هل يتقارب السيسي مع تركيا أم يضحي بمصالح مصر استجابة للإمارات؟

الخميس 18 يونيو 2020 02:38 م

ألقى مسؤول مصري الأسبوع الماضي بيانا مهما لموقع "مدى مصر"، وهي منصة إعلامية مقرها القاهرة، قائلا إن "وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة يضغطان على الرئاسة من أجل القبول الهادئ للاتفاق البحري التركي الليبي؛ لأنها ستمنح القاهرة امتيازا بحريا كبيرا في المفاوضات البحرية المتوقفة مع اليونان".

ومع ذلك، رفضت الرئاسة توصياتهم.

يؤكد البيان معلومات سابقة عن خلافات داخل المؤسسات المصرية حول كيفية التعامل مع قضية اليونان؛ حيث أن الخبراء المصريين يؤيدون اتفاق أنقرة طرابلس البحرية؛ لأنها تخدم مصلحة الدولة المصرية، في حين أن الرئاسة مع استمرار المفاوضات مع اليونان.

في العام الماضي، تم تسريب العديد من الوثائق الرسمية المزعومة حول عملية المفاوضات بين مصر واليونان إلى وسائل الإعلام. وأشارت إحدى الوثائق إلى أن الفريق اليوناني "يفتقر إلى المصداقية، ويلجأ إلى الأساليب المعيبة في المفاوضات".

ووفقا للوثيقة، واصل الفريق اليوناني "المغالطات والمزاعم الكاذبة، واستغل التفاهم السياسي بين الحكومتين لإحراج فريق التفاوض القانوني المصري".

تكشف وثيقة أخرى لوزير الخارجية المصري "سامح شكري" موجهة إلى الرئيس "عبدالفتاح السيسي" عن خلافات بين القاهرة وأثينا حول المبدأ الملائم لترسيم الحدود البحرية. تشير الوثيقة بوضوح إلى أن الموقف اليوناني سيؤدي إلى خسارة حوالي 10 آلاف كم مربع من حصة مصر، وهي منطقة تعادل تقريبا حجم بلد مثل لبنان.

ومع ذلك، فإن الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أدت إلى خلط الأوراق في شرق البحر المتوسط، وزودت مصر بنفوذ ضد السلوك المتطرف لليونان.

ورغم إدانة الحكومتين المصرية واليونانية بسرعة للاتفاقية البحرية التركية الليبية، استخدمت القاهرة ذريعة مختلفة عن أثينا من خلال استهداف حكومة "الوفاق" بدلا من مضمون الاتفاقية نفسها.

وخلال مشاركته في مؤتمر روما في ديسمبر/كانون الأول 2019، أثار وزير الخارجية المصري "سامح شكري" الدهشة عندما اعترف ضمنيا بأن الصفقة في صالح القاهرة، مؤكدا أن الاتفاقية المذكورة "لا تضر بمصالح مصر" في شرق البحر المتوسط. .

والآن بعد أن أصبحت الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا حقيقة، فإن أمام مصر خياران. أولا، التوصل إلى اتفاق مع تركيا وليبيا يمنح القاهرة منطقة بحرية واسعة. ثانيا، التوصل إلى اتفاق مع اليونان يطالب بمزيد من المساحة.

في هذا السياق، عملت تركيا بصمت في الأشهر القليلة الماضية لتضع مصر أمام التفكير على أساس المصالح المشتركة للدولتين في شرق البحر المتوسط ​​وفي ليبيا. كانت رسالة أنقرة بسيطة: التعاون مع تركيا في تلك المنطقة هو في مصلحة القاهرة.

قال المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالين"، في مؤتمر صحفي عقده في ديسمبر/كانون الثاني 2019، إنهم تلقوا معلومات من مصادر مختلفة، بما في ذلك القنوات الرسمية، بأن مصر "سعيدة للغاية" بالاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا.

بالرغم من التوترات السياسية بين البلدين، فإن العلاقات الاقتصادية واعدة. مصر الآن أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا. وفقًا للوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاء المصرية، ظهرت تركيا في الأشهر التسعة الأولى من عام 2019 باعتبارها رابع أكبر بلد مستورد من مصر بقيمة 1.2 مليار دولار.

في عام 2018، زاد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 20% ليصل إلى رقم قياسي قدره 5.246 مليارات دولار، مقارنة بـ 4.358 مليارات دولار في عام 2017.

باعتبارها أكبر مستهلك للطاقة في المنطقة، تتجاوز فاتورة الطاقة السنوية في أنقرة 41 مليار دولار. وفي حين أن هذا الرقم يمكن أن يشكل عبئا، إلا أنه يمكن استخدامه أيضا كوسيلة ضغط في علاقات تركيا مع البلدان الأخرى التي تسعى إلى تصدير المزيد من الغاز أو النفط إلى أنقرة.

وبهذا المعنى، تظهر الأرقام المتعلقة بواردات الغاز التركية مؤخرا تغييرا في الاتجاهات التقليدية لسياسة استيراد أنقرة. وفقا للأرقام الصادرة مؤخرا عن هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية (EMRA)، زادت واردات أنقرة من الغاز الطبيعي المسال من مصر في مارس/آذار الماضي بنسبة 100% تقريبا مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي من صفر متر مكعب إلى ما يقرب من 93 مليون متر مكعب.

ولعل فحوى سياسة أنقرة الواضحة هي أن النهج القائم على الفائدة بدلا من النهج الإيديولوجي سيفيد تركيا ومصر في ليبيا وشرق البحر المتوسط.

قبل أيام قليلة فقط، كشف وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" أنه بتفويض من الرئيس "رجب طيب أردوغان"، تم إجراء اتصالات مختلفة مع مصر في الماضي، لكن الوضع في ليبيا أدى إلى توترها قليلا.

توفر ليبيا الآمنة والمستقرة سياسيا فرصا اقتصادية هائلة لكل من تركيا ومصر. يمنح الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا مصر زيادة هائلة في منطقتها الاقتصادية الخالصة التي يمكن أن تكون -وفقا لبعض الحسابات- "كبيرة مثل أراضي صربيا". وهذا يعادل أكثر من 25 ضعف حجم القاهرة.

لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ترفض الرئاسة المصرية توصيات وزير الخارجية والمخابرات بقبول الاتفاقية البحرية التركية الليبية التي تفيد مصر؟

يمكن أن يساعد سببان رئيسيان في تفسير هذا اللغز. أولا، بالرغم من الحملة الصارمة على المعارضة والأحزاب السياسية الأخرى في البلاد لأكثر من 7 سنوات، فإن الحكومة المصرية لا تزال هشة للغاية. مع عدم وجود شرعية داخلية، تشعر الحكومة أنها بحاجة إلى تعويض ذلك عن طريق تقديم تنازلات مستمرة للغرب (في هذه الحالة اليونان/أوروبا، إسرائيل/الولايات المتحدة).

السبب الثاني يرتبط في الغالب بالتأثير العميق للإمارات والسعودية على الحكومة المصرية؛ حيث يدين "السيسي" ببقائه في السلطة لأبوظبي والرياض.

في السنوات السبع الماضية، دعمت دول مجلس التعاون الخليجي القاهرة بأكثر من 92 مليار دولار. تم دفع الغالبية العظمى من هذا المبلغ من قبل هاتين العاصمتين في أعقاب الانقلاب الذي قاده "السيسي" ضد أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، "محمد مرسي".

يخشى العديد من المصريين أن ينتهي الأمر بـ"السيسي" إلى التخلي عن حقوق مصر ومصالحها في البحر المتوسط ​​لصالح اليونان، بدلا من تأمينها من خلال اتفاقية مع تركيا وليبيا. ويشير ذلك إلى حادثة مماثلة عندما قرر "السيسي" التخلي عن جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر هما "تيران وصنافير" لصالح السعودية عام 2016.

في الآونة الأخيرة، كانت هناك عدة تقارير حول الخلافات الناشئة بين القاهرة وأبوظبي حول أفضل طريقة للتعامل مع "حفتر".

أصرت الإمارات على الاستيلاء عسكريا على طرابلس والإطاحة بالحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. كان على القاهرة أن توافق في النهاية باعتبار أن أبوظبي هي الداعم المالي والعسكري الأساسي "لحفتر". ومع ذلك، أدت خطة الإمارات الخبيثة إلى نتائج عكسية، وانتهت إلى تمكين تركيا وروسيا في ليبيا، وتقليل دور مصر إلى مجرد مراقب.

ستظل تركيا منفتحة لمناقشة مصلحة مشتركة مع مصر في ليبيا وشرق البحر المتوسط، لكن الفكرة نفسها مخيفة جدا لأبوظبي وعواصم إقليمية عديدة. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نشهد على نحو متزايد أصوات إماراتية تحرض القاهرة على الدخول في مواجهة عسكرية مع تركيا في ليبيا.

بشكل عام، بينما تعمل تركيا على استمالة مصر بناءً على المصالح المشتركة في شرق البحر المتوسط ​​وليبيا، تمارس الإمارات ضغطًا على "السيسي" للعمل ضد مصالح مصر الخاصة.

تقول العملية الحسابية أن القاهرة ستكسب من التحالف مع أنقرة، في حين أنها ستخسر إذا أرادت اتباع المواجهة الإيديولوجية التي تقودها الإمارات مع تركيا.

المصدر | علي باكير/ تي ار تي وورلد- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية التركية منتدى غاز شرق المتوسط الأزمة الليبية

الإمارات تتصدر الدول المستوردة من مصر.. وتركيا الثالثة

قرقاش: لسنا فضاء استراتيجيا لأحلام تركيا التاريخية

الأناضول: حسابات اليونان الخاطئة تقرب تركيا ومصر بشرق المتوسط

تركيا والخليج وليبيا.. الأثر الاقتصادي للانقسام الجيوسياسي المتنامي