الأزمة اليمنية .. خيارات الأطراف في ظل التحولات العسكرية

الاثنين 31 أغسطس 2015 04:08 ص

منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014 كان ميزان القوى يسير في خطٍّ تصاعدي راسمًا تفوقًا كاسحًا للحوثيين وحلفائهم (الرئيس السابق صالح والحرس الجمهوري)، لكن موازين القوى واتجاهات الصراع في اليمن تغيَّرت بعد النصر السريع والمفاجيء الذي حققته عملية "السهم الذهبي" في عدن في 14 يوليو/تموز 2015 بعد 100 يوم من بداية عاصفة الحزم. وانتقلت المقاومة والقوات الموالية لهادي عقب ذلك من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، ومن ردِّ الفعل إلى تحديد مسارات الصراع في الميدان. وبعد استعادة عدن سجَّلت المقاومة تقدمًا آخر باستعادة قاعدة العند التي تُعد أكبر قاعدة عسكرية في الجنوب، وكانت تستخدم مركز التموين وإمداد قوات تحالف الحوثيين-صالح وعملياتهم في المدن الجنوبية.

وبعد شهر على معركة عدن تحرَّر الجنوب تمامًا من وجود أي قوات للحوثيين وصالح، خاصة بعد الانسحاب السريع لهم من شبوة إلى البيضاء في 15 أغسطس/آب الحالي؛ حيث أدَّى التراجع السريع للحوثيين إلى خلخلة صفوف تحالف الحوثي-صالح، ونقل المعركة ضدهم من الجنوب إلى الوسط (إب وتعز والبيضاء). وأسهم هذا الواقع الميداني الجديد في إعادة تحديد خيارات وبدائل الأطراف المتصارعة.

هادي وحكومة المنفى

بعد هروب الرئيس هادي إلى عدن ثم إلى الرياض سعى تحالف الحوثيين-صالح إلى السيطرة على أكبر رقعة جغرافية ممكنة من الأرض من أجل فرض سلطة الأمر الواقع. وقد أسهم وجود أغلب رموز الحكومة الشرعية خارج اليمن في إضعاف الموقف السياسي والتفاوضي لها. لكن استعادة السيطرة على عدن وضعت أمام هادي وحكومته خيارات جديدة للتعامل مع الأحداث: 

1.    عودة الحكومة ونقل العاصمة إلى عدن: أصدر هادي قرارًا في 15 يوليو/تموز عقب يوم واحد فقط من بداية عملية "السهم الذهبي"، بعودة ثلاثة من وزراء الحكومة إلى عدن (وزراء النقل والداخلية والصحة) تلاه قرار بعودة أربعة وزراء آخرين هم وزراء (الثروة السمكية، والاتصالات، والأشغال العامة، والمياه والبيئة)، بالإضافة إلى رئيس جهاز الأمن القومي.

لكن رغم ذلك لم تستطع الحكومة العودة كاملة إلى عدن، كما لا يزال أداء الوزراء شكليًّا واحتفاليًّا في ظل استمرار تواجد الهيكل الإداري للدولة في صنعاء. وقد شكَّل خروج الحوثيين من الجنوب نصرًا عسكريًّا مهمًّا لكنه قد يتحول إلى حالة فراغ سياسي في حال لم تنجح الحكومة في العودة كاملة إلى عدن.

2.    استمرار الزحف شمالًا: صرَّح الرئيس هادي أكثر من مرة بأن العمليات العسكرية لن تقف عند عدن، لكنها ستستمر شمالًا حتى الوصول إلى صنعاء واستعادتها. ويُتوقع أن تكون ‏تعز ساحة المعركة القادمة، وفيها سيتحدد المسار القادم للصراع، وإذا حُسمت لصالح المقاومة فإن خط الصراع سيتجه نحو الشرق في مأرب ثم الشمال في صنعاء. بالمقابل، إذا طال الصراع فإنه سيُسهم في خلق بُعدٍ مذهبي ومناطقي للأزمة قد يؤدي إلى انفجار سيناريو الفوضى وتفكك اليمن إلى مناطق تتصارع فيها ميليشيات لا يجمعها أي هدف مشترك.

3.    العودة للمفاوضات من موقف القوة: أسهم التقدم السريع لقوات الرئيس هادي والمقاومة في إعادة طرح خيار المفاوضات من جديد من قبل المبعوث الأممي لليمن مدعومًا من أميركا والدول الأوروبية. ورغم عدم وجود تغيرات جوهرية في مواقف أطراف الصراع من المفاوضات حتى الآن، إلا أن إنجازات المقاومة في الميدان جعلت الرئيس هادي في وضع تفاوضي أقوى، خاصة أنه يستند إلى القرار الأممي رقم 2216 ووضعه كرئيس شرعي ورئيس لحكومة تم اختيارها بموافقة كل الأطراف السياسية بمن فيهم الحوثيون.

تحالف الحوثي - صالح: العمل العسكري والقرار 2216

أعلن الرئيس السابق صالح موافقته على "التعاطي الإيجابي" مع قرار مجلس الأمن 2216 مبكرا، كما دعا صالح عبر المؤتمر الشعبي العام حلفاءه الحوثيين للانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة والاعتراف بشرعية الرئيس هادي، لكن الاكتفاء بإعلان "التعاطي الإيجابي" وليس تأكيد "القبول" للقرار يجعل الموقف الحقيقي للرئيس صالح وحزب المؤتمر غامضًا، خاصة إذا ما قارنَّاه باستمرار صالح في القتال عبر وحدات الجيش الأربع التابعة له في أغلب الجبهات المشتركة مع الحوثيين. وزاد في هذا الغموض تراجع الرئيس السابق عن بعض تصريحاته مؤكدًا عدم قبوله بشرعية هادي، كما برَّر العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش ضد الأراضي السعودية.

لا يزال المطلب الرئيسي لصالح وفريقة هو "وقف إطلاق النار" كشرط أوَّلي للتفاوض، ولا تقدم مواقف المؤتمر إشارات لاستعداده المضي إلى ما هو أبعد من وقف إطلاق النار. وبالنسبة للحوثيين؛ فقد انتقلوا من رفض قرار مجلس الأمن إلى محاولة إعادة تفسيره بما يحقق مصالح الجماعة.

وكان المجلس السياسي لأنصار الله قد رفض القرار الأممي باعتباره قرارًا متحيزًا وغير واقعي و"أغلب مضامين قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن الصادر برقم (2216) جاء خارج السياق الطبيعي للأزمة، وجاء متأثرًا بوجهة نظر أحادية الجانب ومنحازًا لها. "وقد كان التحول المهم بالنسبة لموقف الحوثيين من قرار مجلس الأمن 2216 عقب هزيمتهم في عدن وذهابهم مرة أخرى إلى مفاوضات مسقط؛ حيث أبدى الحوثيون استعدادهم لـ"التعاطي الإيجابي" مع القرار.

السعودية: الاستمرار في مبدأ سلمان

شكَّلت عاصفة الحزم تغيرًا جذريًّا في سياسة المملكة العربية السعودية من الوسائل الناعمة والانعزال النسبي عن الأحداث إلى الوسائل الساخنة والمباشرة. ولا تُعتبر عاصفة الحزم بالنسبة لصنَّاع القرار السعوديين مجرد عملية عسكرية عابرة، لكنها تأسيس لمبدأ جديد للتدخل العسكري الإقليمي أسماه البعض: "مبدأ سلمان" على غرار "مبدأ أيزنهاور"، الذي تمت صياغته عام 1957، وينص على أن "بمقدور أي بلد أن يطلب المساعدة الاقتصادية الأميركية و/أو العون من القوات المسلحة الأميركية إذا ما تعرَّض للتهديد من دولة أخرى".

وعلى خلفية المشاورات في مسقط لتأسيس قاعدة مشتركة للتفاوض خرج مجلس الشورى السعودي ببيان يطالب فيه بالتنفيذ غير المشروط لقرار مجلس الأمن بخصوص اليمن. وكانت الرسالة السعودية واضحة في أن المملكة لن ترضى بتسوية سياسية قبل تحقيق نصر عسكري يغيِّر موازين القوى في الداخل اليمني. وقد استطاعت السعودية عزل إيران عن طريق الحصار، وعزل أميركا عن طريق تحالف عشري وعمليات عسكرية متلاحقة. وبسيطرتها الكاملة على البحر والجو ومساحة كبيرة من البرِّ فإن السعودية تمارس تأثيرًا مباشرًا على القرار السياسي في اليمن. ومن المتوقع استمرار هذا التأثير في الهيمنة على القرار اليمني حتى لو تم التوصل لتسوية سياسية، بل إن أية تسوية سياسية لا تضمن بقاء وضع السيطرة السعودية على اليمن لن تكون ممكنة.

