الصراع على المياه.. لحظة حاسمة لمصر وإثيوبيا

الثلاثاء 23 يونيو 2020 06:24 م

استأنفت كل من مصر وإثيوبيا والسودان في 9 يونيو/حزيران، المحادثات بشأن "سد النهضة"، التي توقفت منذ فبراير/شباط. وشهدت الجولة الجديدة من المحادثات بين وزراء المياه والري في البلدان الثلاثة اتفاقا على المبادئ التوجيهية للمرحلة الأولى من ملء وتشغيل السد وقواعد السلامة. ومع ذلك، فإن الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول السد المثير للجدل بعيد عن الحل. وحتى لو أدت الجولة الأخيرة إلى نتائج أفضل، فإن تأثير هذا الخلاف على العلاقات الثنائية بين القاهرة وأديس أبابا سيظل كبيرا في المستقبل المنظور.

وبخصوص نشأة النزاع، فقد استمرت التوترات والخلافات حول مياه نهر النيل منذ عقود. وتخضع العلاقات بين دول حوض النيل العشر لمجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الموقعة خلال القرن العشرين (1902، 1929، 1959) والمعروفة باسم اتفاقيات نهر النيل، وتنص على أن دول منبع النهر (خاصة كينيا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا) يجب أن تحترم حقوق دول المصب (مصر والسودان بشكل رئيسي) فيما يتعلق بمياه النيل. إضافة إلى ذلك، يُحظر عليهم بناء السدود أو إطلاق مشاريع البناء على النهر دون موافقة دول المصب، وخاصة مصر.

لم تضمن هذه المعاهدات فقط حصة مصر من مياه النيل خلال القرن الماضي ولم تمكنها من تحقيق خططها التنموية والزراعية فحسب -خاصة بعد بناء السد العالي في أسوان في أوائل الستينيات- لكنها أعطت القاهرة والخرطوم حق النقض على أي خطط أو مشاريع بناء قد تؤثر على نصيبهم من المياه.

كانت هذه الاتفاقات موضع نزاع وتحدي من قبل دول المنبع. وبينما تصر مصر والسودان على ضرورة احترام نصيبهما من المياه والوفاء بهما، تعتقد دول المنبع أن هذه الاتفاقيات غير عادلة وتعوق خططها الزراعية والإنمائية. إنهم يعتقدون أنهم ليسوا ملزمين بهذه الاتفاقيات لأنها وقعت من قبل القوى الاستعمارية ولم تكن حكوماتهم جزءًا من هذه الاتفاقات.

مع نمو سكان دول حوض نهر النيل بسرعة خلال العقود الماضية، زادت احتياجاتهم التنموية؛ مما زاد من التوترات والخلافات بينهم. لم تتوقف محاولات التفاوض على مياه نهر النيل وتقاسمها خلال العقود الثلاثة الماضية. في عام 1999، توصلت دول حوض نهر النيل إلى اتفاقية عُرفت بـ"مبادرة حوض النيل"، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون بينها، وجمعت بين جميع الدول التي لديها وصول إلى نهر النيل لبناء الثقة فيما بينها والاستفادة من النهر بشكل فعال ومفيد لجميع الأطراف.

كانت "اتفاقية الإطار التعاوني" (CFA) اتفاقا مميزا لدول حوض النيل؛ حيث كانت تهدف إلى إنشاء إطار شامل للتحكم في مياه النهر. كما اعتبر الموقعون عليها أنها تحل محل المعاهدات الثنائية السابقة.

واستغرقت المفاوضات للتوصل إلى هذه الاتفاقية ما يقرب من عقد من الزمان. ففي عام 2010، وضمن هذه الاتفاقية، أُدخل لأول مرة مبدأ "الاستخدام العادل والمعقول" لمياه نهر النيل. لكن تم التوقيع عليها من قبل 6 دول فقط (إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا وبوروندي) ورُفضت بشدة من قبل مصر والسودان لأنها، كما قال البلدان، لا تحترم حقوقهما التاريخية والمكتسبة في مياه نهر النيل.

