هل تستطيع تركيا إزاحة مصر من ملف المصالحة الفلسطينية؟

الخميس 1 أكتوبر 2020 02:01 م

كانت مصر المضيف التقليدي لمحادثات المصالحة بين "فتح" و"حماس"، لكن الجولة الأخيرة من المحادثات بين الحركتين الفلسطينيتين المتنافستين جرت في إسطنبول، ما يسلط الضوء على الدور التركي المتنامي في القضية الفلسطينية.

وكانت الخطوة الأخيرة نتيجة مجموعة من العوامل، تشمل طموحات تركيا في الشرق الأوسط، وزيادة تواجد "حماس" في إسطنبول، والتحول الدراماتيكي في العلاقات العربية الإسرائيلية ما يحرم "فتح" من الدعم المالي ويعمق يأسها، ولكن إلى أي مدى يمكن أن تذهب تركيا في دورها في هذا الملف؟

وفي 24 سبتمبر/أيلول الماضي، انتهت المحادثات التي استمرت 3 أيام في إسطنبول، بإعلان أن "فتح" و"حماس" اتفقتا على إجراء أول انتخابات فلسطينية منذ نحو 15 عاما.

وسبق المحادثات اجتماع غير مسبوق في 3 سبتمبر/أيلول الماضي بين قادة الفصائل الفلسطينية الرئيسية في رام الله وبيروت ومكالمة هاتفية بين الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

واتفق الوفدان، بقيادة أمين عام اللجنة المركزية لحركة "فتح"، "جبريل الرجوب"، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، "صالح العاروري"، على إجراء انتخابات تشريعية في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة في غضون 6 أشهر، ثم المضي قدما في الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ومن المتوقع أن يجتمع قادة الفصائل الفلسطينية مرة أخرى تحت رعاية "عباس" خلال الشهر الجاري لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل المصالحة والانتخابات.

ومنذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة عام 2007، أجرت الحركة جولات عديدة من المحادثات مع "فتح" ووقعا ما يقرب من 12 اتفاقا لم يحقق أي منها هدف الوحدة بعد.

وقال مصدر فلسطيني مطلع على محادثات إسطنبول لـ"المونيتور" إن تركيا لعبت دورا تيسيريا رغم سياساتها الموالية لـ"حماس".

وبشكل عام، تفضل تركيا "حماس"، ولكن نتيجة لعوامل مثل انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس وتطبيع الإمارات والبحرين للعلاقات مع إسرائيل، اقتربت "فتح" أيضا من تركيا.

وقال المصدر: "تميل فتح الآن إلى التعامل مع تركيا، وتستغل تركيا هذا جيدا، وقد لعبت دورا تصالحيا في المحادثات، لكن لا يمكنني القول إنها تتدخل في الشؤون الفلسطينية".

وردا على سؤال حول الاختلاف بين الوساطة المصرية والوساطة التركية، قال المصدر: "المحادثات في مصر تجري في مبنى تابع لجهاز المخابرات بمشاركة مسؤولي المخابرات المصريين، وقد فضلت مصر فتح دائما".

وأضاف: "لا تشارك وزارة الخارجية المصرية في المحادات الفلسطينية، وذلك لأن مصر تنظر إلى فلسطين على أنها قضية أمنية وليست سياسية، ومن جهة أخرى، عُقدت المحادثات في تركيا في القنصلية الفلسطينية في إسطنبول، ولا شك أن تركيا لها نفوذ على العملية، لكن المسؤولين الأتراك لم يحضروا المحادثات، علاوة على ذلك، ليس لدى تركيا نفس القدر من الإلمام بالتفاصيل مثل مصر".

وأشار المصدر إلى أن مصر لم تظهر أي رد فعل سلبي على المحادثات، ويبدو أنها أعطتها الضوء الأخضر، وقال المصدر: "يمكن لمصر إغلاق معبر رفح الحدودي مع غزة إذا رغبت في ذلك، لكننا نرى أنها فتحت المعبر منذ عدة أيام".

وسافر فريق "فتح" إلى قطر قادما من إسطنبول، وسيتوجه بعد ذلك إلى القاهرة لإطلاع المصريين، ومن المرجح أن تكون مصر قد أعطتهم الضوء الأخضر، فلن تمضي فتح قدما بمفردها".

وفي حديثه بعد اجتماع مع "خالد مشعل" في الدوحة في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، قال "الرجوب" إن "فتح" اتخذت قرارا استراتيجيا لتحقيق مصالحة وطنية مع "حماس" على أساس الشراكة السياسية.

ومع ذلك، بدا أن القيادي في "حماس"، "حسام بدران" أثار بعض الشكوك حول الإجماع، حيث قال في نفس اليوم إن "البيانات المتداولة حول الاتفاقات والجداول الزمنية غير صحيحة"، وأضاف أن "الحوار مع فتح ليس بديلا عن حوار وطني شامل، بل هو تحضير له".

وبحسب مصدر فلسطيني آخر، انزعجت عدة فصائل من إعلان خارطة الطريق التي يتم وضعها في إسطنبول لأنها توحي بأن العملية السياسية الفلسطينية هي قضية بين "فتح"، و"حماس" فقط.

وقال المصدر لـ"المونيتور": "تجاهل الفصائل الأخرى هو أمر تفضله تركيا أيضا، لأنها على علاقة جيدة مع كل من فتح وحماس".

وتمثل العلاقات مع "حماس" الجانب الصعب من سياسة تركيا تجاه إسرائيل، بينما تمثل العلاقات مع "فتح" الجانب التصالحي تجاهها، لكن الحوار الوطني يجب أن يشمل الجميع.

وتشعر العديد من الفصائل الفلسطينية، ولا سيما الفصائل اليسارية، مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بالغضب من أن سياسة أنقرة تجاه القضية الفلسطينية تعتمد على "حماس" بشكل رئيسي.

ولكن مع تزايد الضغط على الفلسطينيين بسبب التطورات الإقليمية، فإن الاعتراضات على رعاية تركيا تتراجع.

وتعمق اليأس الفلسطيني بسبب سلسلة من التحركات الأمريكية، بدأت بنقل السفارة إلى القدس، وخفض المساهمات لهيئات الأمم المتحدة التي تساعد الفلسطينيين مرورا بـ "صفقة القرن" سيئة السمعة، وما تلاها من اعتراف إماراتي وبحريني بإسرائيل.

وفوق كل ذلك، توجد تكهنات تدور حول خطط الإمارات لدعم القيادي المفصول من "فتح"، "محمد دحلان" ليصبح الرئيس الفلسطيني القادم.

ويعتقد المراقبون الفلسطينيون أن "دحلان" لديه فرصة ضئيلة في أن يتم انتخابه، لكن لاتزال عودة "دحلان" نتيجة للضغط الإماراتي السعودي احتمالا غير مستبعد.

كما أن الصمت الأمريكي والإسرائيلي على محادثات إسطنبول لافت للنظر أيضا.

وكان رد فعل واشنطن قاسيا عندما استضاف "أردوغان" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، "إسماعيل هنية" برفقة "العاروري" في إسطنبول في 22 أغسطس/آب الماضي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية "مورجان أورتاجوس" إن "كلا القائدين من حماس تم تصنيفهما كإرهابيين عالميين بشكل خاص"، وحذرت من أن "تواصل الرئيس أردوغان المستمر مع هذه المنظمة يعمل فقط على عزل تركيا عن المجتمع الدولي".

وبالنسبة لـ"العاروري"، الذي كان مسؤولا عن العمليات المسلحة لحركة "حماس" في الضفة الغربية وهناك مكافأة قدرها 5 ملايين دولار على رأسه، فإنه يقيم حاليا في لبنان بعد أن أمضى بعض الوقت في قطر وتركيا منذ إطلاق سراحه من سجن إسرائيلي عام 2010.

وكثيرا ما أثارت إسرائيل مخاوف بشأن إيواء تركيا لمقاتلي "حماس"، حيث أصبحت إسطنبول قاعدة بارزة لـ"حماس" في الخارج.

وفي الشهر الماضي، اتهمت إسرائيل أنقرة بمنح جوازات سفر للعشرات من أعضاء الحركة، وقد لا يستمر صمت اللاعبين الرئيسيين بشأن دور تركيا في المصالحة الفلسطينية طويلا.

وقد أثر الخلاف بين تركيا والمحور السعودي - الإماراتي - المصري، وكذلك التوترات بين دول الخليج وإيران، بشكل مباشر على الفلسطينيين، ما أدى إلى كسر الإجماع العربي حول إسرائيل، لذلك فإن الفلسطينيين مضطرون إلى التفكير خارج الصندوق لحشد الدعم لقضيتهم، لكن لا يمكنهم أبدا تجاهل مصر.

وتعاني الضفة الغربية وقطاع غزة من ضائقة مالية شديدة، ولا تستطيع السلطة الفلسطينية دفع رواتب الموظفين بالكامل، فيما تعتمد غزة على المساعدة من قطر.

وربما دفع النظام الجديد في الشرق الأوسط الفلسطينيين لتعميق علاقاتهم مع تركيا وقطر، لكنه بالكاد يسمح لهم بتشكيل تحالفات كما يحلو لهم.

وباستثناء "حماس"، ما زال العديد من الفصائل الفلسطينية حذرا من تدخل تركيا، وقد تقدر "فتح" قطر كداعم مالي، لكن الدوحة ليست في وضع يسمح لها بمقاومة جميع أنواع الضغوط من الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج.

وبشكل عام، فإن أي توقع بتوسيع كبير لوساطة تركيا والدعم المالي القطري قد يكون في غير محله، فقد أظهرت الأزمة السورية والأزمة الخليجية لـ"حماس" كيف أن ارتباطها بمحور إقليمي واحد في حروب النفوذ الإقليمية يمكن أن يدفعها إلى الانجراف من عاصمة إلى أخرى.

ويعلم الفلسطينيون أن قطع علاقاتهم مع مصر والخليج والاعتماد على تركيا وقطر فقط لن يكون بلا عواقب.

المصدر | فهيم تستكين | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القضية الفلسطينية الوساطة التركية الوساطة المصرية حركة حماس حركة فتح

اجتماعات إسطنبول.. هل تكون تفاهمات حماس وفتح مختلفة هذه المرة؟

ضغوط خليجية مصرية أردنية لعرقلة مصالحة فتح وحماس وتعطيل إجراء الانتخابات الفلسطينية

بعد 14 عاما.. لماذا وافق الفلسطينيون أخيرا على إجراء الانتخابات؟

حماس والجهاد: استكمال بحث المصالحة قريبا في القاهرة

حماس تجري مباحثات جديدة في موسكو بشأن المصالحة