدة ما يحدث فقط، ولكن بدلًا من ذلك، يجب عليكم أن تفكروا جيدًا في الكيفية التي يمكن أن تكونوا بها شركاء في محاولة استعادة نظام دولي قائم على قواعد، بدلا من الحالة التي تبناها ترامب وأسفرت عن تمدد ملحوظ للصين وروسيا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بايدن

هل يعزز اختيار بايدن لنائبة رئيس سوداء موقفه ويطيح بترامب؟

صراعات الشرق الأوسط تشهد صيفا ساخنا

من القاهرة إلى الرياض.. ركائز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتلاشى

بايدن طوق النجاة الأخير لدى الفلسطينيين.. هل يخذلهم؟