من جانبها، تفسر إثيوبيا "اتفاقية الإطار التعاوني" على أنها تحل محل اتفاقيات نهر النيل السابقة، وتخلق حقائق جديدة يجب أن تقبلها مصر والسودان. منذ ذلك الحين، أصبحت العلاقة بين هذه الأطراف -وخاصة القاهرة وأديس أبابا- متوترة.

  • رهانات سد النهضة

تعود خطط إثيوبيا لبناء "سد النهضة" إلى الستينيات من القرن الماضي، لكن تم تأجيلها لأسباب سياسية واقتصادية. تعاني البلاد من نقص الكهرباء والتخلف بالرغم من مواردها المائية الضخمة. مع سكان يبلغ عددهم 112 مليون نسمة، تعتمد إثيوبيا بشكل كبير على "سد النهضة" لتعزيز اقتصادها وتحسين حياة شعبها. تعاني إثيوبيا من نقص حاد في الكهرباء.

في الواقع، يعتبر 65% من سكانها غير متصلين بشبكة الكهرباء، وتبلغ قيمة السد المثير للجدل 4.8 مليارات دولار، وهو مبني على النيل الأزرق بالقرب من الحدود بين إثيوبيا والسودان. وينبغي أن يوفر الكهرباء لملايين المنازل في إثيوبيا، وأن يوفر فرصة بيع الكهرباء إلى البلدان الأفريقية المجاورة.

إن "سد النهضة" هو محور محاولة إثيوبيا لتصبح أكبر مصدر للطاقة في أفريقيا، مع قدرة متوقعة لتوليد أكثر من 6000 ميجاوات من الكهرباء.

وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن استكمال هذا السد وملئه سيجعل إثيوبيا "أكبر مصدر للطاقة في إفريقيا". وستتضاعف قدرة إثيوبيا على توليد الكهرباء؛ مما يتيح لها كسب ما يصل إلى مليار دولار سنويًا من صادرات الطاقة إلى السودان وجنوب السودان وجيبوتي وكينيا، وربما مصر.

سيؤمّن السد الكهرباء للدولة التي تفتقر إلى الطاقة، ويمكن أن يعزز التنمية الاقتصادية، ويجلب السيولة من خلال مبيعات الكهرباء الدولية. علاوة على ذلك، تعتبر أديس أبابا السد مشروعا وطنيا وسياديا يجب احترامه من قبل الدول الأخرى. إنه حلم وطني تحقق. واعتقادا منها بأن السد سيحمي حقوقها الطبيعية في المياه، ويعظم استخدامها، اعتمدت إثيوبيا استراتيجية طويلة المدى يمكن أن تحقق هدفا مزدوجا: 1) إنشاء إطار قانوني جديد يحل محل اتفاقيات نهر النيل ويولد حقائق مواتية جديدة، 2) عزل مصر والسودان عن طريق تحييد باقي دول حوض النيل من خلال اتفاقية الإطار التعاوني.

ومما لا شك فيه أن بناء وتشغيل "سد النهضة" هو تتويج لهذه الاستراتيجية، ويبدو أن إثيوبيا حققت كلا الهدفين. يمكن أن يكون السد حدثا فاصلا في تاريخ إثيوبيا الحديث؛ مما يشير إلى ولادتها كقوة إقليمية وهامة.

  • الأمن المائي لمصر

وفقًا لاتفاقية 1959 بشأن مياه نهر النيل، تبلغ حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب. يأتي حوالي 85% من المياه التي تتدفق إلى نهر النيل من المرتفعات الإثيوبية عبر النيل الأزرق. يأتي ما يقرب من 90% من المياه العذبة في مصر من نهر النيل، ويأتي حوالي 57% من تلك المياه من النيل الأزرق، والتي تقوم إثيوبيا ببناء السد عليه. لذلك، تعتبر مصر "سد النهضة" تهديدا وجوديا. وسيحتفظ الخزان خلف السد، بعد ملئه، بحوالي 74 مليار متر مكعب من الماء، وهو ما يعادل تقريبا الحجم السنوي الكامل الذي يتدفق إلى السد العالي في مصر.

ربما يكون انعدام الأمن المائي هو أخطر تهديد لمصر حاليا، ويشار إلى أن مصر تعاني من نقص في المياه حتى دون أخذ تداعيات السد بعين الاعتبار: تبلغ موارد مصر المائية حوالي 60 مليار متر مكعب واستهلاكها 80 مليار متر مكعب.

