التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. إذا لم تستطع إقناعهم فأربكهم

الأحد 23 أغسطس 2020 05:28 م

تعتبر اتفاقية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تجسيدا لاستراتيجية "إذا لم تستطع إقناعهم فأربكهم"، وربما، من خلال اتخاذ الإمارات لمثل هذه الخطوة، تضيف فقط ارتباكا إلى الارتباك المستمر.

وجاءت الاتفاقية في وقت تسود فيه حالة من عدم اليقين الإقليمي بالنظر إلى الأزمات المختلفة التي تحدث، مثل التفشي العالمي لـ"كوفيد-19"، والأزمة الاقتصادية المترتبة على ذلك، وانفجار بيروت، والحرب المستمرة في اليمن، وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة.

وفي واقع الأمر، يمنح الاتفاق "نتنياهو" المزيد من الامتيازات، كما يمنح (إسرائيل) فوائد بشكل أكبر، وقال "نتنياهو" في خطاب تليفزيوني إن خطط ضم الضفة الغربية تم تأجيلها فقط، لكنها لا تزال مطروحة على الطاولة.

وصرح قائلا: "لا تغيير في خطة تطبيق السيادة على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة. أنا ملتزم بذلك. هذا لم يتغير. أذكركم أنني من طرحت موضوع السيادة على يهودا والسامرة على الطاولة، وهذه المسألة تبقى مطروحة على الطاولة".

ويعني كلامه أن الإمارات وافقت على التطبيع مقابل لا شيء.

من ناحية أخرى، بالرغم أن "نتنياهو" يواجه انتقادات داخل حزبه الليكود، الذي أيد أعضاؤه الضم بشدة، لكنه يراهن على أن يرى حزبه اتفاق السلام على أن له فوائد ممتدة أكثر من الضم أحادي الجانب.

ويمكن للاتفاق أيضا أن يعزز الأسهم الشخصية لـ"نتنياهو"، ويعزز مزاعم "نتنياهو" المحلية بأنه أنجز الكثير في قبول (إسرائيل) داخل العالم العربي، في الوقت الذي يواجه فيه اتهامات بالفساد، والفشل في إدارة أزمة "كوفيد-19"، مع ارتفاع البطالة بشكل كبير نتيجة إجراءات الإغلاق السابقة.

كما يأتي الاتفاق في وقت تعاني فيه حكومة "نتنياهو" الائتلافية الهشة من احتمال إجراء انتخابات مبكرة، لذلك، مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، فإن اتفاق سلام فوري مع دولة عربية مجاورة سيمثل إنجازا مهما لـ"نتنياهو".

ومع ذلك، لم يكن هناك زخم كبير حول الضم على المستوى المحلي في (إسرائيل) مع عودة ظهور حالات الإصابة بفيروس "كورونا"، وبالتالي كانت خطط "نتنياهو" مترددة تجاه الضم بالفعل قبل الاتفاق بوقت طويل.

كما قدمت الإمارات إنجازا دبلوماسيا قيما لـ"ترامب"، الذي يشهد تراجعا شديدا، ويمكنه الآن ادعاء التقدم في حل القضية التي طالما أزعجت الكثيرين، وهي التوترات العربية الإسرائيلية والبرنامج النووي الإيراني.

ويمنح الاتفاق أيضا فوزا دبلوماسيا نادرا لـ"ترامب"، في ضوء انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، وبالتالي يدعم الاتفاق بوضوح مزاعمه حول نيته التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي.

في المقابل قد تتعرض الإمارات لتهديدات من جانب إيران، لكن الإمارات تعمل على تهدئة التوتر مع طهران.

وبالتوازي مع التقارب مع (إسرائيل)، كان هذا الارتباط مع إيران يهدف إلى التخفيف من مخاطر اندلاع حرب إقليمية، وليس تحسينا جذريا في علاقة الإمارات مع إيران.

وبالنظر إلى التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، ووعود إيران بالانتقام بعد مقتل "قاسم سليماني" في العراق، ووجود مواجهة عسكرية محتملة خاصة في مضيق هرمز، استطاعت الإمارات أن توازن بين علاقاتها الأمريكية الإسرائيلية من جهة وعلاقتها بإيران من جهة أخرى.

وبينما دعمت الإمارات استراتيجية "أقصى ضغط" للرئيس "دونالد ترامب" تجاه إيران، فقد كانت قلقة بشأن سياسة حافة الهاوية في العلاقات الأمريكية الإيرانية في الخليج.

واتبعت أبوظبي سياسة تتمثل في اتخاذ خطوة للتقارب تجاه كل من إيران و(إسرائيل)، وبالفعل، يأتي تجميد خطط الضم في صالح إدارة "ترامب"، حيث تحافظ على تحالفها المناهض لإيران والذي نجحت الولايات المتحدة في بنائه بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي.

الخلاصة

يبدو الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي حول إيران أكثر منه حول القضية الفلسطينية وضم الأراضي، وترى كل من الإمارات و(إسرائيل) أن هدفهما الاستراتيجي المشترك هو احتواء إيران في المنطقة، بغض النظر عن أي تقارب بين الإمارات وإيران.

على وجه الدقة، يعتبر تعامل الإمارات مع إيران سلاما باردا مؤقتا وليس تقاربا حقيقيا، وفي الواقع، كانت الإمارات ذكية بما يكفي لتحقيق الاتفاق في وقت تتمتع فيه بعلاقات أفضل مع إيران، ولتكون قادرة على  تجنب أي انتقادات مستقبلية من قبل "ترامب" تجاه الإمارات في حالة تقارب الأخيرة مع إيران.

وتحاول الإمارات من خلال الاتفاق إنقاذ "ترامب" و"نتنياهو" من مشاكلهما السياسية.

كما تريد الإمارات أن ترفع من ثقلها المعنوي والاقتصادي والعسكري، باعتبار أنها تنتظر أرباحا بالاستفادة من الصناعات الإسرائيلية المتطورة، فضلا عن العوائد الأمنية والعسكرية.

كما تحصل الإمارات بموجب الاتفاقية على دفعة قوية في القيادة الإقليمية مقابل تركيا وإيران وقطر.

من جهة أخرى، اعتبر المسؤولون الفلسطينيون الاتفاق خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، وفي الواقع، يعد أحد أهم أهداف هذا الاتفاق هو محاولة تمهيد المشهد الفلسطيني والإقليمي والدولي لخليفة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي يفترض بوضوح أنه "محمد دحلان".

وتشبه هذه الحالة تجارب أخرى لتقديم قادة مثل "خليفة حفتر" في ليبيا، و"محمد حمدان دقلو" في السودان، وما إلى ذلك.

وسيعرض هذا المستقبل السياسي الفلسطيني لتفضيلات الإمارات، وكذلك السعودية، في حال تم التوصل إلى تسوية مع "محمد بن سلمان" ولم يحدث خلاف بين الطرفين.

ومن حيث الجوهر لم تتحقق كافة طموحات "نتنياهو" بعد، ولا يزال ينوي تحقيق أكثر مما تم تحقيقه.

وجاءت الإمارات لتحقق أحلام "نتنياهو"، لكن من خلال إثارة البلبلة وإعطاء متنفس لكل من (إسرائيل) والولايات المتحدة لإعادة ترتيب المنزل من الداخل وسط أزمات مختلفة تضرب المنطقة.

وربما نسمع قريبا عن خطة إماراتية أخرى للسلام تزيد من خلالها من تلميع صورتها كـ"منارة للتسامح" في الشرق الأوسط، مع إبراز نفسها في سباق الاعتراف الإقليمي بـ(إسرائيل) بين دول الخليج المجاورة.

المصدر | محجوب زويري | مركز دراسات الخليج - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي دونالد ترامب بنيامين نتنياهو

بعد التطبيع مع إسرائيل.. هل تحصل الإمارات على أسلحة أمريكية متطورة؟

عضوان بمنتدى السلم ينفيان علمهما ببيان أيد التطبيع الإماراتي

بعد التطبيع.. مواجهة منتظرة بين مستثمري إيران وإسرائيل في الإمارات

حمدين صباحي يهاجم الإمارات: التطبيع استكمال لدورها التخريبي

واشنطن: بومبيو يزور 4 دول بالشرق الأوسط لتعميق العلاقة مع إسرائيل

4 أعضاء يتبرأون من بيان منتدى إماراتي ثمّن التطبيع