دول الخليج تواجه تهديدا خطيرا مع تصاعد هجرة العقول

الأربعاء 24 يونيو 2020 07:30 م

منذ أن ضربت جائحة الفيروس التاجي الشرق الأوسط، اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى خفض ميزانياتها بشكل قاسي حيث انخفضت أسعار النفط بشكل كبير بسبب نقص الطلب.

ونتيجة لذلك، فقد المهاجرون من ذوي الدخل المنخفض وظائفهم وعادوا إلى بلدانهم، بالرغم من وجود فرصة ضئيلة للعمل في أوطانهم.

والآن، مع بدء هجرة العمالة الماهرة المحترفة أيضًا، تلوح مخاطر على اقتصادات الشرق الأوسط، حيث يمكن للعديد من القطاعات الاقتصادية المربحة أن تنهار فعليًا.

ونظرًا لقلة السكان المحليين الذين لديهم الخبرة أو التعليم اللازم للعمل بدلا من العمالة الوافدة، فقد تنشأ مشاكل إدارية خطيرة في الأيام المقبلة.

العمالة المحترفة تحزم حقائبها

كان صندوق النقد الدولي قد حذر بالفعل من أن منطقة الشرق الأوسط ستواجه تدهورًا اقتصاديًا هذا العام بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بفيروس "كورونا" وتراجع أسعار النفط.

ومع عدم وجود عدد كاف من العمالة المحترفة والماهرة، فقد لا تبقى الأنشطة الاقتصادية في منطقة الخليج مستدامة، وسينتظر الخليج مستقبل قاتم إذا لم يوجد حلولا لمشكلة الهجرة الجماعية.

يعمل العديد من المغتربين من ذوي التعليم العالي في الشرق الأوسط منذ عقود، ولكنهم بدأوا يحزمون حقائبهم مع تآكل احتمالات إعادة التوظيف بعد الوباء بسبب الانكماش الاقتصادي.

ويمثل الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 10% من المهاجرين في جميع أنحاء العالم، وتعد السعودية والإمارات موطنًا لثالث وخامس أكبر عدد من المغتربين، وفقًا لمنظمة العمل الدولية.

في السعودية، تشير التقديرات إلى أن المغتربين يشكلون أكثر من 10 ملايين من أصل إجمالي عدد السكان البالغ 34.8 ملايين.

وفي الوقت نفسه، فإن ما يقرب من 90% من سكان الإمارات، ونصف سكان عُمان والبحرين، وثلثي السكان في الكويت هم من الأجانب.

ويعتبر معظم هؤلاء المغتربين من الهنود والباكستانيين والفلبينيين والمصريين وبعض الغربيين، وقد غادر عشرات الآلاف من هؤلاء الموظفين الأجانب بالفعل أو ينتظرون استئناف الرحلات الجوية للعودة إلى أوطانهم.

انتكاسات خطيرة متوقعة

وفيما يلي بعض الانتكاسات الرئيسية التي يمكن أن تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي برحيل الأجانب المحترفين.

أولاً؛ لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي سياسات اقتصادية طويلة المدى تعرف باسم "الرؤى". وتحتاج هذه الخطط طويلة المدىإلى العمالة الماهرة لتنفيذها، ومع مشاركة دول الخليج في المزيد من مشروعات التنمية، فقد تحولت المتطلبات من العمالة ذات المهارات المتدنية إلى العمالة الأجنبية ذات المهارات العالية.

في الوقت الحاضر، ينصب التركيز على جذب الوافدين من ذوي المهارات العالية بينما يتم تقليل المهاجرين ذوي المهارات المتدنية لتوفير الوظائف للسكان المحليين.

لا يمكن تنفيذ السياسات الاقتصادية واسعة النطاق مثل "رؤية 2030" الخاصة بالسعودية بدون موظفين مؤهلين بشكل كاف، ومع استمرار هجرة العقول، فقد تحدث عرقلة لإدارة سياسات الرؤية في معظم دول الخليج، حيث يعتمد القطاع الخاص على الموظفين الأجانب.

وسيكون لذلك تأثير خطير على الخطة طويلة المدى لتنويع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بعيدًا عن عائدات النفط.

وكما قال "جاسم حسين"، عضو البرلمان السابق في البحرين، لـ "المونيتور": "تعتمد إصلاحات التنويع الحكومية على القطاع الخاص، الذي تحركه العمالة الأجنبية. الحياة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي ببساطة لن تكون مستدامة بدون عمالة أجنبية".

حتى المشاريع العملاقة المستقبلية -مثل مدينة "نيوم" السعودية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار- قد لا تنطلق في أي وقت قريب، حيث كان من المفترض أن يقوم موظفون أجانب محترفون للغاية بإدارة المرافق.

ستفقد دول الخليج الآن إيرادات غير نفطية ثمينة تتمثل في الضرائب التي كان يدفعها هؤلاء العمال والموظفون. وكانت السعودية قد رفعت ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15% في الآونة الأخيرة، وبالإضافة إلى ذلك، يدفع المهاجرون الأجانب رسومًا شهرية عن كل فرد من أفراد الأسرة يجلبونه للبلاد، وبالتالي سيُفقد المزيد من الدخل.

سيغادر 1.2 مليون مغترب السعودية بحلول نهاية هذا العام، وقد غادر بالفعل 300 ألف عامل مهاجر، وتقدم 178 ألف آخرون بطلب للحصول على مبادرة "عودة"، التي تسهل عودة العمال المغتربين إلى بلدانهم الأصلية.

