بعد 14 عاما.. لماذا وافق الفلسطينيون أخيرا على إجراء الانتخابات؟

الاثنين 5 أكتوبر 2020 01:25 م

بعد مرور 14 عاما على فوز حركة "حماس" بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، قد يعود الفلسطينيون أخيرا إلى الانتخابات كآلية لحل خلافاتهم وتقديم قيادة وطنية شرعية موحدة.

وفي مؤشر على إحراز تقدم نحو المصالحة، التقى القادة الفلسطينيون شخصيا وعبر الهاتف في 3 سبتمبر/أيلول، وتعهدوا بمعالجة التهديدات التي تتعرض لها الحركة الوطنية الفلسطينية.

وحدد رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" 5 أسابيع لحل جميع الخلافات. والأهم من ذلك، أن اجتماعا استمر يومين في إسطنبول بين ممثلي "فتح" و"حماس" أشار إلى أن الجانبين اتفقا على تسوية خلافاتهما العالقة من خلال الانتخابات العامة.

وفي حين تم الاتفاق على خارطة طريق مفصلة للمصالحة قبل ذلك، كانت هناك حاجة إلى الإرادة السياسية من الفلسطينيين وراعٍ أجنبي لإنجاز المشروع.

وبعد أن دعمت مصر والسعودية خطوة التطبيع الإماراتية والبحرينية، أصبح الفلسطينيون مصممين على تحقيق المصالحة بينهم.

ولكن يبدو أنهم لم يريدوا أن يمنحوا أي دولة عربية بشرف استضافة المحادثات وتوجهوا إلى تركيا لإعلان قرارهم من أجل منع الدول العربية من المشاركة في الحدث.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن الرئيس "عباس"، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر/أيلول، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى قريبا.

ولطالما كانت الانتخابات مصدر توتر بين "حماس" و"فتح". وفي يناير/كانون الثاني 2006، أعطت الانتخابات قائمة "حماس" للإصلاح والتغيير، برئاسة "إسماعيل هنية"، 75 من أصل 130 مقعدا في المجلس. ونتيجة لذلك، لم يكن أمام "عباس" خيار سوى تكليف "هنية" بتشكيل الحكومة، بالرغم من استمرار رفض "حماس" قبول شروط اللجنة الرباعية الدولية، المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، بما في ذلك الاعتراف بـ(إسرائيل) ونبذ العنف.

وأدى الحصار الدولي الذي استمر لمدة عام على السلطة الفلسطينية إلى شل حكومة "هنية"، ما أجبر "حماس" على تشكيل حكومة وحدة مع حركة "فتح" التي يتزعمها "عباس" في فبراير/شباط 2007.

ومع ذلك، لم تدم حكومة الوحدة الوطنية طويلا؛ حيث اندلعت اشتباكات بين "فتح" و"حماس" في الشوارع.

وفي يونيو/حزيران 2007، أطاحت "حماس" بالقوات الموالية لـ"عباس" وسيطرت على قطاع "غزة". وردا على ذلك، عينت القيادة التي تتخذ من رام الله مقرا لها رئيس وزراء آخر، وهو المفاوض "سلام فياض"، وأعلنت غزة قطاعا منشقا.

ومنذ هذا المأزق، لم يتم إجراء أي انتخابات للمجلس التشريعي أو الرئاسة وظلت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطات مختلفة.

محاولات المصالحة

وفي السابق، فشلت محاولات الجانبين للمصالحة بالرغم من التوصل إلى اتفاقات في القاهرة أعوام 2011 و2012 و2014، وفي مكة عام 2007، وفي غزة عام 2014، من خلال مفاوضات يقودها دائما عضو المكتب السياسي لحركة حماس "موسى أبو مرزوق" وعضو اللجنة المركزية لفتح "عزام الأحمد".

وقد ركزت جهود المصالحة هذه على 3 قضايا رئيسية، وهي نزع سلاح "حماس" في غزة، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، ومتى وكيف تجري انتخابات جديدة.

وطالبت منظمة التحرير الفلسطينية بـ"سلاح موحد" للشعب الفلسطيني تحت رعاية أجهزتها الأمنية كجزء من المفاوضات. ومن جانبها، لم تكن حماس مستعدة للتخلي عن "سلاح المقاومة"، قائلة: "طالما كان هناك احتلال صهيوني للأرض الفلسطينية، يحق لشعبنا امتلاك سلاحه".

وبينما تقول "حماس" إن أسلحتها تستخدم ضد (إسرائيل)، رأت منظمة التحرير الفلسطينية كيف يمكن قلبها ضد قواتها.

وما أثار استياء منظمة التحرير الفلسطينية، أن "حماس" تطمح إلى تكرار نموذج "حزب الله"، والعمل في الوقت نفسه كحزب سياسي ومنظمة شبه عسكرية.

علاوة على ذلك، من الواضح أنه لن تتحمل (إسرائيل) ولا الولايات المتحدة أي دور شرعي لحركة "حماس".

وكان إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، التي تشرف على السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني، نقطة خلاف رئيسية أخرى في المفاوضات.

وبحسب مصادر، كانت حماس قد طالبت سابقا بحق تعيين 40% من المندوبين في جميع هيئات منظمة التحرير الفلسطينية كشرط مسبق للانضمام إلى منظمة التحرير.

ولم يعد هذا المطلب أحد شروط "حماس" للمصالحة، لكن من المرجح أن تسعى الحركة إلى إصلاحات أخرى لتخفيف قبضة "فتح" على السلطة.

ومن المؤكد أن مقترح الإصلاح سيركز على قضيتين رئيسيتين، أولا، إعطاء رأي لجميع الفلسطينيين في وضع استراتيجية وتكتيكات التحرر الوطني، وثانيا، تغيير طريقة اختيار المندوبين من الشتات إلى الهيئات التشريعية الفلسطينية عندما يتعذر إجراء الانتخابات في بلدان إقامتهم.

وكانت هذه العملية اعتباطية في الماضي حيث تملأ "فتح" المقاعد بمؤيديها.

وقد تكون الانتخابات الجديدة أفضل طريقة للخروج من المأزق؛ لأنها ستبدد الشكوك حول من يتمتع بالشرعية التشريعية والتنفيذية.

وتعتقد دوائر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله أن الجمهور سيرفض "حماس" في صناديق الاقتراع، بعد أن تعلم الكثير عن أسلوبها في الحكم من التجربة.

وفي حين أن هذا قد لا يعني فوز "فتح" في انتخابات جديدة، إلا أن فوز "حماس" الساحق يبدو بعيد الاحتمال. وبينما قد يتفوق بعض المستقلين في الأداء على كلا الفصيلين، فإن هذه النتيجة ستكون مقبولة من حركة "فتح" العلمانية.

ومع ذلك، حتى الآن، لم يكن أي من الطرفين على استعداد للمخاطرة بإجراء انتخابات قد تجردهما من سلطتهما على الأراضي التي يسيطران عليها، "فتح" في الضفة الغربية و"حماس" في غزة.

كما أصرت "حماس" على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في آن واحد، لكن الرئيس "عباس" رفض ذلك وأصر على أن تسبق الانتخابات التشريعية الانتخابات الرئاسية.

وأراد "عباس" المرونة لإجراء تعديلات إذا أظهرت الانتخابات التشريعية ميل الناخبين تجاه "حماس". وفي مثل هذا السيناريو، سيكون قادرا على تغيير استراتيجيته وربما التمسك بالرئاسة على الأقل.

مشكلة خلافة الرئاسة

وعلى مدى الأعوام الـ14 الماضية من الجمود، كان هناك قلق آخر يلوح في الأفق، وهو ماذا سيحدث عندما يتوفى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "محمود عباس"، البالغ 84 عاما؟ ومن المحتمل أن تكون المخاوف بشأن الفوضى التي قد تنشأ وغياب خطة قانونية واضحة للخلافة أحد العوامل الدافعة وراء تجدد اهتمام الطرفين بإجراء الانتخابات.

وحتى الآن، لا تزال سيناريوهات الخلافة الرئاسية غامضة بالرغم من وجود إطار دستوري واضح إلى حد ما. ووفقا للقانون الأساسي الفلسطيني، الذي يعمل كدستور بحكم الأمر الواقع، إذا كان الرئيس غير قادر على القيام بمهامه، فإن رئيس المجلس التشريعي يتولى منصب الرئيس لمدة 60 يوما حتى إجراء الانتخابات الرئاسية.

وهذا بالضبط ما حدث بعد وفاة "ياسر عرفات" في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، عندما تولى "روحي فتوح"، زعيم "فتح" في غزة ورئيس المجلس التشريعي، منصب الرئيس المؤقت حتى انتخاب "عباس" خليفة لـ"عرفات".

لكن منذ يناير/كانون الثاني 2006، تولى منصب رئيس المجلس التشريعي "عزيز الدويك". ومع استمرار التوترات بين الفصائل وتدهور صحة "عباس"، أصبحت فكرة الانتقال بدون انتخابات مثيرة للقلق.

فهل يصبح عضو في "حماس" رئيسا مؤقتا بعد وفاة "عباس"؟

في أوائل عام 2012، ساعدت (إسرائيل) "عباس" باعتقال "الدويك" بتهمة "التورط في أنشطة إرهابية"، قبل الإفراج عنه في يونيو/حزيران من العام نفسه.

وليس من المؤكد كيف سيكون رد فعل (إسرائيل) والمجتمع الدولي في المستقبل إذا بدا أن أحد قادة "حماس" مستعد لتولي الرئاسة المؤقتة.

ولتجنب مثل هذه النتيجة، حل "عباس" رسميا المجلس التشريعي الفلسطيني في ديسمبر/كانون الأول 2018، وعين محكمة دستورية من القضاة الموالين.

وفي غضون ذلك، كانت شرعية "عباس" موضع تساؤل منتظم من قبل كل من الأصدقاء والأعداء. وأصر "عباس" على أنه في حالة إجراء الانتخابات، فلن يكون لديه خطة لخوض الانتخابات مرة أخرى. كما رفض فكرة تعيين نائب للرئيس، وفضل السماح للشعب باختيار خليفته.

وإلى جانب مسألة الخلافة الرئاسية، سرّعت عدة عوامل داخلية وخارجية الجهود الحالية نحو المصالحة، والتي قد تؤتي ثمارها في الأسابيع المقبلة.

الدوافع الداخلية

لا تزال "حماس" تعاني من العبء الثقيل لإدارة قطاع غزة دون أي مصدر دخل جدي.

وتتلقى السلطة الفلسطينية وتدير وتوزع قسما كبيرا من المساعدات الخارجية الموجهة إلى الشعب الفلسطيني. ولم تتمكن "حماس" من الوصول إلى هذه الأموال، ومن المرجح أن تظل كذلك ما دامت الحركة غير متفقة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد ذهبت العديد من الدول التي تصنف "حماس" على أنها "جماعة إرهابية" إلى حد قطع المساعدات عن المنظمات الإنسانية في غزة خوفا من تحويل الموارد لدعم الأنشطة المسلحة.

على سبيل المثال، في عام 2016، توقفت أستراليا عن المساهمة في برامج غزة لمنظمة "وورلد فيجن" غير الحكومية بعد اتهامات من وكالة الأمن الإسرائيلية بأن العديد من موظفيها كانوا يساعدون ويحرضون على الأنشطة المسلحة التي تقوم بها "حماس".

وبالرغم أن هذا الاتهام قد تم دحضه تماما من قبل فريق تحقيق أسترالي ومن قبل "وورلد فيجن" نفسها، إلا أن التعليق المؤقت للمدفوعات كان له أثره.

وفي بعض الأحيان، شجعت (إسرائيل) قطر على إرسال أموال للمساعدة في منع سكان غزة من الغضب والإحباط، لكن السكان بحاجة إلى مصدر تمويل أكثر موثوقية.

ومن خلال المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ربما تأمل "حماس" في الوصول إلى المساعدات التي يتم توجيهها عبر السلطة الفلسطينية، وصقل السمعة الدولية التي حرمتها حتى الآن من المساعدات الخارجية.

ويعد الدافع الداخلي الآخر هو الشراكة العامة الجديدة بين قادة "فتح" و"حماس"، وعلى الأخص "جبريل الرجوب"، أمين سر حركة فتح ورئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية والخليفة المحتمل لـ"عباس"، و"صالح العاروري"، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي يتنافس على المنصب الأعلى في "حماس" مع اقتراب الانتخابات الداخلية.

وكان "الرجوب" و"العاروري" صديقين لأعوام في السجون الإسرائيلية وحافظا على علاقة وثيقة. وفي يوليو/تموز، أعلن "الرجوب" و"العاروري" عن جهودهما وراء الكواليس في مؤتمر صحفي افتراضي عُقد في وقت واحد في رام الله وبيروت. ومع نضوج جهود المصالحة، أصبح من الواضح أن المفاوضات بين الفلسطينيين قد تؤتي ثمارها قريبا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تعاونهما.

وبينما كانت "حماس" تصارع عبء إدارة غزة، كانت "فتح" تواجه مشكلة من نوع مختلف. وكان مستشار الأمن القومي السابق للسلطة الفلسطينية "محمد دحلان"، الذي يقيم في الإمارات منذ عام 2011، يثير موجات من الاضطراب.

وأصبح أنصار "دحلان" في القدس وغزة أكثر صخبا، وأطلقوا على أنفسهم اسم "الجناح الإصلاحي" داخل فتح. وبينما لم تتمكن القوات الأمنية المتمركزة في رام الله من العمل في القدس أو غزة، فقد سجنت عددا من أنصار "دحلان" في الضفة الغربية.

ويشعر "عباس" بعداوة شخصية تجاه "دحلان"، الذي اتهمه بتسميم رئيس السلطة الفلسطينية السابق "عرفات". وقد دفع هذا التنافس الرئيس الفلسطيني إلى الضغط من أجل تشويه سمعة "دحلان" علانية ومنعه من العودة بسبب إدانته بتهم الفساد الموجهة غيابيا.

وفي حين أن "الرجوب" قد حط من قدر "دحلان" في الماضي، فمن المرجح أن يتخذ موقفا أكثر تصالحا من موقف "عباس".

وفي الواقع، كان "دحلان" نائب "الرجوب" في الأعوام الأولى من عملية أوسلو عندما كان رئيس الأمن الوقائي.

وبالرغم من أنه من غير الواضح كيف سيتعامل "الرجوب" مع "دحلان" بمجرد أن يصبح رئيسا، فقد قدم تلميحا خلال مقابلة مع تلفزيون فلسطين.

وقال إن الانتخابات التشريعية والرئاسية ستجرى في غضون 6 أشهر ولن يكون هناك فيتو على أي فصيل أو فرد. وفسر ذلك كثيرون على أنه غصن زيتون يمده لـ"دحلان"، خاصة وأن "فتح" بحاجة لأنصاره وأموال الإمارات في الانتخابات المقبلة.

الدوافع الخارجية

وكان التغيير الخارجي الأكبر هو تخلي إدارة "ترامب" عن المواقف الأمريكية التقليدية بشأن القدس والمستوطنات والاحتلال وحل الدولتين.

كما اتخذت الولايات المتحدة قرارا أحاديا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأعلنت عن خطة أحادية الجانب، تم وضعها دون تشاور مع القادة الفلسطينيين، تدعو إلى ضم 30% من الضفة الغربية إلى (إسرائيل).

وشمل ذلك القدس بأكملها ووادي الأردن وكل مستوطنة في الضفة الغربية. وأعطت الخطة، التي تضمنت خرائط تفصيلية، (إسرائيل) سيطرة أمنية كاملة على المعابر الحدودية، واستبدلت أراض فلسطينية قيمة بقطع أراضي في الصحراء.

كما عاقبت الولايات المتحدة فلسطين على المستوى الاقتصادي بقرارها قطع المساعدات عن الأونروا ومستشفيات القدس وبرامج البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية.

وأدى التحرك الأخير من قبل دول الخليج العربي لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) إلى تسريع عملية المصالحة، حيث تم اعتبار ذلك تهديدا وجوديا للحركة الوطنية الفلسطينية.

وقد تتزامن الانتخابات المقبلة في فلسطين مع إدارة جديدة أقل عدائية في الولايات المتحدة، حيث من المقرر أيضا إجراء انتخابات أمريكا في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.

وإذا حدثت الانتخابات والوحدة، فإن الموقف الفلسطيني في المفاوضات مع أي إدارة أمريكية مستقبلية سيكون أكثر شرعية وأقوى من تمثيلهم الحالي المنقسم.

والسؤال الآن هو ما إذا كانت هناك وسيلة لتحقيق سياسة فلسطينية موحدة وقيادة جديدة خلال الأشهر الـ 6 المقبلة.

المصدر | داوود قطب - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المصالحة الفلسطينية حركة حماس حركة فتح

اجتماعات إسطنبول.. هل تكون تفاهمات حماس وفتح مختلفة هذه المرة؟

قيادي فلسطيني: القاهرة تحتضن اجتماع قادة الفصائل المقبل