الإخوان: السيطرة على الأرض وسطا وشرقا

عاشت حركة الإخوان المسلمين أسوأ ظروفها بعد الربيع العربي بسبب استراتيجية دول الخليج ومصر في إقصاء الجماعة عن المشهد السياسي. وتم تهميش الحضور الإخواني الرسمي في السياسة اليمنية عن طريق الممارسات القمعية للحوثيين بعد دخولهم صنعاء. وتظل حركة الإخوان اليمنية جزءًا من التحالف ضد الحوثيين، لكنه بالنسبة للسعودية والرئيس هادي "تحالف الضرورة" الذي تفرضه الأحداث.

ورغم وجود الإخوان بكثافة على جبهات القتال إلا أن دعم التحالف لهم لا يزال حذرًا، ويؤدي ذلك إلى تأجيل حسم بعض الجبهات مثل تعز ومأرب. ويسعى التحالف للاستفادة من القوة الميدانية للإخوان، لكنه لا يريد للمناطق المحررة أن تقع تحت سيطرتهم أو أن تؤدي نهاية الصراع إلى هيمنة إخوانية على الشأن السياسي.

القاعدة: استمرار القتال وتجنيد أبناء السُّنَّة

تتواجد القاعدة بكثافة في جبهات القتال ضد الحوثيين، لكن نقطة التحول الجديدة تتمثل في تغير موقف القبائل اليمنية من القاعدة. فبعد أن كانت القبائل ترفض التحالف معها أدَّى الاجتياح الحوثي للوسط والجنوب إلى تأسيس قواعد مشتركة للتحالف بين القبائل اليمنية والقاعدة في أكثر من مكان.

وقد تم هذا التحالف غير المسبوق بين القبيلة والقاعدة أيضًا في شبوة وأبين والبيضاء بدرجات متفاوتة وطرق مختلفة حسب السياق المحلي. وقد أسهم في تسهيل هذا الاتفاق العنف المفرط الذي استخدمه الحوثيون في التعامل مع المدن والمعارضين، بالإضافة إلى أن مقاتلي القاعدة هم أساسًا من أبناء هذه القبائل؛ مما يمكِّنهم من الاتفاق على محاربة العدو المشترك ولو إلى حين. وقد أكَّد بيان تنظيم القاعدة بشأن مقتل زعيم التنظيم ناصر الوحيشي أن القاعدة كانت تقاتل ضد الحوثيين وأنصار صالح في أكثر من 11 جبهة في مختلف أرجاء اليمن.

الدبلوماسية الدولية: خرجت ولم تعد

بدا تراجع الدور الغربي في اليمن واضحًا منذ اجتياح صنعاء في سبتمبر/أيلول2014، وتعمَّق أكثر مع محاصرة الحوثيين للرئيس وأعضاء الحكومة في مقراتهم بصنعاء في يناير/كانون الثاني 2015. وحينذاك لم تجد الدول الكبرى وسيلة للضغط على الحوثيين غير إغلاق السفارات والانسحاب من صنعاء. وكان الهدف المعلن للانسحاب هو الضغط السياسي على الحوثي لوقف العنف والعودة للعملية السياسية، وكان هذا خطأ استراتيجيًّا طويلًا أدى إلى ترك اليمن كله في يد الحوثيين دون رادع دبلوماسي أو دولي.