تستورد مصر حوالي نصف منتجاتها الغذائية وتعيد تدوير حوالي 25 مليار متر مكعب من المياه سنويًا. وإذا تم ملء "سد النهضة" بدون اتفاق، فستواجه مصر خطرًا من ظروف الجفاف وخسارة أكثر من مليون وظيفة وحوالي 1.8 مليار دولار في الإنتاج الاقتصادي كل عام. وبالتالي، فإن ملء "سد النهضة" سيؤثر بشكل كبير على حصة مصر من المياه، وسيخفضها بحوالي 10 إلى 15 مليار متر مكعب.

تخطط إثيوبيا لملء السد في 6 سنوات، بدءًا من يوليو/تموز. كلما طالت مدة ملء السد، قل تأثير ذلك على إمدادات مياه النيل التي تكافح مصر معها بالفعل. ومع ذلك، تود مصر أن تمد إثيوبيا هذه الفترة إلى 12-21 سنة حتى لا ينخفض ​​مستوى النهر بسرعة، خاصة في البداية. من حيث الجوهر، فإن قرار إثيوبيا بملء الخزان من جانب واحد في أسرع وقت ممكن سيكون كارثيًا للسودان ومصر؛ لأن ذلك سيستهلك التدفق الكامل للنيل الأزرق، أو حوالي 54 مليار متر مكعب، لأكثر من عام.

 إن ملء السد على مدى 6 سنوات سيعني تدفق أقل بنسبة 14 إلى 18% من مياه النيل إلى مصر خلال كل من تلك السنوات، إذا كان معدل هطول الأمطار وملء السد متساويا. علاوة على ذلك، في حين أن أديس أبابا تريد ملء السد في بداية موسم الأمطار في يوليو/تموز لتعزيز التراكم، فإن القاهرة تطالب بالمشاركة في مثل هذا القرار؛ لأن سرعة تدفق المياه إلى السد ستؤثر على حركة المصب في النهر في مصر.

إن أزمة "سد النهضة" هي لحظة حاسمة ليس فقط لنظام مصر الحالي، لكن أيضًا للدولة والمجتمع المصري.

إنها المرة الأولى في التاريخ التي يشعر فيها المصريون بالتهديد فيما يتعلق بمصدر حياتهم، نهر النيل. لذلك، من الضروري إيجاد حل يمكنه تأمين مستقبل ملايين المصريين وتهدئة مخاوفهم.

  • شكوك عميقة

في أوائل عام 2011، بدأت إثيوبيا من جانب واحد بناء "سد النهضة" دون إخطار مصر أو السودان. استفادت من انشغال مصر بالاضطرابات السياسية التي أطاحت بالرئيس السابق، "حسني مبارك"، في عام 2011، وأطلقت مشروعها المخطط له منذ فترة طويلة. في يونيو/حزيران 2013، صدق البرلمان الإثيوبي على اتفاقية الإطار. وأثار ذلك استياء مصر لدرجة أن الرئيس السابق "محمد مرسي" حذر أديس أبابا من أن "كل الخيارات مفتوحة" إذا واصلت بناء السد دون التوصل إلى اتفاق مع مصر.

في مارس/آذار 2015، وقعت مصر والسودان وإثيوبيا على اتفاقية جديدة تسمى "إعلان المبادئ"، والتي أعطت الأولوية لبلدان المصب في الحصول للكهرباء المولدة من السد، وأنشأت آلية لحل النزاعات، وقدمت تعويضات عن الأضرار. ومع ذلك، لم تذكر الاتفاقية -للمرة الأولى- حقوق مصر المكتسبة في مياه النيل، وتفسرها إثيوبيا على أنها موافقة على سدها المثير للجدل.

تهدف الاتفاقية إلى حل الخلاف بين الدول الثلاث، بالرغم من أن العكس قد حدث: فقد تعمقت فجوة عدم الثقة وتعثرت المفاوضات عدة مرات. وفي حين تتهم إثيوبيا مصر بمحاولة تعطيل مشروع السد من خلال فرض قواعد على ملء السد وتشغيله، تتهم القاهرة إثيوبيا بعدم النظر في التأثير الهائل لملء السد على مصالح المياه والاقتصاد في مصر.

ووفقًا للخبراء، فإن مصر قلقة من أن يؤدي تشغيل السد على النيل الأزرق إلى تقليل إمدادات المياه وتوليد الطاقة في السد العالي بأسوان. إضافة إلى ذلك، بمجرد ملء الخزان، لن يستهلك السد المياه مباشرة، لكن قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الري في السودان مما سيقلل من كمية المياه التي تتلقاها مصر؛ مما يزيد من مخاوف الأخيرة.

إن انعدام الثقة بين مصر وإثيوبيا عميق ويخلق العديد من العقبات في التوصل إلى اتفاق.

في حين تسعى مصر إلى اتفاقية ملزمة تتطلب من إثيوبيا السماح بكمية ثابتة من تدفق نهر النيل، إضافة إلى آليات لرصد امتثال إثيوبيا، تحاول إثيوبيا تجنب أي التزام دائم بحصة المياه التي قد تتجاوز حدود فترة التعبئة لـ"سد النهضة"، وتسعى إلى اتفاق مرن مع بند للمراجعات الدورية. لذلك، فإن انعدام الثقة عميق، ويخلق العديد من العقبات في التوصل إلى اتفاق.

قبل جولة المحادثات الأخيرة، انخرطت مصر وإثيوبيا في خطاب ساخن، وهدد البلدان بعضهما البعض سياسيًا وعسكريًا، وقد حاول السودان التوسط وإعادتهم إلى طاولة المفاوضات.

  • دور الولايات المتحدة

بذلت الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع البنك الدولي، جهوداً للتوسط بين مصر والسودان وإثيوبيا من أجل حل النزاع حول "سد النهضة"، وعقد مسؤولون رفيعو المستوى من الدول الثلاث عدة اجتماعات في واشنطن بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وفبراير/شباط 2020. واجتمعوا أيضًا مع الرئيس "دونالد ترامب" في البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد جاءت مشاركة الولايات المتحدة في محادثات "سد النهضة" بعد طريق طويل مسدود، وحاولت واشنطن استخدام ضغوطها الاقتصادية والمالية لدفعهم لحل نزاعهم، وكان الأمل هو التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية فبراير/شباط لكن الأمل تبدد بعد انسحاب إثيوبيا المفاجئ من المحادثات.

أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، التي نسقت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، بيانًا في 28 فبراير/شباط 2020، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة تعتقد أن العمل المنجز على مدى الأشهر الأربعة الماضية أدى إلى اتفاق يعالج جميع القضايا بطريقة متوازنة ومنصفة، مع مراعاة مصالح الدول الثلاث". غير أن وزير الخارجية الإثيوبي "جدو أندارجاشيو" انتقد هذا البيان، ووصفه بأنه "متحيز للغاية". يعتقد المحللون الإثيوبيون أن واشنطن تقف دائمًا إلى جانب مصر وأن أي اتفاق بشأن السد سيقيد أيدي إثيوبيا. من الواضح إذن أن واشنطن ينظر إليها على الأقل من قبل طرف واحد على أنها وسيط غير مناسب  لحل نزاع السد.

  • الحاجة إلى التسوية

يمكن القول إن مصر وإثيوبيا هما أكثر دول شرق إفريقيا تبعية، كما أن صداقتهما وتعاونهما ضروريان للسلام والاستقرار في المنطقة. وحاجتهم إلى مياه النيل متبادلة وعاجلة. لكن إرضاء الموقف الأقصى لكل طرف مستحيل عمليا بالنظر إلى ظروف المنطقة وعدم قدرتها على الحفاظ على صراع طويل الأمد وغير ضروري. ومن مصلحتهم المشتركة، ومن مصلحة أصدقائهم وحلفائهم، وخاصة الولايات المتحدة، أن يجدوا حلاً وسطًا يتجنب الحد الأقصى "اللعين" الذي سيؤدي بلا شك إلى نتائج لا مبرر لها.

المصدر | خليل العناني/ المركز العربي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مفاوضات سد النهضة مشكلة سد النهضة سد النهضة الإثيوبي سد النهضة. إثيوبيا

حميدتي يؤكد حصوله على تطمينات إثيوبية بشأن سد النهضة