جيوبوليتيكال: لهذا السبب يواصل الإيرانيون تمسكهم بمشروعهم النووي

الأحد 4 أكتوبر 2020 06:05 م

تعتبر القومية قوة جبارة في الوعي السياسي لإيران. ولكن في القرون الأخيرة، أدت الهزائم العسكرية والاحتلالات الخارجية والتدخل الأجنبي إلى التقليل من شعور المواطنين بالفخر التاريخي والثقافي. ويعد أحدث الأمثلة على التدخل الأجنبي هي عملية "أجاكس"، وهي مؤامرة أمريكية لإسقاط رئيس الوزراء "محمد مصدق" في عام 1953 بعد أن قام بتأميم شركة النفط الأنجلو-إيرانية. تم تسجيل هذا الحدث كمثال على الهيمنة الغربية وساعد في تحفيز الإيرانيين لاستعادة مجدهم الماضي.

ويعتبر البرنامج النووي الإيراني استمرارا لهذا المسعى الطويل، حيث يعتقد الإيرانيون، بغض النظر عن ميولهم السياسية، أن التحول إلى قوة نووية هو جزء من قصة استقلالهم الوطني ويرون أنهم محاصرون من قبل أعداء انتهكوا سلامتهم الإقليمية مرات ومرات. وحتى لو قبل الإيرانيون اتفاقًا سياسيًا جديدًا يقيد نشاطهم النووي، فمن المحتمل ألا يتخلوا تماما عن هدفهم في أن يصبحوا قوة نووية.

تطور البرنامج النووي

خلال الحرب الباردة، اعتبرت الولايات المتحدة "الشاه" أحد مكونات استراتيجية الاحتواء السوفيتي. كما أن إيران، التي رأت أن الاتحاد السوفييتي هو مصدر التهديد الأمني ​​الرئيسي، كانت في موقع استراتيجي، وشكلت مع تركيا الطبقة الشمالية التي من شأنها منع الاتحاد السوفيتي من التعدي على الخليج العربي الغني بالنفط.

اعترف الشاه بفوائد الشراكة مع واشنطن. وكجزء من برنامج "الذرة من أجل السلام" للرئيس "دوايت أيزنهاور"، وقعت إيران اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة عام 1957. وفي عام 1959، أمر "الشاه" بإنشاء مركز أبحاث نووي في جامعة طهران، وبعد 9 سنوات أصبح المفاعل الذري جاهزًا للعمل. وبدعم أنجلو أمريكي، سعى الشاه إلى جعل إيران قوة إقليمية ووسيطًا أمنيًا في الخليج.

قام الشاه بتوفير الخبرة الفنية واليورانيوم المخصب لتأسيس برنامج إيران النووي. وحتى الإطاحة به عام 1979، تعاونت إيران مع الولايات المتحدة وفرنسا والهند والأرجنتين وجنوب أفريقيا وألمانيا للمساعدة في بناء مفاعل "بوشهر" النووي. وأنفق الشاه 6 مليار دولار لبناء منشآت نووية وخطط لإنفاق 30 مليار دولار أخرى لبناء 20 مفاعلًا نوويًا.

وبلغت الميزانية السنوية لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، التي أسست عام 1974، 1.3 مليار دولار، وهي الثانية بعد شركة النفط الوطنية الإيرانية. وبالرغم من توقيع إيران على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1968، لم يكن هناك شك في أن هدف الشاه النهائي كان تطوير أسلحة نووية.

لم ير الكثير من الإيرانيين، وخاصة سكان الريف الأفقر الذين هاجروا إلى المدن خلال حملة الشاه للتحديث الاقتصادي، أي جدوى من تبديد موارد البلاد النفطية في مثل هذا المشروع الغريب. بعد الثورة، أمر "الخميني"، بتفكيك البرنامج النووي للبلاد وسمح للعلماء الإيرانيين بالهجرة إلى دول أجنبية معتبرا أن "الفقه الإسلامي ينظر إلى تصنيع الأسلحة الذرية على أنه أمر غير أخلاقي".

بدا "الخميني" مقتنعًا بأن ثورته ستنتشر قريبًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولم يتوقع هو والملالي في طهران أن يغزوهم العراق في سبتمبر/أيلول 1980، بالرغم أن إيران كانت تستفز العراق بزرع المتفجرات والقصف عبر الحدود ومحاولة اغتيال كبار المسؤولين وتشجيع الشيعة على قلب النظام البعثي.

وبعد أن رأوا الضرر الذي يمكن أن تحدثه أسلحة الدمار الشامل في الحرب الإيرانية العراقية، ندم القادة على تفكيك البرنامج النووي وتطهير القوات المسلحة بعد الثورة، فكلاهما أضعف البلاد ضد العراق. وخلصوا إلى أنه يجب عليهم إنشاء قدرة عسكرية رادعة تتكون من أسلحة تقليدية وأسلحة دمار شامل.

دمَّرت الحرب إيران وخربت اقتصادها وولدت تصميمًا بين النخبة على امتلاك التكنولوجيا النووية. فقد ظهرت إيران ضعيفة عسكريًا وواجهت صعوبة في تجديد أجهزتها العسكرية التقليدية المستنفدة بمعدات حديثة. لذلك سعت طهران إلى تسريع برنامجها النووي لتحقيق قدرة ردع وتوسيع برنامجها للصواريخ الباليستية لتعويض النقص في الطائرات المتطورة.

في عام 1989، وقعت إيران والاتحاد السوفيتي أول صفقة نووية بينهما. وفي عام 1993، بعد أن رفضت ألمانيا استئناف بناء مفاعل "بوشهر" النووي، أعلن "بوريس يلتسين" أن روسيا ستكمله. لكن منذ تسعينيات القرن الماضي، خفف الإيرانيون من ضغطهم العام من أجل القدرات النووية، مدركين أن المجتمع الدولي عازم على منع إيران من امتلاك قنبلة ذرية.

الدوافع

تقول إيران إن طموحاتها النووية مدفوعة بالحاجة إلى أمن الطاقة، ولكن بالنظر إلى احتياطيات النفط والغاز الهائلة في البلاد، فإن هذه الحجة غير مقنعة. (تكلفة توليد الكهرباء من هذه الإمدادات أقل بـ 20% من تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة النووية).

في الحقيقة، تعتقد إيران أنها بحاجة إلى أن تصبح قوة نووية حتى يُنظر إليها على أنها مساوية لأحد منافسيها، (إسرائيل). كما تريد إيران تحسين موقفها الاستراتيجي بالنسبة إلى تركيا وآسيا الوسطى وباكستان.

تقع إيران على حدود الدول المعادية في آسيا الوسطى وتشترك في حدود سهلة الاختراق مع باكستان في بلوشستان، وتعتقد أن أفضل طريقة للتأمين هي الحصول على قدرات نووية.

بالنسبة للشعب الإيراني، يقطع التاريخ شوطا طويلا في شرح الحاجة إلى برنامج نووي. فمنذ صعود السلالة الصفوية عام 1501، شعرت إيران بالعزلة، وخاصة بعد معركة "الكلدريان" في عام 1514، والتي هزم فيها العثمانيون الجيش الفارسي.

ثم بعد سلسلة من الهزائم على يد روسيا القيصرية، خسرت إيران منطقة القوقاز لصالح الروس بعد توقيع معاهدة "ولستان" عام 1819. وفي القرن العشرين، أصبح ضعف إيران الاستراتيجي أسوأ بعد مواجهة غير متكافئة مع روسيا وبريطانيا العظمى.

وهكذا ينظر الإيرانيون إلى تاريخهم الحديث على أنه تاريخ حافل بالهزيمة والانتهاكات على أيدي القوى الأجنبية، ويتذكرون صفقة امتياز التبغ لعام 1890 (التي منح فيها ناصر الدين شاه شركة بريطانية حق احتكار صناعة التبغ في البلاد مقابل سعر منخفض يبعث على السخرية)، وامتياز "دارسي" 1901 (الذي منح رجل أعمال بريطاني الحق في السيطرة على صناعة نفط البلاد). كما أنهم يتذكرون الاحتلال الروسي لـ"تبريز" عام 1908. ويعتقد الإيرانيون أن امتلاك أسلحة نووية سيحمي البلاد من التدخل الأجنبي في شؤونهم الداخلية في المستقبل.

بالنسبة للمحافظين في إيران، فإن البرنامج النووي ضروري للحفاظ على مكانة إيران الإقليمية. فهم يدركون أن الشرعية التي اكتسبتها إيران من خلال ثورة "الخميني" آخذة في التآكل ويعتقدون أن المواجهة النووية مع الولايات المتحدة تزود النظام بمصدر جديد للشرعية.

مخاوف أمريكية وإسرائيلية

تصر (إسرائيل) على عدم السماح باستمرار البرنامج النووي الإيراني. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اغتال عملاء مرتبطون بالموساد 4 علماء إيرانيين وجرحوا واحدًا آخر.

وفي يوليو/تموز الماضي، دمر انفجار غامض ناجم عن قنبلة أو هجوم إلكتروني، ورشة أجهزة طرد مركزي تنتج اليورانيوم المخصب في منشأة نطنز النووية، على بعد 200 ميل جنوب طهران. وبالرغم من تعهد إيران بإعادة بناء المحطة في أعماق الجبال، إلا أنها كانت بمثابة نكسة كبيرة للبرنامج النووي الإيراني والتي تتطلب عامين على الأقل للتغلب عليها.

انسحبت الولايات المتحدة في مايو/أيار 2018، من الاتفاق النووي الإيراني وأعادت فرض العقوبات المشددة على البلاد.

ويعتقد الرئيس "دونالد ترامب" أن العقوبات ستجبر إيران على تفكيك برامجها النووية والصاروخية وإنهاء دعمها لوكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لكن إيران تستثمر بقوة للصمود. لقد رأى الإيرانيون بلادهم تصمد أمام العديد من التحديات في الماضي ويبدو أنهم يعتقدون أنهم سيثابرون مرة أخرى.

المصدر | هلال خشان/ جيوبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المشروع النووي الإيراني الاتفاق النووي الإيراني العقوبات الأمريكية

آلية فض النزاع.. هل تنجح أوروبا في إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني؟

المعركة الأخيرة حول الاتفاق النووي الإيراني قبل الانتخابات الأمريكية

المعارضة الإيرانية تكشف موقعا نوويا سريا قرب طهران

وكالة الطاقة الذرية: إيران تبني محطة جديدة لأجهزة الطرد المركزي