تستطيع الولايات المتحدة بالذات لعب دور محوري في التسوية السياسية باليمن عبر الضغط على السعودية وإيران للتوصل لاتفاق حول اليمن يهدِّئ المخاوف السعودية ويتعامل مع المطامع الإيرانية. كما تستطيع تأسيس مبادرة دولية لوقف إطلاق النار وانسحاب الميليشيات من المدن، تمهيدًا لعودة الحل السياسي وتنفيذ المخرجات المتفق عليها في مؤتمر الحوار.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: التسوية السياسية: يعتمد هذا السيناريو على قدرة أطراف الصراع الداخلي وأطراف الصراع الخارجي (إيران والسعودية) على التوصل إلى اتفاق سياسي قائم على رؤية مرحلية لتنفيذ القرار الأممي 2216 يؤدي إلى إيقاف إطلاق النار ووضع جدول زمني للانسحاب من المدن وإخلاء مؤسسات الدولة وعودة الرئيس والحكومة إلى اليمن تحت حماية ورقابة دولية، يتم بعدها بحث مسألة تسليم الأسلحة للدولة.ويبدو هذا السيناريو بعيد المنال لأن أطراف الصراع الداخلي لا يزالون يحاولون كسب أكبر جزء ممكن من الأرض لاستخدامه كوسيلة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، ولأن الطرفين لا يزالان يملكان القوة للاستمرار والتوسع من وقت لآخر بدون وجود نصر عسكري حاسم لأي طرف سيظل العمل العسكري قائمًا على الأرض لفترة أطول.

وتحرص السعودية من الناحية الأخرى على تحقيق انتصار عسكري واضح يبرِّر سياستها الجديدة في التدخل العسكري المباشر والإنفاق الضخم على العملية العسكرية وتدريب القوات اليمنية وتسليحها. إن أي فشل في تحقيق الأهداف السعودية من الحرب سيكون له تأثيرات على الأوضاع الداخلية في المملكة؛ وهذا يشكِّل عاملًا عامًّا في إضعاف القدرة على التوصل إلى حل سياسي للأزمة.

السيناريو الثاني: الحسم العسكري للصراع واستعادة صنعاء: يعتمد هذا السيناريو على قدرة التحالف العربي وقوى المقاومة في الداخل على الاستمرار في التقدم العسكري من الجنوب إلى الوسط ثم من الوسط إلى الشمال. وتقوَّت فرص هذا السيناريو بعد خروج الحوثيين من كل مناطق الجنوب تقريبًا وتراجعهم في محافظات الوسط.

وقد بدأ التحالف العربي فعلًا في العمل على هذا السيناريو عبر الترويج لخطة "تحرير صنعاء" والحديث الإعلامي عنها بكثافة. لكن هذا السيناريو لا يزال يواجه عقبات؛ فقد استطاع تحالف الحوثيين-صالح مواجهة كل محاولات المقاومة للسيطرة على تعز وإب، ولا يزال يضرب بقوة في مأرب والبيضاء. كما أن الفراغ الأمني الذي تركه التحالف في المناطق المستعادة في الجنوب، والانتشار الملحوظ للقاعدة سيشكِّل عائقًا للتحركات العسكرية نحو الشمال إذا ما انفجرت أعمال العنف بين فصائل المقاومة المتعددة في الجنوب.

السيناريو الثالث: الفوضى والتفكك إلى كانتونات طائفية: قد يتحقق هذا السيناريو إذا وصل الصراع إلى حالة الجمود العسكري بدون سيطرة واضحة لأي فصيل. وإذا لم تنجح حكومة هادي في التحكم في الوضع الأمني في عدن فقد تتصاعد حوادث العنف والمواجهات التي قد تقوم بها القاعدة أو بعض فصائل الحراك الجنوبي.

كما أن جمود الوضع العسكري في الجنوب وعدم التوجه نحو الشمال سيدفع الفصائل المتعددة إلى محاولة فرض سلطة الأمر الواقع وملء الفراغ الذي تركته الحكومة وبداية صراع طويل بين الجماعات المسلحة على غرار السيناريو الليبي.

 

* حسين الوادعي باحث ومحلل سياسي يمني.

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية عاصفة الحزم القاعدة عبد ربه منصور هادي علي صالح الحوثيين التجمع اليمني للإصلاح

«جيزان» مقابل «عدن» !

«التليغراف»: حرب اليمن تثبت تنامي قوة السعودية وقد تدفعها للتدخل في سوريا

«رويترز»: دفة الحرب في اليمن تتحول لصالح دول الخليج

«ستراتفور»: «القاعدة» يزدهر على أنقاض اليمن و«صالح» يواصل الرقص على رؤوس الأفاعي

«ستراتفور»: الخيارات المعقدة للمملكة العربية السعودية في اليمن

جغرافيا الحرب والزراعة في اليمن

وكالة إيرانية تنشر مسودة اتفاق مباحثات مسقط حول اليمن

المخلوع «صالح» يدعو للحوار المباشر مع السعودية