السر الحقيقي وراء اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل

الأحد 30 أغسطس 2020 07:25 م

قد يبدو ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" متهورا، لكنه نادرا ما يتصرف دون خطة أكبر في حسابه، لذا يدور التساؤل حول ما تحصل عليه الإمارات و"بن زايد" من قراره الدراماتيكي بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل).

لا أحد يشك في الفوائد السياسية الكبيرة التي يمنحها الاتفاق لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

ويحصل "ترامب" على انتصار في السياسة الخارجية في خضم حملة إعادة انتخابه حيث يظهر كصانع سلام كبير وداعم لـ (إسرائيل).

وهذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لـ"جاريد كوشنر"، صهر "ترامب" المسؤول عن كل شيء، التباهي بإنجاز حقيقي بعد 3 أعوام من الترحال في صحراء السياسة.

وبالنسبة لـ"نتنياهو"، فإنه يستطيع ارتداء عباءة "مناحيم بيجن" و"إسحاق رابين" كرجل دولة عظيم صنع السلام مع دولة عربية، وإن كانت أقل مكانة من مصر والأردن، جيران (إسرائيل) وخصومها العسكريين السابقين.

ويأتي هذا الإنجاز في وقت مناسب لـ"نتنياهو"، الذي يواجه لائحة اتهام جنائية، وانتقادات شديدة لفشله في مواجهة "كوفيد-19"، مع احتمالات بإجراء انتخابات جديدة.

وفي ظاهر الأمر، لم يدفع "ترامب" ولا "نتنياهو" الكثير من الثمن لهذا النجاح، وحتى كتابة هذه السطور، لا تظهر سياسات "ترامب" في الخليج أي بوادر على التغيير لصالح الإمارات سواء في موضوع قطر أو الوجود الأمريكي في الخليج أو إيران.

ومن الصعب تخيل ما يمكن أن يفعله "ترامب" لمنح ميزة جوهرية لأبوظبي في تنافسها مع الدوحة، ومن المؤكد أنه لن يلغي عقود أسلحة مع قطر تبلغ قيمتها نحو 15 مليار دولار، ولا يمكنه أن يقرر التخلي عن أكبر استثمار عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، وهو قاعدة "العديد" الجوية في قطر.

وحتى لو كان "ترامب" يخطط بالفعل لمفاجأة في أكتوبر/تشرين الأول، بحرب في اللحظة الأخيرة مع إيران من أجل الحصول على ميزة انتخابية، فلن يفيد هذا الاتفاق في شيء لدفع خططه للأمام.

وقدم "نتنياهو" تنازلا واحدا محفوفا بالمخاطر، وهو إعلانه عن "تعليق" ضم الضفة الغربية، ومع ذلك، يأتي هذا الوعد مقرونا بإعلانه "لن أتخلى أبدا عن حقنا في أرضنا".

ولم يتم طرح الضم على الطاولة خلال هذه الاتفاقية، فقد تم التراجع عن قرار الضم قبل بضعة أشهر لأنه حتى إدارة "ترامب" رأت أن الضم لن يكون في مصلحته في الفترة التي تسبق الانتخابات.

ومن المحتمل أن تعليق الضم حاليا أداة بيد "نتنياهو" إذا احتاج إلى فعل شيء دراماتيكي قبل إجراء أي انتخابات جديدة.

وفي أسوأ التبعات، أثار "نتنياهو" غضب بعض قادة المستوطنين الأكثر تطرفا، ويعتقد البعض أن تعليق الضم قد يتسبب في بعض المشاكل الصغيرة لـ"ترامب" مع الإنجيليين الأمريكيين الموالين لـ(إسرائيل)، ولا يبدو أن هذا يمثل مشكلة، فهذا الجزء من قاعدته لم يبد موقفا حتى الآن على اعتراض "ترامب" على الضم.

إذن علام تحصل الإمارات من هذا؟

حسنا، كتب "محمد بن زايد" على "تويتر" أن الاتفاق "أوقف الضم"، رغم إصرار "نتنياهو" على أن التعليق مؤقت فقط.

ويدعي "بن زايد" أن تصرفه يضمن وصول المسلمين إلى الحرم الشريف، ولكن لم يصرح أحد بأي شيء حتى الآن يوضح هذه القضية.

ويرى عدد من المعلقين أن الإمارات كسبت حليفا مهما في مواجهتها مع إيران، لكن الاتفاق لا يغير شيئا في سياسة (إسرائيل) تجاه إيران.

وأصابت الضربات الجوية الإسرائيلية أهدافا إيرانية أو مرتبطة بإيران في سوريا بشكل شبه أسبوعي، ولا تبذل (إسرائيل) سوى جهد محدود لتجنب اتهامها بتفجيرات إيران.

وقد يكره الملالي (إسرائيل)، لكنهم لا يخشونها عسكريا بأي حال من الأحوال أكثر مما يخشون التهديد العسكري الأمريكي، ولا يضيف التقارب الإسرائيلي مع الإمارات شيئا إلى تقييم التهديد الدفاعي لإيران، ولا يوجد شيء تقدمه (إسرائيل) للإمارات في حرب مع إيران أكثر مما يمكن أن يقدمه الأمريكيون.

وقد أشار وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" على وجه التحديد إلى أن الاتفاق لا يستهدف إيران، وربما كان يعني ذلك بالفعل.

ويقول آخرون إن الاتفاق مع (إسرائيل) يمنح الإمارات إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية التي تفتقر إليها حتى الآن.

وتصدر (إسرائيل) بالفعل الكثير من التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية إلى الإمارات، فلماذا تسمح هذه الاتفاقية لـ(إسرائيل) بتوسيع القائمة؟ كما أن الاتفاقية لا تمنح الإمارات أي وصول إلى المعدات أمريكية الصنع التي لا تمتلكها (إسرائيل) الآن.

ويبدو الحديث حول أن هذه الاتفاقية من شأنها أن تغير حسابات الولايات المتحدة لبيع مقاتلة "إف-35" إلى الإمارات، أمر مضحك بصراحة، فلا يوجد سوى (إسرائيل) في الشرق الأوسط التي تشغل أفضل طائرة مقاتلة أمريكية ولن تسمح (إسرائيل) بتغيير هذا الوضع.

وبالنسبة للإمارات، فقد أقدمت على مخاطرة كبيرة من خلال اعتمادها على وعود "نتنياهو" بعدم إعادة فتح قضية الضم.

وأشارت عدة مصادر إلى أن الإمارات و(إسرائيل) كانت لهما علاقات اقتصادية واستراتيجية من قبل، وأن الدولتين (يفصل بينهما ما يقرب من ألف ميل ولم تلتق قواتهما قط في معركة) وليس بينهما مشاكل قد تدفعهما إلى القتال.

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فالاحتلال الإسرائيلي لم يتغير، وليس هناك ما يشير إلى أن هذه الاتفاقية يمكنها دفع الفلسطينيين للتخلي عن حق تقرير المصير.

وتكهن البعض بأن الإمارات أبرمت هذه الاتفاقية مع (إسرائيل) من أجل الحصول على دعم "ترامب" في نزاعها مع قطر، وكانت قطر أول دولة خليجية أقامت علاقة رسمية مع (إسرائيل) في عام 1996.

وفي العام نفسه، ألغت قطر مقاطعة (إسرائيل) وأقامت اتصالات معها، والأهم من ذلك، تمول قطر غزة بما يصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويا بدعم كبير من أجهزة الأمن الإسرائيلية، فهل ستتحمل الإمارات الفاتورة وترسل الأموال إلى منطقة يسيطر عليها أحد فروع جماعة "الإخوان المسلمون" المكروهة إماراتيا؟

وهناك حجة سطحية أكثر منطقية تقول إن الإمارات تريد الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية لتحسين تقنيتها، وبحسب البعض، تعتقد الإمارات أن العلاقة مع (إسرائيل) ستحسن من مكانتها حيث يمكنها توفير الموارد اللازمة والاستفادة من الأشخاص الأكثر ذكاءً في (إسرائيل).

وتفترض هذه الحجة أن الدول الأخرى لا يمكنها الحصول على الشيء نفسه بدون مثل هذا العبء السياسي.

وقد تبدو هذه صفقة غير مربحة إلى حد ما لأبوظبي، وليست من النوع الذي يمنح "بن زايد" نصرا، ما لم تكن هناك لعبة أخرى تجري على قدم وساق.

وربما يجب أن ننظر إلى العلاقة طويلة الأمد بين السعودية والإمارات لشرح ما يبدو أنه لا يمكن تفسيره، فقد كسر هذا الاتفاق الإجماع العربي والإسلامي القائم منذ فترة طويلة على أن جميع العلاقات مع (إسرائيل) يجب أن تستند إلى "مبادرة السلام العربية لعام 2002" التي ترعاها السعودية.

فماذا تكسب الإمارات من الخروج من هذا الإجماع بالذات؟

لطالما خشيت دول الخليج الأصغر من جارتين مفترستين، إحداهما إيران والأخرى السعودية.

وجاء التهديد الرئيسي للدول الصغيرة في الخليج خلال 170 عاما من الحماية البريطانية من المناطق الداخلية الصحراوية لشبه الجزيرة العربية، وليس من بلاد فارس.

ولم يبذل البريطانيون أي جهد يذكر للحفاظ على محمياتهم آمنة من قبائل نجد والأحساء، وعندما أسس "عبدالعزيز بن سعود" المملكة العربية السعودية أخيرا، أوضح أنه وجد السيطرة البريطانية على ساحل الخليج أمرا غير مقبول.

ويتفق جميع المؤرخين على أن "عبدالعزيز" أبرم اتفاقاته مع الأمريكيين للسماح لما أصبح فيما بعد "أرامكو" باستغلال الثروة النفطية السعودية لإبعاد البريطانيين.

ويجب أن ننظر إلى العلاقات الدفاعية التي أقامها الملك "عبدالعزيز" مع الرئيس "فرانكلين روزفلت" عام 1945 بنفس الطريقة، وكان "عبدالعزيز" يخشى البريطانيين أكثر من السوفييت.

يشار إلى أن أول دولة أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع مملكة الحجاز ونجد (اسم الدولة السعودية حتى عام 1932) كانت الاتحاد السوفييتي، وبدأت العلاقات معها عام 1926 كوسيلة للرياض للوقوف في وجه المملكة المتحدة.

وقام "آل سعود" بعدة محاولات فاشلة للاستيلاء على الأراضي من "الإمارات المتصالحة" والتأثير عليها، ونشأ "نزاع البريمي" من عام 1949 حتى عام 1974 بمطالبة السعودية بالسيادة على جزء كبير من أراضي أبوظبي كان يُعرف آنذاك باسم "واحة البريمي".

وادعى السعوديون أحقيتهم التاريخية في الأراضي التي تعود إلى الفتوحات الوهابية في الفترة ما بين 1800 إلى 1870، وعارضت أبوظبي ومسقط المزاعم التي أدت إلى هدنة بموجب "اتفاقية لندن" لعام 1950 للتفاوض السلمي حول قضايا السيادة.

ومع ذلك، حاول السعوديون الاستيلاء على "البريمي" عام 1952، عندما احتلت قوة صغيرة من الجيش الأبيض (الحرس الوطني السعودي الآن)، بقيادة أمير رأس تنورة، قرية عمانية في الواحة، مدعيا أنها جزء من المنطقة الشرقية في السعودية.

واستمرت الأعمال العدائية العنيفة لبضعة أعوام، تتخللها مفاوضات، إلى أن سئم البريطانيون من النزاع وأرسلوا قواتهم الاستعمارية لطرد السعوديين بالقوة.

وتمت تسوية الخلاف في عام 1974 بموجب معاهدة جدة بين رئيس الإمارات الجديد الشيخ "زايد" والملك "فيصل" ملك السعودية.

وفي الآونة الأخيرة، منعت السعودية مواطنين إماراتيين من دخول المنطقة باستخدام بطاقات الهوية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات 1974، وردت الإمارات بالقول إن الاتفاقيات لم يتم التصديق عليها قط.

وفي وقت سابق، كانت السعودية قد دعمت التمرد ضد سلطان عمان خلال "حرب الجبل الأخضر"، من 1954 إلى 1959.

وقد لجأ قادة التمرد إلى المملكة بعد هزيمتهم، وكانت الحرب على حقوق النفط ظاهريا، لكنها عكست تصميم السعودية على التخلص من البريطانيين.

وحتى بعد أن غادر البريطانيون الخليج، استمرت السعودية في الضغط على قضايا الحدود، وتعرضت العلاقة بين قطر والسعوديين لضربات في عام 1990، بالرغم من تحالفهما ضد الاحتلال العراقي للكويت، حيث فقد 4 من حرس الحدود حياتهم.

وبذلت السعودية قصارى جهدها لمنع تشكيل دولة الإمارات، وربما فاقمت الصراع بين البحرين وقطر من أجل إبقاء هذين البلدين خارج الاتحاد الجديد.

وكتب البروفيسور "جيمس دورسي"، الخبير في الشأن الخليجي، أن "اعتراف الإمارات بـ(إسرائيل) يضع السعودية أكثر من أي دولة خليجية أخرى في موقف حرج فيما يتعلق بإقامة علاقات مع (إسرائيل)، ويضع "محمد بن زايد" في مقعد القيادة.

وتخشى السعودية من أن أي تحد لقيادتها يمكن أن يغذي المطالب بنزع الوصاية على مكة والمدينة من المملكة وتحويلهما إلى إدارة عامة من هيئة إسلامية.

ويقوض الإجراء الإماراتي صورة السعودية كقائدة للعالمين العربي والإسلامي، وهو يتعارض مع مبادرة السلام السعودية التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 2002، التي هو حتى الآن الموقف العربي الموحد من من القضية الفلسطينية.

ولا يمكن للسعودية أن تتبع الإمارات بسهولة، لأسباب ليس أقلها أنه لا يمكن أن يُنظر إليها على أنها تتبع دولة خليجية أصغر منها.

وفي التحليل النهائي، تتطلب الادعاءات السعودية بالزعامة الإسلامية أن يحصل السعوديون على أكثر من مجرد وعد من "جاريد كوشنر" بجعل الحرم الشريف والمسجد الأقصى متاحا لجميع المسلمين للصلاة تحت الولاية القضائية الإسرائيلية.

ونادرا ما اعترض الملك "سلمان" على تصرفات وتصريحات نجله ولي العهد "محمد بن سلمان"، إلا عندما ألمح "بن سلمان" إلى تحسين العلاقات مع (إسرائيل).

وسوف يتسبب التخلي عن القضية الفلسطينية نهائيا لصالح (إسرائيل) في تقويض الدور الذي تدعي المملكة القيام به باعتبارها خادمة للحرمين الشريفين.

وتتبنى الإمارات، أكثر من معظم دول مجلس التعاون الخليجي، نظرة طويلة الأمد للسياسة، وأنشأت أبوظبي أول مركز أبحاث خليجي، وهو مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في عام 1994.

ولم يخف القادة الإماراتيون أبدا مخاوفهم واستياءهم من الجهود السعودية للهيمنة، والآن، نرى الإمارات وهي تضع نفسها دبلوماسيا وعسكريا لتحدي المملكة في المستقبل.

وعملت أبوظبي بجد للتأثير على عُمان، وحولت أبوظبي تدخلها المشترك مع السعودية في اليمن إلى وسيلة لإثارة النزعة الانفصالية في جنوب اليمن وعدن.

وأنشأت الإمارات قواعد بحرية في جيبوتي وسقطرى، وتمكنها هذه الإجراءات من منع الوصول إلى كل من هرمز وباب المندب في حال حدوث مواجهة مع السعودية.

والآن، وبعد أن أقام علاقة أمنية مع (إسرائيل)، وضع "بن زايد" الرياض في موقف لا تحسد عليه في أي مواجهة مستقبلية مع أبوظبي.

المصدر | باتريك ثيروس | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاق التطبيع الإماراتي العلاقات الإماراتية الإسرائيلية محمد بن زايد

إسرائيل: نأمل توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات بواشنطن سبتمبر المقبل

أول طائرة من إسرائيل إلى أبوظبي تحمل كلمة "سلام" بـ3 لغات

إماراتية وإسرائيلية ترأسان تجمعا دوليا لتعزيز السلام

إسرائيل تصادق على بناء 5000 وحدة استيطانية بالضفة الغربية