بعد صعود وهبوط.. العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أين؟

السبت 12 سبتمبر 2020 02:29 م

اعترفت تركيا بـ(إسرائيل) عام 1949، لتصبح أول دولة إسلامية تتبادل مع (تل أبيب) البعثات الدبلوماسية. ومنذ ذلك الحين، مرت علاقة الجانبين بالعديد من محطات الصعود والهبوط. في عام 2004، منح المجلس اليهودي الأمريكي جائزة "الشجاعة" لرئيس الوزراء آنذاك "رجب طيب أردوغان" بسبب موقفه الإيجابي تجاه (إسرائيل) ويهود العالم. بعد 10 سنوات، طُلب من "أردوغان" إعادة الجائزة بسبب انتقاداته الشديدة لـ(إسرائيل)، وهو ما فعله "بكل سرور".

وصلت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها مرة أخرى، بعد الاشتباكات حول القضية الفلسطينية وأمور أخرى. لكن من غير المحتمل أن يبقى الوضع على هذا النحو؛ فكلا الجانبين في حاجة إلى حلفاء إقليميين، وستتغلب مصالحهما الاقتصادية والأمنية على أي خلافات دبلوماسية.

مرحلة شهر العسل

في عام 1957، أقام البلدان علاقات استخباراتية وأمنية سرية ردا على تغلغل الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط وتزويده مصر وسوريا بالمعدات العسكرية والمساعدة الفنية. بعد ذلك بعام، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي "ديفيد بن جوريون" سرا نظيره التركي، وتم تشكيل تحالف يستهدف التعاون العسكري والاستخباراتي واحتواء الشيوعية.

ومع ذلك، كان الجانبان أيضًا على خلاف حول عدة نقاط طوال كافة مراحل علاقتهم. في عام 1956، خفضت تركيا بعثتها الدبلوماسية إلى (إسرائيل) بعد أن شاركت (إسرائيل) في الغزو الأنجلو-فرنسي لمصر. وفعلت أنقرة ذلك مرة أخرى في عام 1980 عندما صوت البرلمان الإسرائيلي على ضم مرتفعات الجولان.

وفي عام 1975، صوتت تركيا لصالح قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، وسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بفتح مكتب لها في أنقرة عام 1979. في الواقع، بالرغم أن الأتراك لم يشككوا أبدًا في حق (إسرائيل) في الوجود، إلا أن القضية الفلسطينية كانت عقبة مستمرة لتحسين العلاقات بين البلدين.

لكن بعد توقيع اتفاقات "أوسلو" بين رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" والزعيم الفلسطيني "ياسر عرفات" في واشنطن عام 1993، مرت تركيا و(إسرائيل) بمرحلة شهر عسل دبلوماسي. تم تشكيل السلطة الفلسطينية بعد ذلك بوقت قصير في عام 1994، وزارت رئيسة الوزراء التركية "تانسو تشيلر" غزة ووعدت بدعم الفلسطينيين بكل طريقة ممكنة، بما في ذلك من خلال المساعدة في بناء مطار وميناء ودعم الإسكان ومشاريع البنية التحتية الأخرى.

استمر شهر العسل عقدًا من الزمان، وتضمنت العلاقات الجوانب الاقتصادية والسياحية والأمنية ونقل التكنولوجيا التي ساعدت في تعزيز الجيش التركي. وعلى عكس التوقعات، تعززت العلاقات التركية الإسرائيلية بالفعل بعد أن أصبح "نجم الدين أربكان"، الذي قاد حزب "الرفاه" الإسلامي، رئيسًا للوزراء في عام 1996. وخلال فترة توليه منصبه القصيرة، وافقت تركيا على السماح لطياري سلاح الجو الإسرائيلي بالتدريب في المجال الجوي التركي.

تدهور العلاقات

بدأت العلاقات تتغير في عام 2003 عندما أصبح "أردوغان" رئيسا للوزراء. بعد أن اغتالت (إسرائيل) زعيم حماس الشيخ "أحمد ياسين"، وصف "أردوغان" عملية الاغتيال بأنها إرهاب دولة. وفي سبتمبر/أيلول 2007، حلقت القوات الجوية الإسرائيلية فوق المجال الجوي التركي خلال مهمة لتدمير مفاعل نووي سوري شمال شرق دمشق؛ مما أحبط جهود تركيا لإحلال السلام بين سوريا و(إسرائيل).

في عام 2008، انسحب "أردوغان" من قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس احتجاجًا على عملية "الرصاص المصبوب" التي شنتها (إسرائيل) ضد غزة. وفي عام 2009، منع "أردوغان" القوات الجوية الإسرائيلية من المشاركة في مناورات "نسر الأناضول" مما أدى إلى إلغاء التدريبات.

وانهارت العلاقات في 2010، عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية 10 ناشطين أتراك على متن السفينة "مافي مرمرة" بينما كانت السفينة تحاول كسر الحصار المفروض على غزة. وبعد أن رفضت (إسرائيل) الاعتذار عن الحادث، طردت تركيا السفير الإسرائيلي في أنقرة.

ومع ذلك، استمر الجانبان في التعاون على عدة جبهات. ففي عام 2012، أصلحت (إسرائيل) 5 طائرات بدون طيار من طراز "هيرون" الإسرائيلية، وأعادتها إلى تركيا. ولاحقا استخدمت تركيا هذه الطائرات لتصنيع طائراتها بدون طيار "بيرقدار"، والتي ظهرت كفاءتها في ليبيا وسوريا. وفي نفس العام، أرسل "أردوغان" ممثلا رفيع المستوى للقاء المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، في محاولة لإحياء العلاقات الدبلوماسية.

وفي عام 2013، وافقت شركة "أيلتا سيستم" الإسرائيلية، بعد ضغوط أمريكية، على تسليم أنظمة إلكترونية محمولة جوا للقوات الجوية التركية كإجراء لبناء الثقة بعد أزمة قضية أسطول "مافي مرمرة". بعد ذلك، في عام 2016، ساعد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في وساطة أثمرت عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين وكذلك إعادة السفراء.

لكن الدفء في العلاقات لم يدم طويلا؛ حيث قامت تركيا مرة أخرى بطرد السفير الإسرائيلي ردا على قتل (إسرائيل) 290 متظاهرا فلسطينيا يطالبون بإنهاء الحصار المفروض على غزة في عام 2018. وبعد الاعتراف علنا ​​بتبادل المعلومات الاستخباراتية لمدة 24 عاما، رفضت تركيا الإعلان عن اجتماعاتها الاستخباراتية مع (إسرائيل). واستمرت في ممارسة نفوذها بين عشرات الجماعات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، بما في ذلك القدس، من خلال المساعدات المالية وأنواع الدعم الأخرى.

في كل مرة تهاجم فيها (إسرائيل) غزة وتتسبب في وقوع إصابات كبيرة، يصفها "أردوغان" بأنها تمارس "إرهاب الدولة". وقد حذر مرارا من أنه لن يسمح لـ(إسرائيل) بضم أجزاء من الضفة الغربية. لكن هذه التهديدات لا تتعدى استدعاء السفراء وتقليل البعثات الدبلوماسية؛ حيث يواصل الجانبان تبادل المصالح الاقتصادية التي لطالما تجاوزت الخلافات السياسية. فبالرغم من العلاقات المتوترة، زادت قيمة التبادل التجاري بين الجانبين من 4.7 مليارات دولار في عام 2015 إلى 6.1 مليار دولار عام 2019.

ويواصل البلدان التنسيق بشأن المسائل الأمنية، كما تفعل الدول المتخاصمة في كثير من الأحيان لمنع المزيد من التدهور في العلاقات. وجرى آخر اجتماع معروف بين رئيسي المخابرات التركية والإسرائيلية في واشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي. ويشترك الجانبان في مخاوفهما بشأن وجود إيران ووكيلها اللبناني "حزب الله" في سوريا. في الواقع، تابع الجيش الإسرائيلي باهتمام كبير تمكن الجيش التركي من هزيمة وحدة النخبة التابعة لـ"حزب الله" في إدلب، فبراير/شباط الماضي.

إعادة بناء العلاقة

اعتقد "أردوغان" بعد الثورات العربية أن التغيير السياسي سيكتسح المنطقة، وسيعزز مكانة تركيا الإقليمية، لكن الثورات المضادة حطمت آماله، وقلبت العديد من الدول العربية ضد أنقرة. ومع ذلك، لا تزال (إسرائيل) حريصة على استعادة العلاقات الوثيقة مع تركيا، التي تعتقد أنها يمكن أن تساعد في مواجهة التهديد الإيراني. يشار إلى أن العلاقات المتنامية لأنقرة في آسيا الوسطى وتعزيزها للنزعة القومية التركية تُعقدان قدرة طهران على التوسع في هذه الجمهوريات السوفيتية السابقة.

انتقد "أردوغان" بشدة اتفاقية السلام الإسرائيلية الإماراتية الأخيرة، لكن من غير المرجح أن يقوم بأي خطوات انتقامية. وتتضمن الصفقة عنصرا قويا في هيكل الاقتصاد المستقبلي للمنطقة، ولا تريد تركيا أن تُستبعد من اللعبة حيث أن فرصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضئيلة، ومن شأن استبعادها من اقتصاد الشرق الأوسط أن يدمر آفاق التنمية الاقتصادية.

بالرغم أن تقريرًا للاستخبارات الإسرائيلية لعام 2020 أدرج تركيا في قائمة الدول والمنظمات التي تشكل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي، فإن صانعي القرار الإسرائيليين يميلون إلى اعتبار خطاب "أردوغان" الناري على أنه غير مهم من الناحية الاستراتيجية، ولا يشكل تهديدا حقيقيا. كما أن (إسرائيل) حريصة على الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة مع تركيا، بغض النظر عما يقوله "أردوغان".

ويعد أحد أكبر مخاوف تركيا بشأن (إسرائيل) هو تعاونها مع مصر واليونان وقبرص الرومية في شرق البحر المتوسط؛ حيث تتداخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلنتها تركيا مؤخرا في شرق البحر المتوسط مع طرق الشحن المستخدمة لـ99% من التجارة الخارجية لـ(إسرائيل)، لكن هناك إمكانية للتعاون بين الجانبين في هذا المجال. ولا تعارض (إسرائيل) توقيع اتفاقية بحرية مع تركيا لتخفيف التوترات في المنطقة.

ورفضت (إسرائيل) المصادقة على إعلان مشترك في مايو/أيار وقعه وزراء خارجية فرنسا ومصر واليونان وقبرص الرومية والإمارات ضد الأنشطة التركية في شرق البحر المتوسط. وبالنظر إلى حالتها الاقتصادية الملحة وحاجتها إلى الموارد الطبيعية، فمن المحتمل أيضًا أن تكون تركيا منفتحة على الحفاظ على علاقات عمل جيدة مع (إسرائيل) وبالتالي واشنطن.

ويعتبر الاختبار الحقيقي لتحسن العلاقات التركية الإسرائيلية هو استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء. ولدى تركيا، المعزولة الآن عن جزء كبير من الشرق الأوسط وأوروبا، سبب مقنع لاستعادة العلاقات. وبالمثل فإن (إسرائيل)، التي أقامت علاقات قوية مع جميع خصوم أنقرة، تبحث عن المزيد من الحلفاء في المنطقة.

وفي إشارة إلى صعود "نجم الدين أربكان" إلى منصب رئيس الوزراء في التسعينيات، قال الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز": "قد تتغير الحكومات، لكن المصالح الأساسية تبقى". لا يحتاج الجانبان إلى الاتفاق على كل شيء، لكن ما يجمعهما يتجاوز ما يفرق بينهما.

المصدر | هلال خاشان - جيوبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو

تركيا والقضية الفلسطينية.. تضامن إسلامي أم برجماتية سياسية؟

كاتب إسرائيلي: صداقة جديدة تلوح بالأفق بين أنقرة وتل أبيب