لعبة «كسر التوازن»: ما يحتاج الجيش الأمريكي إلى معرفته

الخميس 3 سبتمبر 2015 01:09 ص

من هذا الذي لم ينبهر بإمكانيات لعبة «كسر التوازن»، تلك الطفرة التكنولوجية التي توفر المزايا العسكرية، بينما تترك المنافسين بينما تترك المنافسين في حيرة من أمرهم حول كيفية مواكبتها. يمكن لهذه اللعبة أن تزيد النفوذ أو أن تناضل من أجل ذلك، لكن فقط إذا كان ذلك في إطار دعم الاستراتيجية الأمنية الأكثر شمولا.

الأسلحة الكاسرة للتوازن ليست بديلا عن بناء القدرات التقليدية والاستراتيجية. ولكن لعبة كسر التوازن ينبغي أن تكون جزءا من الاستراتجية العسكرية الأمريكية.

لعبة كسر التوازن هي أمر حتمي لا مفر منه في الحروب. عاجلا أم آجلا فإن أحد هذه الأسلحة الكاسرة للتوازن سوف يظهر إلى السطح. الفرسان من قبائل المغول الذهبية أخذوا العالم كله على غرة. نجح الإنجليزي «بومان» في إفساد اليوم الفرنسي في «أجينكور» (هي معركة حربية وقعت في 25 أكتوبر 1415 بين الجيشين الإنجليزي والفرنسي قرب قرية أجنكور شمالي فرنسا). أطاحت المدفعية بالتحصينات الكبرى في أوروبا. إطلاق النار السريع وتطور البنادق الآلية غيرت وجه المعركة خلال الحرب العالمية الأولى. على مدار التاريخ، طالما كانت تبرز أسلخة وتكتيكات جديدة تجبر الجميع على إعادة التفكير في كيفية القتال. مثل هذا النوع من الإرباك هو جزء من الحرب.

جاءت الحرب العالمية الثانية بمجموعة غير مسبوقة من كاسرات التوازن. من الرادارات إلى الملاحة البحرية والترميز والقنابل الذرية. وفوجئت قوات مسلحة بأنه يتم قصفها بأشياء جديدة. وبعد الحرب صارت لعبة كسر التوازن جزءا من الثقافة الاستراتيجية الأميركية. وكان من المتوقع أن البنتاغون سوف يأتي دوما بمجموعة من القدرات التي لا يمتلكها أي من الآخرين ضمن ترسانتهم. في كثير من الأحيان، كان الجيش الأمريكي يفي بوعده. لم ير أحد من قبل تلك الأشباح التي قصفت أهدافا في بنما حيث تم تقديم طائرات «إف 117 إس» إلى العالم للمرة الأولى.

لكن علينا أن نعلم أن التكنولوجيا تظهر فقط عندما تكون جاهزة وليس عندما نريد ذلك. لا يوجد أي شيء يتزايد الطلب عليه مثل التكنولوجيا الرائدة. قدمت الحرب العالمية الثانية أمثلة لا تعد ولا تحصى. بالنسبة لمشروع منهاتن (مشروع أمريكي لإنتاج القنبلة الذرية في الأربعينيات) ، لقد كان مخططا وحشيا مثل شعاع الموت لـ«نيكولا تسلا» ( سلاح نظري يعمل بواسطة فيض جسيمات أو موجة كهرومغناطيسية، ولم يتم تطبيقه فعليا)، الفارق أنه كان وعدا حقيقيا وليس مجرد احتمال.

ولكن الخبراء الاستراتيجيين يفشلون بشكل أكثر إثارة للذهول حين يفكرون في لعبة كسر التوازن باعتبارها وسيلة لملء فجوة واضحة في القدرات الدفاعية . رأينا ذلك مؤخرا مع «تشاك هاغل». قبل أن تتم الإطاحة به من وزارة الدفاع، حيث كان يتبنى الفكرة المبتذلة لعمل «استراتجية تعويض» لملء النقص الواضح في القدرات العسكرية.

الخيارات الجوفاء لا تخدع أحدا. على الأقل فإنها لا تخدع منافسيك المحتملين. في الواقع، استراتيجيات التعويض جعلت الاختلالات الاستراتيجية أكثر سوءا لأنها تتطلب تجريد القدرات من أجل تمويل التطورات الجديدة التي قد تكون أو لا تكون كما هو متوقع منها. وبدلا من إلقاء نظرة على لعبة كسر التوازن كزر سحري وبديل سهل لقوة عسكرية متكاملة ينبغي أن ينظر إليها كجزء من استراتيجية تكميل القوة العسكرية.

أغراض اللعبة

كذلك، ما هي الأغراض الصالحة لمتابعة لعبة كسر التوازن؟ أحد الأسباب الرئيسية هي أن تضع في وجه المنافسين تحديا لا يمكن تجاوزه. ويندرج هذا الهدف ضمن استراتيجية شديدة الكلفة. وأفضل مثال على هذا النهج هي مبادرة الدفاع الاستراتيجي حين هددت الولايات المتحدة بنشر قوات دفاع صاروخية عالمية لتحييد تأثير الأسلحة النووية السوفيتية. بدت الجهود الأمريكية شاقة خاصة أنها كانت تبذل بالتزامن مع تراكم في القوات الأمريكية التقليدية، ولكنها شكلت تحديا للسوفييت لمواجهة الولايات المتحدة على جبهات متعددة.

أحد الأسباب الصالحة أيضا لتفسير خوض لعبة كسر التوازن هي فرض وتطبيق استراتيجية المفاجأة أو التلطيف منها. على سبيل المثال تستخدم الصين استراتيجية دفاعية تعرف باسم «استراتيجية تفريغ المساحات» أو «Area denial straegy» وتعني الاستراتيجية ببساطة أنه إذا كانت الصين تعجز عن مجاراة الولايات المتحدة في أي مواجهة مباشرة فإن عليها أن تحجم قدرة الولايات المتحدة على استخدام قدراتها"، إذا استطاعت الولايات المتحدة، من فراغ واضح، إثبات قدرتها على نفي سلطة الفراغ الصينية فسوف يكون ذلك يوما غائما في بكين.

كما يجب على الجيش الأمريكي أن تكون لديه القدرة على التكيف مع لعبة كسر التوازن عندما تفرض نفسها. في بعض الأحيان تظهر اللعبة بشكل مفاجيء لتطرق بابك. دعونا نكون واضحين، لم يبدأ سلاح الجو الأمريكي سوى مؤخرا في إدراك التأثير الثوري لنظام التحديد الموضعي (GPS) والذخيرة الموجهة بدقة (PGMS) .

بالإضافة إلى الحفاظ على عيونهم مفتوحة، يجب على الجيش أن يفرض رهاناته. لعبة كسر التوازن يمكن أن تأتي من جهات عديدة. سواء تم تزويد القدرات الجديدة من خلال «سكونك ووركس»، الاسم المستعار لمشاريع التطوير المتقدمة لشركة «لوكوهيد مارتن»، أو ربما من الشركات الصغيرة أو المؤسسات الأكاديمية أو حتى جراجات التصنيع. وعلاوة على ذلك قد تكون تلك التقنيات أبطأ أو أسرع من المتوقع.

تحتاج وزارة الدفاع «البتاجون» أيضا للتأكد من أنها تبحث عن العلم وليس السحر. في حين أنه من الحكمة أن تلقي شبكة واسعة في السعي المقبل وراء مثل هذا الأمر الكبير، فإن هذا السعي يجب معالجته من خلال فهم معقول للقليل من الأشياء مثل الفيزياء. شرائح باور بوينت الإعلامية لا يجب أن تنسجم مع قوانين الديناميكا الحرارية، ولكن الأسلحة الحقيقية عليها أن تفعل. التقييمات التكنولوجية الواقعية ينبغي أن تكون هي الأساس لمسؤولية خوض أي مخاطرة سعيا وراء الخاتم الذهبي لكسر التوازن.

الآن، ولعدد من الأسباب يبدو السعي وراء كسر التوازن أحد العناصر الهامة للاستراتيجية الدفاعية الأمريكية. تواجه الولايات المتحدة منافسين إقليميين أكثر قربا. حينما تكون عوامل الخطر وحالة الفاعلين الخطرين الذين يفترض أن تمارس الولايات المتحدة تطبيق قوتها العسكرية في مواجهتهم مكافئة لقدرات الولايات المتحدة الدفاعية فإن تقييم القوة العسكرية الأمريكية يصبح على المحك. في المدى القريب، فإن أفضل طريقة لمعالجة هذا النقص هو مع استراتيجية مركزة فعالة لسد الفجوة بين أين تقف قوة الولايات المتحدة اليوم وحيث يجب أن تكون لحماية المصالح الأميركية على نحو كاف.

يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تثبيط المنافسة عسكرية في المستقبل. كسر التوازن، جنبا إلى جنب مع تنشيط التحالفات الأساسية والقدرات التقليدية والاستراتيجية، يمكن أن يمهد الطريق لتهدئة الأجزاء المضطربة وذات الأهمية الاستراتيجية من العالم.

هناك العديد من مجالات المنافسة حيث يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من حافة حاسمة. وعلى الرغم من سعي الرئيس «أوباما» لعالم خال من الأسلحة النووية، فإن مخاطر الانتشار النووي صارت أكبر من أي وقت مضي. الفضاء الإلكتروني صار يشهد منافسة جدية، حرية المشاعات ليست مضمونة كما كانت عليه من قبل.

الولايات المتحدة لديها الكثير من الخيارات. فرص واعدة كثيرة لكسر التوازن في التخصصات التقنية حيث الولايات المتحدة تتربع في موقع الصدارة عالميا أو على الأقل قادرة على المنافسة عليها. من الطاقة الموجهة إلى الروبوتات، والعلوم الإنسانية، التكنولوجيا النانوية وما بعدها. هناك العديد من العلوم التي لديها فرص أن تشهد الطفرة المقبلة.

الولايات المتحدة تستطيع أن تكون قوة عظمى لكسر التوازن القائم. ولكن لسوء الحظ، فإن إدارة «أوباما» تواجه نقصا في التمويل لسد الاحتياجات الدفاعية الأساسية وهو ما يحتاج إلى إصلاح. وزارة الدفاع ينبغي أن تحصل على أكثر بكثير من التمويل الذي تحصل عليه. هذا الثمن الذي يجب أن تدفعه واشنطن حتى تكون قادرة على عادة بناء القوات المسلحة وتمويل جهد فاعل للعبة كسر التوازن.

 

  كلمات مفتاحية

الولاية المتحدة القوة العسكرية كسر التوازن الجيش الأمريكي أوباما أمريكا واشنطن

«سياتل تايمز»: إيران ثالث الهزائم الاستراتيجية الأمريكية بعد فيتنام والعراق

«فورين بوليسي»: إعادة النظر في خريطة التحالفات الأمريكية حول العالم

كيف بات صندوق البنتاغون لتمويل الحرب مفسدة للميزانية الأمريكية؟

الجيش الأمريكي ينفي التنسيق مع نظام «الأسد» في الهجمات ضد «الدولة الإسلامية»

الاستراتيجية العسكرية الأمريكية .. المزيد من الحروب

«الاحتواء الجديد»: استراتيجية أمريكية للأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي