ج.فيوتشرز: التطبيع الإماراتي ليس تاريخيا.. وأبوظبي أصبحت شريكا أقل شأنا لإسرائيل

الخميس 20 أغسطس 2020 03:37 م

أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في 13 أغسطس / آب عن معاهدة سلام تاريخية بين (إسرائيل) والإمارات، بالرغم أنهما لا يشتركان في الحدود ولم يخض أي منهما حربا ضد الآخر.

تضفي الاتفاقية الطابع الرسمي على العلاقات التي كانت تتحسن منذ عام 2004، عندما تسنى لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، مهندس السياسة الخارجية الإماراتية، أن يصبح الزعيم الفعلي للبلاد بفضل الحالة الصحية السيئة لأخيه غير الشقيق.

تطورت العلاقات مع (إسرائيل) من كونها جيدة لتصبح أفضل في ظل "بن زايد" (لم ينجح في هزها حتى اغتيال الموساد للقائد العسكري لحركة حماس في دبي عام 2010).

علاقات دافئة

في عام 2018، دعت الإمارات الرياضيين الإسرائيليين للمشاركة في بطولة الجودو الكبرى في أبوظبي وسمحت لهم برفع علمهم وغناء نشيدهم الوطني.

ورافقت وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية الرياضيين ودعتهم السلطات الإماراتية لزيارة مسجد الشيخ "زايد" الكبير في أبوظبي.

وبرزت أخبار في العام الماضي عن صفقة سرية تزود (إسرائيل) بموجبها القوات الجوية الإماراتية بطائرتين للمراقبة المتطورة.

كما سمحت الإمارات لـ(إسرائيل) بأن يكون لها جناحها في معرض "إكسبو 2020 دبي" (تم تأجيله الآن إلى عام 2021 بسبب كورونا).

وأقنع "بن زايد" رئيس المجلس الانتقالي الحاكم في السودان "عبد الفتاح البرهان"، بالاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في أوغندا في فبراير/ شباط الماضي، وسمح الاجتماع للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق الأجواء السودانية.

كما زودت أبوظبي (إسرائيل) بـ 100 ألف من معدات اختبار فيروس "كورونا" في يونيو/ حزيران الماضي، وذلك كبادرة حسن نية.

ولكن لماذا احتاجت الإمارات إلى توقيع معاهدة سلام مثيرة للجدل مع (إسرائيل) رغم العلاقات الممتازة أصلًا بين البلدين؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في كون "بن زايد" مناهض قوي للإسلاميين، وهو الدور الذي جعله محاربًا مخلصًا ضد الإسلاميين وبطل الثورات المضادة للربيع العربي.

وببساطة، فإن بحث "بن زايد" عن حلفاء موثوق بهم هو ما دفعه إلى إضفاء الطابع الرسمي على علاقاته مع (إسرائيل).

الترويج للصفقة

ينتهك قرار "بن زايد" بالاعتراف رسميًا بدولة (إسرائيل) الخطاب العربية الرسمي بأن الاتفاق على إنشاء دولة فلسطينية يجب أن يسبق التطبيع الكامل للعلاقات.

يزعم المسؤولون الإماراتيون أنهم نجحوا في تفادي ضم الضفة الغربية ووضعوا الفلسطينيين على طريق تشكيل الدولة، ويضيفون أن تطبيع العلاقات كان ضروريًا لمنع (إسرائيل) من ضم 30% من الضفة الغربية وإحياء محادثات السلام من أجل حل الدولتين.

لكن، لا يرى الكثير من الإسرائيليين أن الإمارات تغيّر الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط لأنها لا تلزمهم بتقديم تنازلات للفلسطينيين، وهم يوافقون على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الإمارات لأنه لا يكلف (إسرائيل) شيئًا ولا يتطلب منهم تغيير أي شيء.

يصر "نتنياهو" على أن الصفقة مع الإمارات تؤجل الضم ولا تلغيه، كما لم تقبل (إسرائيل) بوضوح إطلاقا مبدأ إقامة دولة للفلسطينيين، ولا تعدو ملاحظاتها في هذا الشأن كونها مجرد تظاهر بالموافقة.

أشارت اتفاقيات "كامب ديفيد" إلى الحكم الذاتي الفلسطيني، ولكن، يقتصر التصور الإسرائيلي لتقرير المصير للفلسطينيين على حكم ذاتي في جيوب مفككة شبه مستقلة.

تحدث "نتنياهو" في عام 2019 عن رأيه حول هذه القضية، قائلًا: "لن يتم إنشاء دولة فلسطينية مثلما يقول الناس، لن يحدث ذلك".

أفضل ما يمكن أن يقوله "ترامب" بشأن تعليق الضم هو أن الضم "غير مطروح الآن"، لكن السفير الأمريكي في (إسرائيل) كان أكثر وضوحًا حين قال: "لن يظل غير مطروح للأبد".

اعترف الدبلوماسي الإماراتي "عمر غباش" بأن اتفاق بلاده مع (إسرائيل) لا يضمن أنها لن تضم أجزاء من الضفة الغربية، قائلًا: "لم يتم نقش شئ على الحجر".

ويبدو أنه وافق على أن الاتفاقية لا تمنح الفلسطينيين أكثر من "فسحة تنفس" لاستئناف محادثات السلام مع (إسرائيل).

ردت السلطة الفلسطينية على الفور باستدعاء سفيرها في أبوظبي، ووصفت الاتفاقية بأنها خيانة للشعب الفلسطيني، كما ووصفتها "حماس" بأنها طعنة في الظهر.

الدوافع الحقيقية

الحقيقة هي أن الاتفاقية ليست استراتيجية ولا تاريخية، وتزعم الإمارات أن الاتفاقية تتوافق مع مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي اقترحت الاعتراف الكامل بـ(إسرائيل) والتطبيع معها مقابل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

لكن المبادرة جعلت التطبيع مشروطًا بإقامة دولة فلسطينية، بينما أغفل نص الاتفاقية الأخيرة بشكل صارخ الحديث عن ذلك.

كان هناك الكثير من الدوافع لدى محركي الاتفاقية، وهم الولايات المتحدة و(إسرائيل) والسعودية والإمارات، حيث إن لدى كل منهم مشاكله في الداخل، ويمكن للجميع الاستفادة من أي انتصار سياسي مهما كان سطحيًا.

أمام "ترامب" انتخابات صعبة، ويواجه "نتنياهو" تهم فساد مالي كبيرة، كما أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" قلق من مساءلة "جو بايدن" له بشأن مقتل "جمال خاشقجي" وانتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن دعم "بن زايد" القوي لـ"ترامب" يمكن أن يؤدي إلى تعقيد العلاقات مع "بايدن" إذا فاز في الانتخابات (لدى محمد بن زايد أيضًا مشاكل قانونية؛ حيث تدرس محكمة فرنسية ما إذا كان ينبغي توجيه الاتهام إلى الإمارات بارتكاب جرائم حرب في اليمن).

يعتقد المسؤولون الإماراتيون أن تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) سيمنحهم غطاءً أمنيًا إذا خسر "ترامب" الانتخابات وغيّر "بايدن" مسار الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، حيث يرى "بن سلمان" و"بن زايد" أن جماعات الضغط اليهودية في الغرب قادرة على حمايتهم من الملاحقة القضائية.

أما بشكل أكثر استراتيجية؛ فاتفاق السلام هو رد على انتشار النفوذ التركي في المنطقة، حيث تتعارض سياسة أنقرة الإقليمية الطموحة ونزعتها الإسلامية مع تدخل "بن زايد"، ورغبته في تحويل بلاده إلى قوة رائدة في الشرق الأوسط.

يستحق التوقيت الملاحظة أيضا؛ فقد وافق "بن زايد" على الاتفاقية بعد أسبوع من اجتماع افتراضي نادر بين وزيري خارجية الإمارات وإيران لتبادل التهاني بالعيد، ولا يرجح قيام الإماراتيين  بإخفاء خططهم للسلام مع (إسرائيل) عن الإيرانيين، فقد تحسنت العلاقات بين الإمارات وإيران بشكل ملحوظ في الأشهر الـ18 الماضية، ولم تتهم الإمارات إيران بالوقوف وراء الهجمات على ناقلات نفط في الفجيرة في عام 2019، رغم أن الكثيرين فعلوا ذلك.

كما زودت أبوظبي إيران بأدوات اختبار "كورونا" التي تشتد الحاجة إليها وتراجعت عن مواجهة أنشطة الحوثيين في اليمن.

في النهاية، يتعلق الأمر كله بحماية الإمارات لنفسها، والبحث عن ضامنين للأمن هو أمر تقليدي من دول مجلس التعاون الخليجي، فقد فشلت هذه الدول في خلق رؤية سياسية موحدة وبناء قوة عسكرية قادرة على حماية استقلالها، في الوقت الذي تبرز فيه خصومات وخلافات عمرها قرون.

ليس من السهل أن نتخيل أن الإمارات، التي لا تستطيع العمل بشفافية وبشكل بناء مع دول مجلس التعاون الخليجي، يمكنها العمل مع (إسرائيل) إلا كشريك أقل شأنًا.

نجحت دولة الإمارات في ترسيخ مكانة في النظام الاقتصادي الدولي كدولة تابعة واعتمادية لديها قطاع خدمات مزدهر، ويجب ألا يقرأ المرء اتفاقية السلام الإسرائيلية الإماراتية خارج هذا السياق.

المصدر | هلال خاشان/ جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية الإسرائيلية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي محمد بن زايد بنيامين نتنياهو

الجيش الإسرائيلي يحتفي بفيديو العلم الإماراتي في تل أبيب

ناشيونال إنتريست: تطبيع الإمارات يعني خروج أمريكا من المنطقة

ستيفن والت: تطبيع الإمارات تحصيل حاصل ووقف الضم خدعة