الأمن الغذائي.. هل تنجح الحكومة العمانية في الاختبار الصعب؟

الأحد 21 يونيو 2020 09:37 م

كانت الأشهر الأولى من عهد السلطان العُماني الجديد، "هيثم بن طارق آل سعيد"، بعيدة عن الراحة، ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض أسعار النفط، نتيجة حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، إلى زيادة عجز الموازنة المالية العمانية السنوية إلى أكثر من 17% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات البنك الدولي.

وفي غضون ذلك، أدى التأثير الاقتصادي لتفشي وباء "كوفيد-19" إلى تبني البنك المركزي في البلاد حزمة تحفيز بقيمة 20 مليار دولار من شأنها أن تضعف القدرة الائتمانية للبنوك العمانية.

وسوف تؤثر الأزمة المزدوجة على استراتيجية البلاد بشأن الأمن الغذائي أيضا، ولكن من المرجح أن تكون العواقب غير محسوسة إلا على المدى الطويل، بسبب استثمارات الحكومة العمانية منذ عام 2008 في ضمان توافر الغذاء والقدرة على تحمل التكاليف في أوقات الأزمة.

مفهوم الأمن الغذائي

ويعد الأمن الغذائي مفهوما متنازعا عليه، وتختلف مناهج السياسات في تعريفه من حيث دور الدولة والقطاع التجاري والمنتجين والمستهلكين في تحقيقه.

وفي آخر تقرير لها عن هذا الموضوع، عرّفته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" بأنه "حالة تكون موجودة عندما يكون لجميع الناس في جميع الأوقات إمكانية الحصول المادي والاجتماعي والاقتصادي على أغذية كافية ومأمونة لتلبية الاحتياجات الغذائية والتفضيلات الغذائية لحياة نشطة وصحية".

وجاء هذا التعريف عام 2001، عندما تم نشر تقرير منظمة الأغذية والزراعة عن "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لعام 2001".

ووفقا لـ "تيم لانج" و"ديفيد بارلينج"، وهما خبيران بريطانيان في السياسة الغذائية، فإن هذا المفهوم الذي يركز على المستهلك قد شجع نموذج السياسة الإنتاجية الذي يتم فيه زيادة إنتاج الغذاء من خلال إدارة أفضل للأراضي، والتحسينات التكنولوجية، والاستثمار الرأسمالي لخفض الأسعار، وجعل الوصول للغذاء أكثر سهولة وبأسعار معقولة للمستهلكين.

ومع ذلك، يرى كلا الرجلين أن هذا النموذج لا يأخذ في الاعتبار قوة وتأثير تجار الجملة والتجزئة، والتغيرات في طلبات المستهلكين، وضعف سوق السلع الغذائية العالمية أمام المضاربات المالية، وآثار إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه على البيئة.

وأصبحت نقاط الضعف في نموذج السياسة الإنتاجية واضحة بين عامي 2006 و2008، عندما دفعت ارتفاعات أسعار السلع الغذائية الرئيسية، مثل القمح والأرز والذرة وفول الصويا، 130 مليونا إلى 150 مليون شخص إلى براثن الفقر.

وباعتبارها مستوردا رئيسيا للأغذية، فإن ارتفاع أسعار الغذاء العالمي، بالإضافة إلى أزمة الغذاء العالمية عام 2010، زادت من اهتمام الحكومة العُمانية بموضوع الأمن الغذائي.

وفي يناير/كانون الثاني 2011، شهدت مسقط احتجاجات من قبل المواطنين ضد الفساد وارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد، وجاءت هذه الاحتجاجات في سياق الانتفاضات العربية.

تحديات الأمن الغذائي في عُمان

وكما أوضح الاحتجاج، كانت القدرة على تحمل تكاليف الغذاء قضية مثيرة للقلق بين المواطنين العمانيين، ونتيجة لمناخها الجاف، وملوحة التربة، وندرة المياه في البلاد، توجد قيود على عدد المنتجات التي يمكن إنتاجها محليا.

وعلى مر السنين، تفاقمت تلك المشكلات زادت ملوحة المياه الجوفية، وزادت رقعة الأراضي غير الصالحة للزراعة.

وفي الوقت نفسه، لم تكن الزراعة تجارة مربحة، وتعيش قطاعات كبيرة من المزارعين العمانيين تحت خط الفقر، حيث يكافحون لبيع منتجاتهم لتجار التجزئة، وغالبا ما يفتقرون إلى الحصول على التمويل.

نتيجة لذلك، انخفض عدد المزارعين بشكل كبير منذ السبعينات، ما قلل من الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح والثروة الحيوانية، الأمر الذي جعل عمان تعتمد إلى حد كبير على أسواق الغذاء العالمية لتلبية الطلب المحلي، ما يجعل البلد عرضة لصدمات العرض الخارجية، مثل تلك التي حدثت في الفترة من عام 2006 إلى عام 2008، وكذلك في عام 2010.

سياسات الأمن الغذائي في عُمان

وأدى ضعف الأمن الغذائي في عُمان إلى بدء سياسات جديدة لمعالجة الأزمة، وخلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية بين عامي 2006 و2008، حددت الحكومة العمانية سعر بعض منتجات القمح والسكر والأرز.

وتم تشكيل لجنة وطنية للأمن الغذائي لصياغة استراتيجية لمنع تكرار الزيادات الكبيرة في الأسعار، وبلغت ذروة تلك الجهود في بناء 50 مستودعا جديدا لتخزين الأرز والسكر والقمح.

وفي نفس الوقت، تم تقديم الدعم لصغار المزارعين بالمعدات الزراعية والأسمدة والبذور.

وجعلت مظاهر عدم الرضا العامة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عام 2011 الأمن الغذائي أولوية مرة أخرى. 

ومنذ عام 2012، تم تطوير نهج متكامل يشمل سلسلة الإمدادات الغذائية بأكملها في عُمان لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي في البلاد.

ويستهدف هذا النهج بشكل خاص نمو قطاعات الثروة الحيوانية وقطاع صيد الأسماك في البلاد لتغطية الاستهلاك المتزايد للحوم ومنتجات الألبان والأسماك في عمان والمنطقة الأوسع.

ومن الأمور المركزية في هذا دعم تطوير الأعمال التجارية الزراعية من أجل تحسين جودة المنتجات العمانية وجعلها قادرة على المنافسة على المستوى الإقليمي.

وكانت الأداة الرئيسية لتطوير قطاع الأعمال الزراعية في عمان هي "الشركة العمانية للاستثمار الغذائي"، التي أطلقت منذ تأسيسها في عام 2012 أربعة مشاريع ضخمة بقيمة 270 مليون ريال عماني، ما يقابل 700 مليون دولار، لتعزيز الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والدواجن في البلاد.

وفي عام 2015، اكتسبت هذه المؤسسة، المملوكة للحكومة، السيطرة أيضا على شركات الأغذية الرائدة مثل "شركة عمان للمطاحن" و"شركة الأسماك العمانية" و"الشركة الوطنية لتنمية الثروة الحيوانية"، ما زاد من تعزيز المركزية في صناعة الأغذية في عُمان.

وتهدف الشركة العمانية للاستثمار الغذائي إلى توسيع نطاق تأثيرها على العناصر الأخرى في سلسلة القيمة الغذائية، مع خطط للتوسع في الخدمات اللوجستية الخاصة بمجال الأغذية، وإنشاء مجموعة لتسويق الفواكه والخضروات لدعم المزارعين العمانيين.

ومن خلال هذه الاستراتيجية، تحاكي عُمان جزئيا سياسات الأمن الغذائي السعودية والإماراتية التي قال الأستاذ بجامعة لندن "آدم هنية" إنها أعطت تكتلات الأعمال التجارية الزراعية الكبيرة، مثل مجموعة "الظاهرة" و"الراجحي"، مكانة مركزية في استراتيجيتها لتعزيز الأمن الغذائي.

ويتم توجيه الاستثمارات أيضا نحو تحسين اللوجستيات الغذائية، مع خطة طموحة لتحويل عُمان إلى محور غذائي، وتلعب مدينة "خزائن" الاقتصادية دورا رئيسيا في هذا الأمر، الذي يتضمن مشروعا لمجموعة غذائية تتضمن سوقا لتجارة الجملة في الخضار والفواكه.

وإلى جانب تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، يتم تشجيع هذه الاستثمارات أيضا من خلال برنامج وطني يهدف إلى تحفيز التنويع الاقتصادي في عمان.

وتم اختيار الزراعة ومصايد الأسماك كقطاعات ذات أولوية في هذا البرنامج، حيث يسعى إلى تعزيز الإنتاج في كلا القطاعين لتعزيز الصادرات وإنشاء صناعات جديدة ذات قيمة مضافة يمكن أن توفر فرص عمل للسكان وتعزز عائدات النقد الأجنبي.

ويعتبر قطاع مصايد الأسماك على وجه الخصوص مجالا رئيسيا للنمو والتصدير، وتم تطوير خط الأسطول التجاري في قطاع لا يزال يسيطر عليه الصيد التقليدي، في الوقت الذي يتم فيه توسيع صناعة الاستزراع السمكي في البلاد.

السياسات الغذائية في عمان وخطر "الأزمة المزدوجة"

كانت التدابير المتخذة منذ عام 2008 لتعزيز القدرة على تحمل التكاليف وتوفير الغذاء فعالة في درء أي تحد مباشر للأمن الغذائي في عمان.

وكما تشير الأرقام الأخيرة للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات في البلاد، ظلت أسعار المواد الغذائية في عمان في متناول اليد خلال جائحة "كورونا"، في حين ضمنت الحكومة توفير الغذاء من خلال شحنات زراعية إضافية في أبريل/نيسان، وكذلك خصصت الدولة الأموال لضمان الإمدادات الغذائية.

ومع ذلك، تعد التحديات التي تفرضها الأزمة الحالية على الأمن الغذائي في الأساس طويلة الأجل، وكما أوضح تحليل حديث لمنظمة الأغذية والزراعة حول تأثير "كورونا"، فإن الأنظمة كثيفة رأس المال، مثل الأعمال الزراعية الناشئة في عُمان، أكثر عرضة لاضطرابات أسواق الائتمان.

ويمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى زيادة معدلات الاقتراض لتطوير هذه الصناعة، الأمر الذي يمنع تمويل التحسينات المتوقعة في سلسلة التوريد اللوجستي.

وفي الوقت نفسه، تتسبب الأزمة المزدوجة في تقويض الدور المركزي الذي لعبته الحكومة في تعزيز الإنتاج وضمان القدرة على تحمل تكاليف الغذاء منذ عام 2008.

وأدى فقدان الإيرادات الحكومية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية إلى دعوات حكومية لمزيد من التخفيضات في الإنفاق العام للسيطرة على العجز المالي.

ويشكل هذا مخاطر على الاستثمارات الحكومية في تطوير صناعة الأغذية في عمان، في حين يمكن لتخفيضات الميزانية أن تهدد قدرة الحكومة على تحمل تكاليف الغذاء.

وخفضت الحكومة بالفعل الدعم على المواد الغذائية في 2017 ومن قبلها في 2015، وفي الوقت نفسه، تزيد المالية العامة غير المستقرة على المدى الطويل من الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية للبلاد، والتي كانت محورية لربط العملة المحلية مع الدولار الأمريكي، الأمر الذي كان حاسما دائما في حماية البلاد من تأثير تقلبات العملة على الواردات الغذائية بشكل كبير.

المصدر | جيرتجان هويتجيس | مركز دراسات الخليج - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انعدام الأمن الغذائي الأمن الغذائي الاقتصاد العماني

البنك الدولي: الإصلاح الاقتصادي متعثر في الكويت وقطر وعمان