علاقات القوى الكبرى تكرس حالة عدم اليقين في الشرق الأوسط

الجمعة 19 يونيو 2020 12:33 م

شكلت شبكة العلاقات بين تركيا وروسيا وإيران والصين إلى حد كبير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ذلك، فإن هشاشة هذه العلاقات تطرح سؤالًا حول ما إذا كانت السيولة في الجغرافيا السياسية الإقليمية هي التي تصبغ اللعبة السياسية، على الأقل في الوقت الحالي.

تعتبر العلاقات التركية الروسية، التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، نموذجا لإدارة تحالفات النظام العالمي الجديد التي تبدو هشة.

ومثل العلاقات بين روسيا والصين وروسيا وإيران وتركيا وإيران وتركيا والصين، فإن العلاقات التركية الروسية هشة بالرغم من حقيقة أنها ليست مجرد انتهازية وتدفعها المصالح المشتركة قصيرة المدى ولكنها أيضًا ترتكز على درجة من القيم المشتركة، على عكس التصورات الغربية.

وفي حقيقة الأمر، فإن رؤساء مثل "رجب طيب أردوغان"، و"فلاديمير بوتين"، و"شي جين بينج"، و"علي خامنئي"، لديهم أرضية مشتركة في رؤية نظام عالمي جديد.

ومع ذلك، فإن هذه الأرضية المشتركة غير كافية لمنع تركيا وروسيا من البقاء على الجانبين المعاكسين في الصراعات في ليبيا وسوريا.

كما أنه من غير المرجح أن يتوقف التآكل التدريجي لتقاسم العمل المفترض في آسيا الوسطى مع ضمان روسيا للأمن وتركيز الصين على التنمية الاقتصادية. ومن المشكوك فيه أن ذلك سيغير التنافس بين إيران وروسيا في بحر قزوين، ومما يشير إلى ذلك تردد روسيا منذ فترة طويلة في بيع إيران نظام دفاع مضاد للصواريخ تشتد حاجتها إليه.

وبالمثل، فإن ميزان القوى في سوريا، حيث تأمل روسيا وإيران في جني الفوائد الاقتصادية لإعادة الإعمار بعد أن لعبت الدور الرئيسي في تأمين انتصار "بشار الأسد"، يمكن أن يتغير بشكل كبير عندما تلتزم الصين بالاستثمار في البلد الذي دمرته الحرب حيث لا تمتلك روسيا ولا إيران القوة المالية للتنافس.

وحتى الآن، كانت تركيا وروسيا والصين وإيران بارعة في ضمان عدم خروج الخلافات عن السيطرة. والسؤال هو إلى أي وقت سيظل ذلك قائما؟.

في ليبيا، أوقفت تركيا مؤقتًا عمليات الطائرات دون طيار للسماح للمرتزقة الروس بالانسحاب لصالح حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا والمعترف بها دوليًا، بعد أن ضربت الطائرات التركية أنظمة الدفاع الجوي الروسية التي يديرها المتمردون المدعومون من موسكو بقيادة الجنرال "خليفة حفتر".

وفي سوريا، تفاوضت روسيا وتركيا على وقف إطلاق نار وترتيب أمني غير مستقر في إدلب، بعد اشتباكات وجهت فيها تركيا ضربة خطيرة لقوات "الأسد" المدعومة من روسيا وإيران.

قد تخدم الحلول المؤقتة مصالح اقتصادية فورية وأهدافًا جيوسياسية ولكنها لا تفعل الكثير لإخفاء طموحات الهيمنة طويلة الأمد التي تبدو غير متوافقة.

وقال "مسعود حقي جاشين"، عضو مجلس الأمن والسياسة الخارجية في حزب الرئيس "رجب طيب أردوغان" حول سبب وجود تركيا في ليبيا أن ذلك يرجع لأسباب تاريخية وسياسية.

ولا تظهر المصالح المتباينة فقط في ساحات المعارك فقط، كما هو واضح في ميزان القوى المتغير في آسيا الوسطى. بل هي واضحة في المنافسة على مبيعات الأسلحة.

عزز الأداء الموثوق لطائرات دون طيار التركية في ليبيا وسوريا الطلب عليها وعلى أنظمة الحرب الإلكترونية وأدى إلى إفساد الافتتان ببطاريات الدفاع الروسية المضادة للصواريخ.

دمرت طائرات دون طيار التركية، التي أطلق عليها اسم "Bayraktar TB-2" و "Anka-S"، الوحدات العسكرية السورية المدعومة من روسيا في شمال سوريا في وقت سابق من هذا العام رغم أنها قامت بتشغيل منظومات الصواريخ الروسية "بانتسير" و"بوك". وحدث سيناريو مماثل في هزيمة قوات "حفتر" في غرب ليبيا.

أقنع تضارب المصالح في ليبيا وسوريا والمعضلات الاقتصادية في الداخل التي تسارعت بسبب تداعيات وباء كورونا "أردوغان" بالسعي لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وتجديد علاقته الشخصية مع الرئيس "دونالد ترامب" بينما يعمل على إدارة علاقاته مع روسيا.

في لفتة أخيرة، فتحت شركة "بوتاش"، مشغل شبكة الغاز المملوك للدولة في تركيا، مناقصة لبناء خط أنابيب إلى مقاطعة "ناخيشيفان" الأرمينية في أذربيجان. وسيسمح خط الأنابيب لأذربيجان بتخفيض الواردات من إيران.

قال الصحفي التركي المخضرم "جنكيز جاندار": "من سوريا إلى ليبيا، من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط ​​، يرى "أردوغان" الآن أن تركيا بحاجة إلى أمريكا سياسيًا واستراتيجيًا أكثر مما كانت تفعل قبل بضعة أشهر.. لقد علم بالتجربة أن الحصول على دعم الولايات المتحدة من خلال جعل ترامب صديقه الشخصي أسهل من أي طريقة أخرى".

يعتمد "أردوغان" على تجربته السابقة في التحدث إلى "ترامب" مباشرة والحصول على ما يريده بالرغم من معارضة البنتاجون كما كان الحال مع أحدث تدخل تركي في سوريا.

قال "أردوغان" خلال مقابلة تليفزيونية بعد حديثه مع "ترامب" عبر الهاتف في 9 يونيو/حزيران "بصراحة، بعد محادثتنا الليلة، يمكن أن تبدأ حقبة جديدة بين الولايات المتحدة وتركيا".

قد لا تستطيع إيران محاكاة نهج "أردوغان" بسبب عدم الثقة المتأصل بشدة في الولايات المتحدة، لكنه بالتأكيد ما يوجه التفكير بشأن روسيا للعديد من القادة والسياسيين الأوروبيين. ولا شك أنه خيار لم يغب عن "بوتين".

قد تبدو شبكة العلاقات بين الصين وروسيا وتركيا وإيران هائلة، لكن تعقيد العلاقات التركية الروسية يشير إلى أنها قد تكون مبنية على رمال متحركة أكثر مما يرغب أي لاعب في الاعتراف به. وهو أمر لا شك أن قادة الخليج والشرق الأوسط الآخرين يلاحظونه.

المصدر | جيمس دورسي/ انسايد أرابيا- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القوى الكبرى صراعات الشرق الأوسط

تزايد الخلافات يؤجل زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا لتركيا

أردوغان وترامب يتفقان على مواصلة التعاون العسكري

صراعات الشرق الأوسط تشهد صيفا ساخنا

العالم بعد الحرب القادمة للقوى العظمى.. سيناريوهات مدمرة وعواقب وخيمة