ثالثاً، ستنخفض مستويات التوظيف بنسبة 13% على الأقل وسيؤدي ذلك إلى انخفاض حاد في الاستهلاك داخل دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على صناعة الخدمات.

سيفقد 900 ألف شخص وظائفهم في الإمارات وحدها، وفقًا لتقديرات "أكسفورد إيكونوميكس"، وبالنظر إلى أن عدد سكان البلاد يبلغ 9.6 ملايين نسمة، فإن هذا يمثل 10% من سكانها، ومع مغادرة المغتربين ذوي الدخل المرتفع، سيتم اقتطاع جزء كبير من القوة الاستهلاكية.

وأخيرًا، ستكون دبي، التي تعد مركز الأعمال في الشرق الأوسط، أكثر الأماكن تضرراً. ووفقًا لمسح أجرته غرفة تجارة دبي، فإن حوالي 70% من الشركات في الإمارة تتوقع الإغلاق في غضون 6 أشهر، في حين تم إلغاء المؤتمرات والفعاليات العالمية الكبرى مثل معرض "دبي إكسبو 2020" بسبب الاضطراب العالمي الناجم عن الوباء.

تخطط معظم الفنادق للاستغناء عن 30% من الموظفين، في حين ألغت خدمة "كريم" للسيارات ثلث وظائفها في مايو/أيار.

وفي الوقت نفسه، بدأت شركة "طيران الإمارات"، وهي أكبر شركة طيران لمسافات طويلة في العالم، بتسريح الموظفين بعد إلغاء 30 ألف وظيفة.

ويمكن أن يزداد فقدان الوظائف في صناعة الطيران الخليجية إلى 800 ألفًا في الأيام المقبلة، وفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي. ويعتبر معظم المتأثرين من الوافدين، حيث تستخدم شركات الطيران الخليجية الأجانب عادةً.

للأسف، لا يستطيع المغتربون الذين يفقدون وظائفهم البقاء والبحث عن عمل جديد لأكثر من بضعة أشهر، حيث أصبحت القدرة على تحمل التكاليف أكبر تحدٍ في دبي. وفي غضون عام، سيواجه التعليم والصحة والإدارة العامة وحتى قطاع الزراعة تحديات للنجاة.

ونتيجة لذلك، تحاول أبوظبي تخفيف الآثار، حيث يتم منح التمديدات التلقائية للأشخاص الذين لديهم تصاريح عمل منتهية الصلاحية في الإمارات، مع التنازل عن رسوم تصريح العمل والغرامات، وفي إطلاق رسمي لنظام الإقامة الدائمة، تم إصدار البطاقات الذهبية لـ6800 أجنبي من أصحاب الاستثمارات.

على النقيض من ذلك؛ ترغب بعض الدول مثل الكويت في تقليص عدد الوافدين لإفساح المجال للسكان المحليين، ولكن ذلك لأنهم لا يعتمدون على السياحة والتجارة العالمية للحصول على الإيرادات. وسعياً للحد من البطالة، تود الكويت تخفيض أعداد المغتربين إلى 30% من مجموع السكان، بدلا من 70% حاليًا.

ترحب الكويت حاليا بالمستثمرين الأجانب بشكل أساسي، وكما قالت عضوة البرلمان الكويتي "صفاء الهاشم"، فإنه يجب على المغتربين "الدفع حتى مقابل الهواء الذي يتنفسونه".

كما أمرت عُمان الشركات الحكومية بتسريع التوظيف المحلي في إطار خطة "التعمين"، في حين أعطى الأردن بالفعل 800 ألف مهاجر مهلة لمغادرة البلاد بموجب خطة تجعل "الأردنيين أولاً".

استغناء غير ممكن

لا غنى عن المغتربين ذوي المهارات العالية لاقتصادات الخليج، ولا يمكن استبدالهم على المدى القصير، والسبب هو أن المواطنين المحليين كانوا يعملون دائمًا في القطاع العام برواتب عالية مع ظروف عمل مرنة في وظائف متواضعة، ويفتقرون بشكل أساسي إلى التعليم والخبرة المطلوبين.

ووفقاً لدراسة أجراها "مركز الخليج للأبحاث في كامبريدج" عن العمال المهاجرين فإنه "يمكن أن تساعد حملات توطين الوظائف في الحفاظ على التوازن الديموغرافي في هذه البلدان، لكنها لا تسهم كثيرًا في تحسين الاقتصادات. من الناحية النظرية، كانت هذه الحملات تهدف إلى استبدال الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي إما بمواطنين مؤهلين مثلهم أو أكثر، ولكن في الواقع، كان على هذه البرامج الاعتراف بالمستويات المنخفضة لمؤهلات السكان المحليين، وكان التركيز على الأرقام بدلاً من الجودة".

لذلك، ستستمر الزيادة في الطلب على العمالة الوافدة ذات المهارات العالية، حيث سيستغرق استبدالهم سنوات من الاستثمار في التعليم والمهارات المهنية والتدريب للمواطنين المحليين. وفي الوقت نفسه، لن تكون هناك حاجة للعمال غير المهرة بسبب حملات توطين الوظائف التي تحظى بالشعبية.

المصدر | سابينا صديقي - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تدهور أسعار النفط نزوح العمالة فيروس كورونا مشروع نيوم السعودي سياسات التقشف السعودية العمالة الوافدة

ستراتفور: تداعيات الهجرة العكسية للعمالة الوافدة في الخليج

الخليج يتصدر قائمة الشعوب العربية الأقل هجرة من بلدانها.. لماذا؟