صراعات الشرق الأوسط تشهد صيفا ساخنا

الأحد 28 يونيو 2020 02:01 م

مع بدء صيف عام 2020 الحار والمليء بالفيروسات، يبدو أن الحسابات الخاطئة يمكن أن تشعل المواجهة بين المتنافسين في الشرق الأوسط. ومع ذلك، ومع استمرار المناوشات من المرجح أن يبتعد قادة المنطقة عن الوقوف على حافة الهاوية.

يزداد الحذر بسبب الانتخابات الأمريكية القادمة. ومع الاضطرابات المزدوجة للوباء والاحتجاجات العنصرية وأخطاء الرئيس "دونالد ترامب"، يجب على قادة الشرق الأوسط الآن مواجهة احتمال فوز "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني. 

يواجه الشرق الأوسط عاصفة شديدة حيث تواصل إدارة "ترامب" جهودها لدفع مجلس الأمن لإعادة فرض حظر الأسلحة على إيران مما يشير إلى عزم البيت الأبيض على مواصلة سياسة "أقصى ضغط".

ردت طهران بطريقتها الخاصة من "المقاومة القصوى"، وتتجلى هذه السياسة في العديد من الجبهات، من المضايقة الأخيرة للسفن الحربية الأمريكية في الخليج من قبل زوارق الحرس الثوري الإيراني إلى استمرار دعم إيران لوكلائها في لبنان والعراق واليمن، وقد وصلت الصراعات الداخلية في هذه البلدان الثلاثة إلى نقطة الغليان. فالتوتر الطائفي والأزمة الاقتصادية والوباء كلها مجتمعة يمكن أن تسقط حكومتي لبنان والعراق. وفي اليمن، انهارت جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار كما فشلت المفاوضات السعودية الحوثية.

وفي سوريا، لا تزال الآمال في نوع من التسوية السلمية بعيدة. وبالرغم من التكهنات حول مصيره، إلا أن "بشار الأسد" موجود في مكانه، حيث لا تتعجل موسكو وطهران من أجل الدفع باتجاه حل سياسي قد يؤدي إلى نظام مختلف. وبعد أن أثارت محاولة تركيا لتحدي هذه الحقائق انتقامًا عسكريًا من روسيا في فبراير/شباط، وافقت أنقرة على وقف لإطلاق نار غير مستقر في إدلب. في الوقت نفسه، حولت بعض الجهد العسكري إلى ليبيا، حيث تشارك الآن في الدفاع عن الحكومة الليبية المعترف بها رسميًا ضد تحالف تدعمه روسيا ومصر والإمارات و(إسرائيل) بشكل غير مباشر.

أما بالنسبة لـ(إسرائيل)، فقد أقامت حكومتها الهشة علاقات أوثق مع خصوم إيران في الخليج. وبغض النظر عن مخاوفهم المعلنة بشأن خطط الضم الإسرائيلية الوشيكة، يبدو قادة الإمارات والسعودية أكثر اهتمامًا بتعميق العلاقات مع (إسرائيل) والولايات المتحدة من دعم الفلسطينيين. وفي ظل هذه الظروف غير المستقرة، ستزداد احتمالات حدوث جولة أخرى من سفك الدماء، خاصة على طول الحدود بين غزة و(إسرائيل).

التوترات الأمريكية الإيرانية

بنظرة فاحصة، من غير المرجح أن يقلب قادة المنطقة الوضع الراهن الخطير الذي قد يكون بالنسبة لهم أفضل بكثير من الثقب الأسود للمواجهات العسكرية فيما لا تظهر إدارة "ترامب" أي استعداد للتراجع في جهودها لدفن ما تبقى من الاتفاق النووي أو تخفيف سياسة "أقصى ضغط". ومع هذا فقد أثارت الإدارة الأمريكية معارضة من الأوروبيين والإيرانيين تؤكد حدود النهج الأمريكي الذي تهيمن عليه التكتيكات بدلاً من الاستراتيجية الواضحة.

يشارك الأوروبيون مخاوف واشنطن بشأن قدرة الصواريخ الباليستية الإيرانية والحاجة إلى معالجة هذه القضية الحرجة، والتي لم تتم معالجتها في الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإنهم على استعداد للقيام بذلك فقط من خلال إعادة الاتفاق كنقطة انطلاق دبلوماسية.

وبالتالي ليست روسيا والصين فقط هي التي ستستجيب لدعوة إيران لمقاومة واشنطن. فبالرغم من مخاوف الأوروبيين الواضحة بشأن انتهاك إيران قيود تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها في الاتفاق النووي، سيواصل القادة الأوروبيون عمليًا الانحياز إلى جانب طهران وموسكو وبكين. وسيفعلون ذلك وهم يعلمون أن واشنطن لديها القليل من الخيارات العسكرية الجيدة، إن وجدت.

في الواقع، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وعدم اتساق سياسات الرئيس الأمريكي مع خطابه، فقد يدعم الرئيس اليائس فجأة هجوماً على إيران، خاصة إذا كانت طهران وحلفاؤها يقدمون له الذريعة، لكن الاحتمالات لا تزال أقرب إلى ضبط النفس الأمريكي.

كما أن استراتيجية ضبط النفس الاستراتيجي الإيرانية هي المرجحة، ولكن بالرغم من التحديات التي يفرضها الوباء وتراجع أسعار النفط، فإن طهران ملتزمة بالحفاظ على الدعم لوكلائها في العراق، لبنان واليمن. الذين يوفرون رادعًا فعالًا للهجمات الأمريكية أو الإسرائيلية المحتملة.

يشعر القادة الإيرانيون بأن المد الأخير للاحتجاجات العالمية ضد العنصرية يوفر جسراً محتملاً للتضامن مع إيران ومقاومتها للحكومات الغربية، بالرغم أن قمع قوات الأمن الإيرانية للاحتجاجات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 يؤكد نفاق مثل هذه المزاعم. و يبدو أن المرشد الإيراني "علي خامنئي" مقتنع بأنه من خلال الكشف عما يسميه "الطبيعة الحقيقية والشخصية" للحكومة الأمريكية، فإن الوضع في الولايات المتحدة يعمل لصالح إيران دبلوماسيا. وكما قال مؤخرًا ، "الناس يهتفون (لا يمكننا التنفس) هذا في الواقع ما تريده كل الأمم التي وقعت ضحية لسياسات أمريكا القمعية".

من وجهة نظر "خامنئي"، توضح هذه المشاعر عزلة "ترامب". لذلك ليس من المستغرب أن يؤكد وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" مؤخرًا أن فرص إعادة انتخاب "ترامب" "قد انخفضت بشكل كبير مقارنة بـ4 إلى 5 أشهر مضت.

ومع احتمال فوز "جو بايدن"، يصبح لدى طهران حافز للإشارة إلى رغبتها في إبقاء الدبلوماسية حية. يقدم تبادل سجينين في ديسمبر/كانون الأول 2019  وتصريح طهران في 20 مايو/أيار بأنها مستعدة لتبادل كامل للأسرى "بدون شروط مسبقة" لمحة عن المكاسب التي قد يضمنها الجانبان من تفضيل القنوات الدبلوماسية على المواجهة المباشرة.

احتواء الصراع الإقليمي والتصعيد الأمريكي الإيراني في الخليج

صادف 6 يونيو/حزيران 2020 الذكرى السنوية الثالثة لحصار قطر الذي كان أحد أهدافه المعلنة معاقبة قطر على استمرار العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران. 

قد يفسر هذا سبب دعم "ترامب" للحصار في البداية، ثم تغيير موقفه عندما ذكّره مستشاروه بالدور الحاسم الذي تلعبه قطر في استراتيجية واشنطن الأمنية في الخليج. والواقع أن مخاوف الولايات المتحدة بشأن الدعم القطري للجماعات الإسلامية في مصر وليبيا لم تكن كافية لردع الولايات المتحدة وقطر عن تعزيز تعاونهما الأمني ​​خلال الأشهر الأولى من الحصار. وقامت قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، بتخفيف عزلتها المحتملة من خلال دعم إنشاء حوار استراتيجي سنوي بين قطر والولايات المتحدة.

ومن الناحية الاقتصادية، اتخذت قطر تدابير للتحايل على الحظر التجاري. وبلغت قيم الواردات القطرية عام 2019 نحو 32.69 مليار دولار. كما حافظت قطر على ميزان تجاري إيجابي، وفي حين أن الكساد العالمي بسبب الوباء قلص دخل الغاز والنفط، فقد وضع البنك المركزي القطري حزمة تحفيز بقيمة 20.5 مليار دولار لدعم القطاع الخاص.

لعبت قطر أوراقها بذكاء من خلال عرض الوساطة في الصراع بين إدارة "ترامب" وإيران، حتى مع استمرارها في مشاريع الغاز الطبيعي المشتركة مع إيران. وبدعم من عمان، انتقلت قطر لزيادة العلاقات التجارية غير النفطية مع إيران. وزار أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" طهران في يناير/كانون الثاني 2020 حيث أعلن أن "تقديم إيران مساعدة جيدة لقطر لا يمكن نسيانه". وأكدت كلماته نجاح الدوحة في الحفاظ على علاقات وثيقة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، خصم واشنطن الإقليمي الرئيسي.

وبعد الانسحاب من "أوبك" ووقف المحادثات لإنهاء الززمة الخليجية، قد تكون الخطوة التالية للدوحة هي مغادرة مجلس التعاون الخليجي. في حين أن هذه الخطوة ستغذي على الأرجح عزم الإمارات والسعودية على الحفاظ على الحصار، فإن قدرة الدوحة على "التلاعب باللكمات" -كما يشير أحد الخبراء- تعطي واشنطن وطهران سببًا آخر لتجنب مواجهة عسكرية كبرى في الخليج.

السعودية والصراع اليمني

يوفر اليمن ساحة إضافية لصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران. واصلت قوات الحوثي هجماتها العسكرية، وبالتالي حرمت السعودية والإمارات من أي أمل في استخدام القوة العسكرية - والقوة الجوية، على وجه الخصوص - لفرض النظام على أرض اليمن المنقسمة.

تُظهر غارات الحوثيين بدون طيار في سبتمبر/أيلول 2019 على حقول النفط السعودية أن إيران ستواصل النظر إلى الحوثيين كأصل حيوي في سياق سياسة أوسع للردع الموجه. وطالما استمر الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، فإن القوى الخارجية بشكل عام -وإيران بشكل خاص- لن يكون لديها حافز كبير لدفع الأطراف الرئيسية لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن.

انتعشت الآمال في تقريب القوى الرئيسية حول طاولة المفاوضات في سبتمبر/أيلول 2019. وجاءت الدعوة للمحادثات من السعودية التي تواجه بيئة استراتيجية غير مواتية بشكل متزايد مع تحركات الإمارات لخفض قواتها في اليمن واستخدام الحوثيين للصواريخ الباليستية بعيدة المدى والطائرات بدون طيار.

وفي مواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، لم تعد السعودية قادرة على تحمل فاتورة الحرب اليمنية، والتي بلغ متوسطها في عام 2019 نحو 6 مليارات دولار شهريًا. علاوة على ذلك، مع وصول حالات "كورونا" إلى حوالي 70 ألف حالة بحلول منتصف أبريل/نيسان، كانت الرياض في حاجة ماسة إلى التوقف عن القتال.

أما بالنسبة لقوات الحوثيين، فإن هجومهم بالصواريخ البالستية في 8 أبريل/نيسان على مأرب يشير إلى تصميمهم على مواصلة العمليات العسكرية. من الصعب معرفة ما إذا كان هذا الهجوم مدفوعًا بإدراك الضعف السعودي و/أو رغبة حلفاء الحوثيين الإيرانيين في ضمان استمرار اليمن في لعب دور رئيسي في استراتيجية الردع الخاصة بطهران.

ما هو واضح هو أنه بينما سيستمر الصراع في اليمن، فمن المحتمل أن يكون ذلك دون دعوة بالضرورة إلى نوع من التصعيد العسكري الكبير الذي لا تسعى إليه أي من الأطراف المحلية والإقليمية الرئيسية بما في ذلك إيران.

الإمارات تتطلع غرباً إلى ليبيا

مع تحرك الإمارات لتقليل مشاركتها العسكرية في اليمن، وسعت نطاق العمليات العسكرية في ليبيا. وبينما أعلنت عن رغبتها في تسوية سياسية، فإن دعم الإمارات المتزايد للجنرال الليبي "خليفة حفتر" يضعف ما تعتبره الإمارات والسعودية ومصر العدو الاستراتيجي الأكبر وهو "الإسلام السياسي".

أدى دخول تركيا إلى ليبيا إلى إثارة الأمور. وقد حفزت آفاق زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع دعوات من المجتمع الدولي لوقف دائم لإطلاق النار ومفاوضات جادة. لكن مؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني الماضي، لم يقدم الكثير من الأمل في التقدم حيث حضره العديد من البلدان التي واصلت تغذية الصراع الليبي.

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صراعات متقاطعة لم يتم كشف بعد عن آفاقها الكاملة بعد. خلال هذا الصيف الحار، ربما ستبقى هذه الصراعات في مأزق بسبب الوباء والشكوك حول المشهد السياسي الأمريكي الذي لا تزال تفاعلاته تجذب انتباه العالم.

ولكن بغض النظر عن احتمال أن يكون الصيف خطيرًا، تبقى مسؤولية قادة المنطقة العمل على مسارين متزامنين. أولاً، يجب عليهم التفكير بجرأة في المصائب التي ستصيبهم إذا استمروا ببساطة في التعايش مع المخاطر بدلاً من معالجتها. ثانيًا يجب أن يعملوا بجد من أجل إيجاد تنازلات عملية تحفظ وتحمي مصالح شعوبهم في السلام والاستقرار الإقليميين.

المصدر | دانيال برومبرج - المركز العربي بواشنطن- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

منطقة الشرق الأوسط الحرب في اليمن الأزمة الخليجية الأزمة الليبية

فورين أفيرز: هل تحيي تطورات الشرق الأوسط فكرة الأرض مقابل السلام؟