تسجيل صوتي لمعتقل مصري قبل إعدامه.. ماذا قال؟

الأحد 4 أكتوبر 2020 08:51 ص

كشف معتقل مصري نفذت فيه سلطات السجن حكم الإعدام، السبت، تفاصيل يوميات "الإذلال والتنكيل" الذي تعرض له داخل محبسه منذ اعتقاله.

جاء ذلك في تسجيل صوتي لـ"ياسر الأبصيري" نشره موقع "عربي 21"، بعد تسريبه من دخل المعتقل قبل فترة من تنفيذ حكم إعدامه الذي تم السبت، كاشفا بعضا من التفاصيل والأحداث التي مر بها داخل زنزانته، والظروف القاسية التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون داخل سجن برج العرب في محافظة الأسكندرية (شمال).

وقال "الأباصيري" في التسجيل: "أنا مُعتقل سياسي صدر ضدي حكم نهائي بالإعدام، بتهمة التظاهر، والانضمام لجماعة. وأنا محبوس في زنزانة تبلغ مساحتها نحو مترين في مترين، ومعي فردان بداخلها، وكل شخص معه نحو أربعة بطاطين نقوم بفرشها على الأرض".

وأضاف: "كل شخص ينام على مساحة 65 سنتيمترا تقريبا، وأنا أنام في المنتصف، وأضع على يميني ويساري كرتونة ورقية حتى نتفادى الأمراض، خاصة أننا ننام جميعا ملتصقين ببعضنا البعض، وتكاد تكون أجسادنا متلاصقة تماما".

وتابع المعتقل المصري: "نقوم بتعليق ملابسنا في أعلى الزنزانة على شيء اسمه (سحورة)، وهي عبارة عن ثقب في حائط الزنزانة، ونضع فيه كل شيء من ملابس أو أدوات الطعام والنظافة أو الدواء، ونحاول أن نرتب متعلقاتنا فيه".

وزاد: "نحن ثلاثة أشخاص من ذوي أعمار متقاربة، وكل فرد منا لديه طبيعة خاصة وصفات بعينها، ونحاول أن نتحمل بعضنا البعض، ونهون على بعضنا البعض، ونشحذ همم بعضنا البعض، خاصة أننا نظل داخل الزنزانة لمدة 23 ساعة يوميا".

ولفت "الأباصيري" إلى أنهم يخرجون للتريض ساعة واحدة فقط في اليوم في مكان يُسمى "الأنبوبة"، وهو مكان مُغلق وضيق جدا طوله يبلغ نحو 24 مترا وعرضه نحو متر و60 سنتيمترا، مضيفا: "نتنفس الصعداء حينما نخرج تلك الدقائق، وكأنك تعطي الأكسجين لشخص كاد أن يموت ليبقى على قيد الحياة، إلا أنك سرعان ما تحرمه من هذا الأكسجين".

واوضح أن عدد المحبوسين داخل السجن الذي يقبع فيه كبير جدا، سواء كانوا سياسيين أو جنائيين، ويعانون من تكدس خانق، ما يصيب الكثير منهم بأمراض مختلفة، خاصة في فصل الصيف.

ونوه "الأباصيري" في التسجيل المسرب، إلى أن "إدارة السجن تقوم بإخراج المحبوسين في ساعة التريض على مراحل وبالتناوب في أوقات مختلفة، ويخرج 24 معتقلا في كل مرة، لأنه من المستحيل أن يخرج جميع المعتقلين في وقت واحد".

وعن برنامجه اليومي داخل الزنزانة، قال: "نستيقظ في حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة صباحا، ونصلي الضحى ثم نخرج للتريض ثم نعود إلى الزنزانة لتناول الإفطار، وبعد ذلك نصلي الظهر (..) وبعدها، نظل نقرأ القرآن أو ندخل في نقاش حول أي موضوع حتى يأتي موعد صلاة العصر، ونتسامر قليلا بيننا، وبعد ذلك نتناول وجبة الغذاء ثم ننتظر حتى تحين صلاة المغرب".

وتابع: "كل مُعتقل له ورد يومي يلتزم به، وقد نقرأ القرآن معا بشكل جماعي، وبعد ذلك نصلي العشاء ثم نعود لقراءة القرآن مُجددا، وهناك مَن يقوم بالحفظ وآخر يقوم بالتسميع، ونقوم بتعليم ومساعدة بعضنا البعض".

وزاد: "ثم ننتظر قليلا في المساء، وبعد ذلك نخلد إلى النوم، ونستيقظ قبل صلاة الفجر بقليل لنصلي صلاة القيام وتلاوة بعض الأذكار حتى صلاة الفجر، وبعدها نخلد إلى النوم".

وعن زيارات أهالي المعتقلين، قال المعتقل الراحل: "إذا ما سمحوا لنا بذلك نخرج لأهالينا ونحن مقيدو اليدين بالكلبشات (قيود حديدية)، ونجلس معهم نصف ساعة أو ساعة على الأكثر، وهذه الزيارة تكون مرة واحدة في الشهر أو مرتين على الأكثر وعلى سبيل الاستثناء الذي نادرا ما يتكرر".

وأكمل: "بالطبع لا نستطيع أن نحضن أطفالنا أو أهالينا خلال دقائق الزيارة المعدودة بسبب القيود والأغلال التي تكون في أيدينا، ولا يخفى على أحد كمّ المضايقات والتضييقات والإهانات التي نتعرض لها نحن وأهالينا خلال تلك الزيارة".

وأشار إلى أن "النساء اللائي يحضرن لزيارة المعتقلين يتعرضن أحيانا للتحرش اللفظي والجسدي من قبل أفراد الشرطة، خاصة في ظل التفتيش الذاتي الشديد لهن بالأيدي، فضلا عن منع إدخال الكثير من الأطعمة بزعم أن السجن يصرف لنا كل يوم تلك الأطعمة، التي غالبا ما تكون سيئة ولا تصلح للأكل".

أما بالنسبة للعلاج والمرضى والمستشفى، فأكد "الأباصيري" أن طبيب السجن يمر عليهم كل فترة، وإذا ما وجد أن معتقلا تستدعي حالته الذهاب للمستشفى فيخرج هذا المعتقل لمستشفى السجن لكن بصعوبة كبيرة، وبالطبع يذهب وهو مُقيد اليدين، "ونُصدم أحيانا بعدم وجود أطباء داخل المستشفى".

وتابع: "حينما يكون هناك سجين في وضع صحي سيء جدا يقوم جميع المعتقلين بالطرق بشدة على أبواب الزنازين حتى يسمع حرّاس السجن صراخنا ويستجيبوا لنداءاتنا بضرورة نقل هذا المعتقل إلى المستشفى، وأحيانا يسمع الحرّاس طرقنا على الأبواب وصراخنا دون رد أو استجابة، ويتعمدون تجاهل نداءاتنا".

أما إذا ما استجابوا لنا، والحديث لـ"الأباصيري"، فيقوم أفراد الشرطة بإبلاغ ضابط السجن وإدارة السجن بحالة المعتقل حتى يتم إحضار مفاتيح الزنزانة، وإبلاغ ممرض وطبيب السجن، وهذا الأمر قد يتجاوز أكثر من ساعة.

وأضاف: "على قدر الصرخات والطرق على الأبواب تكون السرعة والاستجابة (..) وأحيانا لا تكون هناك أي استجابة من الحرّاس على الإطلاق، ويظل المُعتقل المريض يعاني من مرضه حتى الصباح مهما كانت شدة الألم".

وتابع: "حينما نخرج للتريض في صباح اليوم التالي نحاول جاهدين وبكافة الطرق الممكنة كي نجعلهم يأخذونه للمستشفى لعلاجه بسرعة".

وبالنسبة للتفتيش الحكومي الذي يحدث داخل السجن، حكى "الأباصيري": "يتم ذلك من وقت إلى آخر بشكل مفاجئ؛ حيث نفاجأ صباح يوم ما بفتح الزنزانة علينا ليقولوا لنا إن هناك تفتيشا فنخرج من الزنزانة، ويتم تفتيشنا ذاتيا بالأيدي ثم يدخل أفراد الأمن ليقوموا بتفتيش الزنزانة وقلبها رأسا على عقب (بطاطين أو ملابس أو أدوية ويفتشون أيضا عن أي هواتف محمولة أو أي نقود مالية أو ملابس مخالفة للسجن)".

ووصف الزنزانة بعد التفتيش بأنها تكون "في حالة دمار كامل"، وقال: "قم يقوم كل معتقل بالبحث عن ملابسه ومتعلقاته، ثم نحاول ترتيب الأمور من جديد لتنظيم وترتيب الزنزانة، وبعدما ننتهي من ذلك نكون في حالة إرهاق وتعب شديد، وهذا الأمر يتكرر كل فترة".

واستطرد قائلا: "قد يكون هناك تفتيش من مصلحة السجون، وهذا يكون أمرا آخر ومختلفا تماما؛ ففي معظم المرات يأخذون كل شيء داخل الزنزانة، ويتركون لنا أشياء بسيطة للغاية من متعلقاتنا، وهذا يحدث كل ثلاثة أشهر تقريبا".

وبالنسبة للتعامل مع حرّاس السجن، قال "الأباصيري"، إن "هناك مجموعة من المُخبرين (أفراد شرطة) يديرون كل شيء داخل السجن، وهؤلاء عبارة عن آلات لتنفيذ أوامر الضباط فقط، دون أي مشاعر إنسانية".

وحكى "الأباصيري"، خلال التسجيل، أنه كان في إحدى المرات مريضا وطلب من أحد المخبرين في الصباح الحصول على العلاج والذهاب إلى المستشفى، وقد تجاهل طلبه ثم أتى له في نهاية اليوم وقال له إنه سعى لتوفير العلاج له، ففرح "الأباصيري" كثيرا وشكره على ذلك، إلا أنه عاد وقال له: "لكن الصيدلية كانت مُغلقة وستنتظر حتى الغد!".

وحينما أخبره "الأباصيري" بسوء وتدهور حالته الصحية، آنذاك رد عليه المُخبر مستنكرا وساخرا: "ماذا أفعل لك؟ لتنتظر للغد أو حتى بعد غد!".

وقال: "كل شيء هنا داخل السجن يتم إنهاؤه بما يسمى البونات التي تحل محل النقود، والتي نضعها في الأمانات لنشتري بها أشياء من كافتيريا السجن، والأسعار التي نشتري بها دائما تكون أغلى من الأسعار خارج السجن بـ25% تقريبا".

وتابع: "أي شيء موجود داخل الكافتيريا يُمنع إدخاله لنا تماما في الزيارة حتى نضطر لشرائه لاحقا من داخل السجن".

واستطرد قائلا: "كما أن أي إصلاحات أو متطلبات للزنزانة تكون على حساب المعتقلين، فعلى سبيل المثال لو حدثت أي أعطال في السباكة أو الكهرباء (إصلاح اللمبات على سبيل المثال) أو أي شيء آخر فإنه يتم إصلاح ذلك على حسابنا الشخصي (..) لا شيء يحدث مجانا رغم أنها أشياء أساسية من المفترض أن تتحمل نفقاتها إدارة السجن".

ونوّه إلى أن هناك تعنتا شديدا ورفضا تاما في الاستجابة لأي مطلب من مطالب المعتقلين السياسيين من قبل ضباط السجن الذين يرجعون دائما إلى ضابط جهاز الأمن الوطني في أي شيء يتعلق بهم، وذلك في أي أمر يتعلق بالإجراءات القانونية الخاصة بهم مثل إصدار توكيل لأهالي المعتقلين أو نقلهم من زنزانة لأخرى أو ما شابه، وحينما يخاطبون ضابط الأمن الوطني يتم رفض كل طلباتهم؛ فلا أحد يفعل أي شيء بالنسبة للمعتقلين السياسيين".

واختتم "الأباصيري" تسريبه الصوتي بالقول: "هذه هي حياتنا أو مواتنا داخل المعتقلات، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وندعو الله أن يفرج عنا قريبا".

يشار إلى أن السلطات المصرية، نفذت السب حكم الإعدام في حق "الأباصيري" (49 عاما)، وزميله "ياسر شكر" (45 عاما)، في سجن الاستئناف الشهير بـ"سجن الإعدام" في محافظة القاهرة، على خلفية اتهامهما في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مكتبة الإسكندرية، والتي تحمل رقم 20091 لسنة 2013 جنايات باب شرق، والتي تم تأكيد الحكم نهائيا فيها بتاريخ 15 مايو/أيار 2017.

ويعد حديث "الأباصيري"، توثيقا جديدا لما تم كشفه من منظمات حقوقية دولية ومحلية عدة، تحدثت عن عدم حصول المعتقلين السياسيين في مصر على الحد الأدني من حقوقهم داخل محبسهم، فضلا عن سوء أوضاعهم داخل السجون.

كما تتم المنظمات الحقوقية السلطات، بتعريض العديد من المعتقلين السياسيين في السجون المصرية لخطر الموت، بسبب الإهمال الطبي المتعمد، وغياب الرعاية الصحية التي فاقمتها جائحة كورونا.

وتتقاعس السلطات المصرية عن تقديم الرعاية الطبية اللازمة للحفاظ على حياة السجناء رغم انتشار وباء كورونا في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، وفق المنظمات.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

المعتقلون في مصر سجون مصر السجون في مصر الإهمال الطبي

في سجن العقرب بمصر.. الإضراب عن الطعام فرارا من الموت

مجزرة جديدة لنظام السيسي.. إعدام 15 معتقلا سياسيا